اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمود توفيق مشاهدة المشاركة

ردة الفعل هذه المرّة كانت ضعيفة جدًّا حقيقة، بدرجة كافية لطرح سؤال عن الأسباب الكامنة وراء هذا (التنسيم)؛ علينا أن نفهم محركات هذا الجمهور الواسع من المسلمين، ومتى تتراجع قضاياه الكبرى، ومتى تقفز للأمام، ومتى تُنسى تماما. وأخشى ما أخشاه أن يحدث لدينا شيئًا فشيئا نوعٌ من (التطبيع) مع الإساءة للرسول -صلى الله عليه وسلم– إذا ما حدث –لا قدّر الله– ارتطام آخر على الطريق نفسه.


أتفق معك أن هناك تنسيم في إطار النصرة كما وصفته ووفقت في سرد تفاصيله ببلاغة أغبطك عليها ليس من قبيل المجاملة ولكن بوازع من روح العدل والإنصاف الذي لا أزعم أني من حملة نبراسه ولكني أستضيء بنوره فأرى الأشياء على حقيقتها ولا أزكي نفسي على الله

أما ردة الفعل فقد كانت ضعيفة حقا وأعزو السبب في ذلك من وجهة نظري إلى أزمة فهمنا وقدراتنا العقلية والثقافية على تفهم واستيعاب أسس و مكونات ردود أفعالنا إزاء هذا الأمر الجلل وكيف يجب أن تكون ردود أفعالنا شكلا وموضوعا وهذا الذي جعلنا نقف حيارى مشتتين بل وفاقدي القدرة على تقييم وتحليل جوانب تلك القضية الكبرى التي خدشت فينا الوجدان الروحي وعصفت بمشاعرنا الدينية وقيمنا الحضارية كأمة مسلمة لها ثقلها ووزنها بين الأمم

وأعتقد أن سبب ضياعنا هوانتظار ردود أفعالنا ممثلة بكبرائنا من العلماء والحكام الذين تكمم أفواههم وتكبل مواقفهم بعض التقاليد والبرتوكولات الدبلوماسية والسياسية البغيضة في مثل هذه المواقف

لن أتطرق إلى فلسفات وتطبيقات ومفاهيم طقوس الغرب الوضعية فيما يسمونه حرية التعبير فالحديث من جانبنا عن معايير هذه الحريات وتفسيرها لاجدوى ولامعنى له فليس فهم هذه الأمم كفهمنا قياسا على الفوارق الحضارية والدينية بيننا وبينهم

وبالعقل والمنطق يجب أن تكون ردود أفعالنا ترجمة عملية لمواقفنا التي يتحتم علينا التعامل من خلالها مع هذه الأمم وبواقعية أكثر وصراحة أوضح وفهم أعمق يجب علينا أولا أن نعترف بالواقع وتحديدا واقعنا وأن نعقد مقارنة موضوعية لاتخضع للعواطف والمشاعر فكلنا غاضب بل ويغلي من الغضب

ولكن يجب علينا أن نكظم غيضنا ونتوقف طويلا عند تقييم الفوارق بيننا وبينهم فهؤلاء القوم يقفون على أرضيات صلبة أسسها المال و الصناعة المتطورة في كل شيء إلآ شيء واحد نحن نملكه وهم لايملكونه ألا وهو صناعة التربية الروحية وصقل القيم الدينية والأخلاقية التي هي عصب الإنسانية في الإنسان المسلم الذي صنع الحضارة
من خلال المحافظة على الموروث الديني والثقافي وهنا بيت القصيد فهؤلاء القوم قبل أن نراهم مجتمعات متفككة دينيا وأخلاقيا وأنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا فهم بالمقابل يرون فينا مجتمعات متخلفة من الرعاع والقتلة السفاحين قياسا على لغة بعضنا الذين لايجيدون غير لغة تصفية الحسابات من خلال التصفيات الجسدية الفردية والجماعية الإ نتقائية والعشوائية على حد سواء

نحن لانستطع أن نحاربهم صناعيا وتجاريا أما عسكريا فدون ذلك ضرب القتاد وليس له مكان في العقل و خارطة الواقع

العقل والحكمة هما وسيلتنا ولغتنا التي يجب أن نتعامل ونتخاطب ونتواصل من خلالها مع هذه الأمم التي نعول بعد الله كثيرا على عقول حكمائها وعقلائها حتى من العامة منهم وأتوقف عند قوله تعالى

{ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة216

ورب ضارة نافعة فقد ألفنا وطبعنا مئات الكتب والنشرات والسيديهات الموجهة إلى الإنسان الغربي ولم نفلح في إغرائه بالإطلاع عليها وتأملوا كيف جائت نتائج بث الفلم الهولنديعلى غير ما كان يتوقعه المسلمون وغيرهم على حد سواء

فقد اندفع الملايين من الشعوب الغربية إلى المكتبات ودور النشر يبحثون عن كتب تعرف بالإسلام وبمحمد صلى الله عليه وسلم وكان من الواجب على دولنا وعلمائنا وكتابنا ومفكرينا أن يسارعوا إلى بذل الأموال رخيصة لإخراج كتب ومطبوعات وتسجيلات تخاطب فهم وعقول وثقافة الإنسان الغربي وتبين له بأسلوب موضوعي محايد ومبسط ماهو الإسلام ومن هو محمد صلى الله عليه وسلم ولكن بلغتهم وعقلياتهم

بمعنى أنه يجب أن نخاطبهم بلغة تختلف عن لغة مخاطبتنا للمسلمين فقبل أن نعظهم وندعوهم إلى الإسلام يجب أن نكتفي بتعريفهم بديننا ونبينا صلى الله عليه وسلم على الأقل لنحد من أذى متطرفيهم لنا ونكسب إحترام الآخرين لنا وعدم احترام واستهجان مواقف متطرفيهم من قبلهم

قد أعود إن شاء الله