لعبة القط والفأر تُلعب يومياً في «وول ستريت» في نيويورك و«سيتي» في لندن
تحقيقات التداول بناء على معلومات داخلية تؤكد أن الجدران لها آذان



التداول غير العادي يحدث باستمرار قبل واحدة من كل ثلاثة صفقات
تتعلق بالشركات الكبرى المدرجة في بورصتي لندن ونيويورك

بروك ماسترز - و - كارا سكانل (الإقتصادية)

[align=justify]لم تكن دانيللي تشيسي تعرف أن العالم المالي كان على مسافة أسابيع فقط من الانهيار. وكان الوقت أواخر شهر آب (أغسطس) 2008، وكان يدور في ذهن متداولة صندوق التحوط شيئ آخر أكثر تحديداً. فبعد أن حصلت على معلومة سرية عن شركة أدفانسد ميكرو ديفايسز، كانت تشيسي قلقة من أنها ستجتذب اهتمام السلطات حين تقوم بتداول أسهم شركة صناعة الرقائق. وبناءً عليه، لجأت إلى حليفها، راج راجاراتنام.

سألت تشيسي مؤسس ورئيس شركة صندوق تحوط غاليون، وفقاً لشريط تنصت تسجيلي سري: ''هل تعتقد أنني يجب أن أظهر نمطاً معيناً لدى تداول شركة أدفانسد ميكرو ديفايسز؟'' كان رد راجاراتنام حسبما يظهر التسجيل: ''أعتقد أنك يجب أن تقومي بالشراء والبيع، كما تعرفين''.

تم الكشف عن هذه الخدعة، وعشرات الخدع الأخرى خلال محاكمة راجاراتنام التي اختتمت حديثاً. ولكنها لم تنقذه من الإدانة خلال الأسبوع الماضي بسبب 14 حادثة مؤامرة واحتيال. ويمكن أن يحكم عليه بالسجن نحو 19 عاماً حينما يصدر القرار في فصل الصيف هذا.

ألقت القضية ضوءً جديداً على لعبة القط والفأر التي تُلعب يومياً في ''وول ستريت''، والحي المالي في لندن. ويستخدم متداولون مهمون تقنية أكثر تطوراً على الإطلاق – هواتف جوالة تستخدم لمرة واحدة، والرسائل الفورية، ومواقع التشبيك الاجتماعي - لاصطياد المعلومات، بينما تنبثق شركات استشارات ''شبكة الخبراء'' التي توفر لهم إمكانية الوصول إلى المطلعين في الشركات، وذلك لمساعدتهم.

تقوم السلطات كذلك برفع مستوى لعبتها باستخدام أساليب متطورة للتنقيب في البيانات، وتنفيذ غارات أثناء وقت الفجر، وتثبيت – في الولايات المتحدة – أجهزة تنصت، ولاقطات صوت مخبأة في الجسم، وأساليب تقتصر تقليدياً على قضايا عصابات المافيا وجرائم العنف. كما توسعت عمليات استخدامهم لأجهزة التنصت لتشمل جرائم الشركات الأخرى، وتتبناها جهات الادعاء العام عبر البلاد. كما يدعو كبار منفذي القانون على جانبي الأطلسي إلى فرض عقوبات بالسجن أطول فترة كطريقة لزيادة الردع.

يقول جوليان كوريك، من ''كينتيك بارتنرز''، شركة الاستشارات التنظيمية: ''قاموا بتصعيد الجرائم المالية إلى مستوى جرائم الرذيلة والمخدرات''.

لم تعمل الأزمة المالية على هز ثقة المستثمرين بالنظام فحسب، بل إن هناك المزيد من الأدلة على أن المطلعين ذوي الصلات الجيدة، مثل راجاراتنام، كانوا يقومون بالتداول بشكل عادي قبل إعلانات الشركات، ويحصلون على أرباح كانت ستذهب بخلاف ذلك إلى مستثمري ''الشراء والاحتفاظ'' العاديين. وتظهر الإحصاءات الرسمية أن التداول غير العادي يحدث باستمرار قبل واحدة من بين كل ثلاث أو أربع صفقات تتعلق بالشركات الأكبر المدرجة في بورصة لندن، وتشير الدراسات الأكاديمية إلى أن المشكلة منتشرة بالمثل في ''وول ستريت''.

تأمل السلطات أن يكون نصرها في قضية صندوق غالوين خطوة أولى مهمة باتجاه تغيير ذلك السلوك. وهناك قضايا أخرى ما زالت معلقة: وجه مكتب المدعي العام الأمريكي في منطقة مانهاتن في مدينة نيويورك تهماً تشمل أكثر من 45 شخصاً بتهمة التداول بناءً على معلومات داخلية خلال الأشهر الـ 18 الماضية. وأما في المملكة المتحدة، حيث كان تنفيذ صفقات التداول بناءً على معلومات داخلية متأخرا تاريخيا، فقد قامت سلطة الخدمات المالية خلال فصل الشتاء الماضي، بإدانة أول مصرفي ناشط على الإطلاق، وهناك عدة قضايا قيد الإجراء.

بوضع العشرات من المصرفيين، والمتداولين، والمستشارين خلف القضبان، وتوجيه التهم في الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، فإنهم يأملون التأثير في قطاع الخدمات المالية برمته – وليس فقط البنوك الكبرى – بأن عليه أن يأخذ مسألة التداول بناء على معلومات داخلية على محمل الجد. ويقول تريسي مكديرموت، نائب رئيس الإنفاذ في سلطة الخدمات المالية: ''بالنسبة إلى العمل الإجرامي المنظم، فإن هناك الكثير من الأموال التي يمكننا الحصول عليها في هذا المجال. وتصبح المخاطر أعلى بكثير، ولكن الأمر الذي يجعل المتداولين الرئيسين بناءً على معلومات داخلية يعتدلون هو حينما نعمل على قضايا أكبر بكثير – ونحن نصل إليها''.

هناك بعض الإشارات التي تفيد بأن الرسالة تبدأ بالانتشار. وتنفق صناديق التحوط، وشركات الأسهم الخاصة المزيد من الأموال على التدريب والامتثال، وتتخبط صناديق التبادل – من بين أكبر مشتري المعلومات الداخلية – لمعرفة أين تقع الحدود تماماً بالنسبة إلى المعلومات الداخلية.

يقول رون جيفنر، من ''ساديس آند جولدبيرج''، شركة المحاماة في نيويورك: ''أثرت هذه القضية فعلياً في الجميع.... من مديري المحافظ، إلى المحللين، والموظفين، والمسؤولين، ومديري الشركات العامة، بما في ذلك جانب الشراء وجانب البيع. وبدأت تحدث فعلياً. فالجميع أكثر صمتاً هذه الأيام''.

هناك جولتان من الغارات الشُرطية التي تم تسليط الأضواء عليها عالياً في العام الماضي – واحدة في مدينة لندن خلال شهر آذار (مارس)، وأخرى في ولايتي نيويورك وكونيكتيكت الأمريكيتين خلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر) – أحدثت مخاوف إضافية لدى الكثيرين في قطاع الصناعة. وعلى أية حال، ما زال المحلفون يناقشون بتصميم ما إذا كان سلوك ''وول ستريت'' سيتغير فعلياً. ويبدو أن كل جيل جديد من المتداولين لديه فضيحة تداول بناءً على معلومات داخلية كبيرة خاصة به، يعود تاريخها إلى قضية إيفان بويسكي خلال ثمانينيات القرن الماضي. ويقول مستشار يقدم المشورة إلى صناديق التحوط: ''مثل أشياء كثيرة في صناعة صناديق التحوط، لدى الناس رد فعل سريع، ثم تتلاشى الذاكرة. وما زلت أعتقد شخصياً أنها صناعة ودية للغاية، الأمر الذي يعني أن الناس ما زالوا يثرثرون''.

يراهن المتداولون المحتملون بناءً على معلومات داخلية على أنه لن يتم القبض عليهم. وينبغي على العملاء الذين يحققون في الجريمة مراجعة ملايين الصفحات من الوثائق وتسجيلات التداول لمقارنة عمليات التداول بالمعلومات المقدمة.

يقول مسؤولو الامتثال إن بإمكانهم الإقرار أن المتداولين أصبحوا أكثر ذكاءً – ولكن ليس أكثر نزاهة بالضرورة. وفي أغلب الأحيان، حينما يطلب المسؤولون من شركة منظمة تسليم شريط تسجيل لمكالمة هاتفية مشكوك في أمرها تتعلق بموظف، فإن أول عبارة تخرج هي: ''يا صاحبي، هاتفني على جوالي الخاص''.

تلقي قضية غاليون الضوء على بعض الاستراتيجيات المستخدمة فعلياً. وقبل أيام من اعتقاله، طلب راجاراتنام من مستشار في شركة ماكينزي الاستشارية كان واحداً ممن يقدم له المعلومات، استخدام هاتف مدفوع مسبقاً لإخفاء آثارهم. وأمسكت أجهزة التنصت الحكومية به وهو يقول إلى مساعد له لتوليد سلسلة من الرسائل الإلكترونية تظهر أنهما ناقشا مسألة الاستثمار في ''سبانسيون''، شركة تقنية في ولاية كاليفورنيا، لإخفاء حقيقة أن اهتمامه انبثق بسبب معلومة من المستشار ذاته.

قدم آدم سميث، وهو مدير محفظة في صندوق غاليون، شهادة بأنه حطم حاسوبه المحمول بعد اعتقال راجاراتنام. وفي قضية أخرى، تم الإمساك بمتداول سابق لدى ''ساك كابيتال'' في ولاية كونيكتيكت بتسجيل يصف إلى صديق كان يضع جهاز تنصت على جسمه، كيف أنه حطم الأقراص المتنقلة إلى عدة قطع، وألقاها خلال نزهة قام بها في منتصف الليل في أربع حاويات نفايات منفصلة.

يقول دان ريتشمان، أستاذ القانون في جامعة كولومبيا، ومدعي عام فيدرالي سابق: ''الشيء الوحيد الذي من المحتمل أن تفعله هذه القضية هو دفع أولئك العازمين على انتهاك القانون إلى استخدام أساليب أكثر صعوبة وسخافة تنطوي على تحطيم الأقراص الصلبة، أو الالتقاء على مقاعد المتنزهات العامة''. وحسبما قال فرانك بارتوني، أستاذ القانون في جامعة سان دييغو في ''فاينانشيال تايمز'' يوم الخميس الماضي، إن هذه القضية ''ستوفر في نهاية المطاف ''خريطة طريق'' لأي شخص يتطلع إلى تحقيق الأرباح عن طريق التداول بناءً على معلومات داخلية''.

يوافق أحد المنظمين السابقين على ذلك، ويقول: ''حتماً، سيتعلم الأشخاص من هذه الأمور، ولكن مع الأسف، ليس الأشخاص الجيدون فقط''.

على الأرجح أن يصبح الأثر طويل الأجل للقضية ضئيلاً لأن اعتمادها شديد على أجهزة التنصت الممنوعة في المحاكم البريطانية. وحتى في الولايات المتحدة، فإن مثل ذلك الدليل مكلف للغاية، ويحتاج إلى عمالة مكثفة لجمع المعلومات، وتضبط المحاكم استخدامها بقوة شديدة. وأثناء التحقيق في قضية راجاراتنام، قام عملاء وكالة التحقيق الفيدرالية، ''إف بي آي'' بتسجيل أكثر من 2,400 مكالمة هاتفية، وأمضوا ساعات في مراجعتها للحصول على إثباتات وأدلة. وفي يوم المحاكمة، اختاروا تشغيل 45 تسجيلاً منها لدعم قضيتهم.

يجب على جهات الادعاء العام الحصول على موافقة من مراقبي واشنطن قبل حصولها على تصريح من القاضي لاستخدام مثل تلك الأساليب. وينبغي عليها كذلك المثول أمام قاضي كل 30 يوماً لتبرير تجديد التصاريح التي حصلوا عليها. وتقتضي المكالمات الهاتفية مراقبة على مدار 24 ساعة من قبل عملاء وكالة ''إف بي آي''، الملزمين بوقف التسجيل إذا كانت المحادثة تجري بين أزواج. وحسبما تعلم المحققون في منطقة مانهاتن في مدينة نيويورك، فإن للأسلوب مخاطره.

سمح القاضي المشرف على قضية راجاراتنام باستخدام أجهزة التنصت أثناء المحاكمة، ولكنه وبخ جهات الادعاء العام بسبب ''خطأ واضح'' في طلبها، حيث أخفقت في الكشف عن تحقيق أجرته هيئة الأوراق المالية والبورصات. وفي قضية تتعلق بكريغ دريمال، وهو متداول تم اتهامه بالتداول بناءً على معلومات داخلية، استمعت وكالة ''إف بي آي'' إلى أكثر من ألف مكالمة هاتفية، ولكن تضمنت هذه بعض الطابع الشخصي مع زوجته. وسمح القاضي باستخدام الأشرطة، ولكنه وبخ المحققين لارتكابهم أخطاء ''فادحة'' بالاستماع إلى مكالمات هاتفية بين الزوج والزوجة. واعترف دريمال بالذنب.

حتى حينما يتم السماح باستخدام أجهزة تنصت، فإنها لا تلتقط جميع المكالمات التي يجريها المتداولون، أو تحد من الطرق التي يتبادلون المعلومات بواسطتها. ويسمح لوكالة ''إف بي آي''، بالتنصت على أحد هواتف راجاراتنام، ولكن ليس هواتف أخرى، بما فيها هاتف مكتبه، وجهاز البلاك بيري، أو هواتف منزله في ولاية كونيكتيكت ومنطقة مانهاتن في مدينة نيويورك.

على الرغم من ذلك، فإن نجاح مكتب مدعي عام منطقة مانهاتن في مدينة نيويورك في الحصول على أحكام مبنية على أدلة أجهزة التنصت، جعل جهات الادعاء العام في مناطق أخرى من البلاد تبدأ باستخدامها لجرائم الشركات الأخرى.

بالنظر إلى المستقبل، فإن الادعاء العام الأمريكي أشار إلى احتمال توجيه المزيد من التهم. وقال بريت بهارارا، المدعي العام في منطقة مانهاتن في مدينة نيويورك، خلال الشهر الماضي أثناء الإعلان عن قضية أخرى تتعلق بالتداول بناءً على معلومات داخلية: ''أتمنى لو أنني أستطيع القول إننا على وشك الانتهاء من التحقيق في قضايا التداول بناءً على معلومات داخلية منتشرة بشكل واسع، ولكن مع الأسف، لم ننته''.

يستهدف الادعاء العام المطلعين في الشركات، حيث إن تقديم معلومات سرية يتغذى عليها المتداولون يتم بناء على رغبتهم. وسعى بهارارا كذلك إلى زيادة المخاطر بالنسبة إلى أولئك الذين يتعدون الحدود. وقال أمام هيئة إصدار الأحكام الأمريكية: ''تطورت طبيعة ونطاق نشاط التداول بناءً على معلومات داخلية بشكل كبير، ولكن القوانين لم تواكب تطورها تماما''.

على الجانب الآخر من الأطلسي، تعمل سلطة الخدمات المالية جاهدة على قضيتها التي تم تسليط الأضواء عليها أكثر ما يكون حتى الآن – الاعتقال الذي تم العام الماضي لسبعة أشخاص، بما فيهم كبار مهنيين من الحي المالي في لندن – ولكن بعد مرور 14 شهراً، لم توجه حتى الآن أي تهم جنائية. ويرى منفذو القانون في المملكة المتحدة أن طول مدة العقوبة يشكل عاملاً حاسماً في نجاح التحقيقات المستقبلية. وحصلت سلطة الخدمات المالية في الآونة الأخيرة فقط على سلطة الدخول في مساومات الاعتراف بالذنب مع المدعى عليهم المتعاونين، وكان استخدامها محدوداً حتى الآن.

تقول مارجريت كولي، الرئيسة المؤقتة لوحدة تسيير الأعمال في سلطة الخدمات المالية، إن زيادة العقوبة القصوى من سبع سنوات حالياً ستردع بعض المجرمين المحتملين، وتعزز سلطة المنظمين في مقاضاة آخرين، وتضيف: ''إن العقوبة الأطول فترة أمر في غاية الأهمية لأن الكثير من أعمال التنفيذ تتعلق بإرسال رسائل بأن ذلك أمر خطير لردع الأشخاص عن القيام به''.

يحذر محامو الدفاع من أن العقوبات الأطول ربما لن تكون كافية. ويقول شاني جليفورن، من ''تايلور ويسنج'' البريطانية للمحاماة: ''إن مساومة الاعتراف بالذنب أمر جيد مثل الدليل الذي تقدمه إلى المحكمة – ويمكن أن يقال إن سلطة الخدمات المالية تختلف عن هيئة الأوراق المالية والبورصات، بشكل عام، إذ ليست لديها صلاحية التنصت على الهواتف الجوالة الشخصية''.

في نهاية المطاف، سيكمن نجاح المعركة ضد التداول بناءً على معلومات داخلية في نطاق العالم المالي الأوسع، وما إذا كانت لديه الرغبة في طرح أسئلة صعبة يطرحها المستثمرون المحظوظون كما هو واضح. ويقول فيليب هاريس، من شركة سكادين أربس للمحاماة: ''إن إحدى الخرافات حول وول ستريت، وعالم صناديق التحوط هو أن الناس يعتقدون أن الجميع يغشون. ولكن هذه صناعة شديدة التنافسية يريد فيها الجميع أن يعرف أنه يلعب على المستوى نفسه. ويريد الناس أن تكون الأسواق نزيهة''.[/align]