كان قوم يجلسون في واحة وسط الماء فأراد أحدهم أن يؤرخ ذلك شعرا فقال:
65.jpg
(فكأننا والماء من حولنا ** قوم جلوس حولهم ماء)،

وضحك الحاضرون، وقام ابن الذروي الشاعر وكان حاضرا وعلق على ذلك الشعر قائلا:

أقام بجهد أياما قريحته وفسر الماء بعد الجهد بالماء

فراح الجزء الأخير من بيت الذروي وفسر الماء بعد الجهد بالماء مثلاً يطلق للكلام غير المقنع الذي لا معنى له، وتذكرت هذا المثل بعد تصريح وزير الإسكان بتاريخ 29/7/2011 للصحف المحلية حيث قال ''حاسبوني حينما يتم تخصيص وتوفير الأراضي''.

وأقول ليت هذا الكلام صدر من غيرك يا معالي الوزير، إذ لا يعقل ألا تعلم أن التحدي الأكبر أمام كل من يتصدى للمشكلة الإسكانية هو توفير الأراضي، خصوصا في المدن الرئيسة في مناطق الوسطى والغربية والشرقية، وكلنا يعلم أن ندرة الأراضي التي تملكها الدولة أصبحت التحدي الكبير الذي يواجه الكثير من المشاريع، وكلنا يعلم أن معظم الأراضي مخططة ومملوكة لأفراد المجتمع السعودي ومؤسساته، وأنها تشهد تداولات ومضاربات أدت إلى ارتفاعات كبيرة في السنوات الأربع الماضية بعد أزمة سوق الأسهم، حيث توجهت جميع أموال المستثمرين بمستوياتهم كافة للقطاع العقاري وشراء الأراضي كملاذ آمن يحفظ لهم أموالهم وينميها، ونعلم نحن المهتمين بالشأن الاقتصادي عموما والقطاع العقاري على وجه الخصوص أن الحكومة تعاني ندرة البدائل للتصدي لهذه الارتفاعات التي خالفت التوقعات بعد وقوع الأزمة المالية العالمية أواخر عام 2008.

وبالتالي، وبكل بساطة، نتوقع ممن يريد حل المشكلة الإسكانية وتمكين المواطنين من امتلاك المساكن الملائمة في الوقت المناسب من العمر وبما يتناسب مع حجم الأسرة وإمكاناتها المالية وتنقلاتها بين المدن في مختلف الأعمار، أقول نتوقع منه أن يضع مشكلة ندرة تملك الدولة للأراضي وارتفاع أسعارها كتحد يجب التعامل معه كحقيقة قائمة لا كمشكلة يمكن حلها ليضع خططه في معالجة المشكلة الإسكانية على أساس عدم توافرها لا أن يضع خططه وكأن الأراضي ستتوافر بسهولة رغم شبه استحالة ذلك ومن ثم يعجز عن معالجة المشكلة الإسكانية ليخرج علينا ليقول لنا بكل بساطة ''إنه مستعد للمحاسبة في حال عدم تنفيذ الخطط الإسكانية، وإنه يرهن المحاسبة بتخصيص الأراضي وتوفيرها'' وهو أمر لا يمكن أن نرضاه، خصوصا أن كل المعنيين بالقطاع العقاري بشكل عام والإسكاني منه على وجه خاص قالوا بصعوبة حل المشكلة الإسكانية من خلال آلية البناء والتوزيع التي طرحتها الوزارة بعد أن فشلت آلية الأرض المنحة والقرض في معالجة المشكلة بعد ارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء وتكاليف العمالة.

طرحنا أكثر من مرة وفي أكثر من مقالة أن الحل يجب أن يكون بتعزيز قوى عناصر السوق الإسكانية من مطورين وممولين ووسطاء ومستفيدين بالاستفادة المثلى من قوة الحكومة المالية وقوتها في إصدار الأنظمة والتشريعات والإجراءات وقوتها في توفير محفزات للمطورين والممولين والمستفيدين وربط السوق الإسكانية بالسوق المالية من خلال نظام الرهن العقاري بعد استكمال متطلبات تطبيقه من إصدار وتطبيق لنظام التسجيل العيني ونظام كود البناء وغير ذلك من المتطلبات.

وأوضحنا أنه وللوصول إلى الحل الفاعل المثمر يجب تقسيم المواطنين إلى ثلاث شرائح، الأولى فئة الأثرياء وهؤلاء يتكفلون بتوفير مساكنهم كما يشاءون دون تدخل الدولة لقدرتهم على بناء المساكن بأي مساحة يريدون، كما أنهم لديهم القدرة على الحصول على التمويل الذي يريدون بضمانات لا دخل للدولة فيها، والثانية فئة متوسطي الدخل وهؤلاء يحتاجون إلى تمويل فعال لشراء مساكن لهم بضمان دخولهم وتمكينهم من تحويل الإيجارات التي يدفعونها هباء منثورا إلى أقساط شهرية تمكنهم من امتلاك المسكن المناسب حسب قدراتهم وحجم أسرهم وأماكن عملهم وهم في المتوسط يتنقلون خلال فترة حياتهم بمتوسط خمسة مساكن من بداية زواجهم حتى تزويج أبنائهم مرورا بفترة نمو عائلاتهم ودخولهم، وهؤلاء يمكنهم نظام الرهن العقاري من استثمار المسكن، إضافة إلى وظيفته كمأوى ووسيلة ادخار ومن ثم كوسيلة استثمار.

وهؤلاء وهم الطبقة الأكثر عددا في كل مجتمع صحيح سليم يدعمون بالقروض الميسرة والضمانات الحكومية لتمكينهم من الحصول على القروض من المؤسسات التمويلية، وهم الأكثر التزاما بسداد أقساط المنازل لرغبتهم في التملك الكامل، وعادة ما تحفزهم المساكن الممولة للعمل الجاد والالتزام بقيم ومفاهيم العمل السليمة كيلا يفقدوا وظائفهم، وبالتالي يفقدون مساكنهم التي يقسطونها قبل استكمال دفعاتها للوصول إلى مرحلة التملك الكامل، ولذلك نصحنا بضرورة تركيز الجهود عليها وتوجيه الأموال والأنظمة والضمانات لتمكينها من شراء المسكن الملائم في الوقت المناسب بضمان العين العقارية ودخولهم الشهرية، ونحن - ولله الحمد – في المملكة لم نصل إلى مرحلة سكان الصفيح، فمعظم المواطنين يعملون وقادرون على تسديد الإيجارات التي يمكن تحويلها إلى أقساط لشراء المساكن بدل استئجارها.

أما الشريحة الثالثة فهي شريحة من هم دون الطبقة المتوسط، وهؤلاء أشرنا أكثر من مرة إلى أن التمويل الحالي لن يمكنهم من شراء المسكن الملائم، وبالتالي فهؤلاء يحتاجون إلى مشاريع إسكانية تنموية ذكية مع مراعاة ضرورة دمجهم بمشاريع إسكانية مع الطبقة المتوسطة وعدم عزلهم في مشاريع إسكانية خاصة بهم لما لذلك من آثار سلبية عليهم وعلى المجتمع على المدى الطويل.

ختاما، أستغرب إصرار وزارة الإسكان، وهي الصيغة المطورة لهيئة الإسكان، على آلية بناء المساكن وتوزيعها رغم أن قرار تأسيس الهيئة التي صدر لزيادة نسبة تملك المساكن من خلال توفير السكن المناسب وفق الخيارات الملائمة لاحتياجات المواطنين، ووفق برامج تضعها الهيئة من بينها تيسير حصول المواطن على مسكن ميسر تراعى فيه الجودة ضمن حدود دخله في الوقت المناسب من حياته، وهو قرار يشير بين طياته إلى ضرورة تعزيز قوى السوق العقارية لمعالجة المشكلة الإسكانية.

عبد العزيز الغدير - الاقتصادية