الطين

الشاعر : إيليا أبو ماضي


[poem=font=",6,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
نسي الطين ساعة أنه طين = حقير فصال تيها و عربد
و كسى الخزّ جسمه فتباهى، = و حوى المال كيسه فتمرّد
يا أخي لا تمل بوجهك عنّي، = ما أنا فحمة و لا أنت فرقد
أنت لم تصنع الحرير = الذي تلبس و اللؤلؤ الذي تتقلّد
أنت لا تأكل النضار إذا = جعت و لا تشرب الجمان المنضّد
أنت في البردة الموشّاة مثلي = في كسائي الرديم تشقى و تسعد
لك في عالم النهار أماني، =وروءى و الظلام فوقك ممتد
و لقلبي كما لقلبك أحلام = حسان فإنّه غير جلمد
أأماني كلّها من تراب = وأمانيك كلّها من عسجد ؟
و أمانيّ كلّها للتلاشي =وأمانيك للخلود المؤكّد !؟
لا . فهذي و تلك تأتي = وتمضي كذويها. و أيّ شيء يؤبد ؟
أيّها المزدهي. إذا مسّك = ألا تشتكي ؟ ألا تتنهد ؟
و إذا راعك الحبيب بهجر = ودعتك الذكرى ألا تتوحّد ؟
أنت مثلي يبش وجهك للنعمى = و في حالة المصيبة يكمد
أدموعي خلّ و دمعك شهد ؟ = و بكائي ذلّ و نوحك سؤدد ؟
وابتسامتي السراب لا ريّ فيه ؟ = و ابتسامتك اللآلي الخرّد ؟
فلك واحد يظلّ كلينا = حار طرفي به و طرفك أرمد
قمر واحد يطلّ علينا = و على الكوخ و البناء الموطّد
إن يكن مشرقا لعينيك إنّي = لا أراه من كوّة الكوخ أسود
ألنجوم الني تراها أراها = حين تخفي و عندما تتوقّد
لست أدنى على غناك إليها = و أنا مع خصاصتي لست أبعد
أنت مثلي من الثرى و إليه = فلماذا، يا صاحبي، التيه و الصّد
كنت طفلا إذ كنت طفلا و تغدو حين = أغدو شيخا كبيرا أدرد
لست أدري من أين جئت، و لا ما = كنت، أو ما أكون، يا صاح، في غد
أفتدري ؟ إذن فخبّر و إلاّ = فماذا تظنّ أنّك أوحد ؟
ألك القصر دونه الحرس الشا = كي و من حوله الجدار المشيّد
فامنع اللّيل أن يمدّ رواقا = فوقه، و الضباب أن يتلبّد
وانظر النور كيف يدخل لا = يطلب أذنا، فما له ليس يطرد ؟
مرقد واحد نصيبك منه = افتدري كم فيك للذرّ مرقد ؟
ذدتني عنه، و العواصف تعدو = في طلابي، و الجوّ أقتم أربد
بينما الكلب واجد فيه مأوى = و طعاما، و الهرّ كالكلب يرفد
فسمعت الحياة تضحك منّي =أترجى، و منك تأبى و تجحد
ألك الروضة الجميلة فيها = الماء و الطير و الأزاهر و النّد ؟
فازجر الريح أن تهزّ و تلوي شجر الروض – إنّه يتأوّد
و الجم الماء في الغدير و مره = لا يصفق إلاّ و أنت بمشهد
إنّ طير الأراك ليس يبالي = أنت أصغيت أم أنا إن غرّد
و الأزاهير ليس تسخر من فقري، =و لا فيك للغنى تتودّد
ألك النهر ؟ إنّه للنسيم =الرطب درب و للعصافير مورد
و هو للشهب تستحمّ به =في الصيف ليلا كأنّها تتبرّد
تدعيه فهل بأمرك يجري =في عروق الأشجار أو يتجعّد ؟
كان من قبل أن تجيء ؛ و تمضي =و هو باق في الأرض للجزر و المد
ألك الحقل ؟ هذه النحل تجي =الشهد من زهرة و لا تتردّد
و أرى للنمال ملكا كبيرا =قد بنته بالكدح فيه و بالكد
أنت في شرعها دخيل على الحقل =و لصّ جنى عليها فأفسد
لو ملكت الحقول في الأرض طرّا =لم تكن من فراشة الحقل أسعد
أجميل ؟ ما أنت أبهى من الور =دة ذات الشذى و لا أنت أجود
أم عزيز ؟ و للبعوضة من خدّيك قوت =و في يديك المهند
أم غنيّ ؟ هيهات تختال لولا =دودة القز بالحباء المبجد
أم قويّ ؟ إذن مر النوم إذ يغشاك =و الليل عن جفونك يرتد
وامنع الشيب أن يلمّ بفوديك =و مر تلبث النضارة في الخد
أعليم ؟ فما الخيال الذي يطرق ليلا ؟ =في أيّ دنيا يولد ؟
ما الحياة التي تبين و تخفى ؟ =ما الزمان الذي يذمّ و يحمد ؟
أيّها الطين لست أنقى و أسمى =من تراب تدوس أو تتوسّد
سدت أو لم تسد فما أنت إلاّ =حيوان مسيّر مستعبد
إنّ قصرا سمكته سوف يندكّ، =و ثوبا حبكته سوف ينقد
لايكن للخصام قلبك مأوى =إنّ قلبي للحبّ أصبح معبد
أنا أولى بالحب منك و أحرى =من كساء يبلى و مال ينفد [/poem]