دويتشه ﭭيله : خصصت العاصمة الألمانية يوماً للتعرف على الأديان، حيث تفتح دور العبادة لمختلف الطوائف الدينية التي تتعدى مائة طائفة في برلين أبوابها حتى ساعات متأخرة من الليل لفسح المجال أمام الناس للتعرف على شعائرها عن قرب.



بدأت تجربة ليلة الأبواب المفتوحة لدور العبادة لمختلف الأديان في برلين العام الماضي على سبيل التجريب، ويبدو أن هذا الحدثَ أصبح موعداً ستحتضنه العاصمة الألمانية كل عام، حيث فتحت دور العبادة أبوابها يوم 17 أغسطس/آب للجماهير للتعرف على شعائرها المختلفة.


القسيسة كوردولا ماشومي ورغبة في جذب الشباب للكنيسة

غير بعيد من ساحة ألكسندر الشهيرة في برلين فتحت كنيسة القديسة ماريا أبوابها أمام الزوار، وإن كانت حاولت جذب الشباب بشكل خاص بفعالية خاصة لرسامي الغرافيتي على لوحة على أحد حوائط الكنيسة. لكن الوصول إلى ذلك المبتغى ليس بالأمر السهل، فأمام الكنيسة يجلس بعض الشباب "البانك" السكارى، ولا يأبهون بالكنيسة ولا بليلة الأبواب المفتوحة. وتوضح القسيسة كوردولا ماشومي راعية الكنيسة الإنجيلية أنهم سيقومون في المساء بجولة بسلة من الطعام، وسيحاولون تجاذب أطراف الحديث مع هؤلاء الشباب.

ومن بين الأشخاص الذين يساعدون القسيسة كوردولا ماشومي، مديرةُ أرشيف ثقافة الشباب ببرلين غابرييله رومان. وتسعى رومان إلى تشجيع رواد الكنيسة للعمل على تحقيق المزيد من التفاهم بين التيارات المختلفة والأجيال المختلفة. وتوضح أن "ساحة ألكسندر قد تكون مجالاً للمشاحنات بين الأجيال"، فهذه الساحة تعتبر ملتقى للثقافات المختلفة التي لا يتفاهم أصحابها مع بعضهم البعض وهو ما يبدو للوهلة الأولى كمصدر للخطر. وبالنسبة لغابرييله رومان "فمن المهم فتح قنوات للحوار مع الشباب والحديث معهم".


لوتوس فيهرا - "جنة للتأمل" وسط العاصمة الألمانية

بحث عن السكينة الروحية
في مركز "لوتوس فيهرا" البوذي، يبدو التناغم واضحاً بين سكينة الروح والجسد. هذا المركز الذي كان في السابق روضة أطفال تحول إلى "جنة للتأمل"، يغلب عليها اللونان الأصفر والأحمر. هنا يقوم البوذيون في برلين بتعليم المهتمين قواعد التأمل الروحي، فهم يتعلمون مثلاً كيف يتابعون خطواتهم وتنفسهم، عندما يسيرون على العشب أمام مبنى الستوبا (وهو بناء خاص يستخدمه البوذيون للتأمل). ويتم تمويل المركز عبر التبرعات.

بالنسبة لكارين لوفنهاغ التي درست المسرح واعتنقت البوذية فـ"الحاجة إلى أيام مفتوحة لدور العبادة كبير والاهتمام بها أيضا". وتضيف: "لهذا السبب أصبحت ليلة الأبواب المفتوحة لدور العبادة موعداً أساسيا في برلين". فالبوذيون بدورهم مقتنعون بأن هذه التظاهرة السنوية التي يشارك فيها العديد من الطوائف الدينية ستساهم بشكل فعال في تجاوز المخاوف المتبادلة بين الطوائف الدينية المختلفة، فـ"الناس يبحثون عن أماكن يستمد فيها الإنسان السكينة الروحية التي تكون سندا ودعامة داخلية له" على حد تعبير كارين لوفنهاغ.


عرض للبهائيين حول أصول ديانتهم التي تستلهم العديد من التعاليم الدينية الأخرى

رحلة في عالم البهائية البرليني
ويتفق مع هذا الرأي أيضاً المحامي رودولف غريلد الذي يعتنق البهائية وهو عضو في المجلس الاستشاري للبهائيين في برلين. ويوضح أن هناك العديد من مدرسي الدين في المدارس الألمانية الذين زاروا هذه الفعالية مع التلاميذ من مختلف المراحل. وفي هذ العام، يختلف الأمر بعض الشيء، لأن هناك كثيراً من الشباب الذين يريدون الحصول على معلومات وافية حول البهائية، ويبحثون عن معنى لوجودهم كما يفترض غريلد، الذي وجد ـ حسب قوله ـ الطمأنينة في الديانة البهائية ذات الجذور الفارسية.

يسهر على تدبير وتسيير أمور البهائيين تسعة ممثلون يشكلون ما يُطلق عليه "بيت العدل الأعظم". ليس لديهم شعائر دينية كثيرة، ولا يحتاجون إلى دور عبادة خاصة، لكنهم يجتمعون في أي مكان، وهم في برلين مثلاً، يجتمعون في مقهى ألكس، الذي أعطاهم الموافقة للتجمع. هنا في ليلة الأبواب المفتوحة، يقدم البهائيون محاضرات حول العقيدة البهائية التي تتضمن كثيراً من تعاليم الديانات الأخرى. ويتميز البهائيون ببعض التعاليم التي يصفها غريلد "بالفريدة من نوعها" ويوضح بعضها بحماس كبير قائلاً: "المساواة بين الرجل والمرأة مبدأ ديني لدينا. والقيام بالحرب باسم الدين ممنوع منعا كلياً، كما نولي أهمية للمصالحة بين العلم والدين".


شارع ريكي يقع الكنيس اليهودي الذي يتجاور مع بنايات سكنية وهو ما منع النازيين من حرقه عام 1938

لكن ليس كل زائري دور العبادة في تظاهرة ليلة الأبواب المفتوحة ممن يبحثون بالضرورة عن معنى لحياتهم. فهناك مثلاً هذا الرجل المسن وزوجته، وهما يؤكدان أنهما "غير مؤمنين" لكنهما سمعا عن هذه التظاهرة عبر وسائل الإعلام وجذبتهما "الحلة الرائعة التي ظهرت فيها الكنيسة هذه الليلة". يقول الزوج: "عندما يلقي المرء نظرة على مكان جميل كهذا يتساءل كيف ستكون المدينة بدون أبراج الكنائس؟ نحن نزور الكنيسة على هذا الأساس ونحن سعداء بذلك، فهذا شيء رائع".

في شارع ريكي يقع الكنيس اليهودي الذي يتجاور مع بنايات سكنية وهو ما منع النازيين من حرقه عام 1938، على عكس كنيس شارع أورانينبورغ وسط برلين الذي سقطت عليه قنبلة إبان الحرب العالمية الثانية ودمرت النيران أجزاء كبيرة منهه ليتم ترميمه عام 1939 وفتح من جديد أبوابه أمام المؤمنين اليهود ليبقى معلماً مهماً في برلين. ينظم الكنيس جولة للزوار لتعريفهم بالموسيقى الخاصة بالمعبد. وتقول إحدى الزائرات إنها لم تبدأ في الاهتمام بالدين إلا بعد وصولها لمرحلة متقدمة من العمر، وتضيف أن زيارة أماكن العبادة تنعش في ذاكرتها العديد من الأفكار والمعلومات السابقة حول الدين.

ويبدو أن الإقبال على هذه الفعالية يتزايد، فمنظمو يتحدثون عن 10 آلاف زائراً، وهو ما يعد تقدماً كبيراً بالنسبة لفعالية العام الماضي.