(( 8 ))

((( أبو مبارك )))


------------------


أحيل على التقاعد وهو برتبة عقيد وكان يوما عبوسا قمطريرا في حياته العسكرية الطويلة فقد دخل إلى بيته وهو منكس الرئس يجر خطاه جرا وفي يده ورقة طلاقه العسكري كما بدى له
وحين رأى زوجته وبعض أبنائه أجهش بالبكاء الذي تحول إلى نحيب رهيب مهيب من عسكري مخضرم عركته الحياة العسكرية منذ نعومة أضفاره ميدانيا وقياديا

دموع رجل كهذا الرجل غالية جدا إنها لعمري دموع موقف وإيباء وهو يذرفها ساخنة من فيض مبادئه ومثله العليا التي تشربها منذ كان جنديا في الجيش فقد التحق بالعسكرية وهوشاب في ريعان الشباب برتبة جندي يوم كان الجندي بكتيبة من الجنود مع آمريها في وقت من زمننا هذا

حيث كان أحد أفراد المدفعية ومن فرط عشقه للعسكرية وتمام عافيته يرفع المدفع من موقعه لوحده أيام كان المدفع مدفعا معتبرا ويباهي بذلك زملائه
صبر وصابر وثابر في إطاعة الأموامر واحترام التقاليد العسكرية الصارمة حتى تدرج في الرتب العسكرية في صف الضابط حتى وصل إلى رتبة ملازم ثاني
كما كان تعريف الرتب آنذاك فملازم أول فرئيس أي نقيب

وكان وقتها في الحرس الملكي وكان معروفا بشدة بأسه ودقة انضباطه في المجال العسكري حيث يكون جادا في كل تصرفاته وحريص جدا على قيافته ومظهره العسكري كان صوته جهوريا مدويا من غير تكلف أو تصنع
وكان يتمتع بعينين واسعتين ولكنهما حادتين جدا كأنهما جمرتين حين يستبد به الغضب فتبدوان وكأن بهما شرر من لهب

كان ذلك على أيام سعيد جودة والذيب والنملة وصادف أن تلك الأيام كان عبد الكريم قاسم يحكم العراق
وكان المهداوي رئيس المحاكمات العسكرية العراقية التي تنتهي جلساتها الفديوكليبية في بضع دقائق وينتهي النطق خلالها بالإعدام

فخطرت لأحد قادة أبو مبارك فكرة يبدو أنها صائبة جدا فقد تم تعيينه رئيسا لهيئة المحاكمات العسكرية في الحرس الملكي وقد أطلق عليه بعض الخبثاء لقب المهداوي مع الفارق والحقيقة أنه ملاء هذا المنصب عن جدارة واستحقاق فقد كانت تحال إليه جميع قضايا المحاكمات العسكرية حتى التي يكون طرفها بعض الضباط
وثكلته أمه من يحال إلى محاكمة عسكرية بل إن بعضهم يلجاء إلى الهرب من وظيفته

لم يكن الرجل ظالما ولا أزكيه على الله ولكنه كان صارما في إصدار العقوبات وحريص على تنفيذها حتى أنه كاد ذات مرة أن يحاكم والد زوجته ( والدي ) لولا أن كانت حجته دامغة
وتحول دون ذلك وبعد أن ترفع إلى رتبة وكيل قائد ( رائد ) تم نقله إلى خميس مشيط إلى أن ترفع إلى رتبة قائد
( مقدم ) ومن ثم تم نقله إلى الطائف حيث كان مديرا للتدريب العسكري برتبة عقيد التي تقاعد عليها

بعد تقاعده حاول بعض أقاربه وأصدقائه وحتى أبنائه إقناعه بممارسة الأعمال الحرة ولكنه رفضها بشدة
وهو يقول ليس بعد شرف الخدمة العسكرية شرف خدمة أخرى من وجهة نظره

رجل مثل أبو مبارك تطبع بالعسكرية مذ كان شابا يافعا وتقاعد بعد الستين
من الصعب جدا فصله عن حياته العسكرية التي هي حياته الحقيقية
توفي أبو مبارك في مكة المكرمة ودفن فيها رحمه الله وتقبله مع الصالحين فقد كان زوج أختي من أبي
وأبي من الرضاعة حيث أرضعتني أختي زوجه أمد الله في عمرها