( 6 )



(((الحاجة أم الإختراع)))



ابرجعبكم اكثر من 50سنه
نشأت في أسرة فقيرة كادحة فقد كان والدي أميا لايقرا ولايكتب وبالنتيجة فليس له وظيفة مرموقة ولكنه كان يتمتع بمكانة اجتماعية مرموقة جدا بين المعارف والأقرباء على مختلف مراكزهم الوظيفية والإجتماعية وكان تميزه كونه كان رجلا محاربا وعاش فترة من شبابه كأحد رجال الشريف حسين بن علي

ثم مواطنا سعوديا بالإضافة لكونه شاعرا مشهود له إلى جانب كبر سنه وجرأته وعدم تردده في حسم الأمور بطريقته الخاصة والمستمدة من قوة شخصيته الفولاذية ليس لأنه والدي فقد كان كذلك حقا كمحارب قديم

لاأدري كيف ومتى تعلم بعض الحرف التي علمني إياها فقد تعلمت منه حرفة وصنعة المساند التي تزين المجالس العربية آنذاك وكانت عبارة عن أكياس ذات مقاس واحد نحشوها إما بالتبن أو الطرف وهو مجموع حبيبات ثقيلة وهي مجتمعة لاأدري إلى اليوم من أين تأتي وإن كنت أعتقد أنها كطرف
منسوبة نسبا لشجر الطرف الذي يستعمل كمصدات للرياح على أطراف المزارع

نعود للصنعة
فبعد أن نخيط هذه المساند وفي جوفها التبن أو الطرف وبعد تثبيت كل أجزائها من الوسط إلى قرب الأطراف بواسطة خيوط الدبارة بالمخيط نقوم بكسوتها بقماش الدمقس أو الدمسك لاأذكر وكان هذا القماش من النوع الثمين الموشى بالقيطان الفاخر

وكنت مع مرور الأيام قد اكتسبت الخبرة وخفة اليد والسرعة في الإنجاز خاصة وأن الطلب على هذه السلعة كان كبيرا وكان عائد هذه الحرفة مجزيا وتعلمت فيما بعد حرفة وصنعة تنجيد فرش النوم والألحفة القطنية بدءا من ندف القطن وحشوه مرورا بتثبيت الفرش بواسطة المخيط وهو إبرة كبيرة
قد يصل طولها شبرا مخصصة للخيوط المتينة وصولا إلى تلبيس الفرش بالأقمشة المناسبة لها
إلى جانب تعلمي بعض الحرف الأخرى التي سأتطرق إليها لاحقا إن شاء الله

العجيب والغريب جدا أن والدي وبرغم تشدده في كثير من الأمور إلى جانب تزمته وأميته ضرب عرض الحائط ببعض النظريات القبلية التي ترى أن بعض الحرف فيها من العار والعيب مايوجب الطرد من رحمة القبيلة وبرغم أنه بلا فخر أي والدي ينتمي إلى أحد الفروع المميزة قبليا في قبيلته وا سعة الإنتشار إلا أنه سبق زمنه وسبق الكثير من آكاديميينا القبليين في فلسفته العملية والواقعية تجاه الحرف اليدويه

فقد عمل بكد وجهد شريفين لكسب قوت يومه وعياله وأمثاله كثر في تلك الأيام
في الوقت الذي يتهافت فيه أدعياء ألأنفة عن ممارسة الحرف على بني جلدتهم وهم لايتورعون عن الإستجداء بمايعرف قبليا أوشعبيا بالإسترفاد أو طلب الرفد المادي من كافة أطراف قبيلته التي هي في واقع الأمر شحدة أو شحادة يعتاش منها بين فترة وأخرى
( عالة )



بينما الرفد معروف لدى جميع القبائل في أساسه أنه دعم شعبي قبلي إنساني للغارمين وفي الرقاب ومافي حكمها حيث يهتم كرام القوم وكبرائهم بتزعم رفد المعني بالأمر دون أدنى جرح لكرامته ودون أن يطلب هو ذلك غالبا وحتى بدون حظوره من قريته أو هجرته

ولكن المخجل والمؤسف حقا أن هناك عينات من الناس تتمتع بأشكال وألوان مبهرة وهي تتمدد غير بعيد عالقة في قوقعة فارهة ولكنها مفرغة من أي مضمون إلا من نسيج رديء وصدى صوت يشبه قرع الطبول

فترى في العبائة طيف رجل مهيب شكلا يسوق نفسه سوقا كالبغل بين المجالس طلبا للرفد فقط للتزود بالمال دون أن يهتز له جفن أو تندى من جبينه الجاف من الحياء قطرة من خجل هؤلاء هم
( العالة ) وهم ( الحثاله ) وهم ( أشباه الرجال ) فاليخسئوا ويكرم الرجال الرجال حقا

يتبع



(((بين الرياض والمجمعة والزلفي)))


----------------------------

بعد أن علمني بعض الحرف وتجارتها أراد أن يعلمني السفر للتجارة أو السفر التجاري
يعني بالعافية لازم الولد يطلع رجال
علمني كيف نبني بيتا من اللبن والطين بدءا من خلط الطين مع التبن وتخميره ومن ثم وضعه في القوالب الخشبية المخصصة له كلبنات طينية وبعد أن يجف اللبن تبداء عملية البناء التي يجب أن تكون على أساس متين من الحجارة العريضة بعمق متر أو أقل منه تحت سطح الأرض ومثله فوق سطحها ويختلف عمق الأساس وارتفاعه وعرضه
تبعا لتعدد الأدوار كما علمني أيضا كيف أبني الجملون وهو الغرفة أو الصالون الذي كل محيطه من اللبن وسقفه من التنك أو الزنك وعيبه أنه شديد الحرارة شتاءا وشديد البرودة صيفا

كنت في بداية النصف الثاني من الثالثة عشرة من عمري حين قرر تعليمي أصول التجارة السفرية فذهبنا إلى سوق البطحا حيث مواقف السيارات وركبنا ضمن عدد من الركاب في باص قزم متهالك

( لو توكأت عليه لانهدم )

تحركنا من الرياض بعد العصر مباشرة في طريقنا إلى المجمعة ومن ثم الزلفي كما هو مخطط لهذه الرحلة
ولكن هذا الباص المهتريء يزحف زحفا بطيئا وهو يئن أنينا ويذكرني بقول أحدهم

( باصي ياللي لواه من الشاص لاوي __ كل ماجر الونات طاح لحييّه

وطال الليل وغلب النعاس أكثر المسافرين ومنهم محدثكم الذي صعق على إثر صفعة مدوية من يد والدي الغضنفر
تلك الصفعة أفزعت جميع الركاب بمافيهم كبتن الباص كريم العين وفيما الأنظار موجهة إلى والدي متسائلة ومستغربة جائهم الجواب
ولكن بصورة غير مباشرة حين صاح بي والدي وهو يقول بلهجته العامية
(ماينام في السيارة الا الرخوم )!!
أي رخوم وأي بوم ياخي ؟؟

فحاجّه بعض الركاب قائلين وبنفس اللهجة حنا كبار وننعس ونرقد عاد جات على هالولد ؟؟
فجاء رده مباشرا وهو يقول بلهجة حازمة وحاسمة الولد ولدي وانا ابخصبه ومالي لزوم في غيره ان بغى يرقد والا يربض

طيب ليه يابوي الله يهديك قصدي الله يرحمك والله مالها لزوم تصروعني وتورم وجيهي بهالشكل يعني لازم الا اصير رجال بالقوة وانا دوبي وريع مفعوص ماعندك احد روح ياشيخ الله يسكنك جنات النعيم
اعنبو هالمرجله اللي ماتجي الا بالتكفيخ يا انك ارهابي الله يرحمك

مع طلوع الشمس نزلنا من الباص الكحيان في أعلى المنحدر المطل على الغاط
أو المجمعة وبداء الكابتن ينحدر بكومة الخردة
رويدا رويدا وهي تتمايل بعنف ذات اليمين وذات الشمال وكأنها راقصة مسنة قد تفكك وركيها بسبب أداء الواجب

ومع ضيق المنحدر الصخري المطل على هاويتين سحيقتين كنا نسمع صرير سست وأذرعة الباص وهو يتدحرج أمامنا في نزوله الخطرونحن نتقاطر خلفه على الأقدام
قفزنا المجمعة وهبطنا في الزلفي

وهنا بدأت الألعاب التجارية من خلال البحث الجاد والحثيث عن السلعة التي عثرنا عليها ممزقة في كل ركن من أركان السوق حيث عثرنا عليها لدي دباغي الجلود وفي خلال خمسة أيا م قمنا بجمع هذه البضاعة في شبكة مترابطة مكونة
من عدد من الخياش المربوطة ببعضها بالمخيط وفي اليوم الخامس تم تحميل البضاعة في لوري فورد خمسة طن يبدو من هيئته أنه فورد ابن فورد يستحق الأشغال الشاقه

وصلت البضاعة إلى الرياض في مرحلتها الأولى وتم حشدها في فناء البيت مع شقيقاتها من بالات الرياض وتم تجميعها
تمهيدا لشحنها إلى الطائف بواسطة لوريين
يتبع


(((رحلة بين الرياض والطائف)))


-------------


تحركنا مع اللوريين عند الفجر قاصدين الطائف لم يكن هناك طرق معبدة على الإطلاق
وكان في أعلى صندوق اللوري سقيفة من الخشب وكانت هذه السقيفة المرفهة في كل اللواري مخصصة فقط للركاب وأمتعتهم الخفيفة وهذه السقيفة احتلتها الأغنام في أيامنا هذه وما تحت السقيفة يكون عادة بضائع عامة

ومن الرياض اتجهنا عبر طريق يمر بالعيينة إحدى ضواحي الرياض المأهولة حاليا بالسكان والفلل الحديثة مرورابالجبيلة وكانت قرية من القرى القريبة من الرياض حيث يفضي بنا الطريق إلى ممر متعرج وضيق جدايطلق عليه السبع الملاف
( سبع لفات أو تعرجات ) مع السبع دوخات للسائق والركاب والسيارة أيضا
وقبل أن ترتفع حرارة شمس الضحى نتوقف إما في مرات أو شقراء حيث نتناول طعام الإفطار ومن ثم طعام الغداء مع قيلولة إجبارية مملة جدا جدا

وبعد العصر وقبيل الغروب تبداء محاولات تسلق مرتفع النفود الرملي الذي يكون باردا نسبيا مما يسهل عملية التسلق بعد تنسيم الإطارات إلى حدود معقولة وعادة لاينجح السائق في تسلق المرتفع الرملي من الجولة الأولى فيعيد المحاولة تلو الأخرى بمساعدة الركاب لنقل الصاجات الحديدية مع كل حركة وغالبا تنتهي محاولات الصعود عند المغرب فنتوقف في أعلى النفود لنلتقط أنفاسنا
وكذلك السيارات

فيما (المعاوني ) وهو مساعد السائق وفني تربيط ركب السيارة ومساميرها وتفقدها بعد كل توقف
وهو المسؤول عن سلامة الطائرة وأمان الركاب يقوم المعاوني المضطهد دائما من الكبتن بعمله الشاق ومن ضمن مهامه إحضار ماء الوضوء للكبتن الرقيع والقيام على خدمته شخصيا في الوقت الذي نتوضاء خلاله ونؤدي الصلاة قصرا وجمعا

وقبيل العشاء أو بعده بقليل تستأنف الرحلة فوق رمال النفود والتي تتطلب خبرة ودراية واسعة جدا في الملاحة الصحراوية الرملية من السائق بكل الطرق السهلة التي إن جهلها أي سائق فستؤدي به حتما إلى فقد السيطرة على السيارة ومن ثم تعرضه لمنحدرات حادة وشديدة الإنحدار تؤدي حتما إلى تناثرأجزاء السيارة باستثاء الصندوق الأسود

( صنيديق العده )

أوانغراز السيارة في مواقع غير معروفة يصعب الخروج منها وقد تكون نهاية السيارة كسيارة فتقطع
أوصالها وتحمل على الحمير أو الجمال لتستعمل اسبيرات

تسير اللواري والسيارت التي لايقل حجمها عن الوانيت خلف بعضها في قوافل حيث يسلك بها قائدالمجموعة طرقا سهلة آمنة وبعضهم يسيرون فرادى مقتدين بعلامات من الإطارات المهترئة وأجزاء قديمة متعفطة من سيارات هالكة حتى ينتهي النفود قبيل محافظة الدوادمي مايوازي مفرق القصيم

فتستقبلنا المقا هي المضائة بالأتاريك بالترحيب فنتوقف ونتناول طعام العشاء فيما المعاوني المهندس الأرضي
يقوم بإعادة نفخ الإطارات ووزن الهواء فيها تمهيدا للإقلاع مجددا وفي هذه الطرق تتراوح سرعة السيارة مابين
35 إلى40 كم وفي أحسن الأحوال مابين ال45إلى 50كم في الساعة كسرعة جنونية وفيما السيارة تواصل سيرها يتوزع الركاب إلى مجموعات صغيرة
تقضي ليلها في تبادل الأحاديث والقصص والروايات أو سماع الأشعار والأناشيد البدويه حيث ينتهي منتصف الليل
في هجرة ( الدفينه )

وسميت بهذا الأسم نسبة لنعومة ترابها الذي يشبه الدقيق والذي يتحرك سريعا وعاليا مع أدنى نسمة هواء
فبعضهم يبيت فيها وبعضهم يواصل ليله وغالبا ينتهي بإحدى القرى أو الهجر قبل عفيف وإذا كانت الظروف مواتية
يصلون إلى عفيف قبيل الضحى حيث يمضون كامل يومهم إلى مابعد العصر ومن ثم يستأنفون رحلتهم باتجاه ظلم
التي يصلون إليها بعيد منتصف الليل بعد أن يكونوا توقفوا للعشاء في إحدى المحطات فيواصلون المسيرحتى يصلون المويه ويتجاوزونها مباشرة تجاه الطائف التي يصلون إليها مع شروق الشمس أو بعدها بقليل

ولكن توقيت السفرليس قاعدة دائمة أو ثابتة فهناك من يفضل السفر من بعد صلاة العصر مباشرة إلى منتصف الليل
ومن أشهرمحطات التوقف مرات وشقراء والدوادمي والدفينة وعفيف وظلم والمويه ورضوان وعشيره

في الطائف أنزلنا بضاعتنا في السوق الشعبي القديم شمال شرقي مسجد ابن عباس رضي الله عنهما وهو الآن شارع فسيح
وكان تجار الجملة يتواجدون حول هذا السوق حيث وضعنا نصف بضاعتنا وتم العرض والطلب ومن ثم تحول العرض
إلى مزاد علني انتهى ورسى على أحدهم حيث أنهينا العملية التجارية النادرة آنذاك

( صوف الضأن الخام )

وسط اعتراض وامتعاض سيدات حرفة حياكة ونسج السجاد العربي البدوي فقد كن يطالبن بالتجزأة
نظرا لعدم استطاعتهن المنافسة وقبض الوالد ثمن بضاعته وسط دعائهن عليه بالويل والثبور وعظائم الأمور
ولكنه طيب خواطرهن ووعدهن خيرا وفي اليوم التالي دلهن على منزل إبنة عمه رحمها الله في الشرقية حيث
خزن الصوف في حوش ملحق بدارها وترك لها مهمة البيع بالتجزئة لسيدات الحرفة والمنفعة منها
وعدنا إلى الرياض لجولة أخرى ( كان ذلك عام 1380هـ وكان عمر صاحبكم ثلاثة عشرة (سنه )