مكة، مروة شاهين (بث) كانت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين المسلحة في لبنان قضية طويلة الأمد منذ الصراع العربي الإسرائيلي في عام 1948. هذه المخيمات، التي أنشئت لإيواء الفلسطينيين الذين فروا من منازلهم خلال الحرب العربية الإسرائيلية، أصبحت على مر السنين أرضًا خصبة للعنف و الصراعات البينية الفلسطينية بين الفصائل المختلفة، إضافة إلى كونها ملاذاً آمناً للهاربين من الملاحقات القضائية و الأمنية حيثُ إن القوى الأمنية في لبنان لا تستطيع الدخول إلى داخل خذه المخيمات التي تعتمد مبدأ الأمن الذاتي، مما حول مخيمات اللجوء الفلسطينية في لبنان إلى مأوى للسلاح المتفلت و بعض الجماعات المتطرفة المعادية للفصائل الفلسطينية التقليدية كحركتي فتح و حماس.



شعبٌ ممنوعٌ مِن الإندماج:
و إن أحد التحديات الرئيسية التي تواجه هذه المخيمات هو موقعها في لبنان، فخوفًا من اندماج اللاجئين الفلسطينيين كلياً في المجتمع اللبناني، حدت الحكومة اللبنانية من تنقلهم وفرص عملهم، و يعود هذا بالأساس لكون معظم اللاجئين الفلسطينيين من الطائفة السنية و هو ما يهدد توازن التركيبة الطائفية في لبنان و التي تعتمد على التوازن الطائفي بين المسلمين و المسيحيين و السنة و الشيعة، مما أجبر الفلسطينيين على الاعتماد بشكل كبير على المساعدات و المخيمات التي تنشئها منظمة الأونروا.

و إن الافتقار إلى الآفاق الاقتصادية والشعور بالتهميش لدى الفلسطينيين في لبنان ساهم في تطرف بعض الأفراد داخل هذه المخيمات، حيثُ يصبح العنف متنفسًا للتعبير عن إحباطهم وإحساسهم باليأس جراء حرمانهم من العديد من حقوقهم الأساسية كبشرٍ لهم حقوق مكتسبة في ظل المجتمعات التي يعيشون فيها بغض النظر عن كونهم لاجئين.

بعد عشراتِ السنين على اللجوء.. لا يزالون في مخيماتٍ مُسلحة
إن التحدي الآخر هو وجود الجماعات المسلحة داخل هذه المخيمات، إذ أقامت جماعات مثل حماس وفتح معقلًا لها في بعض هذه المناطق، مما أدى إلى صراعات داخلية على السلطة وإلى أعمال عنف، كما ان سيطرة الحكومة اللبنانية محدودة على المخيمات، مما يسمح للجماعات المسلحة بالعمل بحرية نسبية، و إن هذا لا يولد الصراع داخل المخيمات فحسب، بل يشكل أيضًا تهديدات أمنية للمجتمعات اللبنانية المجاورة.

و يمكن إرجاع أسباب وجود مخيمات اللاجئين الفلسطينيين المسلحة في لبنان إلى الفشل في إيجاد حل شامل ودائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. حيثُ لجأ الفلسطينيون الذين نزحوا خلال قيام إسرائيل إلى الدول المجاورة، بما في ذلك لبنان. ومع ذلك، بدلاً من الاندماج أو إعادة التوطين، تمركزوا في المخيمات، حيث ولدت الأجيال ونشأت دون أي آفاق لمستقبل أفضل، و يؤدي الفشل في إيجاد تسوية سياسية إلى استمرار دوامة العنف وعدم الاستقرار في هذه المخيمات.



وفيما يلي نبذة عن المخيمات المنظمة والمعترف بها لدى الأونروا:
مخيم عين الحلوة
يقع على بعد 3 كلم جنوبي شرقي مدينة صيدا، وقد تأسس على أرض كانت أصلا معسكرا للجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية، من قبل الصليب الأحمر بين عامي 1948 و1949، وقد بدأت الأونروا عملياتها في المخيم عام 1952، وتبلغ مساحته 290 دونما وهو أكبر المخيمات في لبنان من حيث السكان والمساحة. ويبلغ عدد السكان فيه المسجلين في سجلات الأونروا لعام 2003 حوالي 44.775 نسمة.



مخيم نهر البارد
يقع على بعد 15 كلم شمال مركز مدينة طرابلس على البحر الأبيض المتوسط، وقد أنشئ عام 1949 وتبلغ مساحته ما يقارب 200 دونم، وتعود ملكية أرضه إلى القطاع الخاص اللبناني، وهذه الأرض مؤجرة للأونروا، ويبلغ عدد سكان المخيم المسجلين في الأونروا لعام 2003 حوالي 28.931 نسمة.



مخيم البداوي
يقع في شمال لبنان على مسافة 7 كلم شمال مدينة طرابلس، وقد أنشئ عام 1957، وتبلغ مساحته حوالي 200 دونم وتعود ملكية أرضه إلى القطاع الخاص اللبناني وهي مؤجرة لصالح الأونروا. ويبلغ عدد الفلسطينيين في مخيم البداوي المسجلين في سجلات الأونروا لعام 2003 حوالي 15.982 نسمة.



مخيم برج البراجنة
يقع في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، وقد أنشئ عام 1948، وتبلغ مساحته 104 دونمات، وأرضه مؤجرة من قبل الأونروا. ويبلغ عدد سكانه المسجلين في سجلات الأونروا لعام 2003 حوالي 20.162 نسمة.



مخيم ضبية
يقع على بعد 12 كلم شرقي بيروت على تلة تشرف على طريق بيروت-طرابلس الدولي، وقد أنشئ عام 1956، وتبلغ مساحته 83.6 دونما، وأرضه مؤجرة لصالح الأونروا. ويبلغ عدد الفلسطينيين في المخيم المسجلين في سجلات الأونروا لعام 2003 حوالي 4216 نسمة.



مخيم مارالياس
يقع في جنوب غربي بيروت، وقد أنشئ عام 1952، وتبلغ مساحته 5.4 دونمات وأرضه وقف لكنيسة الروم. ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في المخيم المسجلين في سجلات الأونروا لعام 2003 حوالي 1414 نسمة.



مخيم الرشيدية
يقع جنوب مدينة صور الساحلية في الجنوب اللبناني على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وقد أنشئ عام 1948، وتبلغ مساحته 248.4 دونما وأرضه مؤجرة من قبل الأونروا. ويبلغ عدد الفلسطينيين فيه المسجلين في سجلات الأونروا لعام 2003 حوالي 25.081 نسمة.



مخيم البرج الشمالي
يقع شرق مدينة صور الساحلية في الجنوب الشمالي، وقد أنشئ عام 1955، وتبلغ مساحته 134 دونما وتعود ملكية أرضه إلى القطاع الخاص اللبناني، وهي مؤجرة من قبل الأونروا. ويبلغ عدد الفلسطينيين في المخيم المسجلين في سجلات الأونروا لعام 2003 حوالي 18.375 نسمة.



مخيم البص
يقع في مدخل مدينة صور الشمالي في جنوب لبنان على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وقد أنشئ عام 1949، وتبلغ مساحته 80 دونما وتعود ملكية أرضه إلى القطاع الخاص، وهي مؤجرة لصالح الأونروا. يبلغ عدد السكان في المخيم المسجلين في سجلات الأونروا لعام 2003 حوالي 9951 نسمة.



مخيم شاتيلا
يقع في وسط العاصمة بيروت، وقد أنشئ عام 1949، وتبلغ مساحته 39.5 دونما. وأرض المخيم قسم منها مؤجر لصالح الأونروا، والقسم الآخر ملك لمنظمة التحرير الفلسطينية، ويبلغ عدد سكان فيه المسجلين في سجلات الأونروا لعام 2003 حوالي 12.116 نسمة.



مخيم ويفل (الجليل)
يقع في البقاع الشرقي ويعتبر مدخل مدينة بعلبك الجنوبي ويقع على بعد 90 كلم شمال شرق بيروت، وقد أنشئ عام 1949، وتبلغ مساحته 43.44 دونما وأرضه مؤجرة لصالح الأونروا من السلطات، ويبلغ عدد الفلسطينيين فيه المسجلين في سجلات الأونروا لعام 2003 حوالي 7478 نسمة.



مخيم المية ومية
يقع على أطراف قرية المية ومية على تلة تبعد 4 كلم إلى الشرق من مدينة صيدا في جنوب لبنان وقد أنشئ عام 1954، وهو مخيم صغير تبلغ مساحته 54 دونما وأرضه مؤجرة لصالح الأونروا. ويبلغ عدد الفلسطينيين في المخيم المسجلين في سجلات الأونروا لعام 2003 حوالي 4995 نسمة.

وبموجب اتفاق ضمني يعود إلى سنوات طويلة لا يدخل الجيش اللبناني المخيمات الفلسطينية تاركا مهمة حفظ الأمن فيها للفلسطينيين أنفسهم داخلها.


موقف الحكومة اللبنانية: أحداث مخيم عين الحلوة مشبوهة:
اعتبر رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي، أن توقيت الاشتباكات الفلسطينية قي مخيم عين الحلوة للاجئين قرب مدينة صيدا جنوبي لبنان، في الظرف الإقليمي والدولي الراهن "مشبوه".

وقال ميقاتي في تصريحات نشرتها رئاسة الحكومة: "أحداث عين الحلوة تندرج في سياق المحاولات المتكررة لاستخدام الساحة اللبنانية لتصفية الحسابات الخارجية على حساب لبنان واللبنانيين".

وأضاف أن "تزامن هذه الاشتباكات مع الجهود التي تبذلها مصر لوقف الخلافات الفلسطينية الفلسطينية، هو في سياق الرسائل التي تستخدم الساحة اللبنانية منطلقا لها".

وتابع رئيس الحكومة: "هذه الاشتباكات مرفوضة لعدة أسباب، أولها أنها تكرس أن المخيم بؤرة خارجة عن سيطرة الدولة وهذا أمر مرفوض بالمطلق، ويتطلب قرارا صارما من القيادات الفلسطينية باحترام السيادة اللبنانية والقوانين ذات الصلة وأصول الضيافة".

و"هذه الاشتباكات تشكل أيضا ضربة في صميم القضية الفلسطينية التي سقط من أجلها آلاف الشهداء، وقدم لأجلها الشعب الفلسطيني التضحيات الجسام في الوطن والشتات"، وفق ميقاتي.

واستطرد: "نطالب القيادات الفلسطينية بالتعاون مع الجيش لضبط الوضع الأمني وتسليم العابثين بالأمن إلى السلطات اللبنانية، وهذه هو المدخل الطبيعي لإعادة بسط الأمن والاستقرار داخل المخيم وفي محيطه، كما في سائر المخيمات الفلسطينية في لبنان".

وطالب ميقاتي الجيش وأجهزة الأمن في لبنان بـ"ضبط الوضع في المخيم لما فيه مصلحة لبنان واللاجئين الفلسطينيين على حد سواء".

خلفياتُ ازعاج حماس و حزب الله من أحداث عين الحلوة:

في أثناء اشتعال الاشتباكات في مخيم عين الحلوة، بعث رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، برسالة إلى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله دعا فيها "لمحاولة إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه".

وشدد هنية في رسالته على أن "السلاح الفلسطيني يجب أن يوجه فقط ضد العدو الصهيوني". وقبل أيام، دعا زعيم حماس إلى تدخل القوات اللبنانية لإعادة الهدوء إلى المخيم "وطرد المسلحين".

وفي الوقت نفسه بحث المسؤول في حركة حماس مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الاضطرابات المستمرة. وأكد أن "أي نزاع لن يتم حله إلا من خلال الحوار والتفاهم"، ووعد الأخير "ببذل كل ما في وسعه لوضع حد للتوترات، بالتعاون مع السلطات الفلسطينية".

وتمنّى هنية، وفق بيان لـ"حماس"، التدخّل الإيجابي لإيقاف الاشتباكات الدائرة في المخيّم، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، وقال إنه "يجب أن تبقى المخيّمات عناوين عودة إلى فلسطين".

و يعود انزعاج حماس و حزب الله من الاشتباكات الدائرة في المخيم الفلسطيني الأكثر أهمية في لبنان، من كون حركة فتح غير الموالية لإيران و التي لا تتلقى منها دعماً عسكرياً أو مالياً تتمتع بسيطرة شبه تامة على المخيم بالإضافة إلى بعض الجماعات الأخرى التي لديها توجهات إسلامية سنية معادية للمشروع الإيراني و مشروع حزب الله في لبنان، مخافة أن يمتد الصراع إلى خارج المخيم ما يمكن أن يشكل خطراً على المصالح الايرانية المتمركزة في جنوب لبنان بشكل أساسي، إذ يقع مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا المحاذية لمدخل الجنوب اللبناني معقل انتشار حزب الله عسكرياً، و هذا ما يمكن أن يشكل تهديدا لحزب الله اذا انتشر السلاح الفلسطيني خارج المخيمات الفلسطينية مع اشتداد الصراع و امتداده، لا سيما أن حزب الله يرى أن السلاح الفلسطيني سلاح سني يمكن أن يصبح في يد السنة اللبنانيين في مدينة صيدا، و هذا ما يفسر حرص مسؤولي حزب الله على تهدئة الصراع.

لِماذا لا تتدخل الحكومة اللبنانية لفضّ الاشتباكات في المخيمات الفلسطينية؟

عدا عن ضياع هيبة الدولة في لبنان و قلة فعالية المؤسسات العسكرية و الأمنية اللبنانية سواء لجهة عدم توفر الإمكانات اللوجستية و المادية لشن عمليات خاصة على نطاق واسع أو لجهة خضوع قطاع الأمن في لبنان لسيطرة المرجعيات السياسية التي تتحكم في أعمال و توجهات المؤسسات العسكرية، فإن المخيمات الفلسطينية في لبنان لها وضع خاص، إذ أن هناك تفاهمات خاصة بين الدولة اللبنانية و السلطة الفلسطينية تفضي إلى عدم تدخل القوى الأمنية اللبنانية في شؤون المخيمات عسكرياً أو استخباراتياً، و هذه التفاهمات تعتبر طويلة الأمد، أي يعود تاريخها إلى وقت تواجد منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان اي منذ عشرات السنين و حتى قبل الحرب الأهلية اللبنانية.

إضافة إلى ذلك، و إذا افترضنا بأن الدولة اللبنانية قررت خرق التفاهمات مع الجهات الفلسطينية بعدم التدخل في المخيمات، و قررت الدخول إلى المخيمات الفلسطينية لضبط الأمن فيها، فإن العديد من المعوقات سوف تواجه القوى الأمنية اللبنانية:
  1. خسائر بشرية هائلة للجانبين بسبب كثافة السلاح و صغر مساحة المخيمات و اكتظاظها بالسكان، ما يجعل العمليات العسكرية فيها خطيرة و معقدة إلى حد خطير.
  2. احتمالية أن تقوم بعض الفصائل الفلسطينية بردات فعل انتقامية خارج نطاق المخيمات لتوسيع مساحة الصراع و خلق نوع من الضغط على الدولة اللبنانية لوقف التدخل العسكري، كمهاجمة بعض مواقع الجيش اللبناني في مناطق لبنانية مختلفة للضغط على الدولة اللبنانية و تهديدها بتوسيع أمد الصراع.
  3. احتمالية أن تقوم المخيمات الأخرى بالانتفاض ضد الأجهزة العسكرية اللبنانية تضامناً مع المخيم الذي تجري فيه العمليات العسكرية، و هذا بعني أن تتأزم الأوضاع الأمنية في في 14 مخيماً فلسطينياً في لبنان، ما يعني بكل تأكيد حرباً أهلية جديدة و دماراً لكل دعامات السلم الأهلي في لبنان.

هل من سبيل لاجتناب اشتعال المخيمات الفلسطينية في لبنان؟
للتصدي للتحديات التي تواجهها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين المسلحة في لبنان، من الضروري معالجة الأسباب الجذرية، و هي الصراع العربي الإسرائيلي، و لن يضمن الحل السياسي الشامل والشامل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني حقوق الفلسطينيين فحسب، بل سيوفر أيضًا منصة لإدماج اللاجئين في وطنهم، وينبغي توجيه الجهود الدولية نحو الدفع باتجاه الحوار والمفاوضات بين الأطراف المعنية لإيجاد حل عادل ودائم.

علاوة على ذلك، يجب على الحكومة اللبنانية أن تقوم بدور أكثر فاعلية في معالجة القضايا التي تواجهها هذه المخيمات، فبينما توجد مخاوف بشأن اندماج الفلسطينيين في المجتمع اللبناني، من المهم النظر إلى هؤلاء اللاجئين على أنهم بشر يحتاجون إلى الدعم بدلاً من اعتبارهم عبئًا، و إن منحهم حقوقًا متساوية، وإمكانية الوصول إلى التعليم، وفرص العمل من شأنه أن يخفف من معاناتهم ويقلل من جاذبية الجماعات المسلحة داخل المخيمات.

بالإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع الدولي أن يدعم ويستثمر في مشاريع التنمية داخل هذه المخيمات، والتي تستهدف التعليم والتمكين الاقتصادي. من خلال توفير السكن بأسعار معقولة، وفرص العمل، والوصول إلى الخدمات الأساسية، وبهذا يمكن الحد من احتمالات العنف و الصراع. كما يمكن أن يلعب دعم المبادرات المحلية والمنظمات الشعبية دورًا رئيسيًا في تعزيز الاستقرار والازدهار داخل المخيمات.

في الختام، تمثل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين المسلحة في لبنان العديد من التحديات، بما في ذلك محدودية الحركة، ووجود الجماعات المسلحة، والأسباب الجذرية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. تتطلب معالجة هذه التحديات حلاً سياسياً شاملاً وإجراءات استباقية من الحكومة اللبنانية ودعم المجتمع الدولي، من خلال اتباع نهج شامل والاستثمار في التعليم والفرص الاقتصادية والبنية التحتية، يمكن التخفيف من معاناة اللاجئين وكسر دائرة العنف.

الصراع الفلسطيني-الفلسطيني و أثرهُ على الأمن القومي اللبناني:
كان تأثير الحركات الفلسطينية المسلحة على الأمن القومي اللبناني كبيرا ومعقدا منذ بداية وجوده، و يمكن إرجاع ذلك إلى إنشاء مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بعد إعلان دولة إسرائيل في عام1948، حيثُ تم تهحير آلاف ملايين الفلسطينين و إخراجهم من أرضهم إلى دول الجوار كسوريا و لبنان و الأردن و مصر، و إنه لا يخفى على أحد أن التأثير الأكبر جراء اللجوء الفلسطيني كان من حصة لبنان، الذي أدى تواجد الحركات الوطنية الفلسطينية فيه إلى العديد من الآثار الضارة على أمنه و اقتصاده، و منها:

انتشار الجماعات المسلحة: إذ أدى وجود الحركات الفلسطينية الفدائية مثل منظمة التحرير الفلسطينية والجماعات التابعة لها مثل فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحماس، إلى انتشار الجماعات المسلحة داخل لبنان، و قد عملت هذه المجموعات بشكل مستقل وتحدت سلطة الدولة اللبنانية، مما أدى إلى زعزعة استقرار الأمن القومي.

النزاع المسلح والعنف: انخرطت الحركات الفلسطينية المسلحة في نزاعات مسلحة مع إسرائيل أو بين بعضها البعض، وغالبًا ما تستخدم الأراضي اللبنانية كقاعدة لعملياتها. وأدى ذلك إلى مواجهات عسكرية مباشرة بين الجيش الإسرائيلي والجماعات الفلسطينية داخل لبنان، و امتدت هذه الصراعات إلى الأراضي اللبنانية، مما تسبب في تهجير المواطنين اللبنانيين وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية وخسائر في الأرواح.

النفوذ والانقسامات السياسية:إذ مارست الحركات الفلسطينية المسلحة نفوذاً سياسياً كبيراً في لبنان، وقد أدى ذلك إلى انقسامات في أوساط اللبنانيين، حيث دعم بعضهم وعارض آخرون أهداف الحركات المسلحة، تصاعدت هذه الانقسامات أحيانًا إلى صراعات داخلية داخل لبنان، كما تطورت الصراعات بين الحركات الفلسطينية و القوات اللبنانية إلى اشتعال الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1975.

الانخراط في الحرب الأهلية اللبنانية: لعبت الحركات المسلحة الفلسطينية دورًا مهمًا في الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990). وانخرطوا في صراعات طائفية مختلفة وانخرطوا في عمليات عسكرية ضد فصائل مختلفة، وزادت مشاركتهم من زعزعة استقرار البلاد وأطالت أمد الصراع، مما أدى إلى خسائر في الأرواح وتدمير البنية التحتية.

تهريب الأسلحة والأنشطة القتالية: سهّل وجود الحركات الفلسطينية المسلحة في لبنان تهريب الأسلحة والأنشطة القتالية إلى داخل البلاد وخارجها. وقد خلق ذلك تهديدًا أمنيًا كبيرًا ليس فقط للبنان ولكن أيضًا للمنطقة ككل. وشملت أنشطتهم الهجمات على أهداف إسرائيلية، والدخول في صراعات عبر الحدود.

توترات سياسية وأمنية: خلق وجود حركات فلسطينية مسلحة توترات سياسية وأمنية بين لبنان ودول الجوار، وخاصة إسرائيل. وقد أدت هذه التوترات إلى مواجهات عسكرية دورية وتصاعد التوترات الإقليمية، مما يشكل تهديدًا مستمرًا للأمن القومي اللبناني.

بشكل عام، كان تأثير الحركات الفلسطينية المسلحة على الأمن القومي اللبناني ضارًا سلبياً في أغلب الأحيان، و على الرغم من مشروعية أهداف الجماعات الفلسطينية المسلحة المتواجدة في لبنان و التي تتمحور حول تحرير الأراضي الفلسطينية، إلا أن السلاح الفلسطيني الذي كان من المفترض أن يتوجه ضد المحتل قد استُعمِل في كثير من الأحيان ضد خصومٍ آخرين كحزب القوات اللبنانية و غيره، وقد أدى هذا إلى انقسامات سياسية ونزاعات مسلحة وأعمال عنف ونزاعات داخلية وتوترات خارجية بالنسبة للبنان، و قد أعاقت هذه العوامل استقرار لبنان وتنميته وأثرت على تقدمه وأمنه الوطني بشكل خطير.

من يُشعِل الصراعات البَينِيةِ الفلسطينية و يستفيدُ منها؟
في بلدٍ كلبنان ليس بالأمر الجديد حدوث انفلات أمني من قبل أي جماعة من الجماعات التي تحمل السلاح، سواء العشائر المسلحة أو حزب الله أو حزب آخر من الأحزاب المسلحة، أو من قبل الفصائل الفلسطينية المسلحة المتواجدة في لبنان، لكن المؤكد أن كل هذه الجماعات لديها أهداف أو أطراف تحركها، فمن قد يكون المستفيد من مثل هذه الصراعات أو يساهم في إشعالها؟..

في حالة مخيم عين الحلوة الفلسطيني في مدينة صيدا اللبنانية، قد يكون هناك العديد من الاحتمالات حول خلفيات الصراع و الأسباب التي تقف وراءه، ونستعرض فيما يلي كافة الاحتماليات التي قد تكون السبب أو الفتيل الذي أشعل المواجهات الأخيرة في مخيم عين الحلوة:
  1. أجهزة الدولة اللبنانية و استخباراتها: و هو أضعف الاحتمالات نظراً لارتباط الدولة اللبنانية بتفاهمات عرفية مع السلطة الفلسطينية لعدم التدخل في شؤون المخيمات الفلسطينية، لكن قد تهدف أجهزة الأمن اللبنانية في بعض الأحيان إلى إحداث حالة من الفوضى لتتمكن من اختراق المخيمات و لو استخبارياً، نظراً لوجود العديد من المطلوبين للدولة اللبنانية داخل هذه المخيمات، أو لاتخاذ بعض التبريرات للتدخل عسكرياً في هذه المخيمات في الفترات القادمة.
  2. إيران و أذرعها في لبنان: لا يخفى على أحد مدى رغبة إيران في بسط سيطرتها التامة على لبنان عسكرياً و أمنياً عبر تقوية حزب الله في لبنان و العمل على إزالة منافسيه، و بطبيعة الحال، فإن السلاح الفلسطيني الذي تعتبره إيران سلاحاً سنياً يشكل خطراً على الاستراتيجية الإيرانية في لبنان و المنطقة و التي تهدف إلى بسط إيديولوجيتها بالقوة العسكرية على باقي الجماعات الأخرى، لهذا فإن تصوير المخيمات الفلسطينية كمصدر للفوضى و عدم الاستقرار سوف يصب في مصلحة حزب الله الذي قد يتخذها حجة لإشعال صراع يتدخل فيه الحزب عسكرياً لبسط سيطرته الكاملة على الجنوب اللبناني لا سيما أن مخيم عين الحلوة يقع في مدينة صيدا التي تعتبر بوابة لجنوب لبنان حيثُ تتواجد غالب معاقل حزب الله.
  3. الولايات المتحدة الأمريكية: على الرغم من عدم مبالغة الولايات المتحدة الأمريكية في الاهتمام بالملف اللبناني، إلا أنها تنظر إلى لبنان كجزء من منطقة الشرق الأوسط المتأزمة التي تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على نفوذها فيها، و بالتالي قد تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية إلى تأجيج بعض الصراعات الداخلية في لبنان و دعم بعض الجماعات المسلحة لإحداث تغييرات في موازين القوى لصالح الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها، و إنه من المعلوم أن المنظمات الإنسانية التي تعمل على تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين في المخيمات هي مؤسسات أميركية أو خاضعة لنفوذ الولايات المتحدة الأمريكية و أبرزها الاونروا، و من المعلوم أيضاً أن هذه المنظمات تستخدم عادة الغطاء الإنساني لتنفيذ عمليات استخباراتية أو اختراق الفصائل الفلسطينية استخبارياً داخل المخيمات، أو تقديم الدعم لبعض الجماعات التي لديها عداوات مع بعض الحركات الفلسطينية بهدف استخدامها كأذرع لتحقيق أهدافها و مصالحها.

نهايةً، إن ما حدث في مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا اللبنانية لا يعد أمراً جديداً أو مستغرباً في الشارع اللبناني، و لكن تبقى التساؤلات تدور حول توقيت و خلفيات الصراع الذي حدث مؤخراً، و في جميع الأحوال، مهما تكن هذه الأسباب و الخلفيات فإن النتيجة واحدة، تصفية للحسابات الخارجية على حساب استقرار لبنان و سلامة شعبه و استقراره.


المصدر