جميع البشر يتثاءبون وكذلك معظم الثدييات، ولابد أن هذه العملية تفيد في أمر ما، وهذا ما حيّر العلماء كثيراً، واقترحت تجارب عدة تفسيراً مفاجئاً للتثاؤب هو أنه يفيد في تبريد المخ. وصرح الباحث بجامعة برينستون بينوجيرسي بأمريكا: "لقد قمنا بجمع بيانات عن الفئران وببغاء البركيت الصغير والبشر وجميعها تؤيد نظرية أن التثاؤب يفيد في تبريد الدماغ".


واعتمدت النظرية على أنه عندما يبدأ المرء في التثاؤب، وما يصاحب ذلك من تمدد قوي للفك، يزيد تدفق الدم في الرقبة والوجه والرأس، وأن تنفس الهواء بعمق أثناء التثاؤب يتسبب في تدفق قوي للسائل الشوكي والدم من المخ للأسفل، فيتسبب الهواء البارد الذي يتنفسه الشخص من الفم أثناء التثاؤب في تبريد هذه السوائل.

وأوضح جالوب: "هذه العمليات تعمل معاً مثل المبرد الذي يزيل الدم الساخن جداً من المخ ليحل محله دم أبرد من الرئتين والأطراف، وبذلك يحدث تبريد لسطح المخ".

وللرد على المتشككين في النظرية، قدم الباحث وصفا تشريحيا مفصلا للعملية، فذكر أن الهواء البارد يقوم بتبريد الدماغ أكثر من الهواء الساخن، لهذا يتثاءب الشخص عندما يكون الجو بارداً أكثر منه عندما يكون ساخناً .


وحاول فريق جالوب تطبيق هذه النظرية عملياً بالذهاب لمنطقة توكسون بأريزونا مرتين، مرة في الشتاء عندما كانت درجة الحرارة تصل إلى 72 درجة فهرنهايت بالخارج، ومرة أخرى في بداية الصيف عندما كانت درجة الحرارة 99 فهرنهيت، وطلب الباحثون من 80 شخصا من المارين بالشارع النظر لصورة شخص يتثاءب، ومن المعروف أنه عندما نرى شخص يتثاءب نتثاءب كذلك.

واتضح أنه في الجو البارد، 45% من الأشخاص تثاءبوا عندما نظروا للصورة، ولكن عندما كان الجو حاراً تثاءب 24% فقط من الأشخاص الذين طلب منهم النظر لصورة شخص يتثاءب، وعادة ما يتثاءب المرء أكثر عندما يقضي فترة طويلة بالخارج في جو بارد، ويتثاءب أقل إذا ما قضى وقت طويل في الشارع في جو حار.

وتتماشي نتائج هذه الدراسة مع دراسة سابقة لفريق بحث جالوب على ببغاء البركيت الصغير الذي ثبت أنه يتثاءب أكثر عندما يكون الجو بارداً ، كما تتفق مع دراسة قدمها الباحث عن الفئران وأثبتت أن دماغ الفأر تبرد قليلاً عندما يتثاءب الحيوان.

اختلاف في النظريات
واختلف طبيب جامعة جنيفا أنجريان جيسبرج مع جالوب في تفسيره لكثرة تثاؤب المرء مع تغير درجات الحرارة، وقال:"مقولة أن التثاؤب يقلل في درجات الحرارة العالية تعني أن التثاؤب لا يحدث في الوقت الذي يحتاج إليه الجسم وهناك طرق أخرى لتنظيم درجة حرارة الجسم مثل إفراز العرق وليس من المفهوم وجود عامل آخر ينظم هذه العملية ويفشل عندما يكون هناك حاجة ماسة إليها".

وانقسم الباحثون حول تفسير أسباب التثاؤب لفريقين، الأول مثل جالوب رأى أن التثاؤب له سبب فسيولوجي وفوائد للجسم بينما رأى الفريق الآخر أن التثاؤب هو شكل من أشكال التواصل يقدم فوائد إجتماعية متعددة.

ومال الباحث جيسبرج للنظرية الثانية وقال إن التأثير الفسيولوجي للتثاؤب صغير جداً إذا ما نظرنا لتكراره حين ينشأ، ولكنه رأى أن تأثيره المعدي على الآخرين هو المفتاح الرئيسي للغز.

التأثير الإجتماعي
وأضاف: "من الواضح أن التثاؤب له تأثير اجتماعي في المجتمع الإنساني، ربما يكون سلوك غير واع، فليس من الواضح كيف يكون التثاؤب وسيلة للتواصل مع الآخرين أو ما فائدته، ولكنه بالطبع ينقل بعض المعلومات ذات تأثير ما على شبكة المخ أو السلوك."

وفي مختلف الثقافات، يفهم التثاؤب كعلامة على النعاس أو الملل، لهذا فإن التثاؤب بحمل رسالة للآخرين أن الشخص يمر بوقت غير مبهج ولكنه لا يمثل تهديدا فوريا كما رأى جيسبرج الذي يؤكد على ضرورة اعتياد فكرة أن التثاؤب له تأثير اجتماعي أكثر منه فسيولوجي، إلا أن جالوب ذكر أنه بصرف النظر عن الرسالة التي يحملها التثاؤب للآخرين فإن النظرية الاجتماعية التي تفسر التثاؤب تبدو مبهمة إذا ما نظرنا للظاهرة منذ نشأتها بين البشر.

وأضاف جالوب: "أنا لا أقول أن التثاؤب ليس له وظيفة اجتماعية لأننا ندرك تماماً أنه سلوك معدي، ولكن يجب علينا أن نفكر به كعملية تثيرها عوامل فسيولوجية لا نستطيع التحكم بها، فإذا ما حدث تثاؤب شخص في اجتماع ما، فلا يجب تفسيره كعلامة على عدم احترام أو إهانة الأشخاص المشاركين في الاجتماع".



العربية نت - منال علي - القاهرة