(( ماتبقى من حطام المؤسسه ))
أتخذ نجم من الفرع الوحيد والمتبقي من حطام مؤسسته في خميس مشيط مقرا لسكناه إلى جانب استغلال إحدى الغـــرف المعزولة نسبيا كمكتب لإعادة أحياء عمله ومن فوره وضع المقطورة الصغيرة المتحركة في ركن من مواقف السيارات
في مطار أبها كمكتب للتخليص الجمركي مقابل أجر شهري لمتعهد مواقف السيارات

وعــّـرف نـفســـــه
كمخلص جمركي على موظفي جمرك مطار أبها وظل يواضب على الحضور والدوام يوميا في مكتبه المتحرك
وظل على هذا الوضع لأكثر من أربعة أشهر دون أن يتقدم إليه أحد من تجار المنطقة بطلب خدمة التخليص فكان يداوم مــع دوام موظفي الجمرك وبعد الإنصراف يمتطي سيارته الكرسيدا لنقل الركاب بين أبها والخميس فكان على أقـــل تقدير يوفر قوت أبنائه في يومه فقط طوال الأشهر الأربعة

وفي أحد الأيام بكت زوجة نجم حين وضعت الطعام لزوجها وأطفالهما فسألها عن سر بكائهـــا
فقالت لست والله معترضــة على مـاقــدر الله لنــا ولكني أتذكر تلك الأيام الخــوالي التي كاـن بعض الناس
يتسابقون خلالها للسؤال عنك
أين هم الآن ؟؟ أين من قدمت له حتى ملابس زوجته وكسوة ومستلزمــات
أبنائه أين من قدمت لهم غرف النوم والأجهزة الكهربائية أين من أثثت بيوتهم وأين من قدمت لهم حتى السيـارة كهدية ؟؟

نظر إليها وهو يجر تنهيدة عميقة أتبعها بقوله يابنت الحلال عساها دفعة بلا عنا وعن عيالنا تغدي وخليهــا على الله كان طعام نجم وأبنائه هو حفنة من ألسنة الخراف وكروشها ورؤوسها التي لاتستوي بالطبخ التقليدي مما اضطره لشراء قدر كاتم كلفه ثلاثمائة وخمسون ريالا وكان ثمنا باهضا قياسا على ظروفه ووضعه المادي المتردي

كان يشتري ألسنة الخراف وكروشها لرخصها ولضيق ذات اليد وكان يستلهــم الصبـر على الشدائد والقناعة بماقسم الله له من خلال تقبل أطفاله الأربعة سعود وخالد وعبدالله وشقيتهــم لـهــــذا
الطعام والإستمتاع به حد تلمضه والتعارك الودي البريء بينهم والتنافس على خطف طرف لسان أو جزء من
كرشة والهروب بما غنم منها

وقد عمر هذا القدر لدى نجم لأكثر من ستة وعشرون وعشرون عاما
ولازال متربعا في صدر دواليب مطبخ منزل نجم وبين فترة وأخرى يشتري ألسنة الخراف والرؤوس
والكروش ويقوم هو بنفسه بإعدادها وتقديمها لأبنائه كما كان يفعل من قبل خاصة الذين عايشوا تنلك الفترة العصيبة من حياتهم ويتناولون هذه الوجبة ويتذوقونها ويتلذذون بطعمها ولم يبطروا أو يتبطروا على هذه الوجبة
رغم ماهم فيه من رغد العيش

بعد مرور تلك المدة من الأشهر الأربعة تقدم أحد موظفي الجمرك بمبادرة أخلاقية وإنسانية حين طلب من
مدير الجمرك إعطاء نجم أحقية تخليص البضائع بأسلوب قانوني غير المعمول به في ذلك الوقت وهو تقديم بيانات الجمرك مكتوبة باليد وبدون وضع أرقام ورموز تدل على نوعية البضاعة ومصدرها وقيمة الرسوم إلخ وهو ماكـــان يضطـــر الموظفين القيام به وبعد عدة اتصالات أوعز مدير عام الجمارك إسناد تقديم البيانات الجمركية
لنجم الذي يقدمها مطبوعة مبوبة حسب البنود الجمركية ولكن هذا الأمر أغضب بعض التجار مــــن أهالي المنطقة مدعين غلاء أجور الخدمة ولكن نجم كان قد قدم رسوم الخدمة إلى المسؤلين وهي تقل عـــــــــن
مثيلاتها في بقية مدن المملكة ب50% وأخيرا تقبل الناس الوضع وسارت الأمور بصورة جيدة

وقد وظف نجم شاحنته الدينا التيب يقودها بنفسه لنقل البضائع واستغلال عوائدها كمصدر آخر لأعماله التجارية بعد أن وظف فيما بعد موظفا مهمته استقبال العملاء واستلام معاملاتهم وخدمتهم أثناء إنشغاله بالخدمة الميدانية للآخرين منهم
وشيئا فشيئا بداء تسديد ديونه حتى أتم جزءا كبيرا منها خلال سنتين حيث استمرت إقامته فــي أبهــا قرابة الثلاث سنوات كان خلالها يداوم في فترة المساء على تلاوة القرآن مرتــلا ومجودا بصوته على طـــريقــة
تلاوات المرحوم بإذن الله إمام الحرم المكي الشريف فضيلة الشيخ علي جـابر حيث كان يختم القرآن مـــن ثلاث إلى أربع مرات في الشهر

وذات ليلة مباركة تساوي كل ليالي عمره كله ما مضى منه ومابقي له أكرمــه الله

كرامة كبرى لم يطلب ما تباركت به قط ولم يفكر فيه فقد تشرفت كل سني عمره وكل حياته

حين اكتحلت عيناه بشرف رؤية رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وكانت رؤية مباركة مشرقة بأنوارالنبوة في وجه الحبيب صلى الله عليه وسلم وكان فيها الخير كل الخير والبركة بل هي الحقيقة الحقيقة التي لاتحتمل أي تفسير فقد رآه نجم حقا
وسط أمواج بشرية متلاطمة من كل صوب وكان صلوات الله وسلامه عليه يسير متأنيــــا وسط هــذه الجـمـــوع البشرية التي بدت لنجم وجوه لاملامح لها البتة ولاعلو لأي منهم يتجاوز هامة رسول الله صلى الله عليـــه وسلم في مقامه الشريف وهيبته وطلعته السنية

كانت كل الوجوه ممسوحة الملامح ليتجلا له وجـــه رسول الله

فقط ولا وجها رأى غير وجهه الشريف المشرق بالنورالنبوي وضائة وسماحة

كان بل كنت نجما قزما في مقامه وهو يحث الخطى عن يمين الحبيب صلوات الله وسلامه عليه بإلحاح ولهفة طمعـــا فـي رؤيــــة وجـــه الحـبيب
صلى الله عليه وسلم الذي (( خصني )) بلفتة حانية معطرة بابتسامة نورانية مسحت كل ظلمات الدنيا في حياتي وقلبي
الذي غشيت جوانحه نشوة روحانية فريدة لم يعرف لها نجم طعما من قبل في حياته

حمد الله وشكره على فضله الذي اختصه بهذه الرؤية المباركة فأخبر زوجته بها فهنئته وباركت له وبشرتــه بخيــر رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم

وفي عام 1406هـ عاد نجم إلى جدة بعد صدور نظام الجمارك الجديد آنذاك بسعودة أعمال التخليص الجمركي
وقصرها على السعوديين فقط مع احتفاظه بمكتبه في مطار أبها الذي أوكل مهمته للموظف الذي وضعه عليه بعد
أن قام بتدريبه على أسرار العمل