السلام عليكم

ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى عن المــاء شيئاً عجباً، ربما لم تسمع به، لذا تأمّل وفقك الله تعالى ليزداد إيمانك بربك وخالقك: (الماء: مادة الحياة وسيد الشراب وأحد أركان العالم بل ركنه الأصلي فإن السماوات خلقت من بخاره والأرض من زبده وقد جعل الله منه كل شيء حي، وقد اختلف فيه:

هل يغذو أو ينفذ الغذاء فقط؟
وهو بارد رطب يقمع الحرارة ويحفظ على البدن رطوباته ويرد عليه بدل ما تحلل منه ويرقق الغذاء وينفذه في العروق وتعتبر جودة الماء من عشرة طرق:


أحدها: من لونه بأن يكون صافيا

الثاني: من رائحته بأن لا تكون له رائحة البتة

الثالث: من طعمه بأن يكون عذب الطعم حلوه كماء النيل والفرات

الرابع: من وزنه بأن يكون خفيفا رقيق القوام

الخامس: من مجراه بأن يكون طيب المجرى والمسلك

السادس: من منبعه بأن يكون بعيد المنبع

السابع: من بروزه للشمس والريح بأن لا يكون مختفيا تحت الأرض فلا تتمكن الشمس والريح من قصارته

الثامن: من حركته بأن يكون سريع الجري والحركة

التاسع: من كثرته بأن يكون له كثرة يدفع الفضلات المخالطة له

العاشر: من مصبه بأن يكون آخذا من الشمال إلى الجنوب أو من المغرب إلى المشرق

وإذا اعتبرت هذه الأوصاف
لم تجدها بكمالها إلا في الأنهار الأربعة: النيل، الفرات، سيحون وجيحون؛

وفي الصحيحين: من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: [سيحان وجيحان والنيل والفرات كل من أنهار الجنة]

وتعتبر خفة الماء من ثلاثة أوجه أحدها: سرعة قبوله للحر والبرد قال أبقراط : الماء الذي يسخن سريعا ويبرد سريعا أخف المياه الثاني: بالميزان الثالث: أن تبل قطنتان متساويتا الوزن بمائيين مختلفين ثم يجففا، ثم توزنا فأتهما كانت أخف فماؤها كذلك

والماء وإن كان في الأصل باردا رطبا فإن قوته تنتقل وتتغير لأسباب عارضة توجب انتقالها فإن الماء المكشوف للشمال المستور عن الجهات الأخرى يكون باردا وفيه يبس مكتسب من ريح الشمال وكذلك الحكم على سائر الجهات الأخر والماء الذي ينبع من المعادن يكون على طبيعة ذلك المعدن ويؤثر في البدن تأثيره والماء العذب نافع للمرضى والأصحاء والبارد منه أنفع وألذ ولا ينبغي شربه على الريق ولا عقيب الجماع ولا الانتباه من النوم ولا عقيب الحمام ولا عقيب أكل الفاكهة وأما على الطعام فلا بأس به إذا اضطر إليه بل يتعين ولا يكثر منه بل يتمصصه مصا فإنه لا يضره البتة بل يقوي المعدة وينهض الشهوة ويزيل العطش، والماء الفاتر ينفخ ويفعل ضد ما ذكرناه وبائته أجود من طريه، والبارد ينفع من داخل أكثر من نفعه من خارج والحار بالعكس وينفع البارد من عفونة الدم وصعود الأبخرة إلى الرأس ويدفع العفونات ويوافق الأمزجة والأسنان والأزمان والأماكن الحارة ويضر على كل حالة تحتاج إلى نضج وتحليل كالزكام والأورام، والشديد البرودة منه يؤذي الأسنان والإدمان عليه يحدث انفجار الدم والنزلات وأوجاع الصدر، والبارد والحار بإفراط ضاران للعصب ولأكثر الأعضاء لأن أحدهما محلل والآخر مكثف والماء الحار يسكن لذع الأخلاط الحادة ويحلل وينضج ويخرج الفضول ويرطب ويسخن ويفسد الهضم شربه ويطفو بالطعام إلى أعلى المعدة ويرخيها ولا يسرع في تسكين العطش ويذبل البدن ويؤدي إلى أمراض رديئة ويضر في أكثر الأمراض على أنه صالح للشيوخ وأصحاب الصرع والصداع البارد والرمد وأنفع ما استعمل من خارج.

ولا يصح في الماء المسخن بالشمس حديث ولا أثر ولا كرهه أحد من قدماء الأطباء ولا عابوه والشديد السخونة يذيب شحم الكلى، ماء الثلج والبرد : ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يدعو في الاستفتاح وغيره: [اللهم اغسلني من خطاياي بماء الثلج والبرد] الثلج له في نفسه كيفية حادة دخانية فماؤه كذلك ووجه الحكمة في طلب الغسل من الخطايا بمائه لما يحتاج إليه القلب من التبريد والتصليب والتقوية ويستفاد من هذا أصل طب الأبدان والقلوب ومعالجة أدوائها بضدها، وماء البرد ألطف وألذ من ماء الثلج وأما ماء الجمد وهو الجليد فبحسب أصله، والثلج يكتسب كيفية الجبال والأرض التي يسقط عليها في الجودة والرداءة وينبغي تجنب شرب الماء المثلوج عقيب الحمام والجماع والرياضة والطعام الحار ولأصحاب السعال ووجع الصدر وضعف الكبد وأصحاب الأمزجة الباردة،


ماء الآبار والقني:
مياه الآبار قليلة اللطافة وماء القني المدفونة تحت الأرض ثقيل لأن أحدهما محتقن لا يخلو عن تعفن والآخر محجوب عن الهواء وينبغي ألا يشرب على الفور حتى يصمد للهواء وتأتي عليه ليلة وأردؤه ما كانت مجاريه من رصاص أو كانت بئره معطلة ولا سيما إذا كانت تربتها رديئة فهذا الماء وبيء وخيم

ماء زمزم:
سيد المياه وأشرفها وأجلها قدرا وأحبها إلى النفوس وأغلاها ثمنا وأنفسها عند الناس وهو هزمة جبريل وسقيا الله إسماعيل، وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لأبي ذر وقد أقام بين الكعبة وأستارها أربعين ما بين يوم وليلة ليس له طعام غيره فقال النبي صلى الله عليه و سلم: [إنها طعام طعم] وزاد غير مسلم بإسناده: [وشفاء سقم] وقد جربت أنا وغيري من الاستسقاء بماء زمزم أمورا عجيبة واستشفيت به من عدة أمراض فبرأت بإذن الله وشاهدت من يتغذى به الأيام ذوات العدد قريبا من نصف الشهر أو أكثر ولا يجد جوعا ويطوف مع الناس كأحدهم وأخبرني أنه ربما بقي عليه أربعين يوما وكان له قوة يجامع بها أهله ويصوم ويطوف مرارا ماء النيل: أحد أنهار الجنة ماء البحر: ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال في البحر: [هو الطهور ماؤه الحل ميتته] وقد جعله الله سبحانه ملحا أجاجا مرا زعاقا لتمام مصالح من هو على وجه الأرض من الآدميين والبهائم فإنه دائم راكد ...اهـ )
أقول: قد سقت ما سقت من كلام العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى عن الماء في الجزء (4) من زاد المعاد ليسهل عليك الاطلاع عليه والتأمل في حكمة الله العلي القدير، وأعتقد أنه لولا هذا السياق لما تيسر لك ذلك، فسبحان ربي لا إله إلا هو !!! أرجو ألا تقف تأملاتك عند هذا فحسب، بل تجوّل بفكرك في أنواع ما خلق الله تعالى