القاهرة - مصطفي بكري (الأسبوع) : أسئلة مشروعة: ماذا تعنى الحماية المصرية؟ و هل هذا يعطيها حق الملكية؟! .. لماذا انتظرت السعودية كل هذا الوقت.. ولماذا لم نلجأ إلى التحكيم الدولى؟ .. لماذا لا تستجيب الحكومة المصرية للاستفتاء الشعبي استنادًا إلى المادة (151) من الدستور؟! .. ما هي تفاصيل محضر اجتماع مجلس الوزراء المصري في 4 مارس 1990؟ .. لماذا تستجيب مصر الآن لرسم الحدود البحرية وما هو مضمون القرار الجمهوري 27 لسنة 1990؟ .. ما علاقة الجسر البرى برسم الحدود.. وما هو موقف إسرائيل مما جرى؟! .. هل يمكن لمصر أن تفرط فى حقوقها التاريخية؟ .. وهل يسمح الجيش المصري بالتنازل عن ذرة تراب أو شبر واحد من الأرض المصرية؟



باستعراض تاريخ هذا الجيش منذ تأسيسه منذ 3200 سنة قبل الميلاد، فإن الاجابة الوحيدة تقول «لا وألف لا».. هكذا هو تاريخ الجيش المصري في الدفاع عن تراب الوطن وأمنه القومي، خاض لأجل ذلك حروبًا طويلة، دفع فيها مئات الآلاف من أبنائه في أزمنة تاريخية متعددة.

غير أنه أثير في الأسابيع الأخيرة لغط شديد حول قرار مصر والسعودية بإعادة رسم حدودهما البحرية، وقرار مصر بإعادة جزيرتي «تيران» و «صنابير» إلى المملكة العربية السعودية صاحبة السيادة والملكية التاريخية لها.

وبمجرد الكشف عن مضمون الاتفاقية الموقعة، قامت الدنيا ولم تقعد، وراح البعض يوجه الاتهامات، والادعاءات والأكاذيب للقيادة المصرية بالتفريط، مع أن الجميع يعرف ويدرك حقائق التاريخ وواقع الجغرافيا فى هذه القضية الموثقة أدلتها الكاملة فى الأمم المتحدة..

لقد حاول البعض استغلال المشاعر الوطنية للمصريين لحساب أجندات ليست في صالح الوطن، بل تخدم أعداءه الذين يتربصون به لحساب قوى معادية في الداخل والخارج.

ولذلك وجدت من المناسب استعراض هذه القضية بطريقة السؤال والجواب على ثلاث حلقات توضح حقائق التاريخ حول الجزيرتين، والأهداف الأساسية من جراء الحملات المعادية، ثم المضمون الحقيقي لما تضمنته هذه الاتفاقية من كافة الاتجاهات.

ما هي حقيقة ملكية السعودية لجزيرتي «تيران» و«صنافير»

<< هذا سؤال يحتاج إلى سرد تاريخي طويل، ولكن يكفى القول إن مصر لم تقر أبدا بملكيتها للجزيرتين، بل العكس هو الصحيح، فقد أقرت فى رسائل عديدة إلى الأمم المتحدة وسفراء أمريكا وبريطانيا، وفي مراسلات موثقة مع كبار المسئولين السعوديين بأحقية المملكة العربية السعودية في ملكية الجزيرتين ملكية مطلقة.

ألا يعنى تواجد مصر وقواتها في الجزيرتين منذ عام 1950 هو دليل على ملكيتها للجزيرتين؟!

تواجد القوات المصرية على أرض الجزيرتين في هذه الفترة جاء بناء على طلب من المملكة العربية السعودية، خوفا من احتلال إسرائيل لهاتين الجزيرتين بعد إعلان قيامها واستيلائها على ميناء أم الرشراش )إيلات حاليا(، وهو ميناء يقع على خليج العقبة وقريب من الجزيرتين، وذلك في 9 مارس 1949.

وما الذى يثبت ملكية السعودية لهما؟

كما قلت فإنه بعد أن أصبح لإسرائيل منفذ على البحر الأحمر بدأت تعيث فيه شمالاً وجنوبًا، وقد شعر الملك عبد العزيز آل سعود بخطورة الأمر، فطلب من مصر رسميا أن تضع يدها على الجزيرتين السعوديتين (تيران) و(صنافير) لحمايتهما خوفًا من احتلال إسرائيل لهما، خاصة أن المملكة العربية السعودية، لم تكن لديها القوة البحرية الكافية في هذا الوقت لحماية الجزيرتين، ولا تزال مصر تحتفظ حتى الآن بنص برقية الملك عبد العزيز آل سعود للوزير المفوض السعودي في القاهرة والذى قام بتسليمها للحكومة المصرية في هذا الوقت.

ولكن دعني أتساءل: المملكة العربية السعودية أعلن إنشاؤها في عام 1932، فما هي الدلائل اليقينية على ملكيتها للجزيرتين قبل إنشائها؟!

هذا سؤال مهم، ولذلك أقول إذا تحدثنا عن خريطة مصر قبل عام 1800، فقد كانت سيناء كلها تابعة للجزيرة العربية، ما عدا الجزء الشمالي حتى غزة، والحدود الجنوبية مع السودان.. وعندما قرر محمد على إعلان الحرب على الإرهابيين في الجزيرة العربية، بسبب المشاكل التي أقلقت الدولة العثمانية قرر أن يحاربهم في عقر دارهم، وأعلن الحرب عليهم من عام 1812 ـ 1815، ونجح في ضم جزء كبير من أراضي الجزيرة العربية إلى مصر، وصلت إلى مناطق مكة والمدينة، ثم بعد أن أدت القوات مهمتها، وبعد الضغوط العديدة التي مورست ضد مصر في هذه الفترة اضطرت قوات محمد على إلى الخروج من أرض الحجاز عام 1840 وتم ضمها بعد ذلك للدولة العثمانية، ثم بعد أن مضت عقود من الزمن، تم تأسيس المملكة العربية السعودية عام 1932، وتم رسم حدودها من جديد وفقا للخريطة القائمة حاليا، وهذا ما تؤكده خرائط المنطقة الموجودة في مكتبة الكونجرس الأمريكي والتي تضم أكبر موسوعة للخرائط القديمة، ومن بينها الخريطة الرسمية الصادرة عام 1900، والتي تحدد حدود مصر باللون الأحمر، وحدود الدولة العثمانية باللون الأصفر، وبتكبير حجم الخريطة نرى جزيرتي «تيران وصنافير» باللون الأصفر.

وهناك عدد آخر من الخرائط المنشورة تؤكد ذلك إلا أن أهمها هو الخريطة المنشورة عام 1955، وفيها خط يفصل حدود مصر عن السعودية ويظهر فيها بشكل قاطع أن هاتين الجزيرتين تابعتان للمملكة العربية السعودية..

ترى كم تبلغ مساحة تيران وصنافير، وما أهميتهما الاستراتيجية؟

تيران تبلغ مساحتها 80 كيلو مترًا مربعًا، وهى تقع بالقرب من مدخل مضيق تيران، الذى تم إغلاقه فى وجه الملاحة الدولية عام 1967، ومضيق تيران يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر، ويبعد عن حدود سيناء بنحو ستة كيلو مترات.

أما جزيرة صنافير، فهي تقع إلى الشرق من جزيرة تيران، وتبلغ مساحة هذه الجزيرة حوالى 33 كيلو مترا مربعا، وكلتا الجزيرتان غير مأهولتين بالسكان.

وتأتى الأهمية الاستراتيجية للجزيرتين كونهما تتحكمان في ثلاثة ممرات بحرية من وإلى خليج العقبة، الممر الأول يقع بين ساحل سيناء وجزيرة تيران بعمق 290مترًا، وهو صالح للملاحة الدولية، أما الممر الثاني فهو يقع بين الحدود مع سيناء وتيران ولا يزيد عمقه على 73 مترا، في حين أن الممر الثالث يقع بين تيران وصنافير بعمق لا يزيد على 16 مترًا.

هل لدى مصر تأكيدات أن الجزيرتين سعوديتان في مرحلة ما قبل 1950؟!

بالقطع، مصر كانت تعرف حدودها جيدًا، وهى على يقين أن الجزيرتين سعوديتان حتى قبيل أن يرسل الملك عبد العزيز آل سعود بخطابه الذى يطلب فيه من مصر احتلال الجزيرتين وحمايتهما من أطماع الكيان الصهيوني، والدليل على ذلك هو الخطاب الصادر عن وزارة الحربية والبحرية المصرية في 23 ديسمبر عام 1928 الصادر برقم قيد 177/3/6 والموجه من وزير الحربية والبحرية المصري إلى حضرة صاحب المعالى وزير الخارجية المصري والذى قال فيه حرفيًا: «أكون ممنونًا جدًا إذا تكرمتم معاليكم بالإفادة عما إذا كانت جزيرتا تيران وصنافير الواقعتان عند مدخل خليج العقبة بالبحر الأحمر تابعتين للمملكة المصرية حتى تقوم مصلحة الحدود في هذه الحالة بإرسال قوة لرفع العلم المصري على كل منهما» فرد عليه وزير الخارجية حافظ عفيفي في 31 ديسمبر 1928 قال فيه حرفيًا: «ردًا على كتاب معاليكم المؤرخ في 23 ديسمبر الجاري بطلب الاستعلام عما إذا كانت جزيرتا تيران وصنافير الواقعتان عند مدخل خليج العقبة تابعتين للمملكة المصرية.. أتشرف بالإفادة أنه ليس لهاتين الجزيرتين ذكر في ملفات وزارة الخارجية».



وما رأيك فيمن يقولون إن اتفاقية 1906 ضمت الجزيرتين ضمن الحدود المصرية؟!

هذا ليس صحيحًا، هذه الوثيقة تم توقيعها بين السلطان التركي والخديوي المصري عام 1906، وهى تناولت فقط تعديل الحدود البرية والفصل فى السلطات بين حكومة الحجاز وحكومة القدس وشبه جزيرة سيناء وقد اتفق الطرفان فيها على :


1ـ الفصل بين الحدود الإدارية، والذى يبدأ من رأس طابا إلى غرب الساحل في خليج العقبة ويمتد بطول الخط الشرقي في وادى طابا حتى أعلى جبل فوبت.
2ـ الخط الفاصل المذكور في البند الأول يتم رسمه على هيئة خط أسود متقطع على الخريطة ذات النسختين المرفقتين مع الاتفاق ويتم تبادلهما بين الطرفين بالتساوي مع الاتفاق.
3ـ الحدود سيتم إقرارها في وجود اللجنة المشتركة على النقط الموضحة على طول الخط الفاصل بداية من النقطة الموجودة على شاطئ البحر المتوسط إلى النقطة الموجودة في خليج العقبة.
4ـ هذه الحدود ستكون خاضعة إلى حماية كل من السلطة العثمانية والخديوية المصرية.
5ـ فى حالة الحاجة إلى تجديد هذه الحدود في المستقبل أو زيادتها، فإن كل طرف سيكون عليه أن يرسل ممثلا لهذا الغرض، على أن يتم وضع الحدود الجديدة بخطوط فاصلة يتم رسمها على الخريطة.
6ـ جميع الرحلات التي تتم بين الجانبين يحق لأفرادها الاستفادة من المياه هناك.
7ـ القوات التركية وحراس الدرك لن يتم السماح لهم بالعبور إلى غرب الخط الفاصل.
8ـ السكان الأصليون والعرب من الجانبين سيتمتعان بحقوقهما نفسها في ملكية المياه والحقول والأراضي الموجودة على الجانبين، كما يحدد الوضع الرسمي ممثل السلطنة التركية وممثل الخديوية المصرية.


ما تقديرك لما ذكره الراحل محمد حسنين هيكل عن الجزيرتين في كتابه «حرب الثلاثين سنة ـ سنوات الغليان»

نعم بالفعل لقد ذكر الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل في الصفحة الرابعة من هذا الكتاب يقول «إن الوثائق المصرية عن هذه الفترة لا تحتوى علي اجابة كافية لسؤال هام يطرح نفسه إزاء هذه التطورات وهو إلى أى مدى كانت السياسة المصرية على علم بهذا الذى تم بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بما في ذلك التعهدات الأمريكية القاطعة بشأن خليج العقبة.

وقال هيكل «وعن استقراء ظواهر الحال، فقد بدا أن السياسة المصرية استقرت على خيار يعطى للملك «سعود» ملك المملكة العربية السعودية مهمة مواصلة بحث هذه القضية مع الإدارة الأمريكية، وكان هو أكثر المتحمسين لهذا الخيار على أساس عدة اعتبارات، أولها: أن جزر «صنافير» و«تيران» التي كانت مصر تمارس منها سلطة التعرض للملاحة الاسرائيلية في الخليج هي جزر سعودية جرى وضعها تحت تصرف مصر بترتيب خاص بين القاهرة والرياض».

هذا هو كلام الاستاذ هيكل، ترى هل كان هيكل يجافى الحقيقة وهو المعروف بخلافه الفكري مع السياسة الخارجية السعودية أم أنه أقر بالحقيقة الدامغة، وبحق السعودية في جزيرتي تيران وصنافير.

وهناك أيضا شهادة العالم الدكتور فاروق الباز الذى قال «إن تيران وصنافير جزيرتان سعوديتان، وليستا مصريتين»، وقال «احنا حافظنا عليهم وقت كافي والآن رجعوا بالأصول لدولتهم، وهذا شيء متعارف عليه في الحدود بين الدول جميعا.

أما أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان الدكتور عاصم الدسوقي فقد قال معلقا «بعد أن هاجمت إسرائيل ميناء أمر الرشراش «إيلات حاليا» وسط صمت من المجتمع الدولي، اسند الملك عبد العزيز آل سعود أمر حماية الجزيرتين «تيران» و «صنافير» إلى الدولة المصرية، وبالتالي أصبح الأمر مثل الأمانة التي يتم ردها لصاحبها عند طلبها.

وفى كتابه عن «القضية الفلسطينية بين مصطفى النحاس وعبد الناصر» والذي صدر عام 2003 يقول المؤرخ د. عبد العظيم رمضان «إن عودة الرمز إلى الحكم في عام 1950، أعاد مصر إلى دائرة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ففي ذلك الحين، لم تكن جزيرة تيران أرضا مصرية، إنما كانت أرضا سعودية، لكن حكومة الوفد اتفقت مع حكومة المملكة السعودية على احتلال مصر لها حتى تتمكن في التحكم بالملاحة في خليج العقبة وتمنع مرور السفن الإسرائيلية.

وماذا عن موقف المؤرخ العالم د. جمال حمدان؟!

فى موسوعة «شخصية مصر» وكتابه «سيناء في الاستراتيجية والسياسة» والذى يعد من أشهر الوثائق التاريخية التي تعتمد عليها مصر في كافة المحافل الدولية في ترسيم الحدود مع الدول المجاورة، يقول د. جمال حمدان «إنه عقب انتهاء الحرب الفلسطينية التي قامت مصر باتخاذ إجراءات حمائية عام 1950 من شأنها حماية الحدود والشواطئ المصرية، قامت مصر باحتلال جزيرتي تيران وصنافير بالاتفاق مع الجانب السعودي لفرض الرقابة على الملاحة البحرية» وأكد حمدان في وثيقته أن إسرائيل تقدمت بشكوى للأمم المتحدة ومجلس الأمن ضد احتلال مصر للجزيرتين، وأن مصر اعتزمت أمام الأمم المتحدة بأحقية السعودية منهما.

ولكن قبل أن ننتقل إلى الأجزاء التاريخية، دعني اسألك لماذا الفجائية؟ ألم يكن التمهيد هو الأفضل؟

بالقطع كنت أتمنى أن يجرى التمهيد لعرض الاتفاقية على الرأي العام وتوضيح الحقائق أمام الشعب.. خاصة أن انجاز «ترسيم الحدود» جاء بعد مباحثات واجتماعات عديدة استغرق 6 سنوات؛ حيث جرى خلال عقد 11 جولة لاجتماعات لجنة تعيين الحدود البحرية بين البلدين، وكان آخر هذه الاجتماعات هي الجولات الثلاث التي عقدت منذ شهر ديسمبر 2015، أي عقب التوقيع على إعلان القاهرة فى 30 يوليو 2015.

وما علاقة هذه الاجتماعات بقرار رئيس الجمهورية رقم 27 لسنة 1990؟

لقد اعتمدت هذه اللجنة في عملها على هذا القرار والذى سبق أن حدد نقاط الأساس المصرية لقياس البحر الإقليمي والمنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر، والذى حدد الحدود، وقام بإخطار الأمم المتحدة بذلك في 2 مايو 1990، وأيضا الخطابات المتبادلة بين البلدين خلال نفس العام، وقد تضمن القرار الجمهوري 27 لسنة 1990 وقوع جزيرتي «صنافير وتيران» داخل المياه الإقليمية للمملكة العربية السعودية.

وطالما الأمر كذلك، لماذا شكل الرئيس السيسي لجنة جديدة لترسيم الحدود، وكان بإمكانه الاعتماد علي القرار الجمهوري 27 لسنة 1990؟!

لقد أراد الرئيس السيسي الاطمئنان شخصيًا أن قرارات اللجنة السابقة في عام 1990 كانت صحيحة، ولذلك جري استخدام أحدث الأساليب العلمية لتدقيق النقاط وحساب المسافات فجاءت نتيجة اللجنة الجديدة مطابقة لنتائج اللجنة القديمة (1990).

ألست معي في أن المادة (151) من الدستور توجب بالاستفتاء علي الجزيرتين خاصة أن هذه المادة توجب الاستفتاء الشعبي في حال التخلي عن السيادة وتوقيع معاهدات الصلح؟!

في تعريف القانون الدولي السيادة تعني الملكية ومصر لم تعلن أبدًا سيادتها علي الجزيرتين ودليل في ذلك هو نص خطاب مندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة في 27 مايو 1967، عندما أكد «أن مصر لم تحاول في أي وقت من الأوقات أن تدعي بأن السيادة علي هاتين الجزيرتين قد انتقلت إليها، بل إن أقصي ما أكدت عليه هو أن تتولي مسئولية الدفاع عن الجزيرتين»، ومن ثم لا وجه للسيادة، مما يعني أن الاتفاقية فقط يجب أن تعرض علي البرلمان.

ولكن لماذا توقيع الاتفاق الآن؟ ما الذي دفع السعودية إلي الاستعجال في التوقيع؟

<< أولاً السعودية لم تتوقف منذ سنوات طوال عن مطالبتها بعودة الجزيرتين إليها حدث ذلك في خطابات رسمية موثقة، ولكن كان طبيعيًا أن يتم الاتفاق مع مصر علي الانتهاء من ترسيم الحدود البحرية بين البلدين نظرًا لأن اتفاقية إنشاء الجسر بين مصر والسعودية تستوجب تحديد الحدود بدقة علي هذا الجسر تطبيقًا لمبدأ السيادة علي الأرض، خاصة أن ذلك جري مثيل له في العديد من الدول الأخرى.

إذن دعني اسألك لماذا جري تأجيل توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين طيلة الفترة الماضية طالما ظلت السعودية تطالب بعودتها؟

من المعروف أن القانون الدولي للبحار قد استقر منذ عقود قليلة من الزمن، حيث جري طرح اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وطرحها للمناقشة في عام 1973 وتم الانتهاء من الاتفاقية عام 1982، وبدأت دعوة الدول للتوقيع عليها، وقد وقعت عليها مصر عام 1987 ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ عام 1994 بعد تصديق 60 دولة عليها، وتضمن هذه الاتفاقية إقامة نظام قانوني يضمن سيادة الدول علي مياهها الإقليمية وصون مواردها والحفاظ عليها.

وهل كان النظام الأسبق )نظام الرئيس حسني مبارك( غافلاً عن ذلك؟

الرئيس مبارك كان يقر دومًا بتبعية الجزيرتين للسعودية، لكنه لم يتخذ قرارًا نهائيًا بالتوقيع علي اتفاقية بالرغم من أنه أصدر القرار الجمهوري 27 لسنة 1990، والذي يتضمن خروج الجزيرتين من الحدود البحرية، وقبيل التوقيع الأخير علي اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، بعثت الحكومة المصرية بأحد المسئولين إلي الرئيس (الأسبق) مبارك إلي مستشفى المعادي فأقر فعلاً بأن الجزيرتين سعوديتان، إلا أنه كان يسوف في إعادتهما كما قال.

تري ما هي أهم المستندات التي في حوزة الحكومة المصرية والتي تؤكد ملكية السعودية للجزيرتين؟


- هناك نص الخطاب الموجه من مصر إلي كل من الولايات المتحدة وبريطانيا تقر فيهما باحتلالها للجزيرتين عام 1951.
ـ وهناك القرار الجمهوري رقم 27 لسنة 1990 بتحديد نقاط الأساس المصرية لقياس البحر الإقليمي والمنطقة الاقتصادية الخالصة لجمهورية مصر العربية.
ـ نصوص الخطابات المتبادلة بين وزارة الخارجية المصرية ونظيرتها السعودية بشأن الجزيرتين خلال عامي 1988، 1989.
ـ الخريطة التي اعتمدتها الأمم المتحدة في 16 نوفمبر 1973.
ـ نص خطاب مندوب مصر الدائم لدي الأمم المتحدة في 27 مايو 1967.


إذن ما هو الفارق بين هاتين الجزيرتين وبين حلايب وشلاتين؟!

هناك اختلاف كلي بين الحالتين، حيث إن الجزيرتين ملكية سعودية خالصة، كانتا تخضعان لإدارة مصرية، بينما حلايب وشلاتين ملكية مصرية خضعتا لإدارة سودانية، ومن ثم فإن عدم اعتراف مصر بأحقية السعودية في الجزيرتين قد يمثل ذريعة للسودان للتمسك بحلايب وشلاتين.

هل يوجد في هذا الاتفاق بنود سرية؟

وفقًا لتصريحات رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل لا توجد أي بنود سرية، وهو يعني الحدود البحرية لمصر حتي خط عرض 22 جنوبًا، وليس فقط في خليج العقبة.

ولماذا لم تلجأ إلي التحكيم الدولي حول الجزيرتين؟

اللجوء للتحكيم الدولي يتم بناء علي وجود نزاع ينشأ بين بلدين حول موضوع ما، وهو مالا يتوافر في حالة الجزيرتين، خاصة أن الدلائل القاطعة تثبت أنهما سعوديتان.

ولكن ألا يوجد في القانون الدولي مبدأ الأحقية بوضع اليد؟

لا يوجد ذلك علي الإطلاق، ذلك أن القانون الدولي يفرق بين السيادة والإدارة، فالسيادة في القانون الدولي هي مقابل الملكية في القانون الخاص، ولا يوجد في القانون الدولي مفهوم «وضع اليد» أو «التقادم»، ولكن ذلك موجود في القانون الخاص، ومن ثم فإدارة الجزيرتين مؤقتة إلا إذا تم التنازل، والسعودية ظلت تطالب بهذه الأرض ولم تتنازل عنها وكانت حريصة علي استعادتها مرة أخري، كما أن مصر لم تدعي ولو مرة واحدة أنها تمتلك الجزيرتين.

هل صحيح أن مجلس الوزراء المصري اجتمع في 4 مارس وأقر بملكية السعودية للجزيرتين بشكل واضح؟!

نعم تحت أيدينا وثيقة تتضمن محضر هذا الاجتماع الذي جري في 4 مارس 1990 برئاسة د. عاطف صدقي رئيس مجلس الوزراء وفيه استعرض د. عصمت عبد المجيد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية موضوع جزيرتي تيران وصنافير، فذكر أن سمو الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية ارسل رسالتين خلال العامين الماضيين، يطلب فيهما إقرار الجانب المصري بسيادة المملكة العربية السعودية في هاتين الجزيرتين، كما تضمنان وجهة النظر السعودية التي تتلخص في الآتي:

1 ـ انه من الثابت أن الجزيرتين تتبعان المملكة العربية السعودية.
2 ـ أن التواجد المصري في الجزيرتين بدأ عام 1950 وبموافقة المملكة العربية السعودية، خلال المواجهة مع إسرائيل.
ـ أن أي نظرة خاصة لهاتين الجزيرتين السعوديتين من جانب حكومة جمهورية مصر العربية تفرضها طبيعة وضع معين، يستدعي أن تبقيا تحت إدارة مصر وإلي أن تحتاج المملكة لهما، سينال من جانب حكومة المملكة ما هو جدير به من اهتمام، وسينظر إليها الجانب السعودي بكل تبصر في الأمور.

ـ أن الجانب السعودي لا ينوي خلق ظروف قد تؤثر علي النهج الذي رسمته مصر لسياستها الخارجية.


وأضاف الدكتور نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية أنه أبدي بعض الآراء في هذا الخصوص للسيد وزير خارجية السعودية في سبتمبر عام 1988، خلال انعقاد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة تضمنت ما يلي:


ـ النظر في مدي احتمال قيام المملكة العربية السعودية بقبول الشق الأول من الرد المصري ـ وهو الاعتراف بالسيادة السعودية علي الجزيرتين ورفض الشق الثاني من الرد الخاص باستمرار الإدارة المصرية أو تحديد مدة تواجدها.

ـ النظر في رد فعل إسرائيل واحتمال قيامها بإجراءات مضادة نتيجة اعتراف مصر بالسيادة السعودية الكاملة علي الجزيرتين.


ويقول المحضر «هذا وقد قام السيد الأستاذ الدكتور نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية بالرد علي ما أثير من آراء فأوضح ما يلي:


ـ إن مصر حينما احتلت الجزيرتين كانت تهدف إلي حمايتهما من احتلال إسرائيل لهما، فضلاً عن توفير الأمن القومي لمصر.
ـ إن الجزيرتين سوف يكون لهما دور رئيسي في مشروع إنشاء الجسر البري بين مصر والسعودية والذي سيترتب عليه إعطاء دفعة قوية للعلاقات المصرية ـ السعودية.
ـ انه من حق المملكة العربية السعودية أن تطلب إنهاء الإدارة المصرية علي الجزيرتين، ولكنها في هذه الحالة قد تتعرض لمواجهة مع إسرائيل، وهي لا ترغب في ذلك.
ـ إن مصر باعترافها بحق السعودية في سيادتها علي الجزيرتين تحافظ علي علاقتها الطيبة مع المملكة العربية السعودية.
ـ إن السعودية تقوم حاليًا بإعادة تخطيط حدودها مع الدول الأخرى المحيطة بها (اليمن ـ عمان ـ الإمارات ـ العراق... إلخ).
ـ إن السعودية لم تقم بالتنازل عن الجزيرتين لمصر كما أن مصر لم تدعي سيادتها عليهما في أي وقت من الأوقات.


وماذا كان رد السعودية علي ذلك؟

لقد أوضح د. عصمت عبد المجيد في ذات الاجتماع «أنه في ضوء الرغبة الصادقة في تنمية العلاقات مع السعودية، والاتفاق المبدئي علي إقامة الجسر الذي سيربط بين البلدين، ومع اقتراب موعد انعقاد اجتماعات اللجنة المصرية ـ السعودية المشتركة في الرياض، فإن الأمر يتطلب إعداد رد إيجابي واضح علي الخطابين السابق ارسالهما من سمو وزير خارجية المملكة العربية السعودية، ثم قام سيادته بتلاوة مشروع الخطاب المزمع ارساله إلي سيادته، وطلب في حالة موافقة مجلس الوزراء، تفويضه في التوقيع علي الخطاب المذكور، وتسليمه لسموه خلال اجتماع مجلس وزراء خارجية الدول العربية الذي سيعقد في تونس.

وعندما عرض الموضوع للمناقشة داخل مجلس الوزراء.



لقد اثيرت الآراء الآتية:


ـ إن مشروع الخطاب الذي عرضه السيد الدكتور نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية يعتبر ردًا إيجابيًا حيث تضمن إقرار مصر بتبعية الجزيرتين للمملكة العربية السعودية، وفي نفس الوقت الإبقاء علي إدارة مصر للجزيرتين، لحين استقرار الأوضاع في المنطقة.

وهل كان لوزير الخارجية تعليق علي هذه المناقشات؟

لقد قال نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية «إن حكومة جمهورية مصر العربية تقر بسيادة المملكة العربية السعودية على جزيرتي «تيران» و«صنافير» وأن مصر قامت في الحقيقة.. بالتواجد فيهما من عام 1950 من أجل حمايتهما وتوفير الأمن لهما، وأن ذلك تم بمباركة المملكة العربية السعودية.

ـ إن حكومة جمهورية مصر العربية في موقفها من الجزيرتين، تركز اهتمامها على ضرورة مراعاة عدم الاخلال بالتزاماتها الإقليمية، والدولية طبقا للاتفاقيات الدولة التي أبرمتها بشأن إقرار السلام في المنطقة، لأن الجزيرتين تقومان طبقا لاتفاقية السلام المصرية ـ الاسرائيلية والبروتوكولات الملحقة بها في المنطقة (جـ) حيث توجد بعض القيود على التواجد العسكري المصري، وحيث تتولى الشرطة المدنية المصرية المجهزة بزوارق خفيفة مهامها داخل المياه الاقليمية للمنطقة، فضلاً عن تمركز القوات متعددة الجنسيات.


وقال إنه تمت الاستعانة بالإدارة القانونية بوزارة الخارجية والاستاذ الدكتور مفيد شهاب رئيس قسم القانون الدولي بجامعة القاهرة لدراسة الموضوع بالنسبة للجوانب القانونية وأسفرت الدراسة عما يلى:


ـ إنه من الأمور الثابتة تاريخيا، أن السيادة على الجزيرتين، كانت للمملكة العربية السعودية إلا حين قيام مصر في ظروف المواجهة العسكرية مع إسرائيل عام 1950 باحتلالها احتلالاً فعليًا، وأن مصر لجأت إلى ذلك في ضوء المحاولات التى ظهرت من جانب السلطات الإسرائيلية تجاه الجزيرتين، وأن هذه الخطورة تمت بموافقة ومباركة السعودية.

ـ إنه من الأمور المستقرة فى القانون الدولي فقها وقانونًا، أن السيادة على الإقليم لا تتأثر بإدارة دولة أخرى.


وماذا عن القرار النهائي لمجلس الوزراء في اجتماعه في هذا الوقت؟

في ضوء ما تم عرضه من نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية د. عصمت عبد المجيد، فقد وافق مجلس الوزراء على مشروع الخطاب الذى تمت تلاوته مع تفويض نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في توقيعه وتسليمه لسمو الأمير وزير خارجية المملكة العربية السعودية.

أخيرا.. إذن لماذا هذه الحملة العنيفة ضد الاتفاقية، ولماذا يأتي التصعيد خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى مصر؟!

<< هذا موضوع هام وأساسي والاجابة الكاملة في الحلقة القادمة.