معركة الطائف والهدا

الموقع

تقع مدينة الطائف في الناحية الغربية من المملكة، عند جبال السروات الشرقية، على تقاطع خطيّ، الطول 25/40ْ شرقاً، والعرض 18/21ْ شمالاً. وهي رابع مدن الحجاز الكبرى، بعد مكة وجدة والمدينة المنورة.

أسباب فتح الطائف

في عام 1338هـ منع الشريف حسين أهل نجد من الحج. فَكَبُر ذلك في نفوسهم، خاصة جماعة الإخوان. واستمر هذا المنع أكثر من ثلاث سنوات.

وما أن عادت سرايا الملك عبدالعزيز، من الشرق والشمال، منتصرة، حتى فكّر في فتح الطائف وما حولها؛ كخطوة أولى ليختبر قوته وقوة خصمه، ويتبّين ردود الفعل، في ذلك، من جانب الصديق والعدو.

الموقف العام

أصدر الملك عبدالعزيز أوامره بتشكيل قوة قوامها ثلاثة آلاف مقاتل، وجعل مركز قيادتها وتشكيلها (مدينة تربة). وكانت القوة بقيادة سلطان بن بجاد بن حميد، وخالد بن منصور بن لؤي.

خرج القائدان بهذه القوة، ولم يعلم أحد وجهتها، سواء من الأشراف أو غيرهم من أهل الحجاز، حتى دخلت قرية (الحَوِيَّة) في مساء غرة صفر 1343هـ.

وعندما علمت حكومة الشريف بالأمر، بدأت تستعد له. فأصدر القائد صبري باشا، أوامره إلى سرايا الدفاع بصد هجوم قوات الإخوان القادمين من الحَوِيَّة.

فخرجت قوة نظامية، قوامها ثلاثمائة وثمانون ضابطاً وفرداً، مسلحين بالمدافع والرشاشات، لمواجهة الهجوم.

سير المعركة

التقى الطرفان في الحَوِيَّة، على أرض صحراوية خالية من السّكان والمزارع. واستغرقت المعركة عدة ساعات، انتهت بانتصار قوات الإخوان على قوات الشريف النظامية المسلّحة.

وتقهقرت قوات الشريف إلى الجبل المعروف (بريع التمار)، بعد أن سقط منهم عدد من القتلى والجرحى. وظلوا محتمين بذلك الجبل ثلاثة أيام يقاتلون الإخوان.

وكان أمير الطائف ووزير الحربية، الشريف شرف عدنان، قد بعث برقية إلى الشريف حسين، في مكة، تُخبره بما وقع. ففزع الشريف، وأصدر أمره إلى ابنه الشريف علي بنجدة القوات في الطائف. فخرج عليٌ في قوة، قسمها إلى قسمين:

القسم الأول: الخيالة، وقد توجهوا إلى الطائف من طريق "عقبة كرا" "فالهدا"، بقيادة الأمير علي بن الحسين.

القسم الثاني: كان خط سيرها من طريق "الشرائع" ـ حنين ـ فوادي "السيل الكبير"، فوادي "السيل الصغير". ولكنها لم تصل الطائف، إلاّ بعد دخول قوات الإخوان المدينة واحتلالها.

دخلت قوات الأمير علي مدينة الطائف، ليلة الخميس 6 صفر 1343هـ/ سبتمبر 1924م، لكنها لم تبق بها إلاّ بضع ساعات، ثم هربت، قبيل عصر ذلك اليوم الخميس، إلى "الهدا"، بعد أن علمت أن قوات الإخوان ستهاجم الطائف تلك الليلة.

وقد انضم أبناء البوادي حول الطائف إلى قوات الإخوان، فزاد عددهم وقويت شوكتهم. فتقدموا نحو الطائف. وكانت قوات الشريف تتقهقر ساعة بعد أخرى، والإخوان يتابعون فلولهم حتى اكتسحوا صفوفهم.

فدخلت بعض السرايا من قوات الشريف الطائف، وفر آخرون إلى "الهدا". وقد ملك الذعر والفزع سكان الطائف.

وفي مساء 9 صفر، أوثقت قوات الإخوان الحصار على الطائف. وعندما رأى أمير الطائف ووزير الحربية شرف عدنان، تقدمهم، هرب إلى "الهدا". فلحق به جميع الأشراف في الطائف. وتمكنت قوات الإخوان من اقتحام سور الطائف والدخول من باب عباس في صباح 10 صفر. وكان أول أعمالها أن أدت صلاة الظهر جماعة في مسجد عبدالله بن عباس، ثم خرجت تنادي: الأمان لمن سَلَّمَ وسَالَمَ، والقتل والدمار لمن حَاربَ واستْعْظَم.

وقد بدأ بعض تجار الطائف يطلقون النار على الإخوان من شبابيك بيوتهم، ظناً منهم أن الإخوان سينهبون أموالهم وتجارتهم. فحارب الإخوان من حاربهم، فنهبوه وقتلوه ودخلوا عليه في جوف داره. أما من سالمهم وسلَّم لهم، فلم يعتدوا عليه ولم يلحقوا به أي ضرر.

وعندما غربت شمس ذاك اليوم، كانت جميع القرى المجاورة للطائف قد سقطت في يد قوات الإخوان. وتم حصر الأسلحة والذخائر والأموال، التي خلفتها سرايا الدفاع في ثكناتها العسكرية.

فتح الهَدَا

كان الأمير علي قد اتخذ من قصر والده، "في الهدا"، مقراً لقيادته، بعد هروبه من الطائف. وأخذ يحشد القوى من جميع القبائل، ويشكل منهم قوة قتالية. ولكن الأمير علياً أصابته الدهشة عندما علم بفرار أمير الطائف وناظر الحربية والأشراف، واستيلاء الإخوان على الطائف، وقد أصبحت لهم السيادة عليها.

فما كان من الأمير علي وقواته إلاّ الفرار، من "الهدا"، كذلك. فنزل، ومن معه من الأشراف، حتى وادي (نعمان). ولكن والده غضب عليه غضباً شديداً، وأمره بالعودة إلى "الهدا"، والدفاع عنها وصد القوات المهاجمة.

فعاد الأمير علي، وبدأ يجمع القوات، ويمنيهم بالعطاء الجزيل من الشريف حسين عند انتصارهم. فاجتمع حوله ألف وستمائة مقاتل: خمسمائة من النظاميين، وتسعمائة من القبائل، ومائتان من أهل مكة. فَعَسْكر بذلك الحشد في "الهدا".

أمّا قوات الإخوان، فبعد أن سيطرت على "الطائف" وما حولها، أبقت في "الطائف" سرية للحفاظ على أمنها وأهلها. وزحف باقي القوات، وعددهم ألفا مقاتل، بعد أن تزودوا بالسلاح والذخائر التي غنموها في مدينة "الطائف"، إلى جبل "الهدا".

سير المعركة

في منتصف ليلة 26 صفر 1343هـ/ 27 سبتمبر 1924، اشتبكت القوتان في معركة دامت عشر ساعات، انتهت عند صلاة الظهر.

وعندما سكتت أصوات البنادق بين الطرفين، ظن الشريف علي أن ذخيرة الإخوان نفدت، وأنهم عادوا إلى "الطائف"، ولم يُقدر أن توقفهم عن القتال كان لأداء صلاة الظهر، ولم يكن بسب نفاد الذخيرة. فعاود الشريف علي الهجوم، وأخذ يُدير المعركة من قصر والده. لكن قوات الإخوان كانت كبيرة العدد، فصدت الهجوم وشنت هجوماً مضاداً. فانهزم جيش الشريف، ولاذ بالفرار، عبر جبل كرا إلى مكة. فتعقبهم الإخوان من أعلى الجبل، وصبوا عليهم وابلاً من الرصاص، فقُتل منهم عدد كبير.

خسائر الطرفين

قُتل من قوات الإخوان سبعة وأربعون، وجُرح سبعون.

أمّا قوات الشريف فقُتل منها ثلاثمائة وعشرة، وجُرح سبعمائة. كما خسرت قوات الشريف ثلاثين رشاشاً، وسبعة مدافع، ومئات من البنادق، ومئات من صناديق الذخيرة والأموال.