(( 36 ))

((( أبو محمد والديدي ديدي )))


-------------------------------------

في أوائل الثمانينات الهجرية كان أبو محمد رحمه الله رجلا مسنا وأميا لايقراء ولا يكتب ولكنه شخصية مرحة
خاصة إذا ضحك وقهقه وبرزت أنيابه الأربعة التي لايملك غيرها ولكنها تؤدي الواجب في نهش اللحم بكفائة عالية جدا
غير أن مرحه لايقلل أبدا من وقاره وتقدير الآخرين له ولكنه متشدد جدا من ناحية الإلتزام بالعادات والتقاليد من حيث إكرام الضيوف والإحتفاء بهم حتى أنه يعتبر عدم ذبح خروف أو أكثر للضيف من مظاهر نقص الرجوله

وكانت هذه المناسبات تبداء عادة من منزل أبو فايز كونه عميد الجماعة وكبيرهم من حيث المكانة لا السن ولا يمكن أن تمر مناسبة إلا ويكون أبو محمد في مقدمة الحضور
وذات مناسبة وفد ضيف مسن على أبو فايز فأقسم عليه الضيف أن لايذبح خروفا كما يفعل له في كل مرة

فاضطر أبو فايز أن يولم له مائدة كبيرة من الدجاج وكان من ضمن الحضور أبو محمد الذي كان يستحوذ على مساحة واسعة من اللغط المرح والجاد معا حيث كانت قفشاته تلاقي استحسان الجميع خاصة وأنه يجيد السرد الروائي باللهجة الدارجة ويضفي عليها شيئا من الملح والفكاهة

وحين تم استدعاء الضيوف إلى المائدة في صالة الطعام جلس أبو محمد على ركبة ونصف وترك يده اليمنى ممدودة ومتدلية من فوق ركبته اليمنى دون أن يمس الطعام وقد تغيرت ملامح وجهه وانتفخت أوداجه واحمرت عينيه وبدى في محجريهما دمعة جامدة فألح عليه أبو فايز باللهجة العامية وهو بقول تم يابو محمد الله يحييك فاغرورقت عينا أبو محمد بالدموع وتهدج صوته مع حشرجة ظاهرة وهو يرد على أبو فايز قائلا

يابن فايز حنا من قوم المفطحات ماحنا من قوم الديدي ديدي ( يعني الدجاج )فانبرى له الضيف وحاول أن يفهمه أنه هو الذي أقسم على أبو فايز بالدجاج فأقسم أبو محمد أن لايأكل الدجاج
في هذه المناسبة ثم أجهش بالبكاء وهو يدعو الضيف لتناول الطعام عنده فلبى الضيف دعوته مقسما عليه أن تكون الضيافة من الدجاج

كان رد أبو محمد تراجيديا وقد تمدد على بطنه السمين و هو يفرك صدره العريض على الأرض منتحبا وهويردد قائلا باللهجة الدارجة يافري جيبك يابو محمد فرياه انا انا تاليتها أضيف الرجال على الديدي ديدي ؟؟

فحسم الموقف قائلا اسمعوا ياجماعة العشا القابله الله يحييكم وطلاق اني ما احط الا المفطح من جا الله يحييه ومن غاب الله يستر عليه كرمتوا وانصرف أبو محمد وظل مغاضبا لأبو فايز طوال عام ونصف حتى تم استرضائه أخيرا
بشرط أن لايحضر مناسبات الديدي ديدي على حد قوله

نلتمس العذر كل العذر لأبو محمد في تشدده في هذه الناحية فقد نشاء في زمن غير زمننا و بيئة تعتبر هذا الأمر عرفا اجتماعيا ملزما حتى أن عدم الحضور لأي مدعو يعتبر عارعليه وتهربا من مجالسة الرجال
كان هذا الأمر ولايزال لدى بعض المسنيين نبراسا ونوماسا إنها بالنسبة لهم قضية مبداء

وفي هذا السياق
كنت منذ بضعة شهور في زيارة خاطفة للديرة فذهبت برفقة إبن أخيي إلى أحد كبراء القبيلة المسنين في طاعة الله ودخلت بيته
وبعد أن قبلت رأسه أقسمت عليه متوسلا أن لايذبح نظرا للظرف الطاريء الذي حضرت من أجله مع القسم أني عائد من فوري بعد الخروج من منزله
وبعدأن همت بالخروج من مجلسه وحين أحس الشيخ بإصراري تسابقت أدمعه وهو يغالب عبراته فودعته وانصرفت وكنت في داخلي أقول ياليتني بت ليلتي ولبيت دعوته المعلنة ضمنا لي ولغيري

فقد جاء هذا الرجل الفاضل ذات زيارة إلى جدة وتجنب بيتي فاضطررت للسفر خصيصا لأقبل رأسه وأعتذر إليه مع رجاء أن لا يأتي إلى جدة دون أن يمر علي

بكل أمانة والله لايستطيع بعضنا أبدا وإن تظاهر بالتحضر على حساب هذه العادات التي لازلنا نعتز بها إلى اليوم وإلى أن يشاء الله وليس والله من باب الفشخرة أو التفاخر أني من فضل الله علي وعلى أسرتي إذا أخرت علينا الأيام إطلالة ضيف فلا نتردد أبدا أن نولم لأنفسنا مع بعض الجيران متأسين بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم


من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه
ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت

الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 6138

وفي رواية أخرى

من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه
، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت

الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 6018


قال البراء بن عازب ، وكان عندهم ضيف لهم ، فأمر أهله أن يذبحوا قبل أن يرجع ليأكل ضيفهم ، فذبحوا قبل الصلاة
، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأمره أن يعيد الذبح ، فقال : يا رسول الله ، عندي عناق جذع ، عناق لبن
، هي خير من شاتي لحم . فكان ابن عون يقف في هذا المكان عن حديث الشعبي ، ويحدث عن محمد بن سيرين
بمثل هذا الحديث ، ويقف في هذا المكان ويقول : لا أدري أبلغت الرخصة غيره أم لا .

رواه أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم