الحلقة الثلاثون والأخيرة

الخمر




الخمر سماها النبي ( صلى الله عليه وسلم) إسما تستحقه بجدارة ، سماها ( أم الحبائث)
يبدي الدكتور كندل استاذ الأمراض النفسية بجامعة أدنبرا - عجبه من كون الغرب يراقب تجارة المخدرات ، وفي ذات الوقت يروج تجارة الخمور مع أنها من المواد المخدرة والكحول عامل مسرطن ، ويحاول تفسير هذا التناقض على اساس أن الخمر من اعراف وتقاليد المجتمعات الغربية .
يقول السناور الأمريكي السيناتور وليم فولبرايت " لقد وصلنا إلى القمر ولكن أقدامنا مازالت منغمسة في الوحل ، إنها مشكلة حقيقية عندما نعلم أن الولايات المتحدة فيها أكثر من 11 مليون مدمن خمر وأكثر من 44 مليون شارب خمر "
ويقول الدكتور أوبري لويس رئيس قسم الأمراض النفسية في جامعة لندن في أكبر وأشهر مرجع طبي بريطاني
(( مرجع برايس الطبي - الطبعة العاشرة ) ) ( إن الكحول هو السم الوحيد المرخص بتداوله على نطاق واسع في العالم كله. ويجده تحت يده كل من يريد أن يهرب من مشاكله. ولهذا يتناوله بكثرة كل مضطربي الشخصية ويؤدي هو إلى اضطراب الشخصية ومرضها (Psycho-pathic Anomaly) إن جرعة واحدة من الكحول قد تسبب التسمم وتؤدي: إما إلى الهيجان أو الخمود وقد تؤدي إلى الغيبوبة. أما شاربو الخمر المزمنون ( ch Alcoholics) فيتعرضون للتحلل الأخلاقي الكامل مع الجنون ) .(1)
كما أن ولنش وجرانت الخبيران يفسران ذلك بوجود الخمر ضمن الإحتفالات الدينية وان النبيذ مذكور بالتوراة ، كما أن الخمر اخذت مكانا رئيسيا في الممارسات الدينية المسيحية وهذا يتعارض تماماً مع الزهد فيها والتحذير من استعمالها في القرآن الكريم (2)
وقد عبر جيمس بلدوين عن علاج الإسلام لموضوع الكحول والإدمان بالتالي ". ولكن المعجزة قد حصلت، فالمدمنون الذين أثقلتهم المخدرات والكحول يتغيرون فجأة عندما يعتنقون الإسلام ، كما أصبحنا نرى الذين لم يسمعوا قبلا برسالة الإسلام يتعرفون عليها ويؤمنون بها... ويتغيرون، لقد استطاع الإسلام تحقيق ما فشلت فيه أجيال من اختصاصي العمل الاجتماعي واللجان والقرارات والتقارير ومشاريع الإسكان ومراكز الترفيه ، ألا وهو شفاء وإنقاذ السكارى والمتشردين وكسب الذين غادروا السجون وإبقاؤهم خارجها ، إنه الإسلام الذي جعل الرجال أطهارا والنساء فاضلات وأعطى الرجال والنساء الاعتزاز والرصانة اللذين يحيطانهم كالنور الدائم " (3)
ونقلا عن د حسان شمسي باشا (( تقول دائرة معارف جامعة كاليفورنيا :
" إن الخمر يعتبر حاليا القاتل الثاني - بعد التدخين - في أمريكا . فشرب المسكرات هناك مسؤول عن موت أكثر من 100.000 شخص سنويا " .
وجاء في المرجع الطبي الشهير Cecil طبعة 1996 أن الخسائر الكلية الناجمة عن مشكلة المسكرات بلغت ما قيمته 136 بليون دولار في العام الواحد . ويقدر الخبراء أن ربع الحالات التي تدخل المستشفيات الأمريكية سببها أمراض ناجمة عن شراب المسكرات .
وليس هذا فحسب ، بل إن الخمر مسؤول عن إصابة أكثر من نصف مليون أمريكي سنويا بحوادث السيارات
وتتابع دائرة المعارف القول : " والمسكرات لا تسبب المشاكل في البيت أو على الطرقات فحسب ، بل إن خسائر أمريكا من نقص الإنتاج وفقدان العمل نتيجة شرب الخمر تزيد على 71 بليون دولار سنويا . ناهيك عن الخسائر التي لا تقدر بثمن من مشاكل نفسية وعائلية واجتماعية " .
ويحث كتاب الجرائد والمجلات الأمريكية الناس على عدم تقديم المسكرات قبل العشاء - أثناء الحفلات التي يقيمونها - ويحثون أيضا على أن تصادر مفاتيح السيارات من المفرطين في شرب الخمر ، حتى لا يقودوا أنفسهم إلى الموت " . وعلى الجانب الآخر من الأطلنطي نجد أوربا ترزح تحت وطأة الخمور ، إذ تذكر مجلة اللانست البريطانية أن مائتي ألف شخص يموتون سنويا في إنجلترا بسبب الخمور . وواحد من كل خمسة أشخاص يدخلون المستشفيات في اسكتلنده ، يدخل المستشفى بسبب شرب الخمور وإدمانها .وتقدر الخسائر الناجمة عن شرب المسكرات في بريطانيا وحدها بـ 2000 مليون جنيه إسترليني في العام الواحد .
ويقول أحدث تقرير للكلية الملكية للأطباء في بريطانيا : " لم يكتشف الإنسان شيئا شبيها بالخمور في كونها باعثة على السرور ( الوقتي ) ، وفي نفس الوقت ليس لها نظير في تحطيم حياته وصحته .. ولا يوجد لها مثيل في كونها مادة مسيية للإدمان ، وسما ناقعا ، وشرا اجتماعيا خطيرا " .
ويقول كتاب Safe Food الشهير في طبعة 1997 :
" إن نصف عدد الجرائم في بريطانيا يقوم بها أناس سكارى ، وثلث حوادث السيارات تحدث بسبب الخمر ، والخمر مسؤول عن ثلثي حالات الانتحار ، وخمس حالات الاعتداء الجنسي عند الأطفال .
ويقدر الخبراء الإنجليز أن واحدا من كل أربعة رجال ، وامرأة من كل عشرة نساء يشربون المسكرات إلى درجة تعرضهم لفقدان عائلاتهم .. أو عملهم .. أو صحتهم .. أو أصدقائهم .. أو الأربعة معا " .
والحقيقة أن أهم تأثير للكحول هو تخديره لخلايا المخ جميعا ، ولكن أهم الخلايا التي تصاب هي خلايا قشرة الدماغ ، وهي الخلايا المتحكمة في الإرادة ، أو ما نعبر عنها بكلمة " العقل " .
يقول البروفسور لورانس رئيس قسم الطب العلاجي في جامعة لندن :
" إن أول ما يفقد من وظائف المخ بواسطة الكحول هو القدرات الدقيقة على التحكم والملاحظة والانتباه ، كما أن الكفاءة العقلية والبدنية تنخفض بتناول الكحول مهما كانت الكمية المتعاطاة قليلة " .
ويؤكد تقرير الكلية الملكية للأطباء في بريطانيا : " أن المخاطر الصحية المتعلقة بتعاطي الخمور ليست ناتجة بالدرجة الأولى من العدد القليل الذي يتناول الكحول بكميات كبيرة، ولكن الخطر الأعظم على الصحة العامة هو من الأعداد الكبيرة التي تتناول الكحول باعتدال وانتظام "
ويقول كتاب Alcoholism ( إن التخريب الحاصل في أنسجة الجسم نتيجة شرب الخمر مرة واحدة يمكن أن يكون تخريبا دائما غير قابل للتراجع ) ولا غرابه حينئذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم شرب الكحول مهما كانت الكمية صغيرة : " ما أسكر كثيره فقليله حرام " .
هل في القليل من الخمر فوائد ؟
شاعت بين الأطباء والناس في الغرب فكرة تقول : إن شرب القليل من الخمر ينقص نسبة الوفيات من جلطة القلب ، حيث يزيد من مستوى الكولسترول المفيد HDL .
والحقيقة أن الباحثين اليابانيين اكتشفوا حديثا أن المادة التي ترفع مستوى الكولسترول المفيد موجودة أصلا في قشر العنب الأحمر وتسمى هذه المادة : Resveratrol .
يقول الدكتور Mindel : " إن العنب الأحمر يعطي نفس الخصائص الموجودة في الخمر الأحمر ، فلماذا يعرض الإنسان نفسه لمخاطر الكحول ؟ "
وليس هذا فحسب ، بل إن البروفسور Sheehy يحذر من الكحول عند المصابين بتضيق في شرايين القلب فيقول : " رغم أن بعض الأبحاث أشارت إلى أن الكحول قد يوسع شرايين القلب ، فإن الخمر يهيئ لحدوث جلطة في القلب عند المصابين بضيق في شرايين القلب ، كما أن شرب الخمر يسبب الذبحة الصدرية ، واضطراب نظم ( ضربات ) القلب ، واعتلالا في العضلة القلبية ، ويؤدي إلى الموت المفاجئ .
ويحذر كتاب The Food Revolution من أخطار سهرة يشرب فيها الخمر فيقول :
" إن سهرة يفرط فيها شارب الخمر في تناول المسكرات قد يؤدي إلى حدوث اضطراب شديد في ضربات القلب ، وقد يسبب ذلك الموت الفجائي " .
ولا غرابة أن حرم الإسلام الخمر على إطلاقه فقال معلم هذه الأمة صلى الله عليه وسلم :
" كل مسكر حرام ، وما أسكر منه الفرق ، فملء الكف منه حرام " . والفرق كيلة تسع تسعمائة وعشرين رطلا .
ومن الأوهام المتعلقة بمنافع الخمر أنها تقوي الباءة وتزيد من القدرة الجنسية .
ومنذ آماد طويلة والإنسان سادر في غيه وأوهامه .. ويشرب الخمر على أمل أن تزيد من قدراته الجنسية . ولكن الشاعر الإنجليزي الموهوب شكسبير تنبه لهذه النقطة فقال عنها :
" إنها تحفز الرغبة ، ولكنها تفقد القدرة على التنفيذ "
( It Provokes the desire but it takes away the performance ) .
وأخيرا ، فإن مشكلة الخمور مشكلة عالمية لم يحلها إلا الإسلام ، وفي ذلك يقول المؤرخ العالمي أرنولد توينبي في كتابه " محاكمة الحضارة " ( Civilization on trial ) :
" إن الروح الإسلامية تستطيع أن تحرر الإنسان من ربقة الكحول عن طريق الاعتقاد الديني العميق ، والتي استطاعت بواسطته أن تحقق ما لم يمكن للبشرية أن تحققه في تاريخها الطويل . ولقد استطاع الإسلام أن يحقق ما لم تستطع أن تحققه القوانين المفروضة بالقوة ومن خارج النفس .
وهاهنا نقول : إن الإسلام يستطيع أن ينقذ الإنسانية من تأثيرات المجتمعات المدنية الغربية التي ثبتت شباكها في أنحاء العالم أجمع "
وصدق الله تعالى حيث يقول :
( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون . إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) المائدة (( 90 - 91 )) ) (4) .
وإذا أخذنا في الإعتبار ما أكده الباحث الأمريكي لوريل هرتون ( 50% من ابناء المدمنين على الخمرة مدمنون ) هذا يجعلنا ايضا نستدعي حديث النبي محمد مرة أخرى ( كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول )
حاولت امريكا في عام 1919 حل هذه المشكلة الكبيرة بطريقة قانونية بمنع تصنيع وبيع الخمر ، وانفقت الملايين على التوعية ، ولكن بلا جدوى ، حيث استمر الناس في شربها ، قدمت لهم مصانع سرية غير مرخصة الخمر الرديئة ، واُلغي القانون بعدها
وقد كان هناك تدريج في احكام الخمر في الإسلام ، والعرب كانوا مولعين كل الولع بشربها ، ولكن لما نزلت ايات التحريم النهائي ووصلت لأسماع بعض المسلمين الذين كانوا يشربونها ، افرغوا ما في افواهم ، وكسروا ما لديهم من زجاجات ، وكان الشعار ( انتهينا انتهينا ) .
________________________________________
(1) اوبري لويس مرجع برايس الطبي (2) د نبيل الطويل الخمر والإدمان الكحولي
(3)نفس المصدر (4) د حسان شمسي باشا اطباء الغرب يحذرون من الخمر