we can do it saudi -3.jpg
مقال للدكتور جاسر عبدالله الحربش بعنوان: يا حريم.. انتهى عصر الحريم

لمفترض أن المعنى العرفي لمفردة «حرمه»، وجمعها حريم، يكون قد انتهت صلاحيته منذ أصبحت نساء كثيرات يصرفن من أموالهن الخاصة على البيت والزوج والأولاد. كم عدد المعلمات والموظفات والطبيبات والممرضات اللواتي يقمن على شؤون المنزل المالية، بمعنى أنهن ينفقن من أموالهن على المتطلبات المعيشية للزوج والأولاد، ولا يبخلن أحياناً ببعض الإعانات للوالدين والإخوان لأن ذكورهن عاطلون عن العمل، عمداً واتكالاً أو كرهاً واضطراراًً؟. أظن أن العدد أكبر مما تتوقعون.

الأصل اللغوي في تسمية الإنسان هو امرؤ وامرأة، وذكر وأنثى، ورجل ومرأة، وولد وبنت، وفتى وفتاة، وما عدى ذلك فهو اشتقاق وصفي مثل الجارية والغانية والكاعب، إلى آخر اشتقاقات الخيالات والأحلام الذكورية عن الأنثى.

أما مفردة حرمة وجمعها حريم فهي قطعا ً اشتقاق من فعل «حرم»، وهو مالا يحل انتهاكه من ذمة أو حق أو صحبة أو نحو ذلك، ولكن الأعراف تعاملت معها لغويا لتجعل أول ما يقفز إلى الذهن عند سماعها «المرأة»، علماً أن علة التحريم وتجريم الانتهاك يشمل الذكر والأنثى. علة التحريم فيما هو مباح أو غير مباح في النكاح تنطبق في الحقيقة على الجنسين، ويستثنى من ذلك التعدد للرجل في الزوجات، ولذلك شروط وأحكام لا يتم تطبيقها واقعاً إلا نادراً.

إذاً من أين ومتى جاءت كلمة حريم وأصبحت معنى مرادفاً للنساء على الإطلاق دون الرجال حتى أخذت معنى التحكم والسيطرة والوصاية الكاملة للرجال في كل الأمور على الحريم، حتى لو كان الرجل سفيهاً حقيراً لا يكسب قوت يومه، والمرأة عاقلة حكيمة تكسب قوتها وقوت من تعول بعرق جبينها؟. في بعض المجتمعات العربية ونحن منها، كانوا، ومازال بعضهم يقول عند ذكر امرأة في حضور الرجال: حرمة أعزكم الله، وقد سمعت بأذني رجلاً يقولها أمام كاتب عدل في الرياض ولكن ذلك كان قبل سنين كثيرة، وقد فرحت كثيراً حين نهره الشيخ ونهاه عن ذلك.

في الدولتين الأموية والعباسية كانوا يقولون (بيت الجواري والإماء) لما ملكت أيمانهم في القصور كنوع من التمييز عن نساء القصر، وهن الزوجات الحرائر أمهات البنين، ولكنهم لم يكونوا يقولون (بيت الحريم) أو حريم القصر. سلاطين الترك العثمانيون كانوا يسمون مجموع إناث القصر (الحرملك)، ويجعلون لهن أماكن قصية في قصورهم وقلاعهم وينظرون بريبة شديدة إلى تصرفات ساكنات الحرملك وما يقمن بحياكته في معازلهن القصية. أغلب الظن أن ما يتم تطبيقه في المجتمعات العربية حتى اليوم أتى إلينا من هناك، من الأستانة وبورصا وآسكي شهر.

المهم، لقد أتى إلينا الآن نوع من الزمان لم يعد الرجل فيه ذلك الذكر المتكفل بالقوامة المالية والتربوية ومتابعة الأولاد والبنات في شؤونهم الدراسية وتلبية احتياجاتهم الصحية والنفسية. أغلب المهمات تنازل عنها الرجل عن طيب خاطر، وأحياناً بترحاب كبير للمرأة، حتى أصبحت شريكته في القوامة في أكثر البيوت، أو أن لها القوامة المالية والتربوية بالكامل في بعض البيوت.

من هذا الوضع على الأقل أجدني متلبساً بحالتي فرح وتفاؤل كبيرة لقرارات القيادة المنصفة الأخيرة فيما يخص توسيع الأدوار الاجتماعية للنساء في بلادنا، آملاً أن يستفدن من حسن الظن. مع ذلك ومن باب الحرص على المصلحة العامة للرجال والنساء على حد سواء أقول: يا حريم.. انتهى عصر الحريم. لقد انتزعتن من الرجل جزءاً كبيراً من المسؤوليات الاجتماعية كتحصيل حاصل لتعلمكن وثقافتكن وكفاحكن الطويل. عليكن أن تتصرفن كسيدات حكيمات قويات الشكيمة بكامل المواصفات التي يتوقعها المجتمع منكن، وإلا فشلت المحاولة وعدتن إلى المربع القديم في حوش الحريم.