زادهم الخبز المخلوط بالرمل والحصى داخل السجون المصرية
سعوديون يحفرون الصخر ويفترشون الآسنة

تقرير: محمد طالب الأحمدي




يقبع سجناء سعوديون في سجون دول أجنبية، يمارس في حقهم أشد أصناف البطش والإهانة والتعذيب، وهم بعيدون عن وطنهم وأسرهم، أمضوا فيها سنوات وصفت بأنها غابرة، سبقت بداياتها ثورة التقنية، قبل بزوغ فجر الهواتف المحمولة والإنترنت، ليكون العزل عن وطنهم حتما عليهم، وفي الوقت الذي تتحين فيه أسرهم موعد لقاء الأحبة وعودتهم سالمين إلى أرض الوطن، يملؤهم بصيص أمل ولو على قدر ضئيل بصدور العفو أو انقضاء فترة السجن، التي غالبا ما تزيد على الـ20 عاما، فيحكم القدر على بعضهم أن يصطفوا مكلومين أمام وحدة الشحن الجوي في المطارات، لاستقبال جثامينهم المحمولة جوا داخل التوابيت.

وفي مصر على سبيل المثال، يعلو صوت القاضي إسماعيل الجهيني في محكمة شمالي القاهرة بتلاوة الحكم: «حكمت المحكمة حضوريا على المدعو (ع.ر.م) سعودي الجنسية، والبالغ من العمر 41 عاما، بالسجن المؤبد مدى الحياة، لمحاولته إدخال المخدرات عبر المنافذ المصرية، وعلى السلطات التنفيذية تنفيذ الحكم اعتبارا من الأول من يناير سنة 1994م»، هذا فيض من غيض.. هذا السيناريو يتكرر مع تكرار واقعة سقوط بعض المواطنين في المحظور والمستقبل المجهول الذي ينتهي في غياهب السجون في أرض بعيدة عن الو طن والأهل والأحبة.

«عكاظ» وقفت على أحوال السجناء في بعض الدول، خصوصا العربية المجاورة، وتواصلت بعدد من هؤلاء عبر وسائل اتصالات سرية، سواء الهاتفية أو الإلكترونية، والتقت أيضا بذويهم في المملكة، لتعكس أعمق معاني الشتات الاجتماعي بما يحمله من دروس وعبر.







سيناريو المحاكمة

تبدأ حياة السجن بالقبض على المتهم وإحالته إلى قسم الشرطة، وهنا يقول أحد السجناء، إنه تردد قبل صدور الحكم بين النيابة والمحكمة، لأكثر من عامين، منذ سنة 1411هـ، وكان النائب العام يلقي بالأسئلة عليه، وتجيب عنه سكرتيرة تعمل في المحكمة، وقد أصبح موقفه موقف (المتفرج)، إلى أن نطق القاضي بالحكم عليه بالسجن المؤبد دون إتاحة الفرصة له للاعتراض أمام النائب العام، فاعترض على الحكم حينها لتجري إحالته إلى (محكمة النقض) أملا في تخفيف العقوبة، إلا أن المحكمة رفضت ذلك جملة وتفصيلا.

سجون مصر

ويعيش داخل السجون المصرية حاليا، عشرة سجناء سعوديين موزعين بين سجن القناطر، في منطقة القناطر الخيرية التابعة لمحافظة القليوبية، شمالي العاصمة القاهرة، والطور شمالي مصر باتجاه سيناء، وأحد أقسام الشرطة وسط العاصمة.

وكانت السلطات الأمنية التنفيذية السابقة في مصر تمارس بحق السجناء السعوديين، كل ما يخرج عن حفظ الكرامة والإنسانية، والتعذيب الجسدي والنفسي بصوره المتعددة، تبدأ بإحداث القلق وإبعادهم عن الراحة والنوم، وتنتهي بالضرب المبرح، مرورا برمي الحشرات، وسكب المياه الآسنة على جلودهم، وتجويعهم أو تعطيشهم، حتى خلط الغداء بالرمل والحصى.

ثلاث مراحل

يروي لـ «عكاظ» السجناء السعوديون الذين ما زالوا في السجون المصرية، المراحل التي يمرون بها، بدءا من التحقيق حتى موعد الإفراج، إن لم يكن السجين محكوما عليه بالإعدام أو السجن (المؤبد) مدى الحياة، وتبدأ المرحلة الأولى بزج المتهم في سجن طرة، ويعرف بـ (سجن التحقيق) أو (سجن الاستقبال)، ويقع في منطقة طرة التابعة لمحافظة حلوان ــ شمالي القاهرة، يمضي فيها السجين لحين انتهاء التحقيق معه وإصدار الحكم عليه.

وتتباين مدة التحقيق مع المتهمين السعوديين، فهناك من أمضى في السجون تسعة أعوام، يتردد خلالها ما بين المحاكم والنيابة العامة، وآخرون لم تتجاوز مدة بقائه فيه 11 شهرا.

وبعد انتهاء التحقيق وإصدار الحكم على المتهم، يمر السجين بالمرحلة الثانية، التي يزج به في سجن الأشغال الشاقة، أو ما يعرف بسجن ليمان، ويجاور سجن التحقيق، وفيه يتم إجبار السجناء السعوديين على ممارسة أعمال شاقة، تكمن في العمل على تكسير الحجارة بأدوات بدائية في منطقة جبلية، تدعى (المعصرة).

وبحسب قوانين السجن في مصر، فإن مدة البقاء في سجن ليمان وممارسة الأعمال الشاقة محددة بثلاثة أعوام، بينما ظل السعوديون فيها لنحو خمسة أعوام، بعدها تأتي المرحلة الثالثة والأخيرة، حيث ينتقل السجين إلى السجن الاحتياطي، أو حسب ما يدون رسميا لدى وزارة الداخلية المصرية باسم (سجن الراحة)، وفيها يمضي السجين فترة محكوميته كاملة، حتى يفرج عنه أو يتم إعدامه.

الإقامة في القناطر

يتوزع السجناء السعوديون داخل سجن القناطر على غرف عدة داخل قسم (سجن الأجانب)، وهو سجن مخصص لغير المصريين، ويجمع سجناء أكثر من 25 جنسية، من أبرزها الأردن، سورية، تركيا، البوسنة والهرسك، السودان، نيجيريا، الجزائر، ليبيا واليمن، حيث يقبع 14 سجينا في كل غرفة مساحتها الكلية 3.8 متر طولا و5.65 متر عرضا، يستقطع جزء صغير ويخصص كدورة المياه ومكان الاستحمام، ومساحة سرير النوم 65 سم عرضا و185 سم طولا.

النقل التعسفي

ويصدر بحق السجناء السعوديين أوامر تعسفية بنقلهم إلى سجون عدة لأسباب غير مكافئة لحجم تلك الأوامر، إذ تكمن الأسباب في حيازة أجهزة الاتصال المحمولة، وعلى سبيل المثال، فإن رجال الأمن العاملين في السجن يبيعون أجهزة الهاتف المحمول للسجناء السعوديين بأسعار باهظة تصل أحيانا إلى خمسة آلاف جنيه، وبعد استلام المبلغ يعود البائع ذاته بالإبلاغ عن السجين بعدها بيوم أو ثلاثة، وقد تنبه السجناء لهذه الحيلة، فأصبحوا يوكلون سجناء من جنسيات أخرى بشراء الجهاز بدلا عنهم ويبقى في الواجهة، بينما الهاتف في حيازة سجين آخر، وعندما يتم تفتيش السجين الذي قام بشراء الهاتف المحمول، تكون نتيجة رجال السجن «لم نعثر معه على شيء».

ويروي لـ «عكاظ» أحد السجناء قصته مع الهاتف المحمول، ويقول: تم العثور على جهاز في حيازتي، فتمت مصادرة الهاتف وصدر مباشرة أمر نقلي إلى سجن وادي النطرون، في محافظة البحيرة، شمالي القاهرة بـ 120 كيلو مترا أمضيت فيها ستة أشهر، وهو سجن يختلف جذريا عن سجن القناطر من حيث التكوين والمعاملة ــ على حد قوله ــ إذ تضيق الغرفة الواحدة بـ 35 سجينا، رغم كونها بنفس المواصفات ذاتها الموجودة في القناطر من حيث المساحة، وعرض السرير 27 سم، ولا يفرق فيه بين السجناء المصريين وغيرهم، حيث يشكل المصريون فيه الهوية السائدة بين السجناء.

ويواصل السجين حديثه: بعد مضي ستة أشهر في سجن النطرون تم القبض علي وفي حوزتي جهاز هاتف محمول، فأصدر بحقي النقل إلى سجن أبو زعبل في منطقة الخانكة في محافظة القليوبية، ومع أنه أكثر سعة ورحابة من سجن النطرون، إلا أن المعاملة فيه قاسية للغاية، بحكم أن غالبية السجناء معتقلون في قضايا سياسية، وما أن أمضيت فيه شهرين إلا وقد صدر أمر آخر بنقلي إلى سجن برج العرب في الإسكندرية.

حشرات زاحفة

ويروي سجين آخر حكايته مع الهاتف المحمول: عثر رجال السجن على هاتف محمول بحوزتي، فنقلوني إلى سجن انفرادي، بعد مصادرة الجهاز طبعا، ثم زجوا بي في زنزانة معتمة لا يصلها ضوء إطلاقا، حيث لا يفرق فيها بين الليل والنهار، وحددوا لي وجبة واحدة في اليوم لا تتجاوز رغيف خبز، وقطعة جبن مثلثة، وكأس ماء فقط، وبين فترة وأخرى يسكبون مياها آسنة في الزنزانة، وينثرون بداخلها حشرات تشاركني في الجلوس والنوم، لدرجة أنه ذات مرة تناولت حشرة مع الرغيف، وشعرت بها تتحرك داخل فمي.

أزمة مصر

وتناولت «عكاظ» حديث السجناء أثناء أزمة مصر الأخيرة، وما تعرضوا له في 29 من شهر يناير الماضي، عندما فاضت الحركات الاحتجاجية إلى بوابات السجون لاقتحامها وتحريرها ــ على حد تعبير المتظاهرين ــ وإخراج السجناء منها («عكاظ»: 11/03/1432هـ)، حيث بين السجناء السعوديون أنهم يقبعون في سجن مخصص للأجانب، لم يتم اقتحامه، إلا أن المحتجين نجحوا في فتح بوابات الأقسام المخصصة للمصريين، عندها دخل أفراد الأمن المركزي بعبارة «الشر يعم» وألقوا علينا بوابل من أدخنة طفايات الحريق والقنابل المسيلة للدموع تنهال علينا من كل جانب، فتمنينا وقتها الموت ورأينا أنه أزكى لنا من الحياة التي تعرضنا فيها لكل هذه الممارسات.

وزادوا: لم ينته الأمر عند هذه الأمنيات، حيث دخل أفراد الأمن بالهراوات، وشرعوا في ضربنا ضربا مبرحا في كل مكان من أجسادنا، بدءا من الوجه والرأس وحتى القدمين، دون اكتراث لكرامتنا وإنسانيتنا، حتى أن أحد السجناء السعوديين يتجاوز عمره الـ65 عاما سقط مغشيا عليه، مختنقا من الغازات ومتأثرا بالضرب بهذه الطريقة الوحشية، وما زاد الطين بلة وجود سجناء نيجيريين حاولوا صد أفراد الأمن، والرد عليهم بالاعتداء.

وأضافوا: بعد مغادرة أفراد الأمن غرف السجن، وبدأنا في تنظيف غرفنا من أغبرة الطفايات والغازات، حتى فوجئنا بالمياه تسكب من نوافذ السجن، لتغرق الغرف ومفارش النوم ولم ننم ليلتها.

غلبة اللهجة

تأثر السجناء السعوديون باللهجة المصرية، بحكم عزلتهم وسط المحققين والعاملين المصريين لمدد بلغت في بعضها الـ35 عاما، وعندما يروون قصصهم، تختلط عليهم اللهجة السعودية باختلافها مع المصرية، فتجد من يقول لك من السجناء السعوديين مثلا: «أساسا حنا كلمنا السفارة وقلنا لهم وشو الشي اللي معطلنا طول هالمدة، وحنا ما توقعنا إن السالفة بتطول كذا»، فيتحول تلقائيا في حديثه إلى اللهجة المصرية «وما لقيناش حد يسمع كلامنا أو يوصل صوتنا».

كما تحدث لنا مواطن ظل في السجون المصرية 21 عاما، إلا أن حديثه لا يوحي إلا بأنه مصري بحت، حيث تنطلق منه بعض العبارات من بينها «أيوا، ما عنديش، ما رحناش هناك خالص، ما فيهاش رحمة».

سجن أبو زعبل

ذاع صيت سجن أبو زعبل في الوطن العربي، لا على حدود مصر وحدها، وصار مضربا للمثل وأداة للتهديد، حيث كثيرا ما يتردد في الحديث العام عندما ينوي شخص الإقدام على أمر أن يقال له: «ما تلقى نفسك إلا في أبو زعبل».

وأبو زعبل هي قرية من قرى مركز الخانكة في محافظة القليوبية شمالي مصر، وتبعد عن العاصمة القاهرة حوالي 20 كيلو مترا، وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى (زعبل)، وهو شجر القطن، كونها بيئة خصبة لزراعة القطن الجيد، لذا سميت (أبو زعبل)، أي (أبو شجر القطن).

ويعد سجن أبو زعبل من السجون القديمة، والمعتقل الوحيد سابقا لزج السياسيين فيه، أجرت عليه الحكومة المصرية أعمال ترميم وتحسين، وأنشأت في سنة 1996م سجنا مجاورا باسم (سجن أبو زعبل الصناعي) وبجواره أيضا سجن (ليمان أبو زعبل).

تعرض السجن في حرب 1956م للقصف مع محطة الإرسال الرئيسة للإذعة والتليفزيون، وتم اقتحامه أخيرا في الـ29 من يناير المنصرم وإخراج العديد من السجناء ضمن الحركة الاحتجاجية التي خلقت أزمة في مصر، انتهت بتنحي الرئيس محمد حسني مبارك.

وشهد سجن أبو زعبل اعتقال كثير من المشهورين في تاريخ مصر في الجوانب السياسية والدينية والفنية، مثل الشيخ عبد الحميد كشك، وسيد قطب، والمخرج السينمائي نيازي مصطفى، بسبب إخراجه فيلم (البحث عن فضيحة)، وشهدي عطية الشافعى لقيادته الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني، وعبدالحليم وهبه حسن سعفان لعلاقته بحسن البنا.
عكاظ
((( التعليق )))

باختصار
كلنا يتذكر الجرائم البشعة اللا إنسانية واللا أخلاقية التي ارتكبها طبيبين مصريين غلى أراضينا بحق سيدات مؤمنات محصنات غافلات بالإعتداء عليهن جنسيا بعد تخديرهن وقد حكم عليهما بالقتل شرعا فأقام المصريون الدنيا ولم يقعدوها وتدخل مبارك في القضية وتم على ضؤ ذلك إطلاق سراحهما
كنت أتمنى لو تم على الأقل تبادل السجناء أو تطبيق مبداء المعاملة بالمثل