أما طرفة فقد سار حتى قدم على عامل البحرين المكعبر فدفع إليه كتاب عمر بن هند فقرأه وقال له ياطرفة إني أمرت بقتلك وإن بيني وبينك خؤولة فاهرب من ليلتك فأبى فحبسه المكعبر وأرسل إلى عمر بن هند أن أرسل عاملا غيري فلست بقاتل طرفة فأرسل رجلا من بني تغلب يقال له عبد هند

فقال لطرفة إني أمرت بقتلك وإني لقاتلك لامحالة فاختر الميتة التي تريدها فقال طرفة اسقني خمرا ( في زمن الجاهلية ) حتى أفقد وعيي ثم افصد كاحلي ففعل وتركه ينزف حتى مات وعمره ستة وعشرون ربيعا وقد رثته أخته بقولها
عددنا له ستا وعشرين حجة == فلما توفاها هوى سيدا ضخما

وقد علقت قصيدته الدالية على جدار الكعبة لجودتها وكانت إحدى المعلقات السبع حيث بدأها بقوله
لخولة أطلال ببرقة ثمهد == تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
وأبلغ منه في مثل هذا المعنى زهير بن أبي سلمى وهو يقول
ديار لها بالرقمتين كأنها ==مراجع وشم في نواشر معصم

يقصد بكلمة مراجع ( آ ثار ) وهي من قدمها تشبه الوشم القديم في نواشر المعصم والنواشر هنا هي عصب معصم الرجل العجوز الطاعن في السن

وعود على بدء نعود للملك عمر بن هند الذي بلغ به الجبروت والطغيان والغرور درجات متقدمة حتى أنه من فرط غروره سأل بعض جلسائه هل تعلمون أحد تأنف أمه من خدمة أمي قالوا نعم
عمر بن كلثوم وهوفارس وشاعر عظيم المكانة والصيت وسيد قومه من بني تغلب

فتدبر له مكيدة خسيسة فدعاه هو وأمه وقومه إلى عزومة ضخمة في مملكته وقد أجاب عمر بن كلثوم الدعوة حيث أقام لهم عمر بن هند سرادقا ضخما وكان قد أوعز إلى أمه أن تهين أم عمر بن كلثوم

فأثناء الحفل طلبت أم عمر بن هند من أم عمر بن كلثوم أن تناولها طبقا بعيد عن متناول يدها فقالت أم عمر بن كلثوم من لها حاجة فالتقم إليها بنفسها فكررت عليها وألحت فصرخت أم عمر بن كلثوم بأعلى صوتها وهي تقول ( واذلاه ياتغلب ) وكانت هي ليلي التغلبية إبنة مهلهل أخو كليب التغلبي وعندما سمع عمر بن كلثوم صوت أمه قفز من مجلسه واستل سيف الملك المعلق فوق رأسه فانقض به عليه فشطر رأسه نصفين وكذلك فعل قومه في قوم عمر بن هند وبعد هذه الواقعة كان يضرب المثل بعمر بن كلثوبأنه فتاك كونه فتك بعمر بن هند في بلاط سلطانه

وبسبب هذه الواقعة نظم عمر بن كلثوم معلقته الشهيرة ومما جاء فيها

أبا هند فلا تعجل علينا === وأنظـــرنا نخبرك اليقينا
بأنا نورد الريات بيضا === ونصدرهن حمرا قد روينا
متى ننقل إلى قوم رحانا === يكونوا في اللقاء لها طحينا
ألا لايجهلن أحد علينا === فنجهل فوق جهل الجاهلينا
بأي مشيئة عمر بن هند=== تطيع بنـــا الوشاة وتزدرينا
تهددنا وأوعدنا رويدا=== متى كنــــا لأمك مقتوينا
ونشرب إذاوردنا الماء صافيا === ويشـــرب غيرنا كدرا وطينا
إذا بلغ الفطام لنا صبي === تخــــــــر له الجبابر ساجدينا


أرأيتم كيف أن جزيرتنا كانت ولاتزال قرية صغيرة حتى في أزمان أسلافنا في الجاهلية وصدر الإسلام برغم مشاق السفر فهم يتواصلون من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها وغربها وشرقها

وتأملوا كيف وصلوا وتواصلوا وتجاوزوا حتى أصعب تضاريس مايليها من الأرض بجبالها وحتى بحارها وتعايشوا مع أقوام ليسوا من بيئتهم أو على دينهم ولغتهم وعبروا القارات إلى شرق وجنوب آسيا وكل أفريقيا وشمال أوروبا حتى حدود فرنسا فإذا هم عبروا القارات في زمنهم

برغم طول المسافات وصعوبة المواصلات ووسائلها وسبلها وصنعوا التاريخ والعلوم وتعلموا وعلموا كل ما استطاعوا من العلوم الإنسانية فما بالكم لو أنه توفر لهم ماتوفرلنا من علوم وتقنيات ووسائل مواصلات والله لو توفر لهم مثل ما توفر لنا لجعلوا من قارات الكرة الأرضية مجرد حارات متجاورة لاتفصل بينها البحار والمحيطات

وعود على بدء فإن أعجبتكم مواقع وأحداث تلك الأحقاب من زمننا فإنه يسعدني جدا البحث والتقصي والإضافة لما أختزنه في ذاكرتي من معلومات