تداول الأسهم السعودية .•°•. الأثــنين °•.•°

• مؤشر (تاسي) الرئيسي • إغـلاق 12,125.36 نقطة • خسارة 73.02 نقطة • بنسبة 0.60% • ارتفاع اسهم 68 شرِكة • إنخفاض اسهم 155 شرِكة • القيمة المتداولة 6.0 مليار ريال سعودي • الكمية المتداولة 207 مليون سهم
صفحة 5 من 8 الأولىالأولى ... 34567 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 50 من 73
  1. #41

    افتراضي

    الحلقة الأربعون

    أحاول في سرد قصصي ورواياتي هنا أن أحشر مواقف ومناقب عن شيخنا بين العبارات والكلمات كلما وجدت ذلك سائغا..
    ذكرت منذ بداية قصتي أنني سأروي موقفا واحدا لشيخنا!!
    ومن خلال السياق بعثرت عددا من القصص والشواهد
    مما يزيد حبكة الموضوع ويعطي له نكهة خاصة..
    ويوصل رسائل وانطباعات اقصدها وتفيد القراء الكرام..
    أما بالنسبة عن شخصي فليس لدي شيء يستحق الذكر سوى ما يمر
    بي من مواقف مع الشيخ والتي هي صلب الموضوع ..
    لاحظت عددا من المتابعين للقصة يطلبون مني الاسترسال في الحديث
    وأنا أتفهم أن القصد من ذلك معرفة حياة الشيخ محمد بن عثيمين
    كما رأيتها وعاصرتها.. وهذا موضوع أوسع وأشمل مما يتصور أولئك
    و لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله...!!
    لذلك سوف يختلف البرنامج قليلا ..
    سأحرص على استكمال قصتي حتى النهاية وكلما سنحت لي فرصة
    لذكر منقبة أو موقف سوف اذكرها وأسترسل أحيانا ..!!
    فأرجو أن لا يصيب ذلك إخوتي القراء بالملل ..
    فهي لا تخلو من فوائد وعبر هداني الله وإياكم صراطه المستقيم..
    مع أن الذاكرة أحيانا تخونني .. لبعد الزمن وكثرة المشاغل ..
    والله خير معين سبحانه..
    أرجع لقصتنا..
    بعد مرور حوالي عشرة أيام من عودتنا من جده ..
    كلف الشيخ الأخ محمد زين العابدين والأخ محبوب والأخ بندر الحربي بالسفر معي للطائف لكي أحضر مكتبتي وحاجياتي..
    نزلنا بسيارة الأخ بندر حيث هي من نوع النيسان الداتسن ذات الأربعة
    أبواب.. .. وتوجهنا للطائف من طريق عفيف..
    وهو طريق طويل وممل ولكن صحبة هذه الرفقة الصالحة ..
    تنسيك تعب السفر ومشقته..
    حدثنا الأخ محمد عن ذهابه للجهاد في أفغانستان ..
    وروى لنا قصصه ومشاهداته هناك
    ومما أذكره أنه في أحد الليالي المظلمة ..
    وكان مع مجموعة من المجاهدين العرب والأفغان...
    طاردتهم طائرة روسية..
    وقصفتهم بالمدافع والصواريخ حيث أن معهم عددا من الأسرى
    الروس وشيوعيون أفغان..
    وروى كيف أنهم تمكنوا من إسقاط تلك الطائرة بصاروخ موجه..
    بعد عناء وإثخان فيهم.. من العدو..
    أذكر أيضا ما رواه لنا الأخ محبوب عن طلبة العلم في باكستان..
    وكيف أنهم يجدون المشقة الهائلة في تحصيل العلم
    والوصول إلى الشيوخ الثقات ..
    وما يواجهه الطالب من عقبات من أهله وجماعته الذين قد يخالفونه
    المعتقد أو النهج..
    وكيف أنتقل من العقيدة الضالة والمبتدعة لعقيدة السلف ..
    وازدادت رسوخا بعد قدومه للمملكة..
    وقال : إن أكبر نعمة حصلها هو تمكنه من طلب العلم في حلقة شيخنا
    عليه الرحمة والرضوان.. ويغبطه أنداده على ذلك ..
    كان انطلاقنا من القصيم بعد صلاة العصر تقريبا ..
    وسرنا أغلب الليل. ..
    ووصلنا لضواحي الطائف بعد منتصف الليل..
    كان الحديث مع الإخوة ممتعا غير أنهم كلما صمتوا ..
    أتضايق من التفكير مما قد يحدث... وأتذكر أنني متوجه لرؤية عائلتي..
    فافتح بابا للحديث
    فينشغل فكري عما أنا مقدم عليه..
    لم أكن أحب أن أتخيل ما سيحدث..
    لا شك أن عائلتي قد وجدت في نفسها علي ..
    مما فعلته..
    خاصة وأنني لم أتصل بهم شهورا عديدة..
    فأنا أبنهم وحق علي أن لا أقاطعهم .. وأصلهم واتصل بهم..
    وهذا مافعلته بحمد الله بعد ذلك طوال بقائي في القصيم..
    حينما اقتربنا من حينا أصابتني كآبة وخوف وارتباك..
    وهو أمر طبيعي جدا...
    فالمرء حينما يطول بعده عن أهله وذويه بسفر أو غياب لأي سبب
    كان ،تصيبه نوبة من الارتباك والتردد..
    قبيل ولوجه دارهم أو ينزل حلتهم..
    هذا فيمن حاله طبيعية وفي أمر معتاد؟؟
    أما حالي فهو معقد للغاية ، فالوطأة أشد والخوف والتردد أعمق..!!
    حينما وصلنا قريبا من حينا ..
    دارت في ذاكرتي تلك الأيام الخوالي..
    تذكرت لحظة الهروب من البيت..
    وكيف أنني خرجت من البيت خائفا أترقب...
    وهاأنذا أعود الآن وكلي أمل لعهد جديد وصفحات مجيده إن شاء الله
    سبحان من يبدل الأحوال ..
    طلبت من الأخ محمد أن يتوقف قليلا لنستريح من عناء السفر..
    ويأكل الإخوة شيئا ..
    وكان مقصدي في نفسي أن أهيئ فؤادي وعقلي لمقابلة العائلة..
    تضايق الأخ محمد من ذلك وكان يرغب أن استضيف الإخوة في بيتنا..
    وكلامه مقبول ورأيه أسد..
    فهو من سلالة كرام وأهل نخوة وشهامة..
    فلا يرضى الواحد منهم أن يطعم الضيف سوى في بيته ومن طعامه
    ولكن وضعيتي وحالي مختلفة للغاية ..
    فعاداتنا وتقاليدنا ونخوتنا لا تقل عنهم والحمد لله ..
    يقول الفقهاء..
    الحكم على الشيء فرع عن تصوره!!
    ويقولون أيضا..
    مراعاة الحال ، والحكم على شواهد الأعيان كل بحسبه ..
    فما كنت أحب أن أشغل عائلتي أو أشعرهم بتكليف..
    خاصة لطول الغيبة ولخصوصية وضعي..
    على كل..استرحنا لفترة من الزمن..
    ثم طلبت الهاتف من صاحب المطعم ..
    فاتصلت على البيت..
    فردت علي الوالدة..
    فرحبت بي وسرت بسماع صوتي وكأن شيئا لم يحدث!!
    رضي الله عن والدتي وعفا عنها وجعلني معها في فردوسه الأعلى..
    قلت لها سنقدم عليكم بعد قليل ..
    وسوف ننقل المكتبة فورا في السيارة..!!
    قالت : ألن تباتوا عندنا؟؟
    فقلت لها: لا أريد أن أكلف عليكم والإخوان يرغبون الرجوع من غد!!
    فقالت : باتوا عندنا الليلة والصباح رباح!!
    توجهنا للبيت ..
    واستقبلنا الوالد..
    فرحب بي وبالضيوف ..
    والحمد لله كانت نفسيته ممتازة ولم أرى منه أي تضايق أو انزعاج..
    خاصة أن شيخنا بعث معي برسالة للوالد هذا مضمونها..
    الأخ المكن ............. حفظه الله
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد..
    فأريد أن أبشركم أن ابنكم فلان مجتهد في دراسته وطلب العلم
    ومحافظ على صلاة الجماعة خلف الإمام.. الخ..
    وقد بعثته إليكم لكي يحمل مكتبته ويسلم على والدته..
    ويحضر ملف الدراسة لكي يكمل دراسته الثانوية..
    ثم دعا الشيخ لي وللوالد جزاه الله عني خير الجزاء..
    وأحتفظ بعدد من رسائله للوالد عندي .. رحمهما الله..
    سلمت على أمي وإخوتي جميعا ...
    اشق شيء في السفر الطويل والانقطاع عن اهلك وأحبابك
    هو أن تنزل عليك الأخبار جملة واحدة وقد يكون بعضها مرا وموجعا
    ولذلك أحرص دوما أن اتصل على أهلي باستمرار خوفا من مرارة
    الفواجع دفعة واحدة!!
    فاجئني مرض أحد إخوتي الكبار بمرض قريب من الصرع !!
    حيث أصيب بمس أو عين ..
    فما استطعت الحديث معه أو افهم حاله.. فهو لا يكاد يعقل !!
    سألت الوالدة عن أمره؟؟
    فقالت: والله هو كما ترى ، وما تركنا مستشفى ولا عيادة إلا
    وعرضناه عليهم ، استمرت حالة أخي كذلك لعدة شهور ..
    ولكنه تعافى وعادت له صحته وهو الآن سيد نفسه وله ذرية وشأن!!
    اجتمعت بالعائلة أخيرا ..
    لقيت العمة .. التي وقفت معي في محنتي..
    وقلت لها: الحمد لله فقد أوفى الله بظني ونجوت!!
    فضحكت وفرحت ..
    جلست مع إخوتي الصغار الذين اشتقت لهم كثيرا..
    وخاصة أختي الصغرى التي أحبها حبا لا يعلمه إلا الله تعالى وما زلت..
    وكم تألمت لفراقها وللبعد عنها فالحمد لله الذي جمعني بهم جميعا..
    وجدت كثيرا من كتبي وأغراضي معدة لي عند باب البيت بناء على
    طلبي..
    لم يشق علينا تكديسها في مؤخرة السيارة وبالكاد وسعتها..
    بات الإخوة في المجلس..
    وسهرت طوال الليل مع الوالدة والعائلة ..
    حيث كان يوم خميس ...
    بعد صلاة الفجر ودعت العائلة ..
    وتوجهت مع الزملاء لمكة لأداء العمرة ..
    أدى الأخوة العمرة وبقيت أنا في السيارة أحرس متاعنا وكتبي..
    ثم رجعنا للقصيم ووصلنا قريبا من العشاء..
    أوقفنا السيارة .. وناديت على عدد من الزملاء.. ليعاونونا
    في نقل الكتب للغرفة .. التي أمتلاءت أدراجها أخيرا بالكتب!!
    لم أنم تلك الليلة من الحماس..
    ورتبت غرفتي ورصصت كتبي في مواضعها حتى أذن الفجر..
    نزلت للصلاة ..
    وانتظرت شيخنا أمام باب المسجد ..
    فجاء للمسجد وهو حاف !!
    ويضع أعلى عباءته على رأسه..
    قبل أن يدليها على كتفه قبيل دخول المسجد..
    قبلت يديه ورأسه..
    وليتنا قبلت قدميه ..
    فله الفضل علي بعد الله في انطلاقتي الجدية ..
    جزاه الله عني وعن المسلمين خير الجزاء...



    !!!

  2. #42

    افتراضي

    الحلقة الواحدة والأربعون

    سألت شيخنا رحمه الله يوما ...
    ما خير وسيلة وأقصر طريق لتحصيل العلوم وخاصة علوم الفقه..؟؟
    قال: عليك بالقواعد والأصول...
    قلت له : وأين أجد تلك القواعد والأصول؟؟
    فقال: يصعب أن تجدها جميعا كلها في كتاب واحد ..
    ولكن عليك بالتنقيب في كلام الفقهاء والعلماء الأصوليين..
    وستجد في تعليلاتهم واستدلالاتهم كثيرا من القواعد الجامعة لفروع
    المسائل أو الأصول التي تبنى عليها الأحكام..
    اشتغلت بجمع تلك القواعد والأصول من كتب الفقهاء والأصوليين
    ومنها كتب ابن قدامة المقدسي.. كالإقناع والكافي ..
    ورجعت لكتب القواعد للحافظ ابن رجب والحافظ السيوطي
    وكذلك لكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ..
    ومن أكثر الكتب التي استفدت منها بمشورة شيخنا شرح العمدة
    للحافظ ابن دقيق العيد الشافعي المالكي!!
    وكذلك فتح الباري للحافظ ابن حجر ..
    والمجموع شرح المهذب للنووي..
    ومنها أضواء البيان للشنقيطي ومذكراته في الأصول..
    كنت اقرأ وأراجع تلك الكتب ثم أدون تلك التعليلات والقواعد
    وفي اليوم التالي أقرأها على الشيخ وأسجل تعليقاته وتفصيلاته
    لها ويفرع عليها قواعد أخرى يسردها شيخنا على السليقة دون
    مراجعة وتردد ، مما حيرني في عقلية وسعة إطلاع هذا العالم الجليل..
    رحمه الله رحمة واسعة..
    وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء..
    سألته ذات مرة : ياشيخنا هل تراجع أو تحضر لدروسك؟؟
    فقال : الحمد لله العلم أحمله في صدري ،ونادرا احتاج للمراجعة!!
    ولقد شهدته مرارا ينقل من حافظته مسائل ونصوصا يحتاج الواحد من
    للبحث فيها والتحرير عنها دهرا ،يسوقها الشيخ ببيانه الشافي بكل
    ثقة واقتدار.. من صدره بالنص والكمال!!
    كما ذكرت سابقا مرت علي فترة من الهدوء من قبل صاحبنا العتيد!!
    ولكنه لم يصبر ولم يطق الانتظار حيث ظن ذلك المسكين أن البساط
    سيسحب أو كاد أن يسحب من تحته وما درى أن شيخنا
    قلبه سيسع الجميع لو كنا نعقل أو نرشد!!
    فاجأني ذات مرة أن لحقني وأنا خارج من المسجد ونادى علي!!
    فالتفت إليه .. فما صدقت نظري ؟؟
    انه صاحبي ذاته؟؟
    ابتسم في وجهي ابتسامة لا أكاد أميزها!!
    وقال لي : كيف أحوالك وما هي أخبارك؟؟
    فقلت ك أنا بخير حال والحمد لله ...
    لم يطل الحديث معي بل كان يريد أن يعطيني انطباعا معينا ونجح فيه!!
    لمن يفهم ما اعنيه!!
    انصرف فبقيت واقفا حائرا لا اصدق ما جرى..
    هل من المعقول أن الرجل عاد لرشده ؟؟
    قلت في نفسي: لا يستغرب ذلك من طالب علم في مثل مستواه ..
    يعلم الله تعالى شدة فرحي بما حصل واستبشاري بذلك..
    وظننت أن ذلك هو نهاية تلك المآسي التي لا تليق بطلبة العلم
    خصوصا على سمعة شيخنا رحمه الله..
    في اليوم التالي بادرته أنا بالسلام في صلاتي الفجر والظهر..
    كان قصدي أن استوثق من الرجل هل ما فعله حقيقة أم أنه كيد ؟؟
    جاءني بعد صلاة العصر وقال لي: هل ممكن ترافقني لفنجان قهوة في
    بيتي؟؟
    قلت : لدي برنامج مع الشيخ...
    ولكن لأجلك سأذهب معك!!
    ركبت معه على سيارته ..
    وأنا فرح بهذا التقدم الغير متوقع!!
    وقطعنا الطريق لبيته الواقع في أطراف عنيزة..
    كان يتحدث ويتبسط في الكلام ويبتسم ويظهر السرور والفرح..
    مما زاد وثوقي واطمئناني..
    وما كنت أعلم أنني كالشاة تسقى وتطعم العلف وهي تساق لسكين
    الجزار !!
    وصلت لبيته ، وهو منزل عائلته وكان شبه خال !!
    دخلنا المجلس ..
    ولم يقدم لي القهوة والشاي كما هي العادة بل تحول الحديث بشكل
    مفاجئ..لتحقيق وتدقيق ..!!
    ولكنه كان من النوع الهادئ ولم يكن عاصفا أو مدويا!!
    ولم أفهمه أنه كذلك إلا حينما قال لي :
    أريدك أن تفرغ كل مافي جيبك من أوراق !!
    قلت له : لماذا ؟؟
    قال: أفعل ما أطلبه منك !!
    أخرجت ما في جيبي من أوراق فبعثرها وفتش فيها ودقق
    فقال : أخرج كل مافي جيبك ؟؟
    فقلت : لا يوجد شيء سوى مناديل وأقلام..؟؟
    قال : أخرجها!!
    أخرجتها حتى لم أترك شيئا في جيبي!!
    لم افطن لمقصده حينها!!
    فتش في تلك الحاجيات وبحث فما أشفى ذلك غليله ونهمه!!
    فقام إلي وأخذ يفتش جيوبي بنفسه ورفع شماغي عن رأسي
    وانزلها !!
    قلت له : عماذا تبحث يافلان؟؟
    قال : لا يعنيك!!
    قلت : وكيف لا يعنيني؟؟
    قال : أنت تخفي شيئا ولا ادري أين وضعته.. ولكن سوف أجده يوما!!
    ثم أمرني بالخروج معه من المنزل ..
    خرجنا وكان وجهه مسودا من الغيظ وهو كظيم ويكاد يفتك بي!!
    ركبت للسيارة وأنا خائف منه ..
    ولم نتكلم حتى اقتربنا من السكن ..
    عندها دار في فكري شيء...!!
    وفهمت ماذا يقصد وعماذا يبحث!!
    قلت له : يافلان أما آن لك أن تعقل !!
    أنت أحضرتني لبيتك وفتشتني وأهنتني ماذا تريد من ذلك؟؟
    سكت ولم يجبني !!
    قلت له : هل تظن أنني سحرت الشيخ وأنني اخفي السحر في جيبي؟؟
    فالتفت إلي ونظر في عيني وكاد أن يوقف السيارة ولكنه نظر أمامه
    ولم يتحدث بكلمة واحده!!
    نزلت من سيارته وأنا خائر وحزين من فعل هذا الخائب..
    ترددت في الاتصال على شيخنا ..
    هل أخبره بما فعل ذلك الرجل؟؟
    لم أصدق والله أن بلغت به الظنون هذا الحد!!
    هل ياترى لو أخبرت الشيخ سيصدق؟؟
    أليس من المعيب أن اشغل شيخنا بتلك التفاهات؟؟
    خاصة بعد انتهاء مشكلتي مع الوالد قريبا..
    حضرت الدرس تلك الليلة وأنا لا أكاد أشعر بما هو حولي ..
    بعد صلاة العشاء انتظرت الشيخ ..
    فسألني أين كنت اليوم؟؟
    فقلت له : ذهبت مع فلان في بيته!!
    فتعجب وقال : مع فلان؟؟ صحيح؟؟
    كأنه فرح بذلك ..
    ثم ناولني عباءته ودخل لدورات المياه .. حيث سيذهب بعد ذلك
    لزيارة إحدى قريباته كما هي عادته..
    لم يكن لدي فرصة للحديث معه أو إبلاغه بما فعل صاحبنا معي..
    في اليوم التالي ..
    لم أقابل الشيخ لصلاة الفجر ولا الجمعة ذلك اليوم...
    حيث كنت تعبانا وكسولا ومتضايقا للغاية ..
    رأيت الشيخ من نافذة غرفتي وهو خارج من المسجد من صلاة الجمعة
    ومعه جمع من الناس ومنهم صاحبنا ذاك!!
    بعد صلاة العصر .. مشيت مع الشيخ وقرأت عليه عددا من القواعد..
    وحينما اقتربنا من منزله وكنت وحيدا مع الشيخ ..
    لاحظت صاحبنا يسير بسيارته ويراقبني..
    حيث مر بسيارته من أمام منزل الشيخ..
    سلمت على الشيخ ثم رجعت للسكن..
    وفي الطريق بدر لي أن ارجع للشيخ وأحدثه بما تم بالأمس..
    فرجعت لبيته .. وطرقت الباب ...
    فرد علي أهل الشيخ .. فطلبت منهم أن ينادوه...
    فقالو لي: انتظر قليلا...
    حينها .. مر صاحبنا بسيارته مرة أخرى فرآني واقفا أمام بيت الشيخ..
    فأوقف السيارة و ترجل منها وتوجه نحوي..
    فاقترب مني .. وصرخ في وجهي ..
    وقال: ماذا تفعل هنا ؟؟
    هيا أغرب عن وجهي ؟؟
    فقلت له : أنا أمام بيت الشيخ ، وليس بيتك وهذا ليس من شأنك!!
    فرفع يده فجأة..
    ولطمني على وجهي بشدة فسقطت على الأرض..
    وتبعثرت أوراقي ومسجلي..
    فحمل المسجل وضرب به على وجهي فسقطت مرة أخرى ثم رمى به على جدار منزل الشيخ فتكسر ولم يعد ذا نفع..
    ثم دفعني بشدة وعنف وقال : هيا اذهب وإلا فعلت بك وفعلت!!
    حملت متاعي وأوراقي المبعثرة وتمنيت أن يخرج الشيخ فيرى ما حصل بعينه.. ورجعت للسكن وأنا أبكي من الألم والحسرة..
    سبحان الله.. أهكذا العلم وهكذا حال طلبة العلم؟؟
    وممن ؟؟ من أقرب الناس للشيخ ؟؟
    واعيباه وفضيحتاه على العلم وطلبته!!
    والله الذي لا إله سواه إنني أتحدث لكم ولا أكاد اصدق ما حدث وجرى
    دخلت على سكن الطلبة وطلبت من علاء الدين أن يعطيني هاتفا..
    فقال لي: مالذي حصل لوجهك؟؟
    فقلت : دعني ياعلاء سأخبرك لاحقا..
    فقال : إن هاتفي يستقبل ولا يمكن الاتصال منه..
    ولكن اذهب لتلفون المكتبة فيمكنك الاتصال منه..
    دخلت على مشرف المكتبة وهو الأخ عبيد الله الأفغاني وهو من أصحابي القريبين جدا مني..
    فاستأذنته للاتصال على شيخنا لأمر هام...
    فتفهم الأمر وعرف أن هناك كارثة حصلت معي!!
    فاسـتأذنته أن أخلو بالتلفون ..
    لم أكن ارغب أن يسمع الطلاب تلك المهزلة والفضيحة..
    فخرج من المكتبة ولم يكن حينها سواه ورد الباب خلفه..
    فاتصلت على تلفون الشيخ الخاص..
    فردت علي أهله وحولتني للشيخ...
    حينما سمعت صوته ، انفجرت باكيا ولم أستطع أن أنطق جملة واحدة مفهومة ..
    فقال لي: ..
    اهدأ وحدثني بما حصل ...
    فرويت له القصة وما فعله طالب العلم ذاك معي..
    فاسترجع شيخنا ، وعرفت الغضب والحيرة من صوته ..
    وقال لي: سوف أرى مالذي سأفعله مع هذا الرجل..
    ثم أغلق السماعة ....



    !!!

  3. #43

    افتراضي

    الحلقة الثانية والأربعون

    لم أحضر الدرس ذلك اليوم من الخوف والحياء..
    ولم أخرج من غرفتي طوال ذلك اليوم وحتى اليوم التالي ..
    صليت الظهر مع الشيخ ثم لحقته بعد الصلاة..
    وكان الشيخ واجما ويستمع لأسئلة الناس حتى انتهوا وبقيت أسير
    وحدي معه..
    كانت الحيرة والغضب واضحة عليه..
    لا شك أنني أردت منه أن ينصفني من ذلك الطالب المعتدي..
    فهو حق لي ....
    ولكن ما معنى ذلك؟؟
    سيكون في ذلك فتحا لباب الأقاويل في الشيخ وطلبته حينها..
    وهو مؤذ للشيخ ...
    وهذا شيء لا أرضاه البتة ..
    حتى ولو أدى ذلك لأذيتي والتعدي علي مرارا والله..
    ومالذي يضيرني لو تحملت في ذات الله تعالى وطلب العلم أذية ؟؟
    فقد أوذي وضرب وشتم وتعدي بل وقتل من هو اشرف مني
    وخيرا وأتقى عند الله تعالى..
    لم يطلب مني شيخنا شيئا ولم ينهني عن شيء ولم يخبرني مالذي
    جرى بينه وبين ذلك الطالب..
    ..ولا أشك انه استدعاه واستوثق منه ما فعله..
    فهو رجل قريب من الشيخ وهو طالب مجتهد في العلم إن لم يكن اعلم
    طلبة الشيخ في بعض العلوم!!
    فأي عار سيجلبه ذلك الرجل لنفسه ولشيخه ولحلقته ولطلبة العلم لو
    أشيع الخبر حينها؟؟
    لو طلب مني الشيخ أن أصبر وأصمت لفعلت ولكن سيبقى في نفسي
    شيء!!
    ولو أمرني بفعل شيء نحو أن أشتكيه أو شيخنا فعل ذلك لكانت
    كارثة!!
    لذلك سكت الشيخ وكأنه يشير لي أن القرار راجع إلي!!
    ولا أدعي والله أنني كنت راشدا حكيما في أفعالي حينها..
    ولكنني كظمت غيضي وفوضت أمري لله سبحانه..
    وصمت ولم أشتكه للشرطة أو أي جهة تحاسبه..
    وأنا أحمد الله تعالى أنني فعلت ذلك ..
    فمنذ تلك المشكلة وأنا أشعر في نفسي أنني جزء من عائلة هذا العلم
    الشهم الكريم الذي آواني وكفلني ..
    فالحمد لله أنني لم أضيق صدره بشيء أو أن أفتح له بابا للمشاكل..
    ولكن هل ارتدع ذلك الرجل السفيه عن غيه وعقل وتاب عما فعل..
    دعوني أكمل فصول الرواية وأحداثها وستعرفون مالذي حدث!!
    كما سبق لم يطلعني الشيخ عما جرى بينهما..
    ولكنني أدركت بعض الأمور من خلال تصرفاته..
    والتي من خلالها نستطيع استنباط ما يجري..
    حيث انقطع رفيقنا عن الدروس لفترة طويلة !!
    وتوقف عن القراءة على الشيخ في درس العصر..
    بل لم يعد يصلي خلف الشيخ في المسجد كما هي عادته..
    ورأيت بينه وبين الشيخ جفوة ..
    وأنا لم آمر بذلك ولم تسئني !!
    كما قال أبو سفيان رضي الله عنه.. !!
    فبعد فعلته معي صرت لا أطيق رؤيته ولا أطيق مجاورته ..
    وحينما رجع لحضور الدرس بقي سنوات يحضر الحلقة
    دون أن ينطق بكلمة واحدة أو يكلمه شيخنا إلا ما ندر..
    وكل ذلك من نتائج أفعاله المشينة معي حينها...
    لقد سعى ذلك الرجل طوال بقائي في عنيزة في تشويه صورتي والنيل
    مني سواء في عنيزة عند طلبة الشيخ أو لدى أقاربه وأهله وولده..
    وكذلك لدى كل المشائخ الذين يصل إليهم دون أن يردعه دين أو خلق
    أليس من المعيب أن يكون شغلنا نحن طلبة العلم أن نفتري على بعضا
    بعضا ونشغل الناس بمثل هذه التفاهات..
    لا يظنن جاهل أو مغفل أنني أردت بكتابتي عن تلك القصة النيل من ذلك
    الطالب أو الانتقام من تصرفاته معي ..!!
    إن هذا سيكون حسابه بين يدي رب العالمين سبحانه..
    ولو قصدت ذلك لفضحته باسمه ولذكرت مخازيه باسمه..
    وهذا مالا يليق بنا معاشر طلبة العلم وفي ذلك أذية لشيخنا ولأهله ..
    فدعونا ياإخوتي نستفيد من تلك القصة دون أن ننشغل بمعرفة من هو
    فلان أو فلان..
    إن كل ما قصدته من كل ذلك هو رد جزء من جميل شيخي وأستاذي
    ووالدي الشيخ محمد رحمه الله ورضي عنه ..
    فدعوني احكي الحكاية واروي الواقعة بكل اطمئنان وراحة ضمير..
    إن موقف شيخنا محمد معي هو موقف شريف ونبيل أريد أن أحكيه
    للناس لتعرف فضله وعقله وسعة حلمه رحمه الله ..
    أريد أن يعرف أبنائي و كذلك كل من اساؤا بي الظنون ممن قرب وبعد
    أريدهم أن يدركوا ما حصل ويكفيني أن تبلغهم الحقيقة التي أدين الله
    بها وبعد ذلك فالقرار راجع لهم وأمري وأمرهم لله تعالى..
    لقد شحن ذلك المسكين نفوس بعض الناس حتى وصل بهم الحال أن
    يفعلوا أفعالا لا تكاد تصدق..
    سافر مجموعة من أصحابه بإيحاء منه للطائف من أجل أن يستوثقوا
    عني لدى من يعرفني من المشائخ ..
    وليتهم أكتفوا بذلك فليس هناك سوى ما يشرف والحمد لله ...
    بل كذبوا وافتروا و صوروا لهم أنني في شهور بسيطة قد صرت أقرب
    الناس للشيخ فلا بد أنني استعملت وسائل غير شرعية وقصدهم أنني
    سحرت الشيخ !!
    ورجعوا لعنيزة ونشروا بين الناس أنهم وجدوا سر المسألة
    وكيف أنني سأكون خطرا على الشيخ وولده وأهله ..
    اختلفت آراء أولئك السفهاء ..
    فمنهم من قال : هو ساحر ..
    ومنهم من قال : بل هو جاسوس ..
    ومنهم من قال : هو !!!
    والذي أريد أن يعرفه هؤلاء ممن يقرأ هذا الكلام اليوم أنني طوال
    بقائي في عنيزة لأكثر من عشر سنوات والذي لا إله سواه لم اسمع
    شيخنا يقول كلمة واحدة عن سحر أو جاسوسية لا عني ولا عن أحد
    من طلبته فهو رجل عاقل وحصيف ويخشى الله تعالى في أعراض
    الناس ويعرف أنه موقوف بين يدي الله ومسئول عن كل ما يقوله
    فليعد أولئك جوابا لربهم عما قالوه وافتروه ..
    وليأتوا بالبرهان إن كانوا صادقين ..
    لم يرو لي الشيخ ما يقوله هؤلاء عني ولم اسمعه يتكلم به معي أو
    مع غيري لا من قريب ولا من بعيد ولم يحاول الإستيثاق من ذلك
    فهذه شهادة شرف أعتز بها من الشيخ رحمه الله..
    كان الشيخ يقول لي : أنت مثل ابن عباس رض الله عنه حينما قال:
    أدركت العلم بثلاث (بقلب عقول وجسم غير ملول ولسان سؤول) أو كما
    قال رضي الله عنه..
    لم يشتغل الشيخ ولم يشغلني بمثل هذه الخزعبلات ..
    بل كان وفيا معي وبعهده الذي قطعه لوالدي بأن يرعاني وأكون تحت
    نظره وتربيته ..
    جاءت أيام الدراسة فدرست في ثانوية ابن سعدي وبالكاد تخرجت من الثانوية..
    حيث أن نفسي طابت من الدراسة النظامية ولولا ضغط الشيخ علي
    لتركتها ولم أكمل مطلقا..
    جاء رمضان ذلك العام ..1412 للهجرة..
    حيث يتبع فيه شيخنا برنامجا صارما في قراءة القرءان
    وتتوقف دروسه تقريبا سوى تدريس بعض الأبواب الفقهية التي
    تتعلق بالصيام ورمضان..
    حينما بلغنا الخبر برؤية الهلال ذلك العام ..
    لم نتمكن من صلاة التراويح ليلة الأول من رمضان ..
    فلم يبلغ الناس إلا متأخرين وأظنهم أعلنوا ذلك في آخر الليل ..
    في ذلك الصباح استقبلت الشيخ وهنأته بالشهر الفضيل ..
    وسألته عن برنامجه ؟؟
    فقال : سأجلس أقرا القرءان في المسجد..
    قلت له : سأبقى معك ..
    قال: لا دروس سوى قراءة القرءان فحسب..
    فقلت : نعم سأفعل إن شاء الله..
    وكنت حينها مرهقا ومتعبا ولم انم أغلب الليل ..
    صلى الشيخ الفجر ذلك اليوم ثم بعد التسبيح والذكر ..
    دخل لمصلى الجمعة الذي في مقدمة المسجد..
    ورمى عباءته على الأرض وابتدأ في قراءة القرءان وهو يسير
    ذهابا وإيابا..
    فقرأ عشرة أجزاء .. حيث يختم كل ثلاثة أيام ..
    فتكون ختمته في الشهر عشر ختمات ..
    ولو شاء لختمه كله في يوم واحد ولكنه يرى أن السنة أن لا يقل عن
    ثلاث لحديث عبد الله بن عمرو ابن العاص.. المعروف..
    و بما انه ينزل لمكة ويمكث العشر في الحرم تدريسا وإفتاء
    ولكثرة أشغاله وضيق الوقت فهو يقرأ أيضا بعد صلاة العصر ليعوض
    عن نفسه الختمات التي يريد أن يقرأها في مكة ..
    ومن عمل شيخنا انه يواظب على الشيء إذا فعله مهما كانت الظروف
    ويحترز لذلك .. رحمه الله رحمة واسعة..
    طلب مني الشيخ أن أراجع حفظي ثم بعد ذلك يسمع لي حينما ينتهي
    من قراءة حزبه .. في المسجد أو ونحن نسير لبيته..
    حيث لا يكون أحد سوانا..
    ويكون ذلك بعد انقضاء حوالي ثلاث ساعات من بعد الصلاة..
    كانت لحظات روحانية أجد المتعة واللذة في استذكار تلك اللحظات
    الجميلة ..
    أذكر أن تلك الأيام كانت باردة ولذلك يلبس شيخنا عباءته الغليظة
    ذات اللون المسمى ( العنابي ) !!
    وكنت أتدثر بعباءتي وأقرأ القرءان ويصيبني النعاس أحيانا..
    فأنام فيرفع شيخنا صوته بالقرءان كأنه يوقظني فأستيقظ وأكمل
    حزبي..
    حاولت مرارا أن أفعل مثل الشيخ وأسير في المسجد كما يسير هو
    ولكنني تعبت وعجزت ..
    وهو يفعل ذلك لكي لا ينام وينعس ولا يكسل ..
    ذات مرة في تلك الأيام ونحن نسير لبيت الشيخ وحولنا هدوء وسكينة
    فالناس كلهم هجوع..
    والأسواق والشوارع خالية من الناس والسيارات ..
    فلا تسمع سوى سقسقة وتغريد العصافير..
    طلبت من الشيخ أن يحدثني عن نفسه ..
    وعن حياته في شبابه ..
    فأخذ يروي لي أشياء جميلة سأذكرها في الحلقة القادمة
    بحول الله تعالى ...



    !!!

  4. #44

    افتراضي

    الحلقة الثالثة والأربعون

    ذات يوم من أيام رمضان المبارك تلك..
    وبعد أن أكمل الشيخ حزبه من القرءان في الصباح..
    دعاني لكي يراجع لي حفظي ..
    فكنت أقرأ عليه ويفتح علي إن أخطأت ..
    وكنت أمشي بجواره بين زوايا المسجد ..
    دنا الشيخ من النافذة في الزاوية الغربية من الجامع..
    ثم توقف قليلا!!
    وأخذ يمعن النظر في مسجد الطين القديم الذي بني منذ زمن بعيد
    يتجاوز القرن من الزمان وما زال حتى تلك الأيام يصلى فيه ..
    قال لي الشيخ : أتدري؟؟
    لقد حفظت القرءان في هذا المسجد ..
    عند عمي سليمان آل دامغ رحمه الله ..
    وكنت مؤذن هذا المسجد الصغير لفترة من الزمن...
    قلت له : كم كان عمرك حينما حفظت القرءان ؟
    قال : حوالي العشرة أعوام..!!
    ثم أكملت تسميع حزبي .. وخرجنا من الجامع..
    وكان الوقت حينها ضحى ..
    ونكاد نسير لوحدنا في كل الطرق التي مررنا بها..
    أخفيت مسجلي الجديد في جيبي ..
    وقلت للشيخ : ياوالدي هل يمكن أن تحدثني عن شبابك وحياتك في
    صغرك.. ؟؟
    فتنفس الشيخ الصعداء ثم أخذ يروي لي في عبارات رقيقة ومعاني
    سامية لا تحضرني جميعها ...
    ولكن سأنسجها من ذاكرتي وأضيف عليها أشياء رواها الشيخ لي
    في مواقف أخرى وهي بذات مضمون ما قاله.. دون زيادة أو مبالغة..
    ولو كانت عندي مكتوبة أو مسجلة لرقمتها لكم بحرفها ولكن للأسف
    لم يبق سوى ما في ذاكرتي وبالكاد تجود معي بشيء!!
    قال رحمه الله:
    كانت عائلتنا فقيرة .. كأغلب العوائل في عنيزة حيث مر على الناس
    جوع ومخمصة لقلة الأمطار ولندرة المال، ولانعدام الأمن ، حيث يعجز
    الواحد أن يخرج من عنيزة لبريدة أو لأي مدينة أخرى حينما يحل
    الظلام .. خوفا من السراق وجماعات النهب والسلب...
    كانت عائلتنا تملك بقرة حلوب نشرب من حليبها ولبنها ونتغذى من
    سمنها ولحمها في المواسم.. كما هو الحال في كل بيوت عنيزة..
    وكان والدي يذهب نهارا للوادي لكي يزرع ويسقي نخله وغرسه..
    فكنت أساعده في شؤون عمله ..
    حبب الله تعالى لي العلم وطلبه قبل أن تنشأ المدارس النظامية
    والمعاهد، فالتحقت بحلقة شيخنا ابن سعدي رحمه الله مرورا بدروس
    بعض تلاميذه الكبار اللذين كانوا يدرسون مبادئ العلوم لصغار الطلبة
    ومنهم أنا (يعني الشيخ نفسه..)
    فكنت أحرص على الجمع بين الطلب ومساعدة الوالد رحمه الله..
    استمر الشيخ عدة سنوات في الدراسة على شيخه ابن سعدي
    وأقبل الطلبة عليه من عنيزة وخارجها ..
    حيث هو علامة القصيم حينها بلا منازع..
    يقول الشيخ : كان شيخنا ابن سعدي رجلا حليما ورحيما بطلابه فكان
    يشجعنا على الطلب بكل ما توفر له من إمكانات ..
    فكان يثير جو المنافسة بين المجموعات بالمناظرات والمجادلة
    والمحاورة ، فيكافئ المجموعة الفائزة أو الطالب المجد بحفنة من
    تمرات الرطب أو العنب أو بمكافأة مالية رمزية ..
    وكان الشيخ في دروسه يبسط الكلام ليستوعب الصغير والكبير عنه
    ويحاور طلابه ويمازحهم أحيانا في دروسه ، مما يثير جو الحرص
    وحب الاستماع والاستفادة من علمه وأدبه ..
    وكان الشيخ يزور الطلبة في بيوتهم ويحضر مناسباتهم ويعود مرضاهم
    يقول شيخنا : كانت مكتبتي حينها عبارة عن غرفة صغيرة ، انحشر
    فيها وتصعب علي فيها الحركة سوى بمشقة ولها كوة صغيرة تشرف
    على زريبة البقر ولم أكن أتأذى من روائحها النتنة لأنني لا أشم
    أصلا!!
    أراجع في مكتبتي المتواضعة دروسي من كتاب الروض وتفسير
    الجلالين وغيرهما ..
    يقول الشيخ : ثم مرت بعد ذلك فترة من الركود العلمي فتضائل عدد
    الطلاب عند الشيخ ابن سعدي...
    وشغل الناس بأمور سياسية ومذاهب فكرية كالناصرية والقومية
    العربية الاشتراكية وغيرها بسبب الإعلام المنحرف والموجه..
    وانفتحت أبواب التجارة والعمل والتعليم في الجامعات والمعاهد
    فهاجرت كثير من العوائل للمدن الكبرى كالرياض والمنطقة الشرقية
    وغيرها...
    يقول الشيخ : ثم إنني أصابني ما أصاب الناس فانصرفت عن دروس
    الشيخ واشتغلت بالزراعة في الوادي مع الوالد ..
    قلت له : كم الفترة التي انقطعتم فيها عن العلم؟؟
    قال : خمس سنوات تقريبا!!
    قلت له : وماذا كنت تعمل حينها ؟؟
    قال: أزرع واحصد ولم أكن أذاكر أو أراجع العلم الذي حصلته عن
    الشيخ ابن سعدي، وكدت أنسى القرءان غير أنني كنت أراجعه وأنا
    أسير على حماري إلى الوادي!!
    ولولا ذاك لنسيته ولكن الله سلم..
    يقول الشيخ: ولم يكن يحضر حلقة الشيخ بن سعدي سوى عدد بسيط
    من كبار طلبته ، ومع ذلك صمد الشيخ واستمر في التعليم والتأليف
    والإفتاء.. والخطابة وتدريس العوام ..دونما انقطاع.. رحمه الله
    رحمة واسعة..
    يقول شيخنا: ثم إن الله تعالى حينما أراد بي خيرا ..
    جئت يوما لجامع الشيخ ابن سعدي وحضرت درسه لأول مرة منذ
    سنوات ..
    فما عاتبني الشيخ ولا نهرني لانقطاعي ولم يقل لي:
    لم غبت ؟؟
    أو لم تركت العلم؟؟ أو نحو ذلك ...
    مما أثر في نفسي وحبب الشيخ ابن سعدي لنفسي..
    فرفع ذلك السلوك من الشيخ همتي ..
    و توجهت بكل جوارحي للعلم ، فزاحمت الكبار وثنيت الركب بين يديه
    وحصلت من علمه وأدبه ما فتح الله علي به ، فحزت رضاه وإعجابه
    فقربني وخصني بدروس لي خاصة أو مع خاصة تلاميذه..
    فقرأت عليه متونا كثيرة في الفقه والتفسير والأصول والنحو والصرف
    والحديث والمصطلح وغيرها من العلوم النافعة..
    وحصل أن انتقلت عائلة الشيخ محمد لمدينة الرياض ..
    فطلب الشيخ ابن سعدي من والد الشيخ محمد كما سبق وذكرنا أن يبقى
    شيخنا في عنيزة ليكمل طلبه للعلم ، حيث رأى الشيخ فيه علامات
    النبوغ والنباهة فحرص على بقائه ليستمر في التحصيل وهذا ما كان..
    و بعد سنوات افتتحت المعاهد العلمية..
    فاستأذن شيخنا من شيخه ابن سعدي أن ينتقل للدراسة
    في المعهد العلمي في الرياض ..
    فأذن له شيخه ..
    يقول شيخنا ..
    حينما دخلت قاعة الدرس في المعهد العلمي في الرياض ..
    وتغيرت علي وجوه الطلبة اللذين عهدتهم ..
    وكان الجو الدراسي وطرق التدريس مختلفة عما أعتدت عليه ..
    تنكرت علي الأمور وضاقت علي نفسي ..
    وندمت على حضوري للرياض..
    وكان يجلس بجواري شاب كفيف خلوق وطيب فأحببته واستأنست به
    منذ أول لقاء به..
    وهو الشيخ العلامة عبد الرحمن البراك العالم المشهور ..
    يقول الشيخ : ونحن في القاعة وأنا أتحدث مع صديقي وجاري
    دخل علينا رجل بدوي الهيئة اسمر البشرة رث الثياب ..
    وجلس على مقعد التدريس فقلت في نفسي:
    الآن أترك شيخنا ابن سعدي وعلمه الواسع وطيبته وأريحيته
    وسماحة نفسه ..
    وكنت في بلدي وديرتي وبين أقاربي وأصحابي
    أترك كل ذلك من أجل أن أتعلم عند هذا الإفريقي البدوي..؟؟
    ياضيعة العلم والعلماء..
    يقول الشيخ : ثم إن هذا الأعرابي بدأ في الكلام ..
    فحمد الله وصلى على رسول الله ..
    وتكلم في فنون العلم وصنوفه من حفظه بلا كتاب
    فشرق وغرب وتلا الآيات ونقل أقوال المفسرين والفقهاء ..
    وخلافاتهم ، قديمها وحديثها..
    وذكر الأحاديث بأسانيدها وشواهدها والحكم عليها..
    وروى الأشعار والشواهد والنصوص الطويلة.. الهائلة وتفجرت أنهار العلوم من بين جنباته
    و تدفقت من لسانه كالسيل الهادر ..
    علوم وأقوال لايكاد يحويها صدر عالم لقيناه أو عاصرناه..
    فلله دره ..
    ما أقوى حجته ..
    وما أسد بيانه ..
    وما أرفع كعبه في العلم وبيانه ونقله ..
    رغم احتقارنا لهيئته أول الأمر ..
    يقول الشيخ : ففرحت بذلك أيما فرح ..
    وشكرت الله تعالى أن تمكنت من لقيا هذا الجبل الأشم والبحر الزاخر..
    إنه العلامة المفسر الفقيه النحوي الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله رحمة واسعة..
    صاحب التفسير الكبير تفسير أضواء البيان..
    أستفدت من علمه في التفسير والأصول والنحو وغيرها..
    يقول الشيخ: ولازمت دروس سماحة شيخنا العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز عليه رحمة الله ..
    فقرأت عليه جزءا من صحيح البخاري وأبواب الفرائض..
    وقد أهتم بي الشيخ وخصني بدروس في منزله
    فقرأت عليه عددا من المتون في قواعد التفسير والحديث وغيرها..
    وحسبك بهذين العالمين الجليلين علما وفقها وسعة اطلاع ..
    عليهم وعلى شيخنا سحائب الرحمة والرضوان..



    !!!

  5. #45

    افتراضي

    الحلقة الرابعة والأربعون

    بعد أن أكمل شيخنا دراسته في المعهد العلمي في الرياض..
    رجع لموطنه عنيزة ..
    ومكث في هذه المدينة الهادئة الوديعة طوال حياته..
    وحينما افتتح المعهد العلمي في عنيزة عين شيخنا مدرسا فيه..
    وأكمل دراسته بالانتساب في كلية الشريعة في الرياض..
    أصيب الشيخ ابن سعدي بعارض صحي فسافر للعلاج إلى لبنان..
    فتعافى .. ولكن المرض عاد له بعد فترة من الزمن..
    فأرسلت طائرة الإخلاء لنقله فتوفي قبل أن ينقل للرياض..
    وذلك في عام 1376 للهجرة..
    واحتار الناس فيمن يخلف الشيخ ابن سعدي في الإمامة في الجامع الكبير والخطابة والتدريس في حلق المسجد..
    ووقع اختيار عدد من الوجهاء على الشيخ محمد ..
    رغم أنه لم يكن أكبر الطلبة سنا أو أقدمهم في حلقة الشيخ ابن سعدي..
    وتبين للناس بعد حين أن اختيارهم لشيخنا كان توفيقا وتسديدا من الله تعالى ..
    سبب موت العلامة الفقيه ابن سعدي رحمه الله فراغا في التعليم
    الشرعي ، ولكن لم يطل الوقت حتى سد شيخنا مسده بل كاد يجاوز شيخه أو قد فعل!!
    سلك شيخنا أسلوب الشيخ ابن سعدي في الإلقاء حيث التبسيط والتركيز على الكيف لا الكم..
    والعجب من بعض طلبة العلم في زماننا هذا ..
    ترى الواحد منهم يسوق في الدقيقة الواحدة كما كبيرا من المسائل والنقولات ولا يكاد يستوعب الطلبة من أستاذهم سوى النزر اليسير من علمه.. !!
    يقول ابن عباس حبر الأمة رضي الله عنهما..
    في قوله تعالى ( وكونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) قال هم من يبدؤون بصغار العلم قبل كباره..
    قال لي احدهم يوما: ما بال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في دروسه التي نسمعها على الأشرطة فيها كأنه يدرس أطفالا لا طلبة علم ؟؟
    قلت له : أنت تبالغ في كلامك.. لكن الشيخ يبسط المسألة لأن أفهام الناس تتفاوت فيستفيد من كلامه الطالب المبتدئ و كذلك الطالب المجد النهم .... فهي ربوع نظرة وبساتين عامرة كل يقطف منها ما
    يسد حاجته ويروي عطشه ..
    لقد ورث شيخنا هذا الأسلوب عن شيخه ابن سعدي والشيخ ابن سعدي
    أخذ هذا الأسلوب عن الشيخ محمد الشنقيطي وليس هو صاحب أضواء البيان بل هو أحد العلماء اللذين مروا على عنيزة في طريقهم لمدينة الزبير في العراق حيث تتلمذ عليه الشيخ ابن سعدي في فترة بقاءه
    في عنيزة واخذ عنه سند رواية الكتب الستة متصلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم..
    وبهذه المناسبة يسرني أن أزف هذه البشرى لطلبة شيخنا ابن عثيمين رحمه الله جميعا ممن تتلمذوا على يديه وحضروا دروسه واستحقوا أن يطلق عليهم عرفا أنهم تلاميذ لديه بأن لهم جميعا نسبا شريف
    متصلا برسول الله صلى الله عليه وسلم !!
    هو خير الأنساب وأفضل وأزكى عند الله لمن اتقى!!
    من نسب الرحم والقرابة ..

    ولهذا النسب وتدوينه قصة سأحكيها لكم لاحقا ..
    ومضمونها أنه حينما ابلغني الشيخ رحمه الله بإصابته بمرض السرطان في القولون تألمت لذلك أشد الألم وحز في نفسي وتكدرت علي أموري ..
    فكتبت له هذه الورقات ومعها أوراق أخرى وفيها أبيات شعرية نظمتها
    وسلمتها له ..
    ففرح بها الشيخ وأثنى عليها ويسعدني أنها كانت سببا لإدخال السرور على نفسه رحمه الله رحمة واسعة والآن دعوني أذكر السند والذي أطلقت عليه (نسب العلماء )
    علما أن الفضل يعود بعد الله في تدوين هذا النسب للشيخ العلامة عبدالله البسام رحمه الله
    حيث نقلت أغلب ذلك النسب النبيل من تحفته النادرة الطراز
    (تاريخ علماء نجد خلال ثمانية قرون)
    قلت فيها :
    هذا هو نسب شيخنا وأستاذنا العلامة الفقيه المفسر النحوي ..
    الشيخ محمد بن صالح العثيمين ..

    وقد أخذ العلم عن شيخه العلامة عبد الرحمن الناصر السعدي ..
    وهو أخذ العلم عن الشيخ صالح بن عثمان القاضي..
    وهو أخذ العلم عن الشيخ عبد الله بن عائض..
    وهو أخذ العم عن الشيخ علي بن محمد بن علي قاضي عنيزه
    وهو أخذ عن الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين مفتي نجد المشهور
    وهو أخذ عن الشيخ أحمد بن حسن بن رشيد الإحسائي..
    وهو أخذ عن العالم الشهير محمد بن فيروز وهو أخذ عن والده عبدالله بن فيروز ..
    وهو أخذ عن والده محمد بن فيروز الجد..
    وهو أخذ عن عبد القادر التغلبي ..
    وهو أخذ عن محمد البلباني وعن الشيخ عبد الباقي والد أبي المواهب...
    وهما أخذا عن العلامة منصور البهوتي .. صاحب الروض..
    وهو أخذ عن يحي بن موسى الحجاوي ... صاحب الزاد..
    و عن الشيخ أحمد الوفائي وهما...
    عن الشيخ موسى الحجاوي صاحب الإقناع ...
    وهو أخذ عن الشيخ أحمد الشويكي...
    وهو أخذ عن أحمد العسكري..
    وهو أخذ عن علي بن سليمان المرداوي العلامة المشهور منقح المذهب الحنبلي ..
    وهو أخذ عن ابن قندس...
    وهو أخذ عن ابن اللحام...
    وهو أخذ عن الحافظ ابن رجب الحنبلي..
    وهو أخذ عن شمس الدين ابن قيم الجوزية ...
    وهو أخذ عن شيخ الإسلام ابن تيمية ....
    وهو أخذ عن شيخه شمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمر صاحب الشرح الكبير..
    وهو أخذ عن عمه موفق الدين ابن قدامة ...
    وهو أخذ عن شيخه العابد الزاهد عبد القادر الجيلاني...
    وعن الحافظ ابن الجوزي وعن ابن المنى الفقيه المشهور وهم ..
    أخذوا عن أبي الوفاء بن عقيل صاحب كتاب الفنون..
    وعن أبي الخطاب صاحب الهداية...
    وهما عن القاضي أبي يعلى...
    وهو أخذ عن أبي حامد ...
    وهو عن أبي بكر بن عبد العزيز غلام الخلال...
    وهو أخذ عن أبي بكر بن الخلال...
    وهو أخذ عن المروزي وأولاد الإمام أحمد بن حنبل صالح وعبدالله...
    وهم أخذوا عن الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنه....
    وهو أخذعن أئمة ومنهم الإمام محمد بن إدريس الشافعي...
    وسفيان بن عيينه وهما عن عمرو بن دينار والإمام مالك بن أنس....
    وهو أخذ عن نافع مولى ابن عمر...
    وهو أخذ عن صاحب رسول الله الفقيه عبد الله بن عمر ابن الخطاب رضي الله عنهما...
    وهو أخذ عن إمام المتقين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم....
    هذه سلسلة كريمة مليئة بالنجوم الزاهرة وبالكرام الأولياء وعلى رأسهم رسولنا وحبيبنا سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله الهاشمي عليه افضل الصلاة والسلام أهديها لكل طالب علم درس على يد شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله..



    !!!

  6. #46

    افتراضي

    الحلقة الخامسة والأربعون

    في أيام رمضان تتوقف الدروس في الجامع سوى تلك التي تعني
    بالشهر الفضيل
    والصوم والوعظ ونحوه.. كما سبق بيانه ..
    في طريق عودة شيخنا للمنزل قبيل غروب الشمس حيث يمكث لقراءة حزبه في المسجد ..
    يدعو الشيخ كل من رآه من طلبته وغيرهم لمرافقته لتناول الإفطار في منزله...
    أما أنا فكنت افطر كل يوم من تلك الأيام في بيته..
    وقبل أذان العشاء بقليل يتوجه الشيخ مشيا على قدميه للجامع ..
    ويصلي بالناس العشاء والقيام ..
    و يقرأ كل ليلة نصف جزء من القرءان تقريبا
    ويصلي إحدى عشرة أو ثلاثة عشر ركعة كما هي السنة..
    يختمها بقنوت خاشع وخاضع .. ولا يقنت أحيانا قليلة..
    بقيت في عنيزة خمسة عشر يوما أو ثمانية عشر يوما تقريبا ..
    ثم استأذنت شيخنا للذهاب للطائف لزيارة العائلة والبقاء عندهم..
    حتى قدومه لمكة.. حيث أرغب في رفقته وصحبته هناك ..
    فقال الشيخ لي: على بركة الله .. واللقاء في مكة..
    فرحت بهذا الشرف حيث سأكون رفيقا لشيخنا في تلك الأيام الفضيلة..
    حجزت من مطار القصيم مرورا بالرياض إلى الطائف ..
    وأكدت الحجز بمشقة كبيرة ..
    ودعت شيخنا بعد صلاة الفجر و أوصلني أحد رفقائي للمطار ضحى..
    وكانت تلك أول سفرة لي للطائف بعد ذهابي لإحضار حاجياتي..
    وصلت للمطار .. وتوجهت لكاونتر السفر ..
    فقال لي الموظف: الطائرة تأخرت !!
    فقلت له: وكم ساعة تأخرت؟؟
    قال : لا ندري ؟؟
    ولكن طائرتكم المغادرة للرياض سوف تذهب أولا من الرياض إلى منطقة الجوف
    ثم تعود للقصيم لتنقل المسافرين إلى الرياض...ّ!!
    وهي حتى هذه اللحظة لم تغادر من الرياض والمفروض أنها غادرت فجرا ..
    ونصيحتي لك تبدل حجزكم لجده .. فهي مغادرة بعد ساعتين....
    ترددت بين الخيارين ..
    ولكن في النهاية عزمت على البقاء للسفر على رحلتي الأصلية ..
    حيث أن رحلتي المغادرة من الرياض للطائف ستكون قريبا من العصر..
    فأملت أن أدركها ..
    ألح علي أحد زملاء السكن أن أسافر على جده فهي أضمن ولكنني أبيت !!
    غادرت رحلة جده حوالي الساعة الحادية عشرة حيث تأخرت قليلا ..
    انتظرت رحلتي في المطار من الساعة الثامنة صباحا وحتى قريبا من العصر ..
    وبلغ بي الجهد والانتظار والملل مبلغه ..
    حيث لم يعد لي أي خيار آخر سوى تلك الرحلة ..
    وأخيرا جاءت طائرتي حوالي الساعة الخامسة عصرا... ولم تكد تصل..
    انطلقنا للرياض .. ووصلنا بعد أربعين دقيقة ..
    ولكن للأسف رحلة الطائف كانت قد غادرت الساعة الثالثة عصرا!!
    توجهت لكاونتر المبيعات لأستفسر عن الرحلة التالية للطائف..
    فوجدت طوابير هائلة من البشر تقف في صفوف مبعثرة وغير مرتبة ،
    يستجدون موظفي الخطوط العابسين المشمئزين!!
    وقفت مع الناس حتى أذن علينا المغرب فغادرنا الموظفان الكريمان دون أن يخبرا الناس .. أين وجهتهما !!
    وبقينا حوالي النصف ساعة والأرتال واقفة فيهم الكبير في السن والمريض وصاحب الحاجة ، ولا تسل عن تأفف الناس وتضايقها ؟؟
    وأخيرا رجع أصحاب السعادة وهم فرحون ويتمايلون ويضحكون بعد
    تناول وجبة الإفطار وأداء الصلاة طبعا بكل خشوع واطمئنان !!
    ولا بأس قليلا من نيل قسط من الراحة والاسترخاء ومعرفة آخر الأخبار !!
    عاد صاحبانا وهما يمضغان العلك!!
    ليرطبا نسماتهما الزكية من روائح الطعام الشهي واللذيذ !!
    كانا في قمة النشوة والنشاط بحيث أنهما لم ينهيا سوى عدد ضئيل من
    المسافرين( الضعفاء) حتى أذن عليهما لصلاة العشاء، فانصرفا راشدين فخورين
    لأداء صلاة الفرض ومعها ربما !!كم ركعة من التراويح!! ليروحا عن نفسيهم
    من عناء العمل والمكدة على الناس!!
    قد يقول البعض أنني أبالغ ولكن والله هذا ما حصل ذلك اليوم..
    وهو شيء مشاهد للأسف ولا يخفى على الجميع..
    ونراه ونشاهده بوتيرة مختلفة من مطار لآخر ومن زمن لآخر ..
    والله من وراء القصد..
    أذكر مرة أنني كنت في ماليزيا ذلك البلد الآسيوي العملاق ..!!
    وأسميه عملاقا ليس بسبب حداثته وتطوره فحسب !!
    بل لثقافة شعبه المسلم والمتمسك بقيم الحضارة مع تمسكه بدينه ومبادئه!!
    كنت بصحبة عدد من الأصحاب في منطقة اسمها (قنتن هايلاند ) وهي منطقة
    ساحرة وخلابة تقع في شرق العاصمة كوالالمبور على بعد عشرين دقيقة تقريبا
    (بالمناسبة !! سعر التذكرة على التلفريك شاملة ركوب الباص من العاصمة
    وحتى محطة التلفريك مع ركوب التلفريك ، جميع ذلك ذهابا بخمسة ريالات فقط!!)
    حينما وصلت مع أصحابي للطابور الواقف أمام العربات المعلقة والمسماة التلفريك ، هالني العدد الهائل من الناس ..
    والذين يقفون في طوابير لا تكاد تعد ولا تحصى من البشر ..من النساء والأطفال والشباب والشيوخ..
    فقلت لصحابي سنصل لأول عربة غدا إن شاء الله ..؟؟
    فالتفت لي صاحبي وقال: أنت في بلد منظم ياعزيزي أنتظر وسترى !!
    كان الصف يتحرك بانتظام وبدون توقف ولا يتقدم احد على الآخر كل يعرف سبيله وحدوده..!!
    وصلنا لأول الصف بعد عشرين دقيقة تقريبا .. وهذا والله ما حدث!!
    دعوني أكمل رحلتي فمالنا وما لماليزيا ؟؟
    أخيرا وصلت لسعادة الموظف في كاونتر المبيعات ..
    تصنعت ابتسامة وردية حتى أكسب وده وتعاطفه ورحمته..
    وكأنني واقف في طابور للشحاته !!
    تكلم معي دون أن ينظر لوجهي الكئيب!!
    بكل برود وعنجهية قال :
    مافي رحلات رح بر اصرف لك !!
    فقلبت حساباتي ودرست وضعي النفسي والجسدي خلال ثانيتين !!
    فلم يطق صاحبي الانتظار وقال لي : خلصنا يامطوع!!
    قلت :يا أخي (وكدت أقفز من فوق الكاونتر واقبل يديه!! )
    أنا مواصل من القصيم وتعبان .. شفلي أي مقعد ولو درجة أولى.. الله يخليك!!
    قال ورفع يده ومسح بالأخرى على قفاه : رح سجل انتظار وبعدين أشتري
    التذكرة من عندي!!
    قلت وأنا أمسح بيدي : طيب لا مشكله ، بس إن رجعت عندك هل يجب علي
    أمسك الطابور مرة ثانية؟؟
    قال: طبعا !!
    هذا النظام!!
    ثم أمرني بالانصراف لينهي من بعدي من البؤساء!!
    توجهت أجر ذيول الخيبة للكاونتر المذكور..
    ويالله العجب !!
    كل الوجوه عابسة ذلك اليوم ..
    العسكر والموظفون و حتى عمال النظافة ..
    أعوذ بالله ...كأننا في حرب ولسنا في مطار ..
    حينما عبرت من عند نقطة التفتيش .. الداخلية ..
    لم أجد مكانا لأقف عنده.. من الزحام وكثرت الرائح والغادي!!
    ولا يكاد المرء يجد مساحة للهواء ليتنفس الهواء النظيف !!
    كنت كلما مر بجواري موظف رسمي أمسك به و اسأله أين كاونتر الانتظار؟؟
    يقول لي أحدهم .. يمين !!
    والآخر يقول هناك أمامك ..
    وآخر ينظر لي شزرا وباحتقار ولا يرد علي ..!! كأنني قتلت أباه وأمه!!
    ولكن أخيرا دلني عامل النظافة جزاه الله خيرا ..!!
    ويا للعجب ..
    حينما وصلت للكاونتر .. رأيت أكداسا من البشر أغلبهم من الجاليات الآسيوية من الهند وبنغلادش وسيرلنكا وغيرها من البلدان ..
    وأغلبهم بلباس الإحرام ..
    مكدسة أمام موظف واحد لا تسل عن وصفه وعن ملامحه ؟؟
    وعن تجهمه المفرط ؟؟
    حينما ترى صفوفا من هذا النوع فالوسيلة الوحيدة للوصول للموظف ..
    هو أن تخترق الأرتال بالدفع عن اليمين والشمال والمزاحمة وشد الشعور واللطم أحيانا!!
    وإلا فوا لله لن تصل إليه أبدا..
    أما أنا فبقيت واقفا بكل أدب أنتظر دوري ..
    وكنت كلما اقتربت للموظف جاءت أمامي طوابير جديدة
    فيعيدني العسكري الأسمر ذو الشوارب الذابلة !!
    قائلا: من أول الصف يامطوع!!
    شاهدت عاملا توجه لموظف الخطوط ويظهر انه مسئولهم أو مديرهم
    فانكب على يده يقبلها ويبكي ويتلوى ويرفع تذكرته ويقول..
    والله أنا من ثلاثة يوم مافي أكل وشرب ولا نوم أبغى أسافر للدمام..!!
    فقال الموظف بعد أن شعر بالحرج من نظر الناس وتجمعهم لهذا المشهد المخزي!!
    المشكلة من الكفلاء يرمون هذولا المساكين ولا يؤكدون حجوزاتهم!!
    رمى السيد المشكلة على الكفلاء نور الله قلوبنا وعقولنا ؟؟
    في كل مكان ترى الهمج من شبابنا للأسف !!
    وقف مجموعة من الفتية متوسطي الأعمار والمراهقين!!
    مستغلين تلك الفوضى والهرج والمرج !!
    ودلوا رؤوسهم من فوق السور العلوي
    في أعلى المطار فوق كاونتر الانتظار مباشرة !!
    وصرخوا على العمالة المسكينة المتجمهرة أمام الموظف وقالوا لهم: تبغون
    تسافرون مكة؟؟
    روحوا هناك فيشيرون عليهم للكاونتر المجاور ..
    فيتراكض الضعاف ويحدثون جلبة .. ثم يكتشفون أنهم خدعوا !!
    فيعودون مرة أخرى ..
    فيتمايل أولئك الفتية بالضحك والمزاح!!
    مع أنه يحيط بموظف الخطوط مجندين من الشرطة بزعم تنظيم الصفوف والأرقام.. !!
    وهيهات!! فهما لا يتحركان ساكنا وكأن الأمر لا يعنيهما ..
    إن وظيفة هذين الأخوين الكريمين كما شاهدت بعيني هو السوالف والحديث مع بعضهما أو مع موظف الخطوط ولا بأس من التوسط لصديق أو قريب على حساب المساكين اللذين لهم الله تعالى!!
    لا أريد أن أطيل عليكم وقد فعلت !!
    بقصة فارغة وطويلة قد لا تكون مفيدة ..
    ولكن يعلم الله تعالى أنني لم أصل للطائف سوى بعد مرور أكثر من أربعين ساعة من الانتظار والعذاب أخلف الله علينا خيرا !!



    !!!

  7. #47

    افتراضي

    الحلقة السادسة والأربعون

    حينما صعدت للطائرة المتوجه لجده..
    لا أذكر سوى شيئين اثنين : جلوسي على المقعد .. ثم شعوري بهبوط الطائرة الجانبو العملاقة على أرض المطار !!
    حيث استسلمت لنوم عميق مر علي كخفقة جناح!!
    من التعب والإرهاق ..
    نزلت من الطائرة وتوجهت لسيارات الليموزين وطلبت من السائق أن يقلني لمحطة التكاسي ..
    وصلت للمحطة فوجدت عددا من الرجال المتجمهرين في مدخل المحطة
    و ينادون في الناس .. مكة مكة الطائف .. أبها .. !!
    توجهت لمن نادى على الطائف .. فقلت لهم : أريد الطائف ..
    فأحاطوا بي كما يحيط السوار بالمعصم ..!!
    وأخذوا يتلمظون بي كما تتلمظ الأفعى بفريستها..
    هذا يقول : يالله اوديك مشوار.. وقال الآخر : كم تدفع؟؟
    وقال الآخر بقي عندي راكبين ..
    وأحدهم قال : مابقي عندي إلا راكب واحد ..
    فقلت له : سأذهب معك أنت وين سيارتك ..
    فحمل حقيبتي وقال: اتبعني...
    وصلت لسيارته الكر يسيدا متوسطة الحال !!
    موديل 82 !!
    فوجدت السيارة فيها راكبين اثنين فقط !!
    فقلت له : وين الركاب الآخرين ؟؟
    قال: كانوا هنا وراحوا !!
    بس اصبر دقايق ويجون ركاب بسرعة !!
    قلت له : ياعم أنا مستعجل ولازم أمشي على طول ..
    فقال : اصبر شوي لا تحرمنا من الرزق ..
    انتظرت وكنت لا أكاد أستطيع الوقوف من الإعياء ..
    ثم فكرت قليلا وقلت له:
    اسمع سأدفع لك حق ثلاثة ركاب ويالله نمشي !!
    وجدت المبلغ ليس بكبير وكنت مرهقا وأريد الوصول للطائف بأسرع ما يكون
    فقال لي الرجل وهو في الخمسينيات من عمره وقد ملأ الشيب حواجبه
    وشواربه وما بقي من لحيته وشعر رأسه!! :
    طيب، خلاص هات بطاقة أحوالك حتى أسجل اسمك ..
    ناولته البطاقة والمبلغ مقدما لثلاثة ركاب ..
    فذهب للتسجيل ورجع بعد عشر دقائق ولم يعد وحيد
    بل جاء ومعه راكبين !!
    فقلت له : من هؤلاء ؟؟
    فقال: ركاب !!
    قلت : طيب ، أنا دفعت حق ثلاثة ركاب رجع لي قروشي اللي دفعتها
    لراكبين !!
    فقال : والله ما أحد قال لك تدفع !!
    ظننت في البداية الرجل يمزح!!
    ولكن رأيت علامات الجد بادية على محياه!!
    شدهت من الموقف ، وبقيت أنظر له بحيرة ..
    هل جن هذا الرجل ؟؟
    كيف يستحل هذا المال ؟؟
    وفي شهر رمضان ؟؟
    أنا أكتب لكم إخوتي الكرام أخواتي الكريمات ووالله لو لم تحدث لي القصة
    لكدت أن لا أصدق حدوثها ..
    كيف طابت نفسه بفعل ذلك وبأي مبرر ؟؟
    قلت له : ياعم كيف ترضى تطعم أولادك مال حرام؟؟
    قال ويظهر أنه استصغرني : أركب وخلينا نمشي بدون كلام فاضي!!
    العجيب أن الركاب قد شاهدوا ما حدث ولم يتكلم منهم أحد ..
    لم يكن لدي فرصة لأن أفعل أي شيء فقد اخذ الرجل المبلغ وليس معي
    مستند يثبت ذلك ويستطيع الإنكار بكل سهولة ..
    لم أذق طعم النوم طوال الطريق من تصرف هذا الظالم ..
    وأقسمت بعدها أن لا أركب مع سيارة أجرة تكسي أبدا وهذا ما فعلت!!
    قلت له : أوصلني لبيت أهلي على اقل تقدير ..
    قال : أوصلك مع الركاب للمحطة !!
    هل كوني تركت الرجل يفعل ما يفعل دون أن أتصرف أو استرد حقي ولو
    بالقوة هو جبن وخور حيث كنت ضعيف البنية؟؟
    هل هو احترام لشيبته وكبر سنه؟؟
    هل هو بسبب الشهر الفضيل وكوننا صائمين؟؟
    هل هو بسبب ربكة الموقف وصغر سني وقلة خبرتي في الحياة ؟
    ربما كل ذلك أو بعضه !!
    هل أن الله تعالى أراد بحكمته وتقديره يعلمني أن الحياة كلها جهاد وكفاح
    فلا تركن ياهذا ولا تطمئن ؟؟
    كل ذلك وارد ..
    وصلت للطائف ومنذ دخولي للمنزل ورؤية الوالدة الكريمة والوالد والإخوان
    والأخوات نسيت كل ما مر علي من تعب ومشقة وإذلال ..
    أول شيء فعلته بعد ذلك أنني اتصلت على الشيخ لأخبره بوصولي..
    حيث أمرني هو بذلك ..حتى يطمئن من وصول الأمانة التي في عنقه لأصحابه
    اتصلت عليه وسلمت عليه وبلغته بوصولي فتعجب حينما علم أنني لم أصل إل
    بعد يومين!!
    قلت له : ياشيخنا الحكاية طويلة وخلها على الله تعالى .. الحمد لله أنني وصلت
    ثم ناولت الوالد السماعة والوالدة فكلمهما وسلم عليهما وقال للوالدة:
    الله يجعله قرة عين لك!!
    بقيت في الطائف عدة أيام واستمتعت فيها أيما استمتاع حيث أن الشمل قد
    اجتمع بفضل الله ثم بفضل الشيخ..
    لم يحدث شيء يستحق الذكر في تلك الأيام ،
    استأذنت والدي ونزلت لمكة بعد أيام ..
    لكي أقابل شيخنا هناك.. وأكون برفقته ..
    في اليوم الموعود أحرمت من بيتنا ومررت بالميقات ومنه لبيت للنسك
    ووصلت لمكة قبيل صلاة الظهر تقريبا ..
    وكان موعدي مع الشيخ أن ألقاه قريبا من محراب الإمام حيث سيصلي خلفه
    لمحت الشيخ وهو بالإحرام يسير متوجها لمقصده ومعه الأخ علي السهلي ..
    وحدث موقف طالما تكرر معنا ..
    حينما اقترب الشيخ من الصف الأول تقدم له جندي من الجنود ودفع الشيخ
    وقال : صل ياحجي هناك!!
    ولم يعرف الشيخ طبعا..
    فتقبل شيخنا الأمر واستدار وأراد أن يرجع ،فلمحه المشائخ في الصف الأول
    فعرفوه ..
    فلحق عدد منهم الشيخ وأرجعوه وعنفوا الجندي المسكين ..
    شيخنا رجل بسيط ولا يحب التعقيد وكثرة النقاش ..
    أذكر مرة أننا كنا نريد الدخول لمواقف السيارات بجوار الحرم ..
    فردنا الجندي وأبى كل الإباء أن يسمح لنا بالمرور ..
    فرجعنا ولم ندرك الصلاة في الحرم بسببه ..
    وكان بالإمكان أن نتصرف معه بوسائل أخرى!!
    ذات مرة في طريق المدينة القصيم أوقف الشيخ رجل أمن ومعه أخاه عبد
    الرحمن .. فقال له العسكري : هات هويتك ؟؟
    فقال الشيخ : هويتي في حقيبتي وهي خلف السيارة!!
    فقال العسكري: انزل وجب الهوية من الحقيبة ..!!
    فترجل الشيخ وفتح الحقيبة وأخرج هويته للعسكري ..
    فنظر لبطاقة أحوال الشيخ فقال : وين صورتك؟؟
    وللعلم هوية الشيخ بدون صورة مكتوب مكان الصورة ( معفى) !!
    فقال الشيخ : أنا معفى من التصوير!!
    فقال الجندي وشك في القصة: ليش ؟؟
    أول مرة يمر علي شخص معفى من التصوير!!
    فقال الأستاذ عبد الرحمن : هذا الشيخ ابن عثيمين!!
    فما عرف الرجل الشيخ وقال مستهزئا: كلكم شيوخ !!
    وبالكاد أرجع الهوية وسمح لهم بالمرور !!
    وهذه قصة قريبة حدثت لمجموعة من طلبة العلم من الأردن ..
    وعددهم ثلاثة..
    حيث ذهبوا لأداء العمرة وحضروا دروس شيخنا رحمه الله في مكة
    وفي طريق عودتهم للأردن حدث لهم حادث مروري في المدينة واصطدمو
    بإشارة مرور بسيارتهم العتيقة فأتلفوا الإشارة ولم تعد صالحة للاستعمال ..

    فتحفظت عليهم إدارة المرور وأمر الضابط بحبسهم حتى يستوفى منهم قيمة
    الإشارة كما هو النظام..
    فمكثوا في الحبس عدة أيام دون نتيجة أو عفو وحاولوا وتلمسوا أن يسمح لهم
    الضابط بالسفر للأردن وسوف يجمعون له مبلغ الإشارة التالفة ويحولونه له
    بعد التعهد بذلك..
    فرفض الضابط وقال لهم : يجب أن تدفعوا القيمة أو سوف أحيلكم للمحكمة !!
    عندها قال أحدهم : لما لا نتصل على أحد المشائخ ونطلب منه العون فنحن
    عابروا سبيل ولعل الله ييسر لنا فكاكا من الكرب الذي نحن فيه..
    فوقع اختيارهم على الشيخ محمد لقرب العهد به ولعلمهم أن الشيخ لن يقصر
    معهم إن شاء الله ..
    ولكن المشكلة كيف سيصلون للشيخ؟؟
    نادوا على الضابط واجتمعوا به في مكتبه وقالوا جميعا : نريد نتصل على الشيخ
    ابن عثيمين !!
    فقال : هل عندكم رقم هاتفه قالوا : لا !!
    فقال : أعطوني اسمه كاملا !!
    فقالوا : اسمه محمد بن صالح العثيمين .. فاتصل على آمر السنترال
    فأعطاهم الرقم ..
    وبعد معاناة ومحاولات مضنية لانشغال الخط رد الشيخ على الهاتف ..
    فتكلم أحد الشباب من المجموعة .. وشرح للشيخ الموقف وأنهم طلبة علم
    قد حبسوا بسبب الحادث ..الخ القصة..
    فقال الشيخ : هات الضابط أتحدث معاه !!
    فتحدث الشيخ مع الضابط واستوثق منه ، فأكد على ما قالوه ..
    فقال له الشيخ : أطلق سراح هؤلاء الشباب وسوف أضمن لك كل المبلغ !!
    فقال الرجل : والله لا استطيع إطلاقهم حتى يصلني المبلغ ..!!
    فقال الشيخ : أنا ضامن لك أن يصلك المبلغ غدا إن شاء الله دع هؤلاء يذهبون
    لأولادهم وذويهم ..
    فأبى الرجل وأصر على ذلك ..
    فقال الشيخ : ما اسمك لو تكرمت ..؟؟
    فأعطاه اسمه وحدد له طبيعة عمله .. ثم أغلق الشيخ السماعة..
    بعد مرور فترة من الوقت رن جرس ذلك الضابط ..
    بعد أن ارجع الفتية للحبس..
    فكان المتحدث من الطرف الثاني مدير عام مرور المدينة ..
    فقال : هل اتصل عليك ابن عثيمين قبل قليل وطلب منك أن تطلق السجناء
    فأبيت؟؟
    قال : نعم ..
    فقال : اتصل علي الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز بنفسه ويقول لك
    أطلق هؤلاء الشباب فورا .. وقال : هذا ابن عثيمين لو يأمر على كل شيء
    لأطعناه!!
    فأطلقوا سراحهم ..



    !!!

  8. #48

    افتراضي

    الحلقة السابعة والأربعون

    حينما صلينا الظهر ذلك اليوم اقتربت من شيخنا وكان حوله حشد من الناس
    فلما أبصرني نظر إلي نظرة أنكرتها !!
    فسلمت عليه فقال لي هامسا في أذني: هل أخذت شيئا من شعر لحيتك؟؟
    فقلت : أبدا والله !! لماذا؟؟
    فقال : كأني ألاحظ أنك خففت منها!! ثم أكمل كلامه وقال:
    ولتعلم أني قربتك مني لعلمي أنك صاحب دين ،وتتعلم لتعمل بعلمك!!
    كانت تلك كما يقولون ضربة معلم ، وتوجيها لا أنساه أبدا ،ولا يفوتني القصد والغاية منه !!
    والمعروف أن شيخنا يفتي بتحريم اخذ شيء من اللحية كما هو قول جمع من الفقهاء..
    ابتدأنا في أداء المناسك من الطواف وكان الزحام شديدا والجو خانقا، مع أننا في موسم الشتاء!!
    انتهينا من أداء العمرة ثم توجهنا لمكان استراحتنا وهي شقة تابعة لأحد الإخوة واسمه محمد الغامدي .. وهو كابتن متقاعد ورجل فاضل من سكان جده..
    كنت أنا والأخ علي السهلي مكلفين بتنظيم برنامج الشيخ وتسجيله على أوراق
    طوال فترة بقاءه في مكة ..
    والبرنامج اليومي تقريبا سار بوتيرة واحدة ولا يختلف طوال بقاءنا إلا ما ندر
    وبالجملة هو كالتالي : الصلاة فجرا في الحرم قريبا من كرسي الدرس في الطابق الثاني من الحرم ، ثم إلقاء الدرس والإجابة على الفتاوى المقرؤة حتى شروق الشمس ، ثم التوجه للسكن للنوم حتى قريبا من الظهر ..
    ثم نتوجه للحرم لصلاة الظهر ...
    ثم يعود الشيخ لغرفته في الحرم ليستقبل الفتاوى من الهاتف لساعة وبعدها
    يقيل حتى قريبا من أذان العصر .. بعد العصر تفتح بوابة الغرفة للزوار
    والطلاب والمحتاجين وذلك حتى أذان المغرب .. ويفطر الشيخ مع الناس على
    تمرات وقهوة وماء زمزم ، وشيئا من العصيرات إن أمكن إدخالها !!
    ثم بعد الصلاة يتوجه الشيخ لمن حدد في البرنامج ويشترط فيهم شرطان:
    أن لا يكون بعيدا عن الحرم .. وثانيا أن يوافق عليه شيخنا
    وغالب من يدعو الشيخ هم من المشائخ والعلماء وكذلك عدد من الأمراء وأصحاب
    الشيخ وأقاربه ..
    ثم يتوجه الشيخ للحرم لصلاة العشاء والتراويح .. وذلك في الطابق العلوي
    ( السطوح ) قريبا من كرسي الدرس ..
    ثم بعد الصلاة يتوجه الشيخ لكرسي الدرس ويلقي الدروس ويجيب على
    الفتاوى حتى ينادى على صلاة القيام ..
    فيصلي مع المسلمين حتى يختم بالقنوت ..
    ثم يتوجه لطعام السحور وذلك حسب البرنامج المحدد والمكتوب ..
    وهكذا طوال أيام العشر الأواخر .. حتى عودته للقصيم ..
    الإنسان حينما يروي ويحدث الناس عن ذكرياته ومواقف حياته مثله مثل
    الراكب على قطار سريع يسير في درب محدد ولوجهة مقصوده ..
    والراوي يتلفت يمنة ويسرة ثم يحكي للناس ما استطاع بصره أن يعيه ويتلقفه !!
    ولا يظنن ظان انه سيقدر على الإحاطة بكل ما رآه ويشاهد فهذا مما تفنى
    الأعمار القصيرة ولا يفنى .. والله ييسر ويعين على ما تبقى..
    في ذاكرتي عن تلك الأيام صور شتى مبعثرة وغير مرتبة أنزعها من أطراف
    الذاكرة وأطارد تلك ، فأمسكها وألقيها في دفتري بعد نظمه ،وتفوتني أخرى
    فلا يمكنني اللحاق بها فهي طريدة صعبة المراس !!
    ويحتاج الوصول إليها لجهد لعل الله مع الأيام يمكننا منها!!
    يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في مقدمة ذكرياته ( فهذه ذكرياتي .
    حملتها طول حياتي ، وكنت أعدها أغلى مقتنياتي لأجد فيها يوما نفسي ،
    وأسترجع أمسي ، كما يحمل قربة الماء سالك المفازة لترد عنه الموت عطشا ولكن
    طال الطريق ، وانثقبت القربة . فكلما خطوت خطوة قطرت منها قطرة
    حتى إذا قارب ماؤها النفاد وثقل علي الحمل وكل مني الساعد جاء من يرتق
    خرقها ويحمل عني ثقلها .. الخ كلامه النفيس رحمه الله..
    ومع أنني والحمد لله ما زلت في عز شبابي ولم ابلغ ما بلغه الشيخ علي رحمه
    الله في سنه إلا أنه وللأسف لم يبق في ذاكرتي مما يفيد وينفع الناس سوى
    القليل النادر ..
    كما سبق وذكرت كان البرنامج طوال الأيام العشر يسير بنمط واحد ..
    وحيث أن الأخ علي قد سبق له أن رافق الشيخ فقد تولى تسجيل من
    يدعونا، في دفتر أو ورقة يحملها معه فكان الشيخ يقول له ..
    سجل عندك غدا السبت عند الشيخ عبد الرحمن السد يس .. والسحور عند
    الشيخ عبد العزيز الحميدي وغدا عند فلان وهكذا ..
    مما أذكره في تلك الأيام عدد من المواقف ..
    كما لا حظتم لا ينام شيخنا طوال الليل إلا أن يغفو قريبا من النصف ساعة إن
    وجد لها متسعا من الوقت قبل السحور..
    ذات يوم لم أتمكن أنا و شيخنا من النوم نهارا بسبب شغل ما ، فأثقل ذلك
    علينا جدا فكنت أذهب للمسجد للصلاة أو لقراءة القرءان أو لاستماع الدروس
    فتغلبني عيني فأنام ولا استطيع القراءة أو الإصغاء ..
    غير أن المشقة الأكبر هي على شيخنا رحمه الله فهو لا يجد فرصة ليستريح
    لكثرة الناس والمحتاجين ..
    فتحنا الأبواب للناس كما هو العادة في عصر ذلك اليوم وجلس الشيخ للناس
    والمحتاجين وللفتاوى عبر الهاتف ..
    ولا تسل عن حال شيخنا المسكين فقد كان يرفع سماعة الهاتف ويستمع لسؤال
    السائل فينام وتسقط سماعة الهاتف من يده فيرفعها ويقول : أعد سؤالك فينام
    ويكاد يسقط على وجهه دون أن يشعر..
    وكان السائل يجلس بين يدي الشيخ فيكلمه والشيخ ينصت له ولكن النوم يغلبه
    فينام ويبقى السائل حائرا ولا يدري ما يفعل حتى أغمز شيخنا فيستيقظ فيقول
    : أين كنا؟؟
    واستمر شيخنا في برنامجه حتى اليوم التالي وصمد للناس حتى بلغ به الإعياء
    حدا لا يوصف..
    وكانت القاصمة فجر اليوم التالي .. حيث أن الشيخ رحمه الله نام وهو يستمع
    لقراءة الأسئلة وحوله الجمع الهائل من المستمعين والمقدر بالآلاف وكل يشهد
    هذا الموقف وقد يذكره بعضكم !!
    .. ولقد كان يتوقف أحيانا في الدرس فيغفو لثوان معدودة ثم يكمل حديثه في
    موضوع مختلف .. حتى ظن بعض الجهال أن الشيخ خرف!!
    أما أنا فاستمعت لبعض درسه فلم اقدر على التحمل فبحثت
    عن زاوية في الحرم وتوسدت كتابي ونمت نوما عميقا ..
    وظننت أني سأستيقظ قبل فراغ الشيخ من درسه ..
    وهذا مالم يحصل ..
    الذي حدث أن شيخنا حينما وصل للسيارة التي تنتظره عند الحرم ويقودها الأخ
    علي التفت الشيخ حوله فلم يراني ..
    وكان بإمكانه أن يذهب وسوف ألحقه فالدرب ليس ببعيد غير أن شيخنا لم
    يفعل ذلك وليته فعل !!
    قال لعلي : وين صاحبنا ؟؟
    قال : والله ما رأيته ..
    فرجع الشيخ من فوره لمكان درسه وهو بعيد عن موقف السيارة ،رجع
    ليبحث عني والناس حوله ولا يعلمون مالذي يفعله الشيخ ..
    بقي الشيخ يبحث عني لساعة من الزمن ..
    حين ذلك استيقظت من نومي فتلفت حولي فوجدت المسجد شبه فارغ ..
    فقمت وسرت في الأسياب على غير هدى كأنني مخمور من شدة التعب..
    فالتقيت بالشيخ في منتصف الطريق وحوله عدد من الطلبة .. فقال لي:
    أين كنت ؟؟ أنا ابحث عنك من ساعة !!
    فخجلت والله خجلا لا يعلمه إلا الله .. ولم استطع أن أجيبه من الحياء
    لكن شيخنا بسماحة نفسه ..
    تجاهل الموضوع لعلمه بسبب ذلك وقال لي: النوم سلطان جائر!!
    أنا شاب في قوتي نشاطي ومقتبل عمري وشيخنا رجل سبعيني ومع ذلك
    يتحمل شيخنا مالم أطقه أنا أو غيري من الشباب ..
    أذكر مرة في حج إحدى السنوات أن شيخنا لم يكن ينام خلال
    أربع وعشرين ساعة سوى أربع ساعات تقريبا ..
    ولقد كان يبلغ منه الجهد فينعس وينام وسماعة الهاتف في يده ..
    فأقوم أنا أو أحد مرافقيه بغلق السماعة وفصل خط التلفون وترك الشيخ وحيدا ليستريح ، فيستيقظ ويقول أين الهاتف ؟؟
    فنقول له : أجهدت نفسك ياشيخي نم قليلا..
    فيقول : الناس محتاجة لمن يفتيها وأنا أنام؟؟
    هات التلفون .. فيرغمنا على إحضاره ونحن نشفق عليه من التعب ..
    من المواقف التي حصلت لنا تلك الأيام ..
    من عادة شيخنا أن يتصدق على فقراء الحرم من الأفارقة وغيرهم ..
    وهذا ما يفعله كل عام .. وعرف الناس عنه ذلك ..
    فطلب مني أنا والأخ علي أن نستقبل الطلبات وندون الأسماء ونجردها ..
    وحينما جاء يوم التوزيع وهو قبل العيد بيوم تقريبا ..
    تجمهر عدد هائل من الأفارقة وغالبهم من المفتولين وأصحاب الأجسام الضخمة
    وقوية البنية .. وكان لهم جلبة وضجيج فكنا ننادي على الأسماء فيدخل
    الشخص لداخل الغرفة ويستلم ما ييسره الله له ..
    غير أن الأمر خرج عن السيطرة ولم نقدر على ترتيبهم وتنظيمهم ..
    وتدافع الناس واختلط الحابل بالنابل وخفنا على الشيخ وهو لوحده في الغرفة
    ولم يشعر بما يحصل في الخارج ..
    فجهدنا أنا وعلي أن ندخل الغرفة وبالكاد دخلنا ..
    وأردنا أن نغلق الباب حتى يقل عدد الناس ويسهل تنظيمهم ..
    ولكن المشاغبين لم يرقهم هذا التصرف فدفعوا على الباب حتى كادوا أن يخلعوه
    حينها جاء شيخنا ورأى بنفسه الحال ..
    فقال: خلاص أوقفوا التوزيع !!
    لا يمكن أن نعطي الناس بهذا الشكل..
    ولكن كيف سنغلق الباب .. فنحن اثنين نقف أمام مئات ..
    فحاولنا جاهد ين أن نغلق الأبواب فلم نقدر .. بل تدافع الناس ودخل عدد منهم في داخل الغرفة ..
    حينها استشط شيخنا غضبا .. وتقدم بنفسه ووقف أمام رجل أفريقي ضخم الجثة عظيم الرأس مفتول العضلات .. فوقف شيخنا أمامه ولا يكاد يصل بطوله لنصف جسده !!
    وهو النحيل ضعيف البنية فأمره بالخروج !!
    فكأن الإفريقي لم يفهم ولا يتكلم اللغة العربية ..
    فقال له الشيخ : أخرج يارجل ..
    فما تحرك من مكانه وصار يرطن بكلام لا نعيه ..
    فحاول الشيخ دفعه وفحص في الأرض بقدميه والرجل ثابت كالجبل الراسي
    فأشفقت على شيخنا منه .. فتقدمت إليه ولاطفته بالعبارة ومسحت على ظهره حتى خرج وكفانا الله شره ...



    !!!

  9. #49

    افتراضي

    الحلقة الثامنة والأربعون

    من المشاكل التي كانت تواجهنا في الوصول للحرم هو إيجاد موقف لسيارتن
    وذلك أن سيارة شيخنا ليست فارهة..
    وفرها لنا الشيخ صالح الزامل جزاه الله خيرا ..
    وذلك بناء على رغبة الشيخ أن تكون من السيارات العادية البسيطة..
    كما قلت إن الناس تغريها المظاهر وتلهبها الزخارف
    فقلما نحصل من البوابين البسطاء على التقدير..
    ولذلك نعجز أحيانا في التعامل معهم ..
    ذات مرة مررنا بجوار بواب فقلنا له نريد أن نوقف سيارتنا بالمواقف ..
    فقال : هل معكم تصريح ؟؟
    فقلنا : لا ..
    وحدثناه سرا وهمسنا في أذنه ..
    اسمح لنا فمعنا رجل ذو قدر وعلم ..!!
    فالتفت ورأى شيخنا و سيارته فقدر وفكر في المسألة بناء على ما رآه ..!!
    أما إن مررت أنا أو علي بالسيارة بدون الشيخ فلو دقت أعناقنا فلن نحصل على
    الأذن بذلك !!
    بمناسبة ذكر السيارات ..
    حين وصولي لعنيزة ..
    كان لدى الشيخ سيارتان ..
    الأولى سيارة مازدا بوكسي موديل ثمانين ..
    وهي سيارة الشيخ ويحبها ويهتم بها ..
    حتى أن قراطيس المقاعد حينها مازالت عليها في تلك السنوات..
    أما ضرتها الأخرى من السيارات فهي وانيت داتسن باب واحد
    ويقودها أبناء الشيخ ولقد رأيت الشيخ مرارا يركبها في تنقله في عنيزة
    روى لي أحد الثقات ..
    يقول منذ زمن بعيد حيث لم يكن شيخنا يملك سيارة ..
    اتصل عليه الأمير سلطان بن عبد العزيز ودعى الشيخ ليزوره في مزرعته
    المعروفة في القصيم..
    فلبى شيخنا الدعوة .. واستأجر سائقا أعرابيا ويقود سيارة تاكسي توصله
    لمزرعة الأمير..
    فكان البروتوكول التابع للأمير قد رتب أن يستقبل الأمير سلطان
    شيخنا من باب السيارة ..
    فتوسطت تلك السيارة العتيقة سيارات الأمير وحشمه وضيوفه
    فأصابها الخجل والحياء أمام أخواتها الفارهات الحسن ..
    غير أن شيخنا لم يتأثر من ذلك..
    فهو زاهد بالمظاهر ولا تحرك في مشاعره شيئا ..
    فلما رأى الأمير الشيخ ورأى أنه قدم مع سيارة تاكسي ..
    تغير وجهه وأشفق على شيخنا ..
    وقال : ياشيخ محمد ،لا بد أن نشتري لك سيارة ..
    فقال الشيخ : تعبرنا وتقضي حاجتنا ..
    أنا مرتاح والله يغنيك ويجزاك خير..
    ولقد روى لي شخص قصة وسألت عنها شيخنا فأكد لي ما حدث..
    حيث أن أحد الأمراء بعث لشيخنا سيارة فارهة جدا هدية منه ..
    إكراما للشيخ وحبا فيه ..
    فرد شيخنا ذلك وشكر المهدي وقال : اعتبر هديتك وصلت وأعفني من
    قبولها!!
    شيخنا حينما يرد تلك الهدايا لا يقصد احتقار ما يهدى أو من يقدم
    الهدية..
    أبدا والله ..
    غير انه رحمه الله رجل بسيط ويحب البساطة ولا يريد التكلف في
    اللباس والمظهر أو المركوب .. عاش على ذلك ومات عليه ..
    كما هو شأن سلفنا الصالح..

    فرسولنا عليه الصلاة والسلام قبل هدايا الملوك والأمراء كما هو ثابت عنه..
    وكان ابن عمر رضي الله عنه يقبل هدايا الملوك.. كما صح ذلك عنه..
    وهو من هو في زهده وإتباعه لآثار النبي عليه السلام وسننه..
    وللعلماء في ذلك تفصيلات وتقسيمات معروفة ..
    يرجع لها من يريد الاستقصاء والبحث..
    روى لي جمع من الناس ومنهم شيخنا بنفسه ..
    أنه في عام 1407 للهجرة حينما زار الملك فهد رحمه الله وعفا عنه
    منطقة القصيم ..
    اتصل الملك على شيخنا وقال له : نريد أن نزورك في منزلك..
    فرحب به الشيخ وقال على الرحب والسعة إن شاء الله..
    فشقت المواكب الهائلة الطرق إلى بيت شيخنا وغصت بالجنود والعسكر
    الطرقات في عنيزة .. ودوت صفارات الشرط..
    وظن الناس أن المزور هو إحدى قصور عنيزة الفسيحة ..
    فتجمعت الحشود لذلك الضيف الكريم..
    وقال الناس: هنيئا لمن سينزل هذا الكريم في داره..
    وما علم الناس أن شيخنا هو المقصود..
    وأن بيته المتواضع هو قبلة الملك والأمراء ...
    فلما ترجل الملك من سيارته ..
    ونزلت الحاشية من المواكب..
    تفاجأ الملك وحشده الكبير ..
    أن الشيخ محمد يعيش في بيت من طين!!
    فصعقوا من ذلك .. وتعجبوا واستغربوا ..
    ولعلهم بلغهم الأمر فظنوه مبالغة..
    فدخل الملك البيت .. وتجول بنظره فيه وفي جدرانه البالية ..
    وسقوفه المتواضعة..
    فما رأى شيئا يرد النظر ويملأ العين..

    ولعل الذاكرة حينها عادت به لسنوات بعيدة جدا في صغره ..
    حيث البيوت المشابهة في الرياض القديمة والدرعية ..
    فشق ذلك على الملك وأبت عليه نفسه إلا المبادرة ..
    فعزم على الأمر وعقد النية ..
    وحينما دخل للمجلس ..
    وجلس على الأرض مع الشيخ الكريم..
    الذي هلل ورحب بالملك وضيوفه ..
    بادره الملك قائلا:
    يا أبا عبد الله لا بد أن تقبل مني هدية بسيطة..
    ولم ينتظر جواب الشيخ .. وقال:
    أريد ابني لك بيتا ..
    فابتسم شيخنا ..
    وقال : جزاك الله خيرا
    ولكنني مرتاح في هذا البيت وخيركم وصل يا أبا فيصل وهديتكم مقبولة ..
    ولكن أعفني من ذلك ..
    فألح عليه الملك وأصر ..
    ولكن شيخنا أبى..
    وقال له: وجودك في منزلي هو أبلغ إكرام ..
    فقبل الملك منه ذلك وعرف أنه رجل زاهد ومهما حاول معه فسوف يعجزه
    ولقد زار شيخنا في هذا المنزل البسيط الملك سعود والملك خالد والملك فهد رحمهم
    الله جميعا..
    قال لي الشيخ مرة : والله لقد مر علي زمان لا أملك الريال الواحد في جيبي!!
    وبعد سنين ابتنى شيخنا بيتا آخر بعد أن وسع الله عليه ..
    ونزله منذ عام 1409 للهجرة وبقي فيه حتى وفاته.. رحمه الله ورزقه القصور
    في الفردوس الأعلى..
    نرجع لقصتنا!!
    في تلك الدعوات التي يتلقاها شيخنا من المشائخ والعلماء وغيرهم..
    تدور نقاشات وحوارات مع المشائخ فيخرج المستمعون والحاضرون بدرر ونفائس
    لا تجدها في المجالس المعتادة ..
    فوجود هؤلاء الصفوة يضفي على المكان ذوقا وطعما خاصا ..
    ما رأيك بمجلس يجتمع فيه أسماء لامعة لخيرين ومصلحين ..
    نحو .. الشيخ عبد العزيز بن باز ..
    والشيخ ابن جبرين .. أو الشيخ عبد الله البسام أو الشيخ ابن منيع
    أو مشائخ وأئمة الحرم كالسد يس والسبيل والشريم وابن حميد وغيرهم
    أو الشيخ عائض القرني وسعيد بن مسفر وعبد العزيز الحميدي..
    هذا الأخير وهو الشيخ عبد العزيز الحميدي
    هو من أحب الناس وأقربهم لشيخنا..
    و طالما استضاف شيخنا في بيته العامر بكرمه هو وأبناءه الأبرار
    وعندي من الذكريات الجميلة في بيتهم العامر في العزيزية ما أجد لذته
    حتى هذه اللحظات وبعد تلك السنوات المديدة ..
    الشيخ عبد العزيز عالم جليل وهو أحد تلاميذ الشيخ القدماء جدا والذين
    تتلمذوا على شيخنا في عنيزة قبل أن يعرف ويشتهر..
    للشيخ عبد العزيز الحميدي مؤلفات جميلة ومفيدة ومنها كتابه الرائع
    (التاريخ الإسلامي دروس وعبر ) وهو من أنفس ما قرأت في بابه..
    وله درس معروف في إذاعة القرءان الكريم..
    من يستمع للشيخ عبد العزيز ويصغي لنبرات صوته الهادئة وهو يقرأ تلك
    الرياحين العطرة.. والنسائم العذبة ..
    تجعلك تعيش وتنغمس في تلك المشاهد الجميلة والقصص الفذة الرائعة
    عن سلف الأمة .. رضوان الله عليهم ..
    كنا نمكث في بيتهم في أيام الحج وغيرها فلا نشعر بالغربة أو التكلف..
    كنا كأننا في بيوتنا بل أحلى !!
    من البساطة والسماحة وصفاء الروح وطهارة الباطن قبل المظهر..
    هم كما قال حاتم الطائي...
    أضاحك ضيفي عند إنزال رحله ويخصب عندي والمكان جديب..
    وما الخصب للأضياف أن تكثر القرى ..ولكنما وجه الكريم خصيب
    إن من أكثر اللحظات التي أرى شيخنا فيها مسرورا وسعيدا
    هي تلك الساعات والليالي التي يقضيها في منزل الشيخ عبد العزيز وبين أولاده
    روى ليش الشيخ عبد العزيز يقول:
    تتلمذت في شبابي عند الشيخ محمد في عنيزة وذلك قبل انتقالي للعيش في مكة
    فكنا نجد من الشيخ محمد مالا نجده لدى المشائخ الآخرين من قوة الحجة
    ونصاعة البيان والاهتمام بالدليل ونصرة أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه
    ابن القيم رحمهما الله ..
    فلما انتقلت للرياض لإكمال دراستي النظامية ..
    افتقدنا الشيخ محمد وأسلوبه الفذ ..
    ولم نجد في الرياض ما كنا نجده في علم الشيخ ..
    فعلماء الرياض حينها ساروا على الأسلوب القديم في التعليم
    وهو أن يقرأ على الشيخ فيعلق تعليقات بسيطة دون استرسال وبسط في المسألة
    فيمر عليها مرورا سريعا دون بحث متعمق وهو ما كنا نجده عند الشيخ محمد
    فأثر ذلك على نفسي وأصابني بإحباط وكسل ..
    وذلك كردة فعل على فقدان الشيخ وعلمه وأسلوبه..
    فتوجهت لقراءة كتب الأدب والتاريخ .. الخ كلامه عن شيخنا



    !!!

  10. #50

    افتراضي

    الحلقة التاسعة والأربعون

    ذات يوم من أيام العشر الأخيرة من رمضان
    و بعد صلاة الظهر ونحن جلوس في غرفة الحرم
    سمعنا صراخا وعويلا تردد صداه في الحرم !!
    فأفزعنا ذلك جدا ..
    وكان الشيخ محمد أولنا في التوجه لمصدر الصوت ..
    وحينما لحقناه وجدنا أن سبب الصراخ أن مجموعة من النساء المعتمرات
    من ذوات البشرة السمراء وممن آتاهن الله تعالى سعة في الأجسام..
    وقوة في البنية ..
    ويسرن في صف مستقيم كأنهن جنود كتيبة في جيش..
    لا يردعهن رادع ولا يمنعهن حائل..!!
    لم يجدن طريقا للوصول للكعبة المشرفة بسبب الزحام ..
    ومنع الناس من الوصول للكعبة من الاكتضاض ..
    فهداهن فكرهن المبتور وعزمن على شق طريق لهن مهما كانت النتائج..!!
    فوجدن أيسر طريق وأسهل سبيل هو أن يمشين من فوق النساء المفترشات
    لأرضية المسجد..!!
    وهذا والله ما حدث!!
    وفي النساء المسكينات النائمات على البلاط ، الكبيرة والمريضة والضعيفة..
    فوطأن تلك النسوة القاسيات على الأجساد النحيلة..
    ولم يرحمن ضعفهن .. ولا استغاثتهن !!
    عندها حدثت الجلبة وصرخن صراخ المكلومات
    توجعا من الدهس والرفس!!
    ولكن دون استجابة أو رحمة..
    فحاولنا نحن جاهدين أن ندرك الموقف
    ونقلل الخسائر بقدر المستطاع..!!
    ولكن كتيبة الموت تلك مرت وما عبأت بندائنا وترجينا لهن ..!!
    حتى وصلن للجهة الأخرى ومخرن عباب الزحام بكل جدارة واقتدار!!
    عجيب أمر بعض الحجيج والمعتمرين!!
    كنت مرة أطوف مع الشيخ حول الكعبة ..
    فسمعنا رجلا يحمل سبحة في يده..
    وكانت من طولها وعدد حجارتها تزحف في الأرض!!
    وجسمه ضخم كالبعير وبشرته سمراء.. وشعره أجعد وهو كفيف البصر

    سمعناه يصرخ ويدعو: رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي!!
    ومرة لحق الشيخ رجلا نصف رأسه محلوق والنصف الآخر غير محلوق..
    ومنظره مقزز ..
    فقال له الشيخ : لم نصف رأسك محلوق وتركت الآخر؟؟
    فقال : أنا سأعتمر عمرتين أحدها لي والأخرى عن أمي
    فهذه الحلاقة للعمرة الأولى!!!
    وروى لنا الشيخ صالح الزامل حفظه الله أنه سمع معتمرا يطوف بالكعبة المشرفة
    ويسبح بسبحته ويقول في تسبيحه : ياحسين ابن علي ،ياحسين ابن علي!!
    وكنا مرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد شيخنا بعد أداء
    الصلاة أن يسلم على رسول الله عليه الصلاة والسلام وصاحبيه ..
    وكان الزحام هائلا حول القبر..
    وغالب الزوار من الجنسيات الآسيوية من الباكستان وغيرها ..
    وحينما رأى العسكر ورجال الحسبة الواقفين حول القبر الشيخ..
    طلبوا منا أن نمر من فوق الدرابزين المحيط بالقبر..
    فهو أسهل علينا وحتى نسلم من الزحام..
    فتقدم شيخنا وكنت بجواره وسلم على رسول الله قائلا:
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يارسول الله ..
    نشهد أنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت للأمة وجاهدت في الله حق
    جهاده حتى أتاك اليقين ..
    ثم مر من أمام قبري صاحبيه وسلم عليهما رضي الله عنهما ..
    فأردنا الانصراف والنزول ..
    ولكن الحشود التي حول القبر كان لها رأي آخر..!!
    فوجه شيخنا المضيء .. وشكله المميز واهتمام الحرس به ..
    لفت نظرهم فكأنهم قالوا : هذا ولي من الأولياء !!
    فتقاذفوا للسلام على شيخنا والتبرك به!! ..
    فكانوا يمدون أيديهم لمصافحته ..
    وبعفوية وطيب نفس مد شيخنا يده للسلام عليهم ومصافحتهم وليته لم يفعل!!
    فقد تدافعت الجموع وعلا بعضهم فوق بعض!!
    ولم يكتف بعضهم بالسلام..
    بل صاروا يتمسحون بيد الشيخ على الوجه والجبهة..
    وسحب شيخنا وسط الجموع وسقطت غترته وعباءته عن ظهره ..!!
    ولقد رأيت أحدهم يمسك يد شيخنا فمسح بها من رأسه وحتى قدميه !!
    وشيخنا الضعيف النحيل لم يقدر على الفكاك منهم ..
    وكان يعلو ويخفق وكادت ذراعه أن تخلع ..
    فتزاحم العسكر ودفعوا الناس والجهالة ..
    وفك شيخنا وبالكاد !!
    ولا أظنه عاد لها من بعد أبدا!!
    روى لنا الشيخ محمد السبيل إمام الحرم في إحدى الجلسات في بيته بحضور
    شيخنا رحمه الله ..
    أنه في إحدى سفراته لدولة الباكستان .. بصفته إماما للحرم الشريف..
    احتفي به احتفاء كبيرا وأكرم من الحكومة والشعب غاية الإكرام..
    وطلب منه التنقل بين الولايات الباكستانية لزيارة الناس والإطلاع على أحوال
    المسلمين .. فوافق الشيخ وكانت وسيلة التنقل هي القطار!!
    وبينما هم يسيرون ويمتعون نظرهم بين الوديان الجميلة والمناظر الخلابة
    البهيجة ..
    إذ فجأة توقف القطار!!
    فظنوا أن هناك عطلا ما !!
    وقريبا سيستأنفون المسير..
    ولكن التوقف طال و استمر لساعات !!
    ولم يكن الشيخ السبيل ورفقاؤه يعرفون السبب ..
    وبعد مرور وقت طويل من الانتظار وشعور الشيخ ومرافقيه بالملل..
    جاء ه عدد من المسئولين الباكستانيين ممن يشرف على تنظيم تنقل الشيخ
    ومعهم الترجمان ..وعلى وجوههم العبوس والضيق !!
    فقال الشيخ : ما القصة؟؟
    فتكلم قائدهم وكان مطأطأ الرأس من الخجل وقال :ياشيخ محمد هناك مجموعة
    من القرويين ممن ويعيش في القرى حول طريق القطار
    قد ربطت نفسها بالحبال على سكة الحديد !!
    وأقسمت أنها لن تتحرك حتى تموت !!
    أو تنزل أنت للسلام عليهم ..
    ولقد باءت كل محاولتنا لثنيهم بالفشل وأكدنا لهم بالأيمان المغلظة
    أن برنامجكم محدد ولديكم..
    مشوار طويل واحتفالات في المدن وهم في الانتظار..
    والوقت غير مناسب .. ولعل ذلك يكون في زيارات أخرى
    فرفضوا ولم يقتنعوا..
    وقالوا : أين نجد شرفا كهذا الشرف ؟؟
    كالسلام على إمام الحرم الشريف..!!
    فتعجب الشيخ السبيل من إصرارهم وحتى لو على موتهم وتقطيع أجسادهم!!
    وقال : إذا لا بأس سأنزل للسلام عليهم..
    فقالوا : ياشيخ محمد نحن نخاف عليك .. ونخشى عليك الغوائل!!
    فهؤلاء فيهم الهمج والرعاع وقد يفعلون أمورا ويتصرفون تصرفات
    غير حميدة و غير متوقعة !!
    ولو سمع الناس بفعلتهم لأوقفتنا القرى طوال الطريق..
    ولكن الرأي أن تبقى أنت في القطار ونفتح لك النافذة
    ويحضرون هم للسلام عليك..
    فقال الشيخ : لا بأس فليحضروا..
    فجاء الناس وكان عددهم هائلا..
    وتوافدوا من الوديان والشعاب ..
    فتجمعوا للسلام على إمام الحرم ..
    فلا تسل عمن صافح و وعمن قبل وعانق وبكى من الفرح ..
    حتى كاد الشيخ أن يختنق من كثرتهم وتجمهرهم عليه !!
    وهو ذو البنية الضعيفة والسن الكبير والجسم القصير حفظه الله ورعاه..
    ولقد ذكر الشيخ السد يس تعليقا على كلام الشيخ السبيل أنه في إحدى زياراته
    فقد عباءته حيث نزعت منه بالقوة !!
    ومزقت ووزعت خيوطها بين القبائل وبيعت بأعلى الأثمان!!
    أذكر مرة أن الناس اجتمعت على الشيخ كعادتهم بعد صلاة العصر
    فلفت اجتماع الناس فضول المعتمرين فجاءت مجموعة أظنها من شمال أفريقي
    فقال لي أحدهم : من هذا ؟؟
    فقلت لهم : هذا أحد العلماء والناس تسلم عليه..
    فقال : ما اسمه؟؟
    فقلت : اسمه الشيخ محمد بن عثيمين..
    فسمعته يقول لأصحابه وهو منصرف: هذا الشيخ اسمه ابن تيمية!!
    ومرة كنا خارجين من الحرم ..
    وركب الشيخ السيارة ..
    وكان يقرأ ورقات بين يديه ..
    فمدت له يد من خارج نافذة السيارة ..
    ولم يلتفت الشيخ جيدا لمن يصافحه ..
    وحينما لمست يده يد المصافح ..
    صرخت أنا بها !!
    فقد كانت امرأة من المعتمرات ..!!
    جاءت للسلام على الشيخ حينما رأت الزحام عليه..
    فالتفت الشيخ وضحك من ذلك ..
    ولم يلحظ أحد ذلك سوانا وإلا لقيل ابن عثيمين يصافح النساء!!
    وحاشاه رحمه الله..



    !!!

صفحة 5 من 8 الأولىالأولى ... 34567 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. قصيدة رائعة من روائع الشاعر سليمان بن شريم
    بواسطة المنتقد في المنتدى منتدى أدب وشـِـعر ورواية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: November 19th, 2009, 02:44
  2. عائض القرني - أنا سُنّي حسيني ,,,
    بواسطة أم مالك الأزدية في المنتدى منتدى أدب وشـِـعر ورواية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: September 25th, 2009, 06:14
  3. قصه رائعة وممتعة
    بواسطة هلالي القرن في المنتدى روايات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: February 16th, 2009, 08:57
  4. قصيدة رائعة إقروها وإفهموها زين قبل لا تجيكم المنية
    بواسطة ابو فيــصل في المنتدى منتدى أدب وشـِـعر ورواية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: July 23rd, 2008, 01:28
  5. إذكر الله بطريقة رائعة !!!
    بواسطة giiiJIق في المنتدى منتدى دنــيـا وديــن
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: April 26th, 2008, 21:39

مواقع النشر

مواقع النشر

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

تنفيذ شركة تصميم مواقع الانترنت توب لاين
روابط مهمه روابط مهمه تواصل معنا
تواصل معنا