ترجمة الشاعر احمد رامي لرباعيات الخيام :


مقتطفات


سمعتُ صوتاً هاتفاً في السّحَر
نادى مِن الحانِ : غُفاة البشَر
هبُّوا املأوا كأس الطلى قبَل أن
تَفعم كأس العمرْ كفّ القدَر

أحسُّ في نفسي دبيب الفناء
ولم أصَب في العيشِ إلاّ الشقاء
يا حسرتا إن حانَ حيني ولم
يُتحْ لفكري حلّ لُغز القضاء

أفق وهات الكأس أنعمُ بها
واكشف خفايا النفس مِن حُجبها
وروّ أوصالي بها قَبلَما
يُصاغ دنّ الخمَر مِن تُربها

تروحُ أيامي ولا تغتدي
كما تهبُّ الريح في الفدفدِ
وما طويتَ النفس هماً عَلى
يومين : أمسْ المنقضي والغدِ

غد بِظَهْرِ الغيب واليوم لي
وكم يخيبُ الظنُّ في المقبلِ
ولَستُ بالغافلِ حتى أرى
جمالَ دنيايَ ولا أجتلي

سمعتُ في حلمي صوتاً أهابَ
ما فتَّق النّوم كمام الشبابَ
أفق فإنَّ النّوم صنو الردى
واشرب فمثواكَ فراش الترابَ

قَد مزَّق البدرُ سنَار الظلام
فأغنم صفَا الوقت وهات المدام
واطرب فإنَّ البدر مِن بعدنا
يسري علينا في طباقِ الرغام

سأنتحي الموتَ حثيث الورود
ويَنمحي اسمي مِن سجِل الوجود
هات أسقنيها يا مُنى خاطري
فغايةُ الأيام طولْ الهجود

هات أسقنيها أيهذا النديم
أخضَب مِن الوجهِ اصِفرار الهموم
وإن أمُتْ فاجعَل غسولي الطلى
وقدَّ نعشيَ مِن فروعِ الكروم

إن تُقتلَع مِن أصلِها سُرحتي
وتصبحُ الأغصان قَد جفَّت
فصغْ وعاء الخمَر مِن طينتي
واملأهُ تسرِ الروح في جثتي

لَبستُ ثوبَ العيش لم أُستشَر
وحرتُ فيه بين شتّى الفِكَر
وسوفَ أنضو الثوب عنّي ولم
أُدرك لماذا جئتُ ، أينَ المقر

نمضي وتبقى العيشةُ الراضية
وتنمحي آثارُنا الماضية
فقَبل أن نَحيا ومِن بعدِنا
وهذه الدُنيا علَى ما هيه

طَوت يدُ الأقدار سفرَ الشباب
وصوَّحت تلكَ الغصون الرطاب
وقَد شدا طيرُ الصبى واختفى
متى أتى . يا لهفا . أينَ غاب

الدهرُ لا يعطي الَّذي نأمل
وفي سبيلِ اليأس ما نَعمَل
ونحنُ في الدُنيا علَى همّها
يسُوقنا حادي الردى المُعجّل

أفق خفيفَ الظَّل هذا السّحَر
وهاتها صرفاً ونَاغِ الوتر
فما أطاَل النّوم عمراً ولا
قصَّر في الأعمارِ طول السهَر

اشرب فمثواكَ التراب المهيلِ
بلا حبيب مؤنسٍ أو خليل
وانشق عبير العيش في فجرهِ
فليسَ يزهو الورد بعدَ الذبولِ

كم آلم الدهر فؤاداً طعين
وأسلم الروح ظعين حزين
وليسَ ممَن فاتَنا عائد
أسألهُ عن حالةِ الراحلين

يا دهرُ أكثرت البلى والخراب
وَسُمْتَ كُلّ الناس سوء العذاب
ويا ثرى كم فيكَ مِن جوهرٍ
يبينْ لو يُنبَش هذا التراب

وكم توالى الليل بعدَ النهار
وطالَ بالأنجمِ هذا المدار
فامشِ الهوينا إنَّ هذا الثرى
مِن أعين ساحرةِ الأحورار


عمر الخيام



[align=justify]نيسابور ،، مدينة علم ومعرفة ،، وفي حوالي العام 1048 م ولد غياث الدين أبو الفتح عمر بن ابراهيم الخيام الحكيم والشاعر والفلكي وعالم الرياضيات والذي اشتهر بانجازاته العلمية ولم يكتشف سر عبقريته الشعرية في رباعياته الا بعد حوالي 730 عاما من وفاته في عام 1131 م

كان الخيام يجيد اللغة العربية وله بالعربية كتاب (الجبر والمقابلة) وقيل أنه عربي الأصل..

رحل الخيام إلى سمرقند لمتابعة دراسته في علم الجبر وبرز في علم الفلك واستدعاه السلطان السلجوقي ملك شاه –جلال الدين- لتعديل التقويم الذي عرف بالتقويم الجلالي فيما بعد كما كلفه ببناء برج فلكي في اصفهان..

كانت للخيام انجازات في مجال الرياضيات فقد أوجد طريقة هامة لاستخراج جذور الأرقام وعالج لأول مرة مسائل التكعيب في الجبر وانشغل بالمسلمات الرياضية التي أثارت اهتمام العلماء العرب والمسلمين وشعر بأن نظريات العالم الإغريقي (أقليدس) غير كافية في مجال النسبة فأنجز نظاما للأرقام أكثر اتساعا من نظام الإغريق..

يذكر ان الخيام قال لأحد تلاميذه " سيكون قبري في مكان تهب عليه النسائم الشمالية وينتشر فوقه الورد والزهر" وبعد موته زار تلميذه قبره في نيسابور بعد ثلاثة عشر عاما ليجده جانب سور حديقة مهجورة فتدلت أغصان الأشجار فوق القبر ونثرت عليه من ثمارها وأزهارها حتى غطت أحجاره..[/align]