[align=center]
حسان بن ثابت

فَإمّا تُعْرِضُوا عَنّا اعْتَمَرْنَا، * وكانَ الفَتْحُ، وانْكَشَفَ الغِطاءُ

وإلاّ، فَاصْبِرُوا لِجِلادِ يَوْمٍ، * يُعِزُّ اللَّهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ

وَجِبْرِيلٌ أمِينُ اللَّهِ فِينَا، * وَرُوحُ القُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ

وَقَالَ اللَّهُ: قَدْ أرْسَلْتُ عَبْداً * يَقُولُ الحَقَّ إنْ نَفَعَ البَلاءُ

شَهِدْتُ بِهِ، فَقُومُوا صَدِّقُوهُ! * فَقُلْتُمْ: لا نَقُومُ وَلا نَشَاءُ

وَقَالَ اللَّهُ: قَدْ يَسّرْتُ جُنْداً، * هُمُ الـأنْصَارُ، عُرْضَتُها اللَّقَاءُ

لَنَا في كُلّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ * سِبابٌ، أوْ قِتَالٌ، أوْ هِجاءُ

فَنُحْكِمُ بالقَوَافي مَنْ هَجَانَا، * وَنَضْرِبُ حِينَ تَخْتَلِطُ الدمَاءُ

ألا أبْلِغْ أبَا سُفْيَانَ عنّي، * فَأنْتَ مُجَوَّفٌ نَخِبٌ هَوَاءُ

بِأنّ سُيُوفَنَا تَرَكَتْكَ عَبْداً، * وَعَبْدَ الدّارِ سَادَتُهَا الإمَاء

ُهَجَوْتَ مُحَمّداً، فَأجَبْتُ عَنْهُ * ، وَعِنْدَ اللَّهِ في ذاكَ الجَزَاء

ُاتَهْجُوهُ، وَلَسْتَ لَهُ بكُفْءٍ، * فَشَرُّكُما لِخَيْرِكُمَا الفِداءُ

هَجَوْتَ مُبَارَكاً، بَرَّاً، حَنِيفاً، * أمِينَ اللَّهِ، شِيمَتُهُ الوَفَاءُ

فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْكُمْ، * وَيَمْدَحُه، ويَنْصُرُهُ سَوَاء

فَإنّ أبي وَوَالِدَهُ وَعِرْضي * لِعِرْضِ مُحَمّدٍ مِنْكُم وِقَاء

ُفَإمّا تَثْقَفَنّ بَنُو لُؤيٍّ * جُذَيْمَةَ، إنّ قَتْلَهُمُ شِفَاءُ

أُولئِكَ مَعْشَرٌ نَصَرُوا عَلَيْنَا، * ففي أظفارنا منهُمْ دماء

ُوَحِلْفُ الحارِثِ بْن أبي ضِرَارٍ، * وَحِلْفُ قُرَيْظَةٍ مِنّا بَرَاء

ُلِسَاني صَارِمٌ لا عَيْبَ فِيهِ، * وَبَحْرِي لا تُكَدِّرُهُ الدلاءُ

**********

لاطَتْ قُرَيشٌ حِياضَ المجد فافترَطتْ * سَهمٌ، فأصْبَحَ مِنْهُ حَوْضُها صَفِرَا

وَأوْرَدوا، وحِياضُ المَجْدِ طامِيَةٌ، * فَدَلَّ حَوْضَهُمُ الوُرّادُ فانْهَدَرَا

واللَّهِ ما في قُرَيشٍ كُلّها نَفَرٌ * أكْثَرُ شَيْخاً جَبَاناً فَاحِشاً غُمُرا

أذَبَّ أصْلَعَ سِفْسِيراً لَهُ ذُأبٌ * كالقرْد يعجُمُ وَسْطَ المجلسِ الحُمَرا

هُذْرٌ مَشائِيمُ مَحْرُومٌ ثَوِيُّهُمُ، * إذا تَرَوّحَ مِنْهُمْ زُوِّدَ القَمَرَا

أمّا ابنُ نابِغَةَ العبْدُ الـهَجينُ، فقَدْ * أُنْحي عَلَيْهِ لِساناً صَارِماً ذَكَرَا

ما بالُ أُمّكَ زَاغَتْ عندَ ذي شَرَفٍ * إلى جَذِيمَةَ، لمّا عَفّتِ الـأثَرَا

ظلّتْ ثلاثاً، ومِلْحانٌ مُعانِقُها، * عِنْدَ الحَجونِ، فما مَلاّ وما فَتَرَا

يا آل سهمٍ، فإنّي قدْ نَصَحتُ لكُم، * لا أبْعَثَنّ عَلى الـأحْياء مَنْ قُبِرا

ألا تَرَوْنَ بأنّي قدْ ظُلِمتُ، إذا * كانَ الزِّبَعْرَى لِنَعْلَيْ ثابِتٍ خَطَرَا

كمْ منْ كريمٍ يَعضُّ الكلبُ مِئْزَرَهُ * ثمّ يَفِرُّ إذا ألقَمْتَهُ الحَجَرَا

قَوْلي لكم، آلَ شجْعٍ، سَمُّ مُطْرِقَةٍ * صمّاءَ تَطْحَرُ عن انيابِها القَذَرَا

لَوْلا النّبيُّ، وقوْلُ الحقّ مَغضَبَةٌ، * لمَا تركتُ لكم أُنْثى وَلا ذَكَرَا

**********

قَوْمٌ لِئَامٌ أقَلَّ اللَّهُ خَيْرَهُمُ، * كما تَنَاثَرَ، خلْفَ الرّاكبِ، البَعَرُ

كأنّ ريحَهُمُ في النّاسِ، إذْ خرَجُوا، * رِيحُ الحِشَاشِ إذا ما بَلّها المَطَرُ

قدَ ابْرَزَ اللَّهُ قَوْلاً، فوْقَ قولـهِمِ، * كَما النّجُومُ تَعالى فوْقَها القَمَرُ

**********

لَوَ أنّ اللّؤمَ يُنسَبُ كان عَبْداً * قَبِيحَ الوَجْهِ أعْوَرَ مِنْ ثَقِيفِ

تركْتَ الدِّينَ والإيمانَ جَهْلاً، * غَدَاةَ لَقيتَ صاحبَة النّصِيفِ

وَرَاجَعْتَ الصِّبَا، وذكرْتَ لـهْواً * من الـأحشاءِ، والخصْرِ اللطيفِ

**********

إذا اللَّهُ حَيّا مَعْشَراً بِفَعالِهِمْ، * وَنَصْرِهِمِ الرّحمنَ رَبَّ المشارِقِ

فأخزَاكَ رَبّي، يا عُتَيْبَ بن مالكٍ، * ولقّاكَ قبلَ الموْتِ إحْدى الصّوَاعِقِ

بَسَطْتَ يَميناً للنّبِيّ بِرَمْيَةٍ، * فأدْميْتَ فاهُ، قُطّعتْ بالبَوَارِقِ

فَهَلاّ خَشِيتَ اللَّهَ والمُنزِلَ الذي * تَصِيرُ إلَيْهِ بعدَ إحْدى الصَّفائقِ

لَقدْ كان خِزْياً في الحياةِ لقوْمهِ، * وفي البَعْثِ، بعد الموْتِ،

**********

لقد وَرِثَ الضّلالةَ عن أبيهِ، * أُبَيٌّ، يوْمَ فَارَقَهُ الرّسُولُ

أجِئْتَ مُحَمّداً عَظماً رَميماً، * لِتُكذِبَهُ، وَأنتَ بهِ جَهُولُ

وقد نالتْ بنو النَجّارِ منكُمْ، * أُميّةَ، إذْ يُغَوِّثُ يَا عَقِيلُ

وَتَبَّ ابْنا رَبِيعةَ، إذْ أطَاعَا * أبا جَهْلٍ، لـأمّهما الـهُبُولُ

**********

أبْلِغْ عُبَيْداً بأنّ الفَخْرَ مَنقَصَةٌ * في الصّالحينَ، فلا يذهبْ بكَ الجذَلُ

لمَّا رأيتَ بَني عَوْفٍ وإخوَتَهُمْ * عوفاً وَجمْعَ بني النجّارِ قد حفَلوا

قوْمٌ أباحوا حِماكم بالسيوفِ، وَلمْ * يفعَلْ بكمْ أحدٌ في الناس ما فعلوا

إذ أنتُمُ لا تُجيبون المُضافَ، وإذْ * تُلقى خِلال الديار الكاعبُ

**********
سمّاهُ مَعشَرُهُ أبا حَكَمٍ، * واللَّهُ سَمّاهُ أبَا جَهْلِ

فما يجيءُ، الدّهْرَ، مُعتمِراً * إلاّ ومِرْجَلُ جَهلـهِ يَغْلي

وكأنّهُ مِمّا يجِيشُ بِهِ * مُبدي الفُجورِ وسَورةِ الجهلِ

يُغْرَى بهِ سُفْعٌ لَعامِظَةٌ، * مثلُ السباع شرَعنَ في الضَّحْلِ

أبْقَتْ رِيَاسَتُهُ لمَعْشَرِهِ * غَضَبَ الإلـهِ وَذِلّةَ الـأصْلِ

إن ينتصِرْ يدْمَى الجبينُ، وإنْ * يلْبَثْ قليلاً يُوَدَ بالرَّحْلِ

قدْ رَامَني الشُّعرَاءُ، فانقلَبُوا * منّي بأفْوَقَ ساقطِ النَّصْلِ

ويُصَدُّ عنّي المُفحِمونَ، كما * صُدَّ البِكَارَةُ عن حَرَى الفحلِ

يخْشُونَ من حسّانَ ذا بَرَدٍ، * هزِمَ العشيّةِ، صادقَ الوَبلِ

**********

فَلا واللَّهِ مَا تَدْري هُذَيْلٌ * أمَحْضٌ مَاءُ زَمْزَم أمْ مَشُوبُ

وَمَا لَهُمُ إذا اعْتَمَرُوا وَحَجّوا * مِنَ الحجَرَيْنِ والمَسْعى نَصِيبُ

وَلكِنّ الرّجِيعَ لـهُمْ مَحَلٌّ، * بِهِ اللَّؤمُ المُبَيَّنُ والعُيوبُ

هُمُ غَرُّوا بذِمّتِهِمْ خُبَيْباً، * فَبِئْسَ العَهْدُ عَهدُهمُ الكَذُوبُ

تَحُوزُهُمْ وَتَدْفَعُهُمْ علي * فَقَدْ عَاشوا ولَيْسَ لـهُمْ قُلوبُ

**********

فَخَرْتُمْ بِاللِّوَاء، وشَرُّ فَخْرٍ * لِوَاءٌ حِينَ رُدّ إلى صُوَابِ

جَعَلْتُمْ فَخْرَكُمْ فِيهِ لِعَبْدٍ، * منَ الـأُمِ مَنْ يَطَا عَفَرَ الترَابِ

حَسِبْتُمْ، والسّفِيهُ أخو ظُنونٍ، * وَذلِكَ لَيْسَ مِنْ أمْرِ الصَّوَابِ

بأنَّ لقاءَنا إذ حانَ يومٌ * بمكَّةَ بَيْعُكُمْ حُمْرَ العِيَابِ

**********

سَائِلْ قُرَيْشاً وأحْلاَفَهَا * مَتَى كان عوفٌ لـها يُنْسَبُ

أفِيمَا مَضَى نَسَبٌ ثابِتٌ * فَيُعْلَمَ أمْ دِعْوَةٌ تُكذَبُ

فَإنّ قُرَيْشاً سَتَنْفِيكُمُ * إلى نَسَبٍ، غيرُهُ أثْقَبُ

إلى جِذْمِ قَيْنٍ لَئِيمِ العُرُو * قِ عُرْقُوبُ وَالِدِهِ أصْهَبُ

إلى تَغْلِبٍ إنّهُمْ شَرُّ جِيلٍ، * فليسَ لكُمْ غَيْرَهُمْ مَذْهَبُ

وَقَدْ كانَ عَهْدي بِهَا لم تَنَلْ * سَنِيَّاً وَلا شَرَفاً تَغْلِبُ

**********

لَعَمْرُكَ ما أوْصَى أُمَيَّةُ بِكرَهُ * بوَصِيّةٍ أوْصَى بها يعقُوبُ

أوْصَاهُمُ، لمّا تَوَلّى مُدبِراً، * بخَطيئَةٍ عندَ الإلَهِ وَحُوبِ

أبَنيّ! إنْ حاوَلْتُمُ أنْ تَسرِقُوا * فَخُذوا مَعاوِلَ، كلُّها مَثقُوبُ

وأتُوا بُيوتَ النّاسِ مِن أدبارِها، * حتى تَصِيرَ وكلُّهنّ مَجوبُ

**********

نَجّى حَكِيماً يَوْمَ بَدرٍ رَكْضُهُ * كَنَجَاءِ مُهْرٍ مِنْ بناتِ الـأعْوَجِ

ألْقَى السّلاحَ وفَرّ عَنْهَا مُهْمَلاً * كالـهِبْرِزِيّ يَزِلّ فَوْقَ المِنْسَجِ

لمّا رَأى بَدْراً تَسيلُ جِلاَهُهَا * بِكَتَائِبٍ مِلـأوْسِ أوْ مِلْخَزْرجِ

صُبْرٍ يُسَاقُونَ الكُمَاةَ حُتوفَهَا، * يمشُونَ مَهْيَعَةَ الطّريقِ المَنْهَجِ

كَمْ فِيهِمِ منْ مَاجِدٍ ذي سَوْرَةٍ، * بَطَلٍ بمَكْرَهَة المَكَانِ المُحْرِجِ

وَمُسَوَّدٍ يُعْطي الجزيلَ بِكَفّهِ، * حَمّالِ أثْقَالِ الدّياتِ، مُتوَّجِ

أوْ كُلِّ أرْوَعَ ماجِدٍ ذي مِرّةٍ، * أوْ كلِّ مُسْتَرْخي النِّجادِ مُدَجَّجِ

ونجا ابنُ حمْرَاءِ العِجانِ حُوَيْرِثٌ، * يَغْلِي الدمّاغُ بِهِ كَغَلْي الزِّبْرِجِ

**********

لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيشٌ، يَوْمَ بَدْرٍ، * غَداةَ الـأسْرِ، والقَتْلِ الشّديدِ

بِأنّا، حِينَ تَشْتَجِرُ العَوَالي، * حُماةُ الرَّوْعِ، يوْمَ أبي الوَلِيدِ

قَتَلْنَا ابنَيْ رَبيعَةَ، يَوْمَ سارُوا * إلَيْنَا في مُضَاعَفَةِ الحديد

وَفَرَّ بِها حَكِيمٌ، يَوْمَ جالَتْ * بَنُو النَّجّارِ، تَخْطِرُ كالـأسودِ

وَوَلّتْ، عِندَ ذاكَ، جُموعُ فِهْرٍ، * وأسْلَمَها الحُوَيْرِثُ مِنْ بَعِيدِ

لَقَدْ لاقَيْتُمُ خِزْياً وَذُلاًّ * جَهِيزاً بَاقِياً تحْتَ الوَرِيدِ

وكانَ القَوْمُ قدْ وَلّوا جمِيعاً، * ولمْ يَلْوُوا على الحَسَبِ التّلِيدِ

**********

تَفَاقَدَ مَعْشَرٌ نَصَرُوا قُرَيْشاً، * وَلَيْسَ لَهُمْ ببَلْدَتِهِمْ نِصِيرُ

هُمُ أوتُوا الكِتَابَ فَضَيّعُوهُ، * فهُمْ عُمْيٌ، من التّوْرَاةِ، بُورُ

كَفَرْتُمْ بالقُرَانَ، وقد أُتِيْتُمْ * بِتَصْديقِ الّذي قالَ النّذِيرُ

وَهَانَ، على سَرَاةِ بَني لُؤيٍّ، * حَرِيقٌ بِالبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ

**********

يَا حَارِ مَنْ يَغْدِرْ بِذِمّةِ جَارِهِ * مِنْكُمْ، فإنّ مُحَمّداً لمْ يَغْدِرِ

إنْ تَغْدِرُوا فالغَدْرُ منكُم شِيمَةٌ، * والغَدْرُ يَنْبُتُ في أُصُولِ السَّخْبَرِ

وَأمَانَةُ المُرِّيِّ، حَيْثُ لَقِيتَهُ، * مِثْلُ الزُّجاجَةِ صَدْعُها لمْ يُجْبَرِ[/align]