تداول الأسهم السعودية :: الأحـــد

• مؤشر (تاسي) الرئيسي • إغـلاق 12,231.54 نقطة • خسارة 22.99 نقطة • نسبته 0.19% - • ارتفاع 61 شرِكة • إنخفاض 163 شرِكة • القيمة المتداولة 4.8 مليار ريال سعودي • الكمية المتداولة 189 مليون سهم
صفحة 2 من 8 الأولىالأولى 1234 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 73
  1. #11

    افتراضي

    الحلقة العاشرة.

    مرت الأيام التالية علي سريعا ..
    وحرصت أن استمتع بالجلوس فيها بالقرب من سعود..وأولاده وإخوته..
    ذهبنا سويا أنا وسعود للمكتبة واشترى لي مجموعة من الكتب..
    لقد أراد سعود أن يعدني إعدادا شاملا للدراسة عند هذا الحبر..
    لقد كان سعود أشبه بوالد يزف ولده ...
    ولم أكن اعلم أنا أو سعود ما يخبئه القدر لي..
    قبل يوم السفر قدم قريب لسعود وكان قريب عهد بعرس ..
    تلفظ معي هذا الرجل بكلام فهمت منه أنني غير مرحب بي..
    قال لي: أنت لست من شمر وأريدك أن تخرج هويتك من جيبك لتثبت عكس ذلك..
    كان متكئا على وسادة ومقابلا لي ..ويشير بيده بكل تيه وغرور..
    قام أخو سعود إليه فأراد أن يلطمه على وجهه فدفعته وقلت له دعه ليقل ما يقل..
    لم يكن من اللائق بي أن أحرج الأخ سعود في بيته فسكت ..
    لكن أخا سعود استدعاني للمختصر وقال لي..
    دعك من هذا السفيه وأنا أعرف كل شيء عنك وأنت أكرم عندي منه..
    خفف ذلك علي كثيرا ففكرة الانتساب تلك مع خطئها الشرعي لم تكن فكرتي و هي
    شيء مخالف لأعراف الناس وتقاليدهم وفيها ما فيها!!!
    في اليوم التالي سافرنا صباحا للقصيم..
    ودعت إخوة سعود ثم انطلقنا لرحلة الطلب ..
    لم يكن إخوة سعود على استقامة تامة بالدين مع محافظتهما على الصلاة في المسجد
    إلا أنهما رجلان شهمان طيبان وفيهما من الخلال الحميدة ما يفوق كثيرا ممن
    رايتهم من المحافظين على الشعائر الظاهرة..
    لقد أتصل علي سعود بعد أربع سنوات من ذلك اللقاء الأخير..
    واخبرني بخبر اليم عن أخويه
    فلقد حدث لهما حادث بالسيارة على الطريق العام في أحد طرق الشمال السيئة ..
    فتوفيا على الفور رحمهما الله رحمة واسعة..
    وخلف على سعود فيهما خيرا في ذريته وأولاده..
    مر علي منذ أن خرجت من بيتنا من الطائف حوالي ثلاثة شهور تقريبا..
    وهاأنذا أنتقل لمنطقة جديدة والله أعلم مالذي ينتظرني..
    كنا وسعود في تلك السفرة صامتين .. فليس في مخيلتي أي كلمات أو حوار دار بيننا..
    سعود هذا رجل .. ويكفي أن اسميه رجل..
    إن من الناس من هو كمعدن الحديد ومنهم من هو كالفضة ومنهم من هو كالذهب..
    سعود في نظري معدنه أثمن من الذهب والله ..
    أنا لا احكم على الرجل من خلال موقفه هذا معي هذا اتركه للقراء الكرام..
    وصدقوني يا معاشر القراء الكرام إن سعود لا يعلم عما أكتبه عنه الآن..شيئا والله..
    ولو علم لغضب من ذلك وكرهه..
    فهو يرى عمله ذاك شيئا يتقرب به لربه ولا يريد أن يخالطه مدح الناس..
    إن سعود لا ينتظر من عمله ذاك أن أكتب عنه أو أن أمجده فهو لم يكن يعلم
    ولا أنا كنت أعلم أين تسير بنا الأمور وما هي خاتمتها..
    إنني أكتب هذا الكلام وهذه المواقف لأسجل لأبنائي ما حل بوالدهم..
    لأروي لهم عمن رويت ومن خالطت ليعرفوا قدر الرجال وليعرفوا الدب مع الناس
    إنني يا أبنائي وأنتم الآن أطفال صغار وستكبرون إن شاء الله..
    اقتطع لكم من جسدي قطعا صغيرة مليئة بالمآسي والأحزان والأتراح والعذاب والآهات
    فأنسجها لكم بهذه العبارات لكي تستمتعوا بها..
    وتكون أنيسا لكم في دهاليز وظلمات ومضائق الحياة..
    وأسجل للقراء الكرام ما حدث معي حتى يكون للناس فيها عبرة لمن أراد ذلك..
    إنني أطلب من إخوتي القراء الكرام أن يشاركوني هذا الدعاء..
    اللهم جازي سعود عني خير الجزاء
    اللهم بارك له في ولده وذريته اللهم واغنه من فضلك واجعله من عبادك الصالحين واختم
    له بخاتمة صالحة يا ارحم الراحمين .. اللهم اجعله من أهل فردوسك الأعلى ووالديه
    وإخوانه وذريته يارب العالمين..
    وصلت أنا وسعود إلى عنيزة ..
    تلك المدينة الصغيرة الجميلة الهادئة..
    مدينة العلم والعلماء..
    دفن فيها من العلماء والصالحين على قرون مالله بهم عليم..
    سماها أمين الريحاني باريس نجد..
    شوارعها جميلة ونظيفة وأهلها كمجمل أهل القصيم فيهم العلم والدين والأدب الرفيع..
    دخلت عنيزة وأنا فقير مشرد احمل معي حقيبة ملابس وكرتون كتب..
    وكنت احمل قبل هذا في جعبتي تجارب قاسية وخبرة بسيطة في الحياة وسذاجة وقلة حيلة ..
    دخلت عنيزة وأنا حائر و رأسي متلبد بغيوم الشك والارتياب والضياع ..
    لم أكن أعلم وأنا أدخل عنيزة هل سأمكث فيها يوما أو أسبوعا أو شهرا.. فما يدريني
    فأنا منذ شهور أتنقل في البلاد من مدينة لأخرى ..
    ومن يد ليد أخرى ولكن رعاية الكريم ورحمته سبحانه هي التي ترعاني
    دخلت وأنا ابلغ السادسة عشر عاما فقط..
    وبقيت في عنيزة أكثر من اثنتي عشرة عاما..
    حافلة بالتجارب والمواقف الرائعة مع إمام الدنيا وفقيهها شيخنا العلامة
    محمد بن صالح العثيمين عليه سحائب الرحمة والغفران..



    !!!

  2. #12

    افتراضي

    الحلقة الحادية عشره

    أكتب هذه المقالة وأنا مطرق وصامت..
    أضع يدي على رأسي .. لكي أنظم ذاكرتي..
    تمر أمام عيني الآن مئات المواقف .. والخواطر..
    أشبه بحاسوب أدخلت إليه آلاف البيانات في وقت واحد..!!
    إنني بهذه المقالة يا إخوتي وأخواتي أندب نفسي ..!!
    إنني بها أنكأ جرحا غائرا..
    قد خيطته بغرز منسوجة من الحديد ..
    أحكي لكم عن أبي عبد الله !!
    لكي تستمتعوا وتستأنسوا بعطره الجميل..
    وبذكريات لا يعرف تفاصيلها من البشر سواي...
    أما أنا فإنني أشق جروحا عميقة من جسدي وروحي
    لأقول لكم خذوا هذه الذكرى الجميلة الموجودة في أعماقي، دونكم الدليل والبرهان..!!
    عندما وصلنا لعنيزة أنا وسعود كان الوقت ضحى..
    اذكر تلك اللحظات جيدا وما زالت في مخيلتي..
    أوقفنا سيارتنا أمام الجامع الكبير في عنيزة..
    عليه لوحة صغيرة خضراء..
    مكتوب عليها جامع الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي رحمه الله
    رفعت رأسي لأنظر لتلك المنارة الشاهقة والتي بنيت بجوارها منارتان حديثتان..
    كأنهما فتاتان ذواتا قوام جميل ودلال وبهاء.. تنظران بشفقة وتشف
    لتلك المنارة القديمة البناء المبنية بالطين واللبن..
    تغنى أحد أدباء عنيزة بها قائلا..على لسان تلك المنارة..
    وهي تخاطب الناس عن الشيخ ابن عثيمين قالت: أنا المئذنة وهو المنارة..!!!
    نعم والله هي المئذنة وهو المنارة ..
    هذه المئذنة بناها بناء محترف قبل عشرات السنين وكلف بناؤها عشرون ريالا..!!
    ولكن أمير عنيزة زاد البناء عشرة ريالات مكافأة له على إتقان صنعته!!
    وهي حتى هذه الساعة مازالت شامخة تفخر وتشرف على ضرتيها!!
    وتغني وتقول .. أنا المئذنة وهو المنارة...
    اقتربت من باب المسجد فشاهدت لوحة صغيرة مكتوب عليها تسجيلات إسلامية..
    دخلت للتسجيلات فرأيت رجلا ملتح ابيض وسيم الطلعة قصير وممتلئ
    على وجهه لحية قد اختلط سوادها ببياضها..
    سلمت عليه .. فرد علي بصوت فيه بحة !!
    قلت له أين أجد الشيخ محمد ؟؟
    قال الشيخ الآن في الجامع وعنده درس حتى الساعة العاشرة والنصف..
    قلت : وبعد ذلك ..
    قال : يذهب ماشيا لبيته.. هل أنت طالب جديد أم تريد الفتوى؟؟
    قلت : لا، أنا أريد الالتحاق بحلقة الشيخ..
    رحب بي .. وقال أهلا بك في عنيزة ...
    ثم عرفني باسمه ، وقال أنا أخوك عبد الرحمن الخليفي ..
    قلت له وهل أنت قريب الشيخ الخليفي إمام الحرم..؟
    قال هو أحد أقاربنا..
    قلت : أريد التحق بسكن الطلاب من أقابل؟؟
    قال: قابل الشيخ مباشرة وتحدث معه فهو صاحب الحل والربط!!!
    منذ ذلك التاريخ أصبحت لي مع أبي صالح علاقة طيبة.. بارك الله فيه
    خرجت من عنده فسمعت صارخا يصرخ على الميكرفون ..
    بسم الله ونصلي على رسول الله...
    عشرة ،عشرة، عشرة !!
    ظننتها محاضرة !!!
    ولكن حينما أنصت له عرفت أنه صوت البائع في سوق الخضار المقابل للمسجد...!!!
    قلت لسعود ماذا ترى؟؟
    قال : دعنا لنذهب نفطر وتصلي مع الشيخ صلاة الظهر.. وتقابله..
    توجهنا لأطراف عنيزة في المزارع المحيطة بها..
    حيث تنتشر البساتين الخضراء والمزروعة بالنخيل على مد البصر..
    جلسنا تحت ظلال شجرة واخرج سعود عدة الطبخ ..
    وصنعنا الشاي.. والإفطار..
    كانت آخر جلسة لي مع سعود في مثل هذه الحال..
    قلت لسعود : أنت لديك سفر طويل ، فهيا قم وأوصلني للجامع وسوف أتدبر أمري..
    وفعلا توجهنا للجامع .. وأوقفني أمامه .. ودخلت أنا وسعود لصرحة المسجد ..
    حينما فتحنا الباب وجدنا الجامع خال من الطلاب ..والشيخ قد طلع من الدرس!!
    وضعت متاعي في زاوية المسجد قريبا من رفوف النعال..
    ثم خرجت مع سعود..
    أردت أن يكون وداعا سريعا!! حتى لا ينفطر فؤادي والله.. حزنا وكمدا..
    قبلته بين عينيه ودعوت له وانصرفت وأنا تخنقني العبرة..
    دخلت للمسجد فتنهدت وصليت على رسول الله..
    تجولت بنظري في الجامع ..
    لمن لا يعرف الجامع يظن ذلك الجزء هو كل الجامع..
    استصغرته في البداية .. ولكن بعد حين عرفت أن ذلك تقسيم متعمد
    وهو تقسيم معهود في المنطقة كلها..
    في وسط المسجد يقع محراب خشبي مقوس ارتفاعه حوالي نصف ذراع ..
    وبجوارة علبة خشبية صغيرة لوضع النعال!!
    وفرشت سجادة من الفرش الرخيص ..
    قد بليت مواضع السجود منها وموضع الركبتين!!
    وألقيت بجواره مهفة ليروح بها الإمام عن نفسه من الحر..
    وقعت عيني على مقعد على يسار الداخل للجامع ارتفاعه ذراع ويتسع لجالس واحد فقط
    ولا قوائم له، يتكئ من يجلس عليه على جدار المسجد..
    وأمام المقعد اسطوانة حدية مدهون مثبت بالأرض بمسامير قوية
    عرضت عليه خشية طولها نصف متر تقريبا فيها فتحات صغيرة..
    لوضع الميكرفونات عليها..
    وأمام ذلك المقعد قد ألصقت بالأرض علامات منحنية كقوس لترتيب صفوف الطلاب..
    حول شيخهم...
    عرفت أن ذلك هو موقع الدروس..
    صليت تحية المسجد واتكأت على الجدار ووضعت خدي على كف يدي
    أفكر في حالي....
    فتح الباب بشدة ودلف منه شخص كبير في السن!! ..
    وعليه مرآة عريضة وبشت ثقيل !!
    حينما رآني نظر لي نظرة حادة .. فصرفت وجهي عنه خوفا من نظراته..
    فلم يعرني كثير انتباه!!
    كأنه يقول واحدة بواحدة..!!
    وضع نعله خلف موقع الإمام ثم خرج من المسجد!!



    !!!

  3. #13

    افتراضي

    الحلقة الثانية عشر..

    كان ذلك الشيخ الذي دخل للمسجد وخرج هو العم عبد الله بن عمر العمري..
    وهو احد أقران الشيخ ابن عثيمين في الدراسة على شيخه ابن سعدي رحمه الله..
    بعد برهة وجيزة دخل ذلك الشيخ مرة أخرى ..
    وتسنن ثم نشر مصحفه وانكب عليه..
    بقيت وحيدا أرقب باب المسجد وارقب حقيبتي وكرتوني..
    خرجت قليلا من باب المسجد ، و قفت على الدرج الخارجي العريض ..
    حيث يقابل الخارج من المسجد دكانان أحدهما مكتوب عليه مركز إحياء التراث ..
    وعلى اليسار لوحة مكتوب عليها مؤسسة الاستقامة.. وكانت مغلقة!!
    دخلت لإحياء التراث ، وهي عبارة عن مكتب خدمات تصوير ..
    مليء بمذكرات دروس الشيخ ابن عثيمين ، وغيره من العلماء..
    استأذنت البائع بالتصفح فأذن لي..
    وسألته : هل هذه من تأليف الشيخ ..؟؟
    قال : كلا ، هذه مذكرات مفرغة من دروس الشيخ ...
    خرجت من عنده ثم توجهت للوضوء والاستعداد للصلاة..
    بعد دقائق ... دخل شاب نحيل بهي الطلعة..
    وتقدم لدولاب طويل أبيض خلف المحراب ملصق بالجدار..
    ففتحه ثم أضاء الميكرفون فأذن.. بصوت عذب وندي أعجز عن وصفه..
    لم اسمع في حياتي أذانا جميلا مثل أذان ذلك الشاب ..
    لا أدري هل ذلك بسبب حبي للجامع وأهله أم أن ذلك حق يوافقني عليه آخرون..؟؟
    لكن هذا رأيي الشخصي عن ذلك الصوت ولا شك أن الأذواق تختلف في الحكم ..!!
    فلا تلوموني إخوتي !!!
    اسم ذلك الشاب عبد الرحمن الريس بارك الله فيه..فهو جاري في الصف لسنوات !!
    بعدها تتابع الناس في الدخول للمسجد ولكن بوتيرة بطيئة!!
    خلاف ما رأيته في المساجد الأخرى.. !!
    وغالب من جاء للمسجد هم من الشباب المستقيم الملتزم ...
    تأخر الإمام فسألت من بجواري : هل الشيخ موجود ؟؟
    قال : نعم ولكنه يتأخر..
    وبعد مرور حوالي خمس وأربعين دقيقة من الأذان دخل الشيخ...
    هو كما عهدته لم يتغير من شكله شيء ..
    غير أنني هذه المرة أنا من قدم إليه..
    تقدم من الباب ثم خلع نعله وحملها بيده ثم سلم على الجماعة ..
    وقف المؤذن وفي يده ميكرفون ذو حبل طويل مما يعلق على الصدر..!!
    أقام الصلاة .. وكان الشيخ يستن بالسواك بيده اليسرى!!
    التفت للمؤذن ثم تناول منه الميكرفون فعلقه الشيخ على صدره بلمسة إحترافية..!!
    ثم التفت للناس وأمر الجميع بالاستواء والتراص..
    نظرات الشيخ ثاقبة وحاجباه كثيفان مليئان بالشعر الأبيض..
    يثيران في النفس الرهبة والمهابة.. كأن نظرته تخترق جسدك اختراقا..!!
    قدم وأخر في الصفوف كأنه قائد جيش !!
    حينما اطمأن من تراص الصفوف واستكمال الأول فالأول كبر الشيخ..
    أطال الشيخ في الركعة الأولى إطالة لم أعهدها...!!
    وفي ركوعه وسجوده وسائر الأركان يطيل الشيخ تطويلا بينا..
    فمع كبر سنه إلا أن نشاطه وتماسكه يساعدانه على تحمل تلك الصلاة !!
    ثم إن أغلب من يصلي معه من الشباب النشيط..
    سوى العم عبد الله العمري سالف الذكر..
    ورجلا آخر له شأن وأي شان...
    رجل مسن رقيق الجسم لا تكاد أن ترى في جسمه مزعة لحم..
    منحني الظهر ثيابه رثة وهيئته كهيئة مخبول أو معتوه !!
    ولكنه يحمل في صدره علما كالجبال ..
    إنه الشيخ الزاهد عبد الله الفالح..
    حينما رأيته ظننته شحاتا ..
    ولكن سمعت عنه وجالسته بعد ذلك فوجدت الرجل واسع الإطلاع راسخ العلم ..
    غير انه زاهد في الدنيا ومتعها حتى إنه لم يتزوج قط..!!
    ولعل أن تأتي مناسبة للحديث عن هذا الحبر بشكل أوسع ..
    ختم الشيخ صلاته بالسلام ..
    ثم استغفر بصوت جهوري .. وضج المسجد خلفه بالتسبيح والتهليل..
    ثم استدار الشيخ بفتوة ونشاط كما يستدير الفارس على صهوة فرسه..!!
    واستمر في تسبيحه وتهليله..
    تخطيت الصفوف وجلست بجوار الشيخ فألقيت بين يديه توصية صاحبي..
    فأشار لي الشيخ بيده اليسرى وهزها بعنف أن انتظر ..
    فخجلت وشعرت بحرارة تملئ وجهي حياء من ذلك الموقف..
    حينما استكمل الشيخ تسبيحه قال ماذا تريد..؟؟
    فقدمت له الورقة..
    فقال : ماذا فيها؟؟
    قلت: توصية من فلان..
    قال أعرفه وماذا تريد ؟؟
    قلت أريد أن ألتحق بحلقتك للدراسة لديك...
    قرأ الورقة بسرعة ثم أعادها وقال..: هذا لا يكفي لا بد من توصيتين .. ابحث عن شخص آخر أعرفه ليوصي بك..!!!
    ثم فز من مجلسه وتناول نعله وقام..!!!
    بقيت برهة أنظر حولي واحترت..؟؟؟
    هل انتهى كل شيء ؟؟
    لم اطل التفكير بل عزمت أن ألحق بالشيخ لأكلمه مرة أخرى..!!
    خرجت فلحقته فرأيت حشدا من الناس تسير مع الشيخ..
    منهم السائل والمستفتي ومنهم صاحب الحاجة ..
    كنت أراقب المشهد وأنا بحذو الشيخ ..
    يسير الشيخ من المسجد حتى بيته في كل الصلوات..
    صيفا وشتاء .. دونما كلل ..
    ولقد رأيت فتية نشطاء أقوياء يعجزون عن لحاق الشيخ حينما يسرع الخطى!!
    بعد تجاوز نصف المسافة .. ورجوع أكثر الناس..
    نظر إلي وقال : ايش عندك؟
    قلت له : ياشيخ لقد جئتك من مكان بعيد ولا يعرفني أحد سوى فلان الذي أوصى بي..
    فماذا أفعل ؟ لا سكن عندي ولا أعرف أحدا هنا في عنيزة؟؟؟
    قال : هل أنت شمري من حائل؟؟
    أسقط في يدي فالورقة فيها فلان الشمري؟؟
    فلو قلت غير ما هو مكتوب فهذا نهاية المطاف ؟؟
    وإن كذبت فلا حول ولا قوة إلا بالله !!
    تماسكت وقلت: نعم أنا شمري؟؟
    قال هل يعرفك عبد الله العبيلان رئيس مكتب الدعوة في حائل؟
    قلت : لا والله..
    قال هل يعرفك فلان رئيس المحكمة؟؟
    قلت : لا والله ياشيخ!!
    قال : ماذا افعل لك تصرف!!
    قلت : هل ممكن أن أنزل في السكن مع الطلاب حتى أجد من يزكيني؟؟
    أدار الشيخ وجهه نحوي..
    أخذني الشيخ طولا وعرضا بنظره وتأملني ثم قال : لا بأس أذهب لمحمد البجادي !!
    وقله أرسلني لك محمد للسكن مؤقتا !!
    قبلت رأسه ورجعت لمتاعي..
    حملته ثم التففت من خلف السكن المقابل للمسجد..
    وشاهدت جموعا من الطلبة تصعد وتنزل من باب السكن..
    فرأيت لوحة مكتوب عليها : مكتبة عنيزة الوطنية ..
    أسسها الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي..
    وها أنذا أدخل السكن الذي لن أخرج منه سوى بعد سنوات..



    !!!

  4. #14

    افتراضي

    الحلقة الثالثة عشر

    دخلت لسكن الطلاب وهي عمارة ذات أربع طوابق..
    تبرع بها الملك خالد رحمه الله وأوقفها لطلبة العلم في الجامع الكبير..
    صعدت للطابق الثاني فوجدت الطلبة مجتمعين على الغداء..
    وعن يمين الصالة علقت لوحة مكتوب عليها ( المكتبة)
    سألت عن محمد بن بجاد.. فقال محدثي : أنا هو..!!
    وكان واقفا بجوار براد الماء على مدخل صالة الطعام..
    قلت له لقد بعثني الشيخ محمد إليك لكي توفر لي سكنا مؤقتا ..
    قال : لماذا مؤقت؟؟
    قلت : لم استكمل التوصيات ..
    قال : ما اسمك؟؟
    هل سأقول لهم اسما غير الذي أنادى به من شهر؟؟؟
    أنا فلان الشمري؟؟
    قال: ولكن لهجتك؟؟
    قلت له: أنا عايش طوال حياتي في الطائف؟؟؟
    انتهيت من تحقيق الأخ محمد الظريف ثم قال تفضل استرح في المطبخ!!!
    دخلت لصالة الطعام .. وهي صالة مفروشة بزل قديم ..
    كانت أشكال الطلبة مختلفة ومتباينة !!
    فتسمع اللهجة الحجازية وكذلك لهجة نجد طبعا..وترى الأفغاني والأفريقي..
    جاؤا من أصقاع الأرض ليثنوا ركبهم عند ذلك الحبر ..
    يجلس الطلبة حلقا على سفر الطعام..
    كانت رائحة الأكل تثير الشهية فانتظرت الأخ محمد ليدعوني أو غيره من الطلاب ..!
    فلقد كنت خجلا فأنا غريب بينهم ولا اعرف أحدا منهم..
    غربة ما بعدها غربة والله المستعان!!
    تكرم احد الطلبة بعد أن لمحني أتلمض دجاجة مشوية لا احد حولها..
    قال : تفضل كل معنا يا أخي ؟؟
    كدت أن أتمنع!!
    ولكن الجوع أبصر ..!!
    فانقضضت على طريدتي.. ولم يزاحمني عليها احد.. فظن شرا ولا تسأل عن الخبر!!
    حينما شبعت وغسلت يدي ..
    وخلت الصالة بعد أن ذهب جلهم لغرفهم وبعضهم يقيم خارج السكن!!
    بجوار المطبخ ثلاجة ذات بابين فيها مالذ من شراب وعصير وحلويات!! توجد
    ولكن بجوارها يجلس رجل أفغاني كأضخم رجل تراه!!
    وله لحية كثة وسمعت الطلبة يسمونه علاء الدين...
    قلت له : ياعلاء الدين ؟؟ هل ممكن اشتري من هذه الثلاجة؟؟
    ظننته سيقول هذا بالمجان تفضل خذ ما تريد!!
    قال : ايش تشرب ؟
    فطلبت البارد .. فقال : بس واحد ريال!!
    دفعته طبعا ومن ذا يجرؤ يزعل مثل هذا المخلوق الضخم!!
    لكن هذه الضخامة والسعة في الجسم تخفي في داخلها قلبا كبيرا ..
    إن علاء الدين هذا رجل لا كالرجال !!
    ولا اعرف أحدا في سكن الطلاب قد اشتكى منه طوال إقامتي في السكن..
    ويكفي ثقة شيخنا محمد به ..
    دعونا من علاء الدين الآن .. ولنكمل قصتنا..!!
    توسدت حقيبتي فنمت ...
    استيقظت على أذان عبد الرحمن وما أجمله من نداء..
    لم يكن في الحقيبة شيء يخاف عليه فتركتها غير عابئ بما يصير لها!!
    صلى بنا شيخنا صلاة العصر ثم قرأ عليه قارئ من كتاب رياض الصالحين ( أظن)
    فعلق عليه الشيخ تعليقا مبسطا ميسرا..
    والملاحظ كثرة المصلين في صلاة العصر عن صلاة الظهر ..
    حينما كان الشيخ يتحدث تذكرت رجلا يعمل في هيئة الأمر بالمعروف في حائل
    وهو من أقرباء سعود وذكر لي أنه من تلاميذ الشيخ محمد القدامى..
    اسمه عباس المعاشي( أو الشمري الشك مني).. بعد انتهاء الدرس تحلق حول الشيخ حشد من الناس منهم السائل ومنهم المستفتي وصاحب الحاجة ولقد رايت ما يعانيه الشيخ من صلف الناس وجفاءهم فرحمه الله وعفا عنه
    لحقت الشيخ وسألته...
    هل تقبل توصية عباس الشمري....؟؟
    قال : أنعم به وأكرم ...
    كنت احتفظ برقم عباس ..
    فتوجهت لكابينة الهاتف واتصلت عليه..
    رد علي عباس بصوت غير الذي عهدته؟؟
    كلمته في الموضوع..!!
    قال : أنا مريض ولكن سوف اتصل على الشيخ وابلغه بما تريد إن شاء الله..
    رجعت للسكن وبحثت عن محمد بن بجاد..
    فطلبت منه غرفة بسرير مريح لكي أضع متاعي فيها!!
    ضحك وقال : تعال اريك غرفتك!!
    صعدنا للدور الثالث .. ففتح لي الباب ..
    فرأيت غرفتي المريحة!!
    غرفة صغيرة ملقى فيها طراحة مهترئة ولحاف بالي ووسادة مهترة!!
    قد فرشت ببساط أقرب حاله أن أسميه أنه هالك!!!
    ركز بجدرانها رفوف فارغة لوضع الكتب .. فكانت أشبه بعجوز فاغرة ولا أسنان لها..
    قال تفضل هذه غرفتك..!!
    وقال : أنا لست مشرف السكن!!
    إن أردت شيء فكلم الأخ محمد زين العابدين !!
    قلت له: وأين أجد محمد زين العابدين هذا؟؟
    قال هو مسافر وسيأتي اليوم من شرورة ..و هو ينزل في غرفة في الدور الثاني ..
    مع شخص اسمه نافع الشمري!!
    حينما سمعت كلمة (شمري) جمد الدم في عروقي !!
    فهاأنذا أجاور شمريا حقيقيا !!
    ثم انصرف .. وتركني في الغرفة..
    وأظنه قال في نفسه : يالهذا الأحمق هل يظن نفسه سينزل في غرفة خمس نجوم!!
    جلست على طراحتي البالية ..
    أنظر لجدران الغرفة المتسخة !!
    سبحان الله .. كيف يرضى الشيخ محمد بهذا الحال؟؟
    ولم أكن اعلم إلا بعد حين أن غرفتي تلك هي غرفة الضيافة!!
    ولكن بعد فترة والشهادة لله فقد تحسنت الأوضاع بشكل ملفت..
    وجدد السكن تجديدا يليق بمقام شيخنا رحمه الله رحمة واسعة..
    وقفت على نافذة الغرفة حيث تشرف نافذتي على الشارع العام..
    أراقب الرائح والجاي كما يقولون!!
    لمحت نسوة كثرا متلفعات بالسواد .. وجالسات على الرصيف ..
    وبعد لحظات جاء الباص فحملهن ومكتوب عليه ( مستشفى الملك سعود)
    إذا ،هن ممرضات!! ومتسترات بهذا الستر؟؟ .. بل وسمعت ان كثيرا منهن غير مسلمات!!
    فالسفور كما سبق نادر أو معدوم ...
    تركت الممرضات اللاتي يذكرنني بالمرض والهم فنزلت للمسجد..
    سألت عن الدرس في تلك الليلة ..
    فقالوا لي :الدرس الليلة في كتاب زاد المستنقع ..
    سألت أحد الطلاب عن مكتبة قريبة..
    فأشار لمكتبة مجاورة لجنوب المسجد مكتوب عليها مكتبة الإمام الذهبي..
    دخلت للمكتبة وطلبت من البائع أن يعطيني متن الزاد..
    فاشتريته ثم توجهت للمسجد..
    رأيت مجموعة من الكتب موضوعة للحجز أمام الشيخ ..
    ولم تكن تلك العادة غريبة علي فقد كنت افعلها في دروس مشائخنا في الطائف..
    تقدمت وبكل جرأة وصفاقة !!
    فالتفت حولي هل يراني من احد !!
    فأزحت كتابين عن بعضهما وفرقت بينهما في المجالس ووضعت كتابي بينهما..!!
    ولقد اخترت الصف الأول بل وأمام الشيخ مباشرة!!
    لقد كانت تلك الجرأة والصفاقة سببا هيئه الله تعالى لي لكي يفتح قلب شيخنا الكبير
    لشخص مغمور ضائع مثلي...



    !!!

  5. #15

    افتراضي

    الحلقة الرابعة عشر

    توافد الطلبة على الجامع زرافات ووحدانا وذلك قبل الأذان..
    وحينما أذن المغرب ازدادت وتيرة الحضور حتى غص بهم الجامع..
    ولقد تأخر الشيخ كعادته للحضور حتى إنك إن خرجت خارج الجامع
    سترى في الأسواق المحيطة بالجامع جلبة بعد خروجهم من صلاة المغرب من المساجد الأخرى!!
    وأخيرا دخل شيخنا بهي الطلعة رحمة الله عليه..
    صلى بنا المغرب وكنت أول مرة أسمع تلاوة الشيخ ..
    تلاوته شبيهة بقراءة الشيخ السبيل إمام الحرم لمن يعرفه !!
    إلا أن شيخنا يسرع قليلا في القراءة...
    وفي قراءته نبرة حزن .....
    صليت بجوار المؤذن عن يساره منذ ذلك اليوم..
    وحينما سلم الشيخ انتظرت قليلا ثم تخطيت الصفوف والأرتال..
    وللمسجد ضجة هائلة بالتسبيح والتكبير .. كما هي السنة..
    توجهت لمكاني الذي حجزته ورفعت كتابي وجلست ..
    قدم مجموعة من الطلاب ، وجلسوا حولي وقال أحدهم لي..
    هذا مكان فلان .. قم وابحث لك عن مكان آخر!!
    قلت له : وهل المكان ملك أبيه !!
    هذا بيت الله والمكان لمن سبق!!
    أعتدت على ذلك النقاش من قبل في الطائف!!
    ابتسم محدثي وأطرق يقرأ في كتابه!!
    كنت غرا ولا أدرك عواقب أفعالي..
    استكملت الصفوف وبقي مكاني الذي أنا فيه فرجة صغيرة !!
    كان كل من حولي يرقبني بنظرة إشفاق كأن عيونهم تقول لي:
    انتظر قليلا وسترى!!!
    جاء شاب آدم اللون مستوي البنية ولحيته خفيفة!!
    وقد خرج من غرفة بجوار مكان الدرس ويظهر أنه من كبار الطلبة!!
    ويحمل حقيبة صغيرة وضعها على مقعد الشيخ ثم استدار وجاء نحوي..!!
    اقترب مني .. وقال:
    هذا مكاني !!
    قلت له : أهلا بك وزحزحت الذي بجواري حتى حشرته !!!
    وقلت له: تفضل!!
    فجلس الرجل وهو غير راض!!
    تأخر الشيخ حتى يتسنن الراتبه .. ثم تخطى الصفوف ودخل حتى صار أمامنا..
    وعلا فوق منصة الدرس المصنوعة من القطيفة المحشوة بالقطن أو ألأسفنج الخشن، لا أدري!!
    ثم جلس وألقى عباءته خلفه ..
    واتكئ على الجدار ..
    نظر إلي فرأى وجها جديدا لم يعهده!!
    فنظر لمن بجواري وأرخى رموش عينيه ليركز النظر ..
    وهو يقلب في أوراق منشورة في حجره كأنه يتساءل من هذا؟؟
    ثم قال الشيخ: أليس المكان ضيق عليكم؟؟
    أما أنا فلم أنطق حرفا واحدا ولم أتحرك كأنني لا أسمع وخيرا فعلت!!
    وأما جاري فاستوى في جلسته وأصلح من مكانه فصار فسيحا بقدرة قادر!!
    ثم هز رأسه بعلامة تفيد برضاه !!
    انتهى الحال على هذا ولكن يظهر أن الشيخ قال في نفسه :
    ستدفع ثمن جرأتك ...!! فهذا المكان له ثمن!! وأي ثمن!!
    ابتدأ الشيخ بالحمد والصلاة على رسول الله ..
    وقال : درسنا في الفصل الماضي .. كذا وكذا ..
    ثم بدأ بمراجعة الطلبة عما تلقوه في الدرس السابق...
    كان الطلبة حولي يرفعون أيديهم لكي يجيبوا... أيهم يختار..
    أما أنا فليس لي في ذلك النقاش ناقة ولا جمل!!
    الشيخ محمد سهل وبسيط في كل أموره ..
    في أخلاقه في سمته ، في لباسه ، في حديثه ،
    أما حينما يتعلق الأمر بالسؤال والنقاش .. فليحمد الله كل من سلم من ذلك!!
    يقولون إن علم الرجل يظهر من سؤال الناس له ..
    حيث يسهل على كل واحد أن يحضر من كتاب فيفرغه كاملا بين يدي الناس!!
    لكن حينما تتوارد عليه الأسئلة ويحيطه المناقشون الأذكياء..
    فحينها يظهر علم العالم من جهله..
    وهذا هو منهج الشيخ في السؤال والنقاش ..
    يعود الطلبة على قوة الحجة وتحمل الجدال دونما خوف أو تردد..
    ولذلك يتعمد حشر الطالب بأسئلة صعبة ويورد عليه الإشكالات ..
    فلا يفلت منها إلا الأذكياء والنبهاء..
    أما من يرى في نفسه عدم الأهلية أو يعرف من حاله انشغال فكره بمصالحه وولده
    فخير له أن ينصرف للصفوف البعيدة وليدس رأسه خلف زاوية أو عمود!!
    استمرت المناقشة والمراجعة وقت لا بأس به ..
    ثم ابتدأ الشيخ بالدرس الجديد...
    شيخنا رحمه الله فنان في التدريس قل نظيره ..
    أسلوبه يسير لا يشق على المبتديء ولا يحتقره الطالب المجد القديم..
    فكل يجد حاجته وكل يخرج وهو راض وفاهم ومستوعب لكلام الشيخ..
    الشيخ محمد ليس صاحب كم ولكنه إمام في الكيف!!
    من الأمثال المشهورة :
    علمني صنعة ولا تقرضني مالا!!
    شيخنا يعلمك صنعة العلم بحيث يمرس الطالب على كيفية
    البحث والمناقشة والاستدلال والتأصيل ، والجدال وكيفية ترتيب الدليل والحجة ..
    ولذلك يستمر الطالب عند الشيخ سنوات عديدة ولم يكمل كتابا واحدا عنده..
    ولكنه يخرج بفهم ثاقب وقدرة هائلة على الطلب والبحث والاستمرار في التحصيل..



    !!!

  6. #16

    افتراضي

    الحلقة الخامسة عشر

    في دروس شيخنا في عنيزة من النادر أن يسال الشيخ الطالب خلال الدرس..
    فغالبهم قد جاء له من أماكن بعيده بقصد العلم والتحصيل ..
    وفيهم من الطاقة والحيوية ما يجعلهم حريصين ومتنبهين لكل فائدة ومسألة.
    ولكن الوضع ذلك اليوم مختلف ..!!
    سألني الشيخ في ذلك الدرس ثلاث مرات كأنه يختبرني أو سيقول لي : طس !!
    وبحمد الله بلعت الطعم ولم أقع في المصيدة!!
    فقد أجبته بما فتحه الله علي مما حصلته عند مشائخنا في الطائف..
    فكان ذلك فأل خير لي بحمد الله تعالى..
    انتهى الدرس الأول بعد الأذان ..
    ثم تقدم شاب من الصف الخلفي وجلس بيني وبين جاري الغاضب مني!!
    وعلق الميكرفون على صدره .. ثم أخذ يقرأ من نونية ابن القيم..
    بصوت جمع بين العذوبة والرقة ، وجمال الأبيات التي نظمها ابن القيم رحمه الله..
    لقد كانت تلك المنظومة مع أنها تحوي ردودا علمية رصينة إلا أنها...
    حوت حكما ومواعظ وطرائف لا يتقن نظم قلائدها سوى مثل ابن القيم وكفى به !!
    لاحظت رجلا أفغانيا ذو عمامة عريضة ويلبس المرآة يجلس عن يمين الشيخ..
    و لاحظت الشيخ يستأنس كثيرا بالحديث معه أو مناقشته ..
    وكانت أسئلته وركاكة لسانه الأعجمي تثير ضحك الطلاب ..
    كنا نستأنس ونفرح حينما يسأل هداية الله لأن شيخنا يسر بذلك ..
    ومع عجمته وصعوبة النطق بالعربية لديه حيث انه لا يتكلم سوى بالفصحى المكسرة..!!
    إلا أن الرجل قد أتقن علوم الآلة من نحو وأصول وأصول تفسير ، بشكل شبه كامل..
    أذكر في درس الفرائض من متن البرهانية المسألة العنقودية والتي لم يستطع حلها سوى
    هداية الله !!
    وهي مسألة شائكة ومعقده لا يقدر عليها سوى الراسخين في الحساب والفرائض..
    كان هداية الله هذا يسجل دروس الشيخ في مسجل صغير..
    ثم يرجع لغرفته فيغلق الباب على نفسه ..
    فلا ينام حتى ينسخ ذلك الشريط على دفتر خاص ثم يترجمه من فوره للغته الأفغانية!!
    و هذا ما يفعله كل ليلة طوال ست سنوات جاورته وخبرت حاله..!!
    انتهى الدرس وتوجهنا للمصلى وكنت وضعت كتابا بجوار المؤذن لكي أصلي مكانه..
    صليت خلف شيخنا .. وبعد السلام ..تحلق مجموعة من الناس حول الشيخ ..
    كما هي العادة في كل صلاة سوى صلاة الفجر والمغرب..
    ثم قام الشيخ وخرج من المسجد لحقته مع الناس وذلك بقصد الفضول فقط ..
    كنت أسير بمحاذاة الشيخ واستمع لأسئلة الطلبة والمستفتين..
    ولقد فاجأني الشيخ حينما التفت إلي وقال:
    يبدوا أنك تريد العلم والتحصيل !!
    كانت غير متوقعة والله ..
    ثم قال الشيخ .. هل نزلت في السكن؟
    قلت : نعم..
    كان الطلبة يراقبون هذا الموقف وقلوب بعضهم تخفق من الغيرة من هذا الحوار
    الخاص!! والنموذجي!!
    قال : إذا عجل بالتزكية حتى نسمح لك بالبقاء ..!!
    قلت له : لقد اتصلت على عباس وهو مريض وقال سيتصل عليك!!
    قال : خيرا إن شاء الله .. ثم عدت أدراجي للسكن..
    استبشرت بهذا النجاح الذي لم ارتب له شيئا بل توفيق الخالق سبحانه وتعالى..
    دخلت لغرفتي فوجدت زائرا ينتظرني!!
    وجدت شخصا جالسا في غرفتي..
    سلمت عليه .. فرد وقال : هل أنت تسكن في هذه الغرفة؟؟
    قلت : اليوم نزلت فيها..
    قال : إذا سنكون سوية هنا .. أنا أخوك بندر الحربي ..
    تعارفنا .. قليلا ثم نزلنا للعشاء.. وهذه المرة لم أنتظر أحدا يدعوني!!
    حقيقة أن تنام في غرفة صغيرة وضيقة مع شخص لا تعرفه شيء مزعج..لمن لم يعتد عليه
    خصوصا انه لم يستأذنني احد في اختيار زميل السكن..
    ولكن لا خيار لي فإما مع بندر أو الشارع!!
    ولكن بندرا هذا رجل ظريف وحلو المعشر ..
    وبعد حديث طويل معه اكتشفت طيبته ..
    ومع انه رجل انعزالي ولا يحب مخالطة الناس ونظراته غير محببة ، لعمقها وحدتها!!!
    إلا أنني حينما عاشرته وخالطته تبين انه رجل طيب وفاضل..
    استأمنته على بعض أموري وكنت أستشيره فيصدق المشورة!!
    كنت أخرج للتنزه مع بندر على سيارته الوانيت في الطعوس المحيطة بعنيزة
    وما أكثرها!!
    في اليوم التالي .. حضرت درس الصباح ..
    والذي يستمر من الساعة الثامنة وحتى العاشرة والنصف..
    ويدرس فيه الشيخ خمسة كتب ..
    والحضور في تلك الدروس ليس بالكثرة التي كانت بالأمس..
    حيث أن هذه الدروس فقط في موسم الصيف والعطل الدراسية..
    كانت الدروس صعبة علي لمستواها العالي عني..
    ومع ذلك فلم انقطع عنها طوال الفترة المتبقية من الصيف والتي لم تطل كثيرا..
    بخصوص المكان فقد تمسكت بالمكان الذي جلست فيه بالأمس ..
    وذلك لسنوات عديدة بفضل الله تعالى..
    وذلك على رغم عدم رضى جاري سامحه الله!!
    والذي ستكون لي معه مواقف ستصطدم كثيرا من قراء هذه الحلقات..
    ولست اقصد من روايتها الشماتة به أو النيل منه..
    فأنا لن اسميه ولا احد من القراء يعرفه أو يعرفني ..
    ولا يخلوا ذكر القصة من فائدة وحكم وطرفة !!
    ومع أن تلك المواقف حصلت قبل سنوات عديدة إلا أنها لن تمر دون اعتبار وتمحيص..
    والموعد عند رب العالمين سبحانه وتعالى هو حسبنا ونعم الوكيل..



    !!!

  7. #17

    افتراضي

    الحلقة السادسة عشر

    في اليوم التالي حصل تقريبا ما حصل بالأمس غير أن المفاجأ ة كانت وعلى غير المتوقع
    حينما مشيت مع الشيخ في عودته لبيته بعد الدرس الصباحي ..
    ناداني الشيخ وبانزعاج ظاهر وقال لي: لما لم يتصل صاحبك؟؟
    قلت له: والله لا أدري ولكن في اتصالي السابق عليه قال هو مريض..
    فلعله اتصل على تلفونكم فلم يجبه أحد!!
    قال الشيخ: هات رقم تلفونه وسوف أتصل عليه أنا!!
    لم أكن ساعتها أحمل رقم عباس فقلت له: سأحضره لك بعد صلاة الظهر..
    وبعد الصلاة ناولت الشيخ ورقة عليها رقم الشيخ عباس ..
    كنت قلقا للغاية .. فالشيخ محمد لمن خالطه رجل حازم ..
    ولا أسهل عليه من أن يقول لي ارجع من حيث أتيت!!
    وكون الشيخ يطلب رقم عباس ليتصل عليه من طرفه إن ذلك الفعل هو نبيل وتواضع
    من شيخنا جزاه الله خيرا.. ورحمه وأسكنه جنات النعيم..
    بعد صلاة العصر وانتهاء درس العامة ..أشار لي الشيخ وكنت أمامه بجوار المؤذن أن الحق بي!!
    لحقته ومشيت بجواره ولكنه لم يكلمني في شيء..!!
    انتظر الشيخ حتى انتهى الناس وقضى حوائجهم وبقيت أنا وهو بمفردنا نسير حتى
    اقتربنا من البيت وكنت منتظرا دون أن استبق منه شيء!!
    ولكن يعلم الله سبحانه وتعالى أنني قد خفت وظننت الظنون فربما أن أخي سعود أخبر
    عباس بمشكلتي ..
    وبدوره أطلع عباس الشيخ على الحاصل !!
    قال الشيخ: خلاص!!
    شدهت وظننت أنه خلاص سيخرجني ولكنه استأنف كلامه...
    أنا كلمت عباس وهو أثنى عليك خيرا!!
    وسكت!!
    قلت في نفسي :ما معنى هذا الكلام؟؟؟
    ثم أكمل شيخنا وهو يضم يديه ويشير بها للإمام ويزم شفتيه وقال :
    سنقبلك في السكن!! بشرط أن تجتهد في الطلب..
    لو كان بيدي في تلك اللحظة أن اصرخ من الفرح لفعلت!!
    أي خبر سعيد هذا !! الحمد لله رب العالمين..
    ثم قال الشيخ : وأنت يافلان الشمري!!!
    اغتنم هذه الفرصة ، خاصة أنك ما زلت في مقتبل عمرك .. وفقك الله..
    انصرفت بعد أن قبلت رأسه ودعوت له..
    ما أجمل أن ترى بصيص الأمل بعد اليأس .. ما أجمل الشعور بالاستقرار
    وخاصة في كنف ورعاية رجل بوزن الشيخ محمد عليه الرحمة والرضوان..
    لم أطمع ولم أحلم بل والله الذي لا إله سواه ولم يخطر في بالي أن أحصل على أي
    امتيازات مادية أو معنوية من قبل الشيخ محمد ..
    بل كان يكفيني أن أحصل على ما حصل عليه
    الآلاف سواي من طلبة العلم الذين يحيطون بشيخنا من كل صوب كل يبحث عن
    رضاه بعد رضى الخالق سبحانه وتعالى فهو للجميع بمقام الأب الحاني ..
    ومن ذا لا يبحث عن رضى والده..أو والدته..
    وكذلك يكفيني ويشرفني أن أتتلمذ على يديه وأحصل على علم قل منه أو كثر..
    انخرطت بعون الله سبحانه في طلب العلم والتحصيل فكان هو شغلي وهمي ..
    اقتنيت عددا من الكتب ورتبتها على الرفوف في غرفتي الصغيرة..
    تعرفت على عدد من الطلاب ولكن لم يكن اهتمامي منصبا على ذلك..
    من الطلبة الذين عرفتهم وخالطتهم الأخ نافع الشمري ..
    وكذلك الخ خالد الشمري .. ومنهم الأخ محمد زين العابدين!!
    هذا الأخير هو مشرف السكن ..
    وقد وصل من شرورة لكي يرتب سكنا له ولزوجته التي دخل بها قبل أسابيع!!
    وبذلك سينتقل من السكن الحالي والذي هو سكن للعزاب فقط ليستأجر بيتا له ولعائلته..
    الأخ محمد رجل عاقل وفيه حلم وأناة ولذلك كان اختياره للإشراف على السكن هو اختيار موفق..
    كان الأخ محمد هو ملاذ الطلاب عند المحن بعد الله فهو الوسيط بينهم وبين الشيخ ..
    ولقد كانت مهابة الشيخ محمد رغم تواضعه تمنع كثيرا منهم عن مخاطبته مباشرة..
    ولكن يكفي أن يوصل الأخ محمد شكاويهم وطلباتهم ليبت فيه الشيخ ..
    طلبت عن طريق الأخ محمد أن يوفروا لي كتبا ومراجع فوضعت قائمة كبيرة بالكتب..
    سلمتها لمحمد .. فظهرت على وجهه ابتسامة صفراء ماكرة !!
    وهز رأسه وقال: هل تظن الشيخ يوافق لك على هذه الكتب؟؟
    قلت له قدمها له وسنرى..
    وفعلا قدم محمد القائمة للشيخ بعد ظهر إحدى الأيام فوضعها الشيخ في جيبه..
    بعد يوم أو في ذلك اليوم بعد العصر ناداني محمد وقال : انظر في ورقتك!!
    فوقعت عيني على شخاميط بالقلم الأحمر وضعت على كل الكتب تقريبا وأضيف عليه
    للتأكيد علامة X
    ووافق على كتابين أو ثلاثة وأرفق معها قيمة الكتب نقدا معلقة بالفاتورة!!
    أخذتها وحمدت الله تعالى واشتريت الكتابين فأضفتها لمكتبتي الصغيرة..
    وعلى كل فقد وفر في السكن مكتبة علمية لا بأس بها وتحوي مراجع كثيرة للباحثين ومحبي القراءة .. ومع ذلك فالمكتبة شبه خالية ..
    والسبب في ذلك
    أن أغلب الطلاب قد يسر الله لهم مكاتب على حسب تخصصاتهم ومشاربهم في غرفهم..
    فترى الطالب المهتم بعلم الحديث والتخريج أكثر كتبه ومراجعه من ذلك..
    وينطبق الحال كذلك على طالب الفقه والتفسير وغيرها ..
    أما أنا فقد كانت مكتبتي صغيرة ولكنها نمت وترعرعت حتى خرجت من سكن الطلاب..
    وإنه ليعجز عن حملها الرجال الأشداء أولي القوة لكثرتها وتنوعها والحمد لله..!!



    !!!

  8. #18

    افتراضي

    الحلقة السابعة عشر

    كنت وبحمد الله مجدا في الطلب وقد انشغلت بالي وتفكيري تماما عن أي شيء آخر سوى العلم وطلبه
    قد يلومني أحد على عدم اهتمامي بوالدي وأهلي ذلك الحين، وأنا والله أوافقهم هذا اللوم وأستحقه
    ولكن ما الحيلة وما المخرج؟؟
    لم أكن ذا رأي وهدى إلا أن الله تعالى برحمته لم يترك الأمور هكذا تسير بل بتدبير عجيب منه سبحانه حصلت وقائع هي أصل روايتنا هذه وهي ذروة سنامها ، وسأحكيها في وقتها كما هي ولا بد من التمهيد لها ولو طال ذلك!!
    حتى تتضح الصورة وتنكشف الأوراق دون النيل من أحد بعينه فليس هذا مقصدي والله فلموتي ودفني مع سري عاجلا أو آجلا أهون على نفسي من كشف ذلك أو البوح به فالله سبحانه يعلم أنني أردت الفائدة لي ولمن سيقرأ هذه الرواية من أهلي وأصحابي الذين رغبوا في معرفة الحقيقة ، ولا اشك إن شاء الله أن كثيرا ممن وقع في نفوسهم شيء علي حينها حينما يطلعوا على ما سأخطه هنا أنه لو كان لديهم إنصاف( وهو عزيز ) فلا بد أن يزيل كثيرا من اللبس والخلط غير المقصود..
    كذلك ينبغي العلم أنني حينما أحكي ما يفهم منه الثناء على شخصي لا اقصد والله ذلك بل إنني أروي ما حدث وما مضى عليه حوالي الخمسة عشر سنة خلت ويعلمها كثير من الطلبة ويشهدون عليها ، ولست ادعي أنني أكثر الطلبة أو اقلهم تحصيلا وعلما ولكن هذه هي الحقيقة وهذه الصورة كما وقعت ، لا يأتِّيني أحد غدا يقول لي أنت تمجد شخصك ؟؟
    لا والذي بيده علم الساعة ما هذا قصدي بل غايتي من كل ذلك أن أكشف أمرا طالما رغبت في كشفه وفضيلة آن الأوان لبيانها وبالله التوفيق..
    لنرجع لروايتنا ...
    كما ذكرت توجهت للعلم بكل جوارحي وحصلت خيرا عظيما ، والخير هنا لا يقاس بالكثرة كما قد يتبادر لذهن البعض ، العلم أيها الإخوة والأخوات لمن ذاق طعمه حقيقة هو التأصيل المبني على منهج سديد تحت مظلة عالم راسخ العلم..
    شيخنا كما سبق بيانه ربانا على الكيف لا على الكم..
    إن كثيرا من علماء وطلبة العلم من زماننا بشكل مباشر أو غير مباشر قد تتلمذوا عليه.
    ولو تأملت حال كثير من نجباء زماننا لرأيت من أول قوائم العلماء الذين تتلمذوا عليهم هو الشيخ ابن عثيمين رحمه الله..سواء مباشرة أم عن طريق الشريط والكتاب..
    حدثني أحد طلبة العلم في الأردن أن مجموعة من طلبة العلم هناك يستمعون لأشرطة دروس الشيخ على ميكرفون الجامع فيتحلق عليه الطلبة ويغص المسجد منهم كأنهم بين يديه ويستمعون ويدونون ما يقوله الشيخ من علم وافر..!! كل ذلك من شريط!!
    كان الشيخ يكلف الطلبة بالبحوث فكنت من المكثرين من ذلك بحمد الله ..
    كنت أحيانا أجلس أبحث من بعد صلاة الفجر فلا ارفع رأسي عن الكتاب حتى يؤذن الظهر وأنا لا أشعر..
    كان تخريج الحديث الواحد على حسب التأصيل العلمي المعروف يستغرق أحيانا ثلاثين ساعة متواصلة بدون نوم !!
    كل ذلك مني قليل مقارنة بفطاحل الطلبة وجهابذته الذين حصلوا خيرا عظيما لدى شيخنا وليس هذا بمستغرب أو مستكثر على تلاميذه صغروا أم كبروا ..
    ولو شئت لحدثتكم عن عجائب لا يكاد يصدقها المرء عن مواقف احتفظ فيها عنهم بارك الله فيهم ونفع بهم..
    لكن حصل موقف عجيب وغريب سبب تحولا بل عمق العلاقة بيني وبين الشيخ من حيث لا أشعر !!!
    طلب منا الشيخ أي من جميع طلبته، أن يقوموا ببحث حول الفوائد أو الحكم من جواز أن يباح لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج أكثر من أربع نساء...
    وكان التكليف بذلك البحث في دروس المساء ...ولا ادري هل كان في التفسير أم في درس البخاري نسيت والله!!
    رجعت تلك الليلة وكنت حينها في غرفة الأخ نافع الشمري ...
    حيث أن مراجعه وكتبه كثيرة...
    قرأت في بعض المراجع مباحث حول هذا الموضوع ولكنها لم ترو الغليل!!
    قرأت في أبواب النكاح من كتب الفقه والحديث فبالكاد استطعت استخراج فوائد محدودة العدد....دونتها في دفتر عندي ثم خرجت للبلاكون المقابل لمنارة المسجد في الجهة الجنوبية من سكن الطلاب وأضأت النور ثم جلست أتفكر في المسألة .. وكلما طرأت لي حكمة أو فائدة سارعت بتدوينها ورصدها ثم قمت بإضافتها للمبحث..
    مر علي الأخ نافع ومحمد زين العابدين وطلبا مني النوم..
    قلت سأفعل و سوف أصعد لغرفتي للنوم بعد أن أنهي كتابة بحثي..
    وما زلت أدون واكتب وأتفكر حتى أذن علي الصبح ولم أنم دقيقة واحدة بل لم اشعر بالرغبة في النوم أصلا.. ولقد جمعت في تلك الليلة ما مجموعه أربعون فائدة!!
    حملت ذلك الدفتر ونزلت به لصلاة الفجر ..وبعد الصلاة لحقت الشيخ وسلمته ذلك البحث..ولم أذكر له مراجعي أو ما عانيته من كتابة هذا البحث.. أو أي شيء فقط سلمته ورجعت لغرفتي فاستسلمت لنوم عميق ولم احضر درس الصباح!!
    لم أكن أقدر ما هي نتائج هذا العمل .. بل كل ما كنت أتوقعه أن يحصل المبحث على تقدير معنوي وتوجيه ونقد لما فيه مما سيصقل موهبة البحث عندي وهذا يكفيني فخرا..
    ذهبت لصلاة الظهر كما هي العادة وبعد الصلاة رافقت الشيخ وصحبته لأستفيد أي فائدة خلال مسيره..
    ولكن حدث مرة أخرى مالم يكن في الحسبان ...
    طلب الشيخ من الطلاب العودة للسكن وصرف الناس ثم أمسك الشيخ بيدي..
    وقال : من أين دونت هذا البحث؟؟ وماهي مراجعك؟؟
    قلت له وأنا مذهول وخائف كأنني أشعر بارتكاب خطأ أو مصيبة:
    قرأت بعض المباحث البسيطة حول الموضوع ولكن غالب ما دونته استنتجته واستخرجته بنفسي!!
    قال : هل أنت متأكد ؟؟
    قلت: أي والله هذا ما حصل..!!
    لا أشك لحظة أن الشيخ ارتاب من كلامي ولم يأخذه محمل الجد..
    ولكنه لم يرد أن يشعرني بشيء أو يظهر انبهاره مما كتبته رغم حداثة سني وقرب الفترة التي قضيتها لديه..
    اتصل الشيخ بغير علمي على الأخ محمد زين العابدين وسأله عني؟؟
    ناداني الأخ محمد وحقق معي تحقيقا غير مباشر ..!!
    سألته ما القصة؟؟
    قال : بحثك الذي كتبته هذا يقول الشيخ انه فوق مستواك وأنه كلام عميق ونحو هذا الكلام..!! يقول محمد : ولقد أخبرت الشيخ انك لم تنم تلك الليلة حتى صلاة الصبح ..
    في درس المساء وبعد أذان العشاء وانتهاء الدرس الأول..
    أخرج الشيخ ذلك الدفتر وطلب من أحد طلابه الكبار أن يقرأه عليه علنا لكي ينقح البحث.. ويحكم عليه من قبل الجميع.. ولم يخبر الشيخ الطلاب أو القارئ أنه بحثي..
    وكنت جالسا بجوار ذلك القارئ ..
    أذكر ذلك الموقف والقارئ هو الشيخ خالد المزيني وهو احد أقدم وأقدر الطلاب علما وتحصيلا.. وكان ذو جرأة على الشيخ في إبداء رأيه والشيخ يحترمه ويحترم رأيه...
    كان خطي (وما يزال) سيئا للغاية ويصعب علي قراءته أنا فما بالك بغيري..!!
    كان الأخ يقرأ ويتوقف بسبب عدم وضوح كلمات وخربشات لا يفهمها غيري..!!
    فكنت اقرب نظري له وأصحح العبارات وأساعده في تهجيها !!
    نظر إلي القارئ بتعجب فقال : هل أنت من كتب هذا البحث ؟ كأنه يقول اصمت فهذا لا يعنيك !!
    سكت ولم أجب .. ولا أذكر هل أخبرهم الشيخ بأنني أنا كتبت ذلك المبحث في ذلك الدرس أم لاحقا!! ولكنهم في النهاية علموا!!
    أخذ الشيخ في التعليق على كل فائدة ويصحح العبارات ويقومها ويحذف المكرر حتى بلغ مجموع الفروق البينة بلا تكرار ولا تناقض خمسة وعشرون فائدة..!!
    لم أستطع تذكر ما حصل في ذلك الدرس ولكن الذي أعرفه أن شيخنا رحمه الله كلما أراد أن يثني علي أمام احد يقول : فلان الشمري !! كتب بحثا ممتازا ويذكره بذاته من مناقبي!!
    حينما أطلع على ذلك البحث (وهو عندي) الآن لا أشك أن مستواه العلمي بالنظر الثاقبة هو متواضع في ترتيبه وأسلوبه غير أنك حينما تنظر إليه من ناحية عدد الفوائد وصحتها بصرف النظر عن الأسلوب وما فيه من خلل والحكم عليه كمنهجية دقيقة من هذه الناحية لا شك أن ذلك يعتبر وفي سني ذلك إنجازا ..
    انظروا للطفل الصغير حينما ترونه يفعل شيئا مميزا كأن يلفظ عبارة جديدة لأول مرة أو يقوم بحركة لم يعتد الوالدان على رؤيتها سوف يرون ذلك منه شيئا عجيبا .. وذلك بالنظر لمستواه العقلي والسن ونحو ذلك من مقاييس ..
    أما لو حدث من غيره ممن يكبره بعدة سنوات مثلا فهو غير مستغرب بتاتا والفكرة واضحة إن شاء الله..
    لا يهم الآن بالنسبة لك أخي الكريم أختي الكريمة الحكم على ما فعلته هل هو إنجاز أم غير إنجاز المهم لكم الآن هو معرفة ما حصل بعد ذلك من طوام ودواهي سأحكيها في الحلقات القادمة بإذن الله تعالى يتبع إن شاء الله..



    !!!

  9. #19

    افتراضي

    الحلقة الثامنة عشر

    من خلال جلوسي الدائم أمام الشيخ وبجوار قدماء الطلبة
    لا بد أن يؤدي ذلك برغبة أو بغير رغبة إلى نشوء علاقة ما!!
    لن أتوسع في هذا الأمر وهو غير مهم أبدا لكم غير أن هناك حالة لا بد من ذكرها..
    في حلقة مضت ذكرت ذلك الشاب الذي خرج من غرفة مجاورة لموقع الدرس..
    كان ذلك الشاب من كبار طلبة الشيخ وأفقههم بل ومن أقرب الناس لشيخنا..
    لا ينافسه على ذلك أحد ، ولم يكن يخفى علي ولا على سواي ذلك ..
    بل أن للقرابة العائلية بينه وبين الشيخ زادت الأمر رسوخا وبيانا..
    تعرفت على الرجل وكانت علاقتنا لا بأس بها ..
    كنت أتصافح معه قبل الدروس ويزداد التعارف بيننا يوما فيوما!!
    ذكرت في الحلقة الماضية أن الشيخ أعجب ببحثي الذي كتبته..
    ورأى أن ذلك علامة نبوغ مني على صغر سني ولكنه حتى ذلك الحين لم يبد الشيخ
    نحوي شيئا..
    وذات مرة تغيبت في سفرة لمدينة حائل لزيارة الأخ سعود وغبت ثلاثة أيام..
    لم يفتقدني أحد كما كنت أظن ولم أكن أعلم قوانين السكن حينها وضرورة أخذ الأذن
    من المشرف...
    ولقد اشتقت لرؤية سعود بعد أن انقطعت عنه حوالي الشهر وزيادة فرغبت بلقائه..
    زرته في حائل ومنها نزلت للرياض بالطائرة ثم للشرقية ثم عدت منها للقصيم..
    كانت رحلة استجمام وترويح بعد عناء وانشغال بالطلب ..
    حينما عدت لعنيزة كانت الأمور على مايرام فيما أظن !!
    أذكر أنني بعد صلاة عشاء ذلك اليوم وقد وصلت للجامع قبل الصلاة بقليل..
    رافقت الحشد الذي يسير مع الشيخ لبيته ..
    ولم يكن ذلك الحشد كبيرا ..
    بعد انتهاء الناس تقدمت للشيخ فقبلت رأسه ..
    قال لي: أين كنت ؟؟ لا حظت أنك تغيبت عن الدروس عدة أيام!!
    لقد كانت لفتة أبوية وحانية افتقدها والله في تلك الأيام..
    ما أجمل أن يشعرك أحد بالاهتمام بك والاطمئنان عليك خاصة لو كنت في ضائقة وكربه..
    أما أن تأتي تلك اللفتة من شيخنا فوا لله إن ذلك لشرف لي وأي شرف ..
    قلت له: لقد سافرت لحائل لزيارة أقربائي ..!!
    قال لي: ووالديك ؟
    شدهت وارتفع حاجباي وعجزت عن الإجابة ولكن تداركت الأمر سريعا وقلت:
    طبعا والداي نعم!!
    دار بيننا الحوار التالي:
    أين يعمل والدك ؟
    قلت له :والدي رجل أعمال!!
    ثم استأنفت كلامي .. بدون حساب للعواقب ..
    ولكن والدي بيني وبينه خلاف !!
    قال : كيف؟
    قلت : لا يحب والدي أن اطلب العلم بل يريدني أن اهتم بدراستي النظامية فقط..!!
    وأخذت في فبركة كلام على الوالد مما لا يصلح الحديث عنه هنا والله يعفو عني فيما
    قلت!!
    قال لي : وأين يقيم والدك ؟
    قلت له : في الطائف !!
    قال : الم تقل انك ذهبت لرؤية والديك في حائل؟؟
    سكت ولم اجبه فعرف الشيخ أن في الأمر شيئا ولكنه لم يبال حينها!!
    ختم حواره بهذه الجملة : لا أسمح لك مرة أخرى بالسفر حتى تأخذ أذنا مني فأنا في مقام والدك !!
    ما أجمل وقع تلك الكلمات على نفسي هي والله في نفسي ذلك اليوم ..
    كماء بارد شربته بعد عطش شديد في صحراء قاحلة وساخنة..
    لقد بثت تلك الكلمات في نفسي روحا جديدة وهمة لا يقاومها أي كساد أو تلف ..
    رحمة الله عليه واسكنه فسيح جناته وجعل ذلك في ميزان حسناته..
    رجعت لغرفتي فحكيت لبندر ما حصل بيني وبين الشيخ من حوار..
    لم يصدق بندر أن يكون هذا التصرف من الشيخ بهذا الشكل !!
    فمن أنت حتى تحصل على هذه الميزة وهذا الاهتمام؟؟
    .. ولكن والله هذا ما حصل..
    أخذت قلمي وفتحت دفتري وأردت أن اعبر عن سعادتي بخاطرة أو شعر أو أي شيء!!
    كتبت رسالة للشيخ .. قلت له فيها ..
    أشكرك من أعماق قلبي فوا لله لقد كانت عبارتك تلك كالماء الذي يروي نبتة أوشكت على الذبول والفناء..
    كانت عباراتها ركيكة ومعانيها عميقة سطرتها بعبارات امتزجت بالشقاء والعذاب والخوف والضياع واليأس ..وسلمتها للشيخ بعد صلاة الفجر ..
    لقد وقعت تلك الكلمات في نفس شيخنا موقعا عظيما فدعاني بعد درس المساء للسير معه..
    قال لي : لقد تأثرت بكلامك وأرجو منك أن تثق في وتجعلني في مقام أبيك ..
    وأريد منك أن تستمر في الطلب والتحصيل وأرجو من الله تعالى أن ينفع بك الإسلام والمسلمين...
    أكدت له مرة أخرى عن مشاكلي مع والدي وأنه لا يريدني أن اطلب العلم ..
    كنت أريد أن افتح موضوعي كله مع الشيخ وليتني فعلت!!
    ولكنني جبنت واستحييت أن احكي للشيخ كل شيء.. خوفا من عواقب كلامي!!
    لقد كانت فرصة سانحة ولكن الله تعالى كان يريد لي شيئا آخر ..!!
    ذات ليلة دعا مشرف السكن الأخ محمد زين العابدين الطلاب للاجتماع مع الشيخ بعد صلاة العشاء في سطوح السكن ...
    أجتمع طلاب السكن وجاء الشيخ وجلس على مقعد قديم لا يكاد يستوي عليه لتهالكه!!
    استمع الشيخ لمشاكل الطلاب وما يعانونه من صعوبات مادية نحو غلاء الكتب..
    وأشرطة التسجيل ، وتحدثوا مع الشيخ حول ترميم السكن ورفع قيمة المكافآت وتوسيع المكتبة وزيادة المراجع ونحو ذلك غير انه حصل في تلك الجلسة موقف أحرجني للغاية!!
    كتبت سؤالا للشيخ باسمي وبلقبي المزيف !!
    قال الشيخ: أنت مرة تقول انك كذا ومرة تقول إنك شمري وش الصحيح؟؟
    وقعت في حرج شديد ولم استطع التعليق ولكن شيخنا تجاوز ذلك وغير الموضوع!!
    كيف عرف الشيخ بلقبي الحقيقي؟؟
    من نظام السكن لا بد أن يكون لك ملف لدى المشرف ومن متطلبات فتح الملف ..
    إحضار صورة الهوية !!
    وضعت صورة الهوية في ملفي وسلمتها مع السيرة الذاتية للمشرف..
    نظر في وجهي المشرف وقال لي: مكتوب هنا أنت من القبيلة الفلانية؟؟
    وأنت شمري ؟؟
    كنت قد زورت في نفسي كلاما لأبرر هذا الحال فقلته فقبله في الظاهر غير انه نقله
    للشيخ بالتأكيد!!
    لقد كنت بليدا فلو أنني قلت الحقيقة وشرحتها لكان خيرا من الخزي الذي كنت فيه..
    ولنجوت من الفضيحة التي سأقدم عليها!!
    كان الشيخ في ذلك اللقاء يرسخ في أذهان طلبته انه فعلا والد للجميع ..
    فكل الطلبة بلا استثناء هم فقراء ومعوزون وفيهم السعودي وغير السعودي..
    ولكنهم في نظر شيخنا سواء جزاه الله عنا خير الجزاء..
    في ذلك اللقاء سأل أحد الطلبة الشيخ عن حضور دروس الشيخ سلمان العودة في بريدة!!
    قال الشيخ : سلمان هو احد العلماء لكنني أنصحكم بالتقيد بحضور دروس عالم واحد
    فإذا شعرتم أنكم اكتفيتم مما لديه فلا بأس بالانتقال لعالم آخر ..
    رجعت برفقة الشيخ لبيته وحينما اقتربنا من البيت بقيت معه أنا والأخ محمد زين العابدين ..
    أطال الأخ محمد الحديث مع الشيخ حتى تعب !!
    ثم ابتعد قليلا واقتربت أنا من الشيخ فجلس على درج ملحق بيته وبقيت واقفا!!
    فأردت أن أجلس مقابله على الأرض لأكمل أسئلتي .. فقال لي الشيخ..
    أجلس بجواري ؟؟
    جلست بجواره فأكملت أسئلتي ثم انصرفت ...



    !!!

  10. #20

    افتراضي

    الحلقة التاسعة عشر

    أنا أكتب هذه الروايات والقصص في الحضر والسفر..
    فمرة تجدني مع حاسوبي المحمول جالسا على طاولة طعام وأمامي كوب الشاي البارد!!
    والناس حولي ينظرون ولعل أحدهم يقول : إيه ...!!!
    هذا لا بد أنه يعد خطة لعملية إرهابية؟؟؟
    أو تجدني على مكتبي حولي معاملات ومستندات تحتاج لتدقيق ومراجعة فأترك كل
    ذلك.. وانكب على جهازي أسطر لكم المفيد والغث!!!
    أو تجدني في ساعة سحر والناس حولي يشخرون وأنا منهمك في إضافة عبارة أو مراجعة
    قاموس أو سرقة نص!!
    مالذي يكتبه مطوع في هذا الزمان ؟؟
    تساؤلات هل هي مشروعة؟؟
    هذه للأسف صورة سيئة كادت أن ترسخ في رؤوس الجهال من العوام على كل من سيماه
    الخير والاستقامة... قاتل الله الإعلام الفاسد والسياسة الملعونة!!!
    دعونا نرجع لروايتنا ..
    لقد كان لاحتكاكي بل ومحاولة الاستفادة القصوى من علم الشيخ سبب ذلك شيئا من
    المودة والقرب منه!!
    العالم إخوتي الكرام يحب المجد ومن يحسن الإصغاء والاستماع إليه ..

    لم أكن أسعى لذلك أو أريده فلذلك ضريبة ليست بالهينة .. !! لمن يفهم ما أعنيه!!
    ولكن العلاقة زادت وتطورت من مجرد طالب مجتهد إلى طالب مميز ومحبوب نوعا
    ما!!
    ويعلم الله سبحانه وتعالى أنني كنت ساذجا بحيث أنني لم اشعر بذلك ولم أميز ..
    أول موقف أذكر ه في مخيلتي الآن أنني في ذات ليلة وبعد درس المساء ..
    كنت برفقة الشيخ كالعادة حتى وصل البيت .. وكان الأخ محمد زين العابدين
    مشرف السكن يتعمد أن يلحق الشيخ بسيارته حتى المنزل ليعرض عليه ما لديه
    ما استجد من نواقص أو معاملات أو طلب مال للسكن أو نحو ذلك ..
    كان من عادة الشيخ أن يرجع الطلاب حينما يصل لبيته أو قريبا منه ..
    أما أنا فبقيت أتناقش معه في بعض المسائل العلمية حتى وصل لباب البيت..
    فتح الشيخ باب منزله وكان مظلما من الخارج ولا تسمع فيه حركة أو لجة ..
    قال الشيخ لمحمد وكان قريبا مني : تعش معي أنت وفلان( يقصدني أنا)..!!
    العائلة ليست موجودة وأنا لوحدي في البيت!!
    تبادلت أنا ومحمد النظرات استغرابا من هذا العرض المغري!!
    قبلت أنا ومحمد تلك الدعوة بكل سرور وبلا تردد!!
    قال لنا : انتظرا حتى افتح لكم باب الملحق..
    وهو عبارة عن غرفة مستقلة بطرف المنزل في شماله الغربي..
    فتح الشيخ باب الملحق فدلفنا للبيت ..
    نزع الشيخ عباءته وعلقها على يده ثم قال : سأتسنن وأحضر لكما العشاء !!
    ثم خرج من الباب الفاصل بين الملحق والبيت والذي يدخل مباشرة للفناء ..
    في ذلك الملحق كعادة البيوت في نجد ، حيث يمزج بين الطراز القديم و ثوب
    الحداثة..!!
    تحتوي الغرفة في صدرها على مشب للنار خلفه مخزن مكشوف للحطب ..
    وعلى يساره بنيت رفوف رصت عليها دلال القهوة العربية وأباريق الشاي..
    وتحته توجد مغسلة لغسل الفناجيل وإعداد القهوة والشاي للضيوف..
    الغرفة مفروشة بفرش جميل لونه ازرق ..
    سألت الأخ محمد .. لقد كنت أظن قبل حضوري لعنيزة أن الشيخ يقيم في بيت طيني؟؟
    قال : لقد انتقل الشيخ لهذا المنزل عام 1409 ولم يكن راغبا ترك بيته الطيني!!
    ولكن أبناءه أصروا عليه أن يبني بيتا حديثا ففعل..
    قلت : وأين يقع ذلك البيت .. ؟؟
    قال :سأريك إياه بعد أن ننتهي من العشاء ..
    بعد قليل .. فتح الباب الفاصل .. فبرزت صينية كبيرة قد أحاط الشيخ عليها بذراعيه
    وتوشك أن تقع .. فقمت فحملتها من يده .. وقلت له : هل ترغب أن أساعدك؟
    قال لي : تعال ...!!
    لحقته حافيا فدخل من باب كبير فانتظرته ظنا أنه سيقدم هو الطعام فأحمله للملحق ..
    فخرج علي الشيخ وقال : لا يوجد أحد تعال ادخل..
    دخلت البيت وكان نور الصالة خافتا .. حتى وصلنا المطبخ على يمين الداخل .. انشغلت
    بالنظر والفضول ..
    فأشار الشيخ لي أن تعال واحمل الطعام!!
    حملت الحافظات والصواني الصغيرة فوضعتها على سفرة الطعام..
    كانت تلك أول مرة آكل فيها من طعام بيت الشيخ ..
    كان الطعام خفيفا وسهل الهضم ولو شئت لذكرته!!
    بعدها ساعدت الشيخ في حمل المواعين والسفرة ..
    سألت الشيخ ونحن بمفردنا في المطبخ : أين تقع مكتبتكم؟
    أمسك بيدي وقادني للجهة الشرقية من المنزل ومررنا بسيب ضيق
    ويقع عن يمينه علاقات وضع عليها عباءات الشيخ وعن اليسار درج يقود للقبو.
    أخرج الشيخ من جيبه الذي على صدره شبكا علقت عليه مفاتيح كثيرة..
    ثم أدخل أحد المفاتيح في الباب المغلق الذي أمامنا ..
    فدلف للغرفة وأضاء المصباح ..
    أي حظ هذا وأي شرف لي أن أدخل بيت شيخنا بل وأدخل مكتبته ..
    لقد مر على قدومي لعنيزة منذ ذلك التاريخ وحتى تلك الليلة حوالي الشهرين وزيادة..
    سأصف مكتبة الشيخ من الداخل في الحلقة القادمة إن شاء الله ..



    !!!

صفحة 2 من 8 الأولىالأولى 1234 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 61 (0 من الأعضاء و 61 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. قصيدة رائعة من روائع الشاعر سليمان بن شريم
    بواسطة المنتقد في المنتدى منتدى أدب و شـِـعر و رواية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: November 19th, 2009, 02:44
  2. عائض القرني - أنا سُنّي حسيني ,,,
    بواسطة أم مالك الأزدية في المنتدى منتدى أدب و شـِـعر و رواية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: September 25th, 2009, 06:14
  3. قصه رائعة وممتعة
    بواسطة هلالي القرن في المنتدى روايات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: February 16th, 2009, 08:57
  4. قصيدة رائعة إقروها وإفهموها زين قبل لا تجيكم المنية
    بواسطة ابو فيــصل في المنتدى منتدى أدب و شـِـعر و رواية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: July 23rd, 2008, 01:28
  5. إذكر الله بطريقة رائعة !!!
    بواسطة giiiJIق في المنتدى منتدى دنــيـا و ديــن
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: April 26th, 2008, 21:39

مواقع النشر

مواقع النشر

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

تنفيذ شركة تصميم مواقع الانترنت توب لاين
روابط مهمه روابط مهمه تواصل معنا
تواصل معنا