بسم الله الرحمن الرحيم

مواقف
ذهبت إلى الطائف قبل سنوات واضطررت أن أزور المنطقة الصناعية لعمل عطل يسير في سيارتي استمر إصلاحه أقل من ساعة، وكان معي أحد الشباب وناول العامل العربي كتابا، فانفجر بالدعاء وقال: لي هنا خمسة عشر سنة ولا أصلي مطلقا ولم يناولني أحد كتابا إلا اليوم.
قلنا: إن صدق الرجل فتلك مصيبتان عظيمتان:
مصيبة ترك الصلاة، ومصيبة عدم دعوته
شاب جعل هدفه منذ عشر سنوات خدمة الفقراء والأيتام في الأحياء الفقيرة، وبدأ هذا العمل وهو طالب في الجامعة، ثم استمر حتى أذن له بإنشاء مبرة خيرية في وسط الحي، ولا يزال بنفس الهمة والنشاط، بل ويعرف الفقراء والأيتام بأسمائهم فردًا فردًا، وقد جعل مع التوزيع الشهري كتابًا وشريطًا حتى يجتمع لدى المحتاجين غذاء للقلب والجسم.
تؤانس طريقك في السفر لوحات جانبية صغيرة كتب عليها عبارات تذكر بالتسبيح أو التهليل أو التكبير أو الصلاة على النبي
وهذه تزيل وحشة الطريق وتذكر الغافل، فطوبى لمن قام بها وأحسن الله إليه كما أحسن إلى المسافرين، وبعضهم فكر أن يقوم بعمل مثل هذه الكلمات الطيبة في اللوحات الإرشادية في المدن، وذلك باستئجار اللوحات الدعائية بمبلغ من المال.
* أحدهم ذهب إلى موقف النقل الجماعي وسلم للإدارة مجموعة كبيرة من أشرطة القرآن الكريم واشترط عليهم جعلها في الحافلات المغادرة حتى يسمع الركاب كتاب الله عز وجل، وزودهم بعد حين بأشرطة العلماء والمشايخ وخص الحافلات المسافرة إلى مكة بأشرطة توضح صفة العمرة والحج.
قصة عجيبة ذكرها لي أحد الأفراد العاملين في دعوة الجاليات قال: ذهبت إلى فندق لمقابلة شخص وانتظرته في صالة الفندق، وكان بجواري رجل فلبيني تجاذبت وإياه أطراف الحديث وقال لي: أقوم الآن ببناء مسجد في الفلبين، يقول الداعية لما ذكر لي حال المسجد وكم تبقى من المبالغ أدخلت يدي في جيبي وأخرجت ورقة وكانت من فئة الخمسمائة ريال، قال: فنازعتني نفسي، المبلغ كبير، وقد يكون الرجل غير صادق، لماذا الحماس والعاطفة السريعة؟
لكن لما رأيته شاهد الخمسمائة ريال استحييت منه ودفعتها له، وقلت: هذه مساعدة لبناء المسجد، قال: فأعادها إلي وقال: أنا أبني المسجد من مرتبي ولا أقبل أن يدخل معي أحد، وكل شهر أستقطع من مرتبي لبناء هذا المسجد.
قال الداعية: فزاد حزني على سوء الظن وما نالني من البخل والشح.
* إحداهن تسعى إلى إسعاد الفقراء والمساكين وتفريج كربهم، وإدخال السرور على نفوسهم، يوما قالت لأحد أبنائها: هذه مئتا ريال اشتر مطبقا (نوع من الأكل) واذهب به إلى هذه البيوت بعد صلاة العشاء مباشرة حتى يفرح الفقراء مع أطفالهم بهذه الوجبة التي ربما لم يسمعوا عنها، أو سمعوا عنها ولم يأكلوها.
* مع كثرة ما نراه من الملتزمين إلا أن عملهم في الدعوة إلى الله عز وجل قليل جدا، ولذا كثر الخبث وزادت الشرور وتعالى أهل الفسق والفجور.
وأذكر أني قد زرت مكتبا من مكاتب الجاليات ودار الحديث عن منطقة صناعية بجوارهم وماذا قدموا للعاملين الذي لا يأتون إليهم، قال لي مدير المكتب: توجد لدينا سيارة (حافلة) فاملؤوها بالكتب ونجعل معك عاملاً يساعدك، فقط نريد شخصًا سعوديًا يكون في المقدمة للحديث والهيبة وحتى تكون الأمور متكاملة ودارت الأيام وكلما رأيت مجموعة من الشباب ذكرت لهم حاجة المكتب؛ وحسب علمي أنه لم يأتهم أحد بشكل مستمر.
وبدون هذه القصة نتساءل: كم عدد مكاتب الجاليات وعدد مكاتب المؤسسات الخيرية والإغاثية وجمعيات البر في مدينة الرياض مثلا أو جدة؟ إنها أعداد مباركة، لكن كم عدد العاملين بها من المتعاونين مقارنة بعدد الملتزمين في الرياض؟ إنهم قليل جدا مع تنوع الفرص ومواقع هذه المكاتب واختلاف طرق العمل وغيرها.
بمعنى أن هناك فرص كثيرة متاحة، لكن من يعملون قلة وقلة جدا، وقارن واسأل لتتأكد، ثم الطامة الكبرى أين يذهب الملتزمون الذين لا يعملون في الدعوة، إنه ضياع أوقات وجلسات غيبة ونميمة وقل منهم من استفاد من وقته في تحصيل علم، أو بر والدين، أو عمل دعوي فردي، أو غير ذلك.
وقفات دعوية
قبل سنوات بحثت عن كلمات كتبت في الصحف والمجلات عن فضل يوم عاشوراء فلم أجد مع الأسف الشديد شيئا، وهذا ولا شك من التقصير، وإلا فالصحف والمجلات تقبل ما يرسل إليها، وليس بالضرورة أن تنشر كل ما يرد، لكن دعونا نرسل لهم عشر مقالات وينشر مقال واحد، وهذه نعمة وفضل من الله عز وجل، ومن المجالات التي يكتب فيها: التوحيد بأنواعه، خاصة ما تفلت من قلوب الناس، كالتوكل واللجوء إلى الله، والسحر وحكمه وكذلك الصلاة ووجوب المحافظة عليها، والوقت وأهميته، وحكم شرب الدخان وخطره، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وتربية الأبناء، وغيرها كثير، وبالإمكان الأخذ من المطويات والكتيبات الموجودة بعد تلخيصها.
* من يكتب يحتاج إلى توجيه واستدراك، فالمحسن يقال له: أحسنت ويثبت على ما هو عليه من الخير، والمسيء يوجه للصواب وترسل له فتاوى العلماء والكتب النافعة فإن في هدايته خيرًا عظيمًا، وإن لمن ينفع فلا أقل من أن يشعر أن القراء يتابعون زللـه، وربما رفعوا في أمره للجهات المسئولة فبهذا يخف شره ويقل.
* تنظيم مسابقة عائلية سواء للأسرة الصغيرة أو للعائلة حين اجتماعها نهاية الأسبوع، وتوزيع الجوائز وعمل اشتراك للأسرة في المجلات الإسلامية: كالدعوة والأسرة والشقائق، لما في ذلك من النفع والتنوع والاستمرار.
امرأة فاضلة إذا أقبل موسم الحج قامت باختيار وشراء الآلاف من الكتب باللغة الأندونيسية من مكاتب الجاليات، ثم وضعت كل مجموعة داخل مغلف، ثم ترسل بها إلى الحجاج، ليتم التوزيع هناك كل عام فيا ترى كم حاجًّا استفاد من هذه الهدية العظيمة واستثمر هذا التجمع الكبير؟
رجل وزوجته لا يذهبان إلى الأماكن العامة إلا ومعهم كتب ومطويات، فإذا ذهبوا إلى المستشفى أو المستوصف جعل الرجل ما معه من الكتب والمطويات في انتظار الرجال، والمرأة مثل ذلك في انتظار النساء، وهكذا لا تخلو سيارة الزوج من كتب، أما حقيبة الزوجة فإنها لا تخلو من المطويات.
* ممرضة في أحد المستوصفات من دولة عربية كانت فاتنة وتظهر شعرها ونحوها، وأهدي إليها كتاب عن الحجاب فكان أن أخفت شعرها ونحرها ولله الحمد، وقام آخرون بإهدائها كتاب فتاوى النظر والخلوة والاختلاط فتركت العمل تمامًا واستقرت في عقر دارها، رغم حاجتها للوظيفة، فالحمد لله على هذا الفضل، وتأمل في أثر كتابين فقط كيف كانت الأمور؟ وكيف تبدلت القلوب ولله الحمد؟
* إذا أتى الخير ونزل، رحل الشر وولى، وأوجه دلالة الناس على الخير كثيرة جدًّا منها: الدلالة على مواعيد ومكان المحاضرات والدروس، الدلالة على السنن وما فيها من الأجر، الدلالة على الفقراء والمساكين والأرامل والغارمين ، الدلالة على مدارس تحفيظ القرآن الصباحية وما فيها من حفظ كتاب الله عز وجل، والدلالة على حلق التحفيظ في المساجد، وعلى المدارس النسائية المسائية لتحفيظ القرآن.
وفي حيك أيها الموفق عليك بالدلالة على الكتب النافعة والأشرطة المفيدة، والدلالة على المدارس المتميزة، الدلالة على أهل الخير والصلاح، والدلالة على الأماكن الصيفية التي ليست بها منكرات، الدلالة على أماكن صرف الزكوات، التعريف بالمؤسسات الخيرية، تقديم النصح للراغبين في الزواج وإعلامهم بالعوائل الطيبة المناسبة للزواج، وهكذا أوجه الدلالة كثيرة لا تحصى ولا تعد.
والناس في هذه الأيام تناول يدها لمن يأخذها، ونتعجب أن الكثير لا يعرف أن هناك دور تحفيظ نسائية أو أن هناك رحلات صيفية للطلاب الملتزمين، والبعض لا يعرف أن هناك مجلات إسلامية جيدة.. وهذا كله خلل في أمر الدلالة لدينا.
فتذكر دائما حديث النبي : "الدال على الخير كفاعله".
جعلني الله وإياكم وجميع المسلمين مفاتيح للخير مغاليق للشر!