(( 38 ))

((( ابعد عن الشر وغني له )))


-----------------------------

بعد أن تركت الوظيفة الحكومية في عام 1397هـ هيأت نفسي للعمل المهني التجاري وكبداية
وفي انتظــار تصفية حقوقي من الوظيفة الحكومية بدأت العمل بشراء سيارة أجرة في جدة فكنت أباشر العمل من بعد صلاة الفجر مباشرة وبعد أن تعد لي زوجتي عصيرا مركزا يتكون من الموز والحليب والعسل وصفار البيض النيء حيث كانت هذه الوجبة السائلة تعطييني طاقـة
غيـــر عاديــة

فأنطلق بسيارتي بحثا عن لقمة العيش ومـن فلسفتي أني لا أسأل زبونا عن وجهته ولا أفاصلــه في الأجــرة وأرضى بالمقسوم دون جـدال بل وأستمتع بوجهاتي المجهولة بعد ركوب الراكب
وكنت أتوقف عند الساعة التاسعة تقريبا عند أقرب مقهى لتناول الشاي على عجل ومن ثم أواصل مهمتي الشاقة والممتعة في آن واحد

وعند حدود الثانية والنصف ظهرا
أمتنع عن نقل أي راكب تحت أي ظرف وأتجه رأسا إلى بيتي كما لو كنت موظفا حكوميا أو هو بحكم العادة والتعود وعند وصولي إلى منزلي أستحم وأتناول الغداء مع زوجتي وإبننا الوحيد آنذاك سعود ومـن ثــم أخلــد إلى النوم ولا أخرج بعدها إلا في اليوم التــالي بعد أن أخرج مساءا مع زوجتي للتنزه في سيارتنا الخاصة أو لزيارة بعض الأقارب

وكان دخلي اليومي من هذا العمل الجاد والجاد جدا كان في حدود الثلاثمائة ريال تزيــد قليلا أو تنقـص قليلا مع مبداء كنت قد قطعته على نفسه وهو عدم نقل النساء قطعيا وتحت أي ظرف
كان مع علمي أن ما أحاذر منه لايشمل الأغلبية الساحقة ولكني واجهت نماذج وإن كانت قليلة جدا من نساء غير سويات ولكنهن جعلنني أطبق النظرية الشعبية ابعد عن الشر وغني له ورغم أنني كنت أدرك أن كل سيدات هـذه البــلاد عـلى دين واستقامة ولكن ليس على جبين كل طيبة مايميزها فكان قراري صارما وشديد التطرف فلم أخرج من إركاب النساء إلا بخسارة وقتي وأجرتي ولعله يشفع لي في ذلك خوفي وهلعي الشديدين من ضباع بعض النساء وكيدهن ومكرهن وحيلهن للتوصيل المجاني دونما ذرة من حياء أو خلق

إستمررت على هذا البرنامج طوال ستة أشهر حتى إذا جاء موسم الحج استخدمت سيارتي المرفهة من طراز كابرس م 76 في نقل الحجاج من المطار القديم في جدة إلى مكة المكرمة حيث أقوم بإنزالهم في ريع الحجون ومن ثم أعود من فوري بدون ركاب لنقل دفعة جديدة وهكذا إلى أن ينال مني التعب فأعود إلى بيتي مجــهدا أيمــا إجهــاد ولأنال قسطا وافرا من النوم إستعدادا لجولة جديدة في اليوم التالي

وبحكم خبرتي كنت حريصا على انتقاء نوعية الركاب فقد كنت أختار حجاج الخليج وإيران الذين لايترددون أبدا في دفع المطلوب دون مناقشة أو مفاصلة بل ويضيفون عليها ومما يزيد في الغلة أن طراز سيارتي كان يتسع لسبعة ركاب قبل نظام تحديد عدد الركاب المعمول به حاليا

أما في يوم العيد والأيام التي تليه فترتفع حمى النقل من مكة المكرمة إلى جدة فبمجـــرد أن تقف سيـــــارة أي سيارة حتى يتسابق إليهاالركاب حتى ليكادون أن يخلعوا أبوابها في الوقت الذي يرتفع فيه صوت السائق بمبلغ الأجــرة فلا يعيرون ذلك أدنى اهتمام ومن شدة الحرص وقبل أن تتحرك السيارة بهم يطلب إليهم دفع الأجرة مقـدما وهي مائة وخمسون ريال أو أكثر تبداء في التناقص تدريجيا حتى يكون العرض أكثر من الطلب

فحينها يكتفي معظم العاملين بسياراتهم الخاصة بما حصلوا عليه ويخلدون إلى الراحة مع أسرهم ولكن في يوم عيد الفطر المبارك لاتقل أجرة الراكب الواحد عن ما ئتا ريال إلى مائتان وخمسون لحظة الخروج من المسجد الحرام
تنخفض إلى عشرون ريالا بعد أقل من ساعة واحده


يتبع