الحلقة الخامسة عشره


الحوار في القرآن


العدو الأصيل الآخر في الإسلام الذي تمثل العدائية تجاهه عدائية منهجية هو عدو مغاير للسلالة البشرية العاقلة ، ولكنه عاقل أيضا ، إنه إبليس ، عداء منذ ابتداء النوع إلى يوم القيامة ، ويأمر الله المسلمين باتخاذه عدوا ، ويقرر أن الشيطان هو الذي بدأ هذا العداء ولم يبدأ به أبو البشر ( آدم ) ، وهذا العداء بالطبع غير قابل للتسوية ولا يخضع لقوانين اجتماعية تجعله يخفت أو ينمو ، إنه حالة موازية للوجود البشري ، بصرف النظر عن وعي الفرد بهذا العداء أو حتى إيمانه بوجود الشياطين من عدمه ، هذا هو النضال الرئيس في حياة المسلم الفرد وحياة المسلمين كأمة ، وهو العداء الذي يكفي لإثباته الأدلة النقلية ( النصوص ) .

أما باقي العداوات فالمجتمع المسلم يرصدها بوعيه التاريخي والواقعي ورصده لتضارب المصالح مع الأمم الأخرى ، ويفتح القرآن بابا واسعا للسلم إذا ما مال الأعداء للسلم ، ولا يعني وجود هذه العداوات الأخرى التي تتقرر على أسس من الواقع شن الحرب ، فإذا كان العداء من الآخر لا يشتمل على أي مظاهر عسكرية فإن المسلم مقيد بما يأمر به القرآن الذي يقرر أن الله لا يحب المعتدين ، وهذا يعني بشكل واضح أن المسلم لا يحل له المبادرة بالعدوان ، تسمح التعاليم القرآنية للمسلمين بالإحتفاظ بذاكرة يقظة لكنها غير مسمومة ، وتسمح بقراءة جديدة لواقع متغير إذا ما مال أعداء أي مرحلة إلى الخيار السلمي ، فعلى المجتمع الإسلامي أن يؤيد هذا الخيار ويعززه .

وهناك نظرية لاقت رواجا واسعا في العالم الحديث تعبر عن رؤية مستقبلية متشائمة وهي نظرية صراع الحضارات ، والفكرة لها من يعترف بوجاهتها من ناحية المبدأ لا من ناحية توقعاتها النهائية سواء من المسلمين أو الغربيين أو المسيحيين أو غيرهم .. لكن هناك قطاع كبير من المسلمين – ومثيله بين المسيحيين واليهود وغيرهم – يؤمنون بأهمية التأسيس ل( حوار الحضارات ) ، وقد يبدو هذا للبعض غريبا ، البعض الذي يعتقد بأن الإسلام يمتلك طاقة عدوانية كبري تهدد المجتمعات الحديثة وتهدد مكتسباتها ، ويبدو الأمر في أعينهم وكأن هناك فصيلا إسلاميا متأثرا بقيم المدنية الحديثة والحضارة الغربية ويحاول أن يؤصل لرؤية تسامحية منقطعة الصلة بالتراث الإسلامي ، وأنه يقابل كل العنت في هذه المحاولة للتجميل .

على أن نظرة لما سبق أن كتبته على أن القرآن لا يعد المسلمين ولا غيرهم بوجود خاصة إلهية ( جماعة بشرية لهم دالة عند الله بصرف النظر عن أعمالهم ) نجده كفيل بأن يزرع لدي المسلم – إذا فهم المسلم هذا النص – إحساس بأنه لا يمثل تجسيدا للمطلق ، ولا يعتبر من ملح الأرض في جميع الأحوال ، وفي هذه الحالة سيكون أكثر استعدادا لفتح حوار جدي وجرئ وهادئ مع الآخر ، إن الأمر لا يتوقف فقط على الدماثة ، وعلى كل حال فالدماثة شيء جيد ومطلوب ، بشرط ألا تعبٍر عن تواضع المغرور الذي يسمع للآخر لمجرد احترام مشاعره ، إن المطلوب حالة انفتاح حقيقية ، وبعض التواضع ، ونعمة الشعور بالجهل .

إذا ما قُبلت مبادرات من هذا النوع بقبول حسن فإنها ستوسع بما لاشك فيه دائرة التيار المؤمن بالحوار الحضاري على حساب دائرة التيار المؤمن بالصراع الحضاري ،لأن واقعا متغيرا سيسمح هنا وهناك بقراءة جديدة ، وقد أكون متفائلة .

وغير هذه النقطة في القرآن التي نفت فكرة الخاصة الإلهية فالقرآن نفسه لابد وأن يعثر قارئه على نماذج للحوار متعددة حتى لو لم يبحث عنها ، وحوار الحضارات يمكن الإستدلال على شرعيته الإسلامية من نص من القرآن يقول

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (1) .

إننا لنا أصل واحد ترجع إليه كل البشرية ، وحدث تنوع ( إثني ) وخصوصيات ثقافية وحضارية متمايزة ، هنا مجال للتعارف ، والتعارف ما هو إلا حوار الحضارات .

ومن القيم الإسلامية في القرآن التي قد تؤمن الجدية والرشد للحوار هي قيمة التجرد ، فالمسلم مأمور ألا يتبع هواه حتى لا يحيد عن روح العدل (فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ )
(2) ،

وبقيمة كهذه سيكون هدف الحوار هو الوصول للحقيقة وليس إحراز مكاسب شخصية أو إعلامية على حساب الطرف الآخر من المحاورة ، مع مراعاة أن ( تشحيم الحوار) ليس هدفا في حد ذاته ، وأحيانا ما يكون الهوى هو البحث عن المشترك فقط مثلما يكون الهوى هو البحث عن التناقضات فقط ، الحوار يجب تحريره من أجواء العلاقات العامة الصرفة مثلما يجب تحريره من العُصاب .وهناك إمام من أئمة المسلمين القدامى اسمه الإمام الشافعي له كلمة تعبر عن روح متجردة وسويٍة ، ولا أظن أن هناك الكثير من البشر لديهم هذه الروح المستقيمة "ما ناظرت أحدًا قط إلا أحببت أن يوفق ويُسدَّد ويعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ،

وما ناظرت أحدًا إلا ولم أبال بيَّن الله الحق على لساني أو لسانه" .ومن الأوامر الإسلامية التي تساعد على إقامة حوار بنًاء هو الأمر بالدعوة إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة
(ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) (3)

وهناك آية أيضا تمنع أن تؤثر المشاعر الشخصية تجاه الآخر أو تجاه خطه الأساسي من الشطط في الحكم على أفكاره ، وهذا العدل ضروري جدا في الحوار مع الآخر فلا يتم تسفيه أفكاره لمجرد إنها أفكار الآخر ، وإنما يتم وزنها بميزان العدل بعيدا عن المشاعر (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) (4) .

كما أن المسلم واستنادا لمفاهيم قرآنية لن يضطر لاستخدام كل الوسائل بدون انتقاء للشريفة دون غير الشريفة ولن يصاب بعصبية أو يشعر بيأس إذا لم يصل الحوار في مرحلة من مراحله لما يريد ، لأن القرآن نفسه لا يجعل نتيجة الدعوة من مسئولية النبي محمد ،وعليه لن يجعل نتيجة الدعوة أو الحوار من مسئولية المسلمين (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ) (5)

أما أدب الحوار فلا أدل عليه من هذه الآيات التي توجه محمد – والمسلمين بالتبعية – لإدارة الحوار بطريقة في قمة الأدب مع الوثنيين ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (24) قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) ) (6) . ففي بداية الحوار يكون المؤمنون والوثنيون على مستوي واحد يتعلق بأي الفريقين على الحق ، فأحدهما على الحق والآخر على الباطل ، فإذا كنتم أيها الوثنيون تعتبرون الدعوة إلى الله وتوحيده جريمة فالله سيحاسبنا على جرائمنا ولن تسألوا أنتم على جرائمنا ، ونحن لن نسأ ل عن أعمالكم ( ولم يسمها جرائم )

ولننظر في القرآن لتوجيه الله لموسي وهارون لما أمرهم بالذهاب لفرعون الطاغية الكافر (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) ) (7) فإذا كان القول اللين هو الوسيلة الصالحة مع مستبد فأولي بها من هم أقل استبدادا أو غير مستبدين ، مع العلم أن الله يعلم أن فرعون لن يستفيد من هذه الفرصة ، ولكنها حق فرعون .ويأمر القرآن المسلمين بمحاورة أهل الكتاب ( يهود ومسيحيين ) ليس فقط بطريقة حسنة بل بأحسن طريقة (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (8)
والقرآن بما حواه من خبرين حواريين غير عاديين يجعل من الصعب القول بوجود معايير لمن يمكن التحاور معه إذا طلب الحوار ، الخبران الحواريان أحدهما مع طرف كامل الولاء والتبعية ، والآخر مع طرف كامل العصيان والإنشقاق ، إنهما حواران بين الله والملائكة مرة ، و بين الله وإبليس مرة

فالملائكة كائنات نورانية مطيعة لله كل الطاعة ولم تتنجس بمعصية ، ومع ذلك دار حوار بينهم وبين الله بسب أنه قرر أن يستخلف البشر في الأرض ، وهذا نص الحوار في القرآن

(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) ) (9)

وقد تحاور الله مع إبليس بسبب رفض الشيطان السجود لآدم إذعانا للأمر الإلهي ، وطفحت عليه فجأة إحساس بالتفوق النوعي

( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ (71) َإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) ) (10)

إذن الله كامل العلم وكامل الحكمة وكامل القدرة تحاور ولم يستنكف أن يحاور مخلوقاته الطيب المطيع منها واللعين ، فما بالنا بالبشر ؟
ويوجد في القرآن أيضا حوارات لله مع أنبيائه كآدم ونوح وإبراهيم وموسي ، ويورد القرآن أيضا حوارات بين الأنبياء وأقوامهم ، ولفت نظري معني جميل ، تم تقريره من خلال الحوارات بين الأنبياء وأقوامهم ، فالمحاور عن الباطل إما أن يضطر للتهديد ، أو ينظر لأدلة تتعلق بالحالة الإجتماعية والمادية لأتباع النبي ( هذه الطريقة يبدو أنها لم تفقد بريقها ! ) ، أو أنه يبهت ولا يملك جوابا ، أو يسخر. . هنا حالة تهديد من قوم شعيب إلى النبي شعيب

( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (86) قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) ) (11)

وكذلك حوار إبراهيم مع أبيه الذي انتهى بالتهديد
( َاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا إذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) (12) .

وحوار نوح مع قومه وفيه همز بإتباعه الفقراء الضعفاء من غير السادة وانتهي أيضا بتهديد
(كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ) (13)

وحوار بين إبراهيم والنمرود الملك انتهي بأن بُهت النمرود (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (14)

وهنا تتبدي فطنة خليل الله إبراهيم وثباته
أما فرعون فبدأ بالسخرية من موسي ثم ختم بالتهديد (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) ) (15)

غير أنه هناك في القرآن ما يبدو توثيق لأقدم نظرية مؤامرة ، عندما يتهم فرعون السحرة الذين آمنوا بموسي بعد أن رأوا معجزته الخارقة والفارقة عما عرفوه من السحر ، وكان قد فشل حواريا مع موسي ، وتواعدوا على يوم للتحدي بين النبي والسحرة ، وغلبهم موسي فآمنوا ، فماذا كان رأي فرعون ؟

(قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ) (16) ، ( قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) (17)

وكل هذه الآيات توضح لنا أن صفوة البشر وهم الأنبياء قد حاوروا أقوامهم بمنطق و بأسلوب عقلاني بعيد عن الخشونة رغم أنهم يملكون الحقيقة ، وهنا يبدو في القرآن العجز عن إدارة حوار محترم وعقلاني كعلامة على ضعف الحجة وغياب المبدأ ، وكذا الحال بالنسبة للهمز أو السخرية ، و البحث عن نظرية مؤامرة قائمة على غير شواهد منطقية ، أنها معا آيات توضح صورة طبيعية معبرة عن الصلف البشري والتناول السطحي والغباء والعصبية .
________________________________________
(1) الحجرات 13 (2) النساء 135
(3) النحل 125 (4) المائدة 8
(5) الشورى 48 (6) سبأ 24-25
(7) طه 43-44 (8) العنكبوت 46
(9) البقرة 30-33 (10) ص 71- 83
(11) هود 84-91 (12) مريم 41-46
(13) الشعراء 105-116 (14) البقرة 258
(15) الشعراء 23-29 (16) الشعراء 49
(17) الأعراف 123