هل تخيلت يوما مزرعة تمتد رأسيا، أو تمنيت رؤية ناطحة سحاب خضراء لا أسمنتية، أو تصورت ناطحات سحاب تتجه إلى الأسفل، وأشجارا ومزارع تغطي سطح البحر.. بعض هذه الخيالات ما زالت تصاميم على الورق وبعضها أصبح واقعا تحقيقا لما يسمى الآركولوجي arcology أو العمارة البيئية التي ابتكرها الإيطالي باولو سوليري، وهي عبارة عن مدن عملاقة خضراء مكتفية ذاتيا، ساكنها لا يحتاج إلى مغادرتها، وهي صديقة للبيئة ذات كثافة سكانية عالية ومبان متقاربة للتقليل من استخدام وسائل المواصلات والحث على المشي وتستخدم الشمس كمصدر للطاقة.


800px-Battle_of_Lepanto_1571.jpg

ومن هذه المدن مجمع نوح المثلث الشكل على نهر المسيسبي وزيجورات دبي ويتسع لمليون نسمة، وناطحات سحاب خضراء بدل الأسمنتية تسهم في خلق أجواء طبيعية وتقضي على التلوث مثل مشروع مركز مدينة جوانجيو الكورية ويتكون كل طابق فيها من مسطحات خضراء تعمل على تنقية الهواء، ومزارع رأسية منها المزرعة الزجاجية التي ستقام على جزيرة روزفلت الأمريكية، وتعتبر ثورة في عالم الزراعة، حيث يبلغ ارتفاعها 600 متر مكونة 132 طابقا لزراعة مختلف المحاصيل وتربية أنواع مختلفة من الحيوانات لتوفير الغذاء في المستقبل، وتتميز هذه المزرعة الحلم بأنها مكتفية ذاتيا، حيث يتم تدوير المخلفات والمياه وإعادة استخدامها واستخدام الطاقة الشمسية للإضاءة والتدفئة وتنتظر انتهاء الدراسات لترى النور.

800px-Aquaculture_Western_Greece_2004.jpg

وبعد هذا الزحام على اليابسة اتجهت الأنظار إلى البحر ليكون المتنفس الحقيقي للعالم بعد أن ضاقت الأرض بما رحبت فصممت المدن العائمة وزرع البحر بطريقة فريدة تحسبا لظروف تغير المناخ، حيث ستقام أبراج عملاقة تتكون من طوابق مجهزة لتزرع فيها الأشجار ومحميات للمحافظة على الحيوانات جزء منها فوق الماء والآخر تحته لتعمل كمحميات للكائنات البحرية.. آمل أن تتم زراعته قبل تبليطه وتحويله إلى يابسة!

6011cbd08953f531d4b72bb9041174cf.jpg

فما كان حلما وأمرا مستحيلا في الماضي أصبح حقيقة. وأذكر قبل سنوات عندما عرض التلفزيون السعودي (لم تكن القنوات الفضائية موجودة) فيلما قصيرا عن تلفونات المستقبل وكان الرجل يتجول في الشارع حاملا معه هاتفا صغيرا يتحدث من خلاله دون أسلاك، حينها قلت في نفسي هل يمكن أن يحدث ذلك.. واليوم لم يعد هذا يعني شيئا أمام ما وصلت إليه التقنية، فالسيارات والطيارات والقطارات والأنفاق كلها كانت ضربا من ضروب الخيال، ولم تكن موجودة غير في مخيلة قلة من الناس أو في روايات الخيال العلمي ففي القرن الـ 13 الميلادي تخيل الراهب روجر بيكون الناس وهي تركب عربات حديدية مبردة وهذا ما تحقق بعد قرون وكانت السيارات وعربات القطار المكيفة.

ط²ط±ط§ط¹ط© ط§ظ„ط¨طط±.jpg

وفي كتاب للعالم الفرنسي سوفيستر نُشر عام 1845 بعنوان (العالم كيف سيكون) تصّور مدنا بشوارع تحت الأرض (وهذا ما نراه اليوم من أنفاق للمترو) ومصانع آلية تماما كما تخيل أن بالإمكان التحكم بالجو المحيط بنا بأيدينا فكانت المكيفات، وفي رواية "الوليد المرعب" تخيل الإنجليزي آرثر كلارك عام 1970 ظهور البث الفضائي وشبكة الإنترنت وبعد أقل من نصف قرن لا يمكن أن نستغني عن هذه التقنية ولو للحظات .. وحلم اليوم قد يصبح حقيقة الغد، فهل سيأتي يوم نجد السيارات تتسلق البنايات، أو تتحول إلى طائرات أو قوارب في لحظات؟! لا توقفوا أحلامكم عند حد.
المصدر : د. هيا إبراهيم الجوهر - الإقتصادية