القاهرة - داليا نعمة (رويترز) - اكتظ سوق صغير في مدينة السادس من أكتوبر في إحدى ضواحي محافظة الجيزة وتفرعاته بالباعة المنادين على بضائعهم بلهجة سورية غريبة عن محيطها لكنها تتفاوت في حد ذاتها بين شخص وآخر بعد أن تفرق السوريون لاجئين في مصر ليجمعهم هذا السوق.. فبدوا وكأن كلا منهم جلب قطعة من "سورياه" معه.



وقال عبد المهيمن الذي يعمل في كشك لبيع الهواتف النقالة "أول ما إجيت لهون كان المكان فاضي.. زي الصحراء بالضبط. بدأت الفكرة وفتح الأول والتاني والتالت وبدأ السوق يشتغل."

لم يجلب السوريون بضائعهم فقط من بلادهم ليمتلئ بها السوق بل عاداتهم أيضا.

كما استفادوا من وجود جامعة يقصدها الطلاب من جميع المناطق المجاورة لينثروا طيباتهم وأطعمتهم ذات الأسعار الزهيدة حتى مقارنة بالمتاجر المصرية حول الجامعة والشوارع المتفرعة منها والمناطق المحيطة بسكن الطلاب ذوي الدخل المحدود الذين يشكلون زبائن النهار لهذه المحلات وسمار الليل للمقاهي المنتشرة بينها.

هرب حاتم من مسقط رأسه في حمص بعد انتقال الحرب الأهلية المستعرة في بلاده إلى هناك ولجأ إلى مصر حيث فتح كشكا للحلويات في السوق.

وقال حاتم "الحمد الله.. الأمور بألف نعمة بفضل من الله.. عايشين ومبسوطين هون بمصر .. مصر حلوة وهي اللي استقبلتنا وبتخلينا نعمل كل شي."

يجلب حاتم ما يحتاجه من مواد أولية ضرورية من سوريا ليحافظ على تميز طعم بضاعته ويصنع الباقي في متجره كما معظم من يبيعون الأطعمة المختلفة في السوق.



وأحدث مجيء السوريين قبل خمس سنوات وخصوصا التجار الصغار وأصحاب المصالح الصغيرة وتغلغلهم في المجتمع المصري بعض التغير في عادات الأكل والطعام لم تنسحب بعد على الشكل الاجتماعي نظرا لتجمعهم كما جميع الأقليات المهاجرة أو اللاجئة في أمكنة محددة في القاهرة وضواحيها خوفا ربما من أن يفقدوا شخصيتهم وهويتهم أو لا يجدوا من يذكرهم بذلك عندما ينسون.

ولجأ إلى مصر أكثر من 118 ألف سوري وفقا لبيانات مفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة.

وفي السوق السوري المخصص بمعظمه للمأكولات على أنواعها في 6 أكتوبر وفر الباعة السوريون للمصريين كل ما كانوا يشتهونه ويتعلقون به بعد رحلات سياحية إلى لبنان وسوريا بكرم الضيافة وقالب من اللهجة الشامية المحببة التي يعشقها المصريون وزاد تعلقهم بها وفهمهم لها بعد متابعتهم للمسلسلات التركية المدبلجة باللهجة السورية التي غزت محطات التلفزيون فلم تعد بالنسبة لهم مجرد طلاسم محببة لكنها اكتسبت معنى.

وبين رائحة الشاورما والفلافل وأكياس الزهورات (الاعشاب) وروائحها والزعتر الحلبي والشامي بنكهته ولونيه المميزين وجملة "تفضلي يا خانوم" قد ينسى المارة للحظة أنهم في مصر وينتقلون مع كل خطوة إلى منطقة مختلفة في مزيج فريد لن يشاهدونه حتى في سوريا عينها.



فمن محل للحلويات يديره دمشقي إلى آخر للكنافة النابلسية صاحبه من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا إلى ثالث لبيع الزيتون والأجبان والألبان يتشارك فيه شخصان من حماة وإدلب تخرج بضائع بأسعار تثير أحيانا ذهول الزبائن كونها لا تتفق مع جودة ما يشترونه.

ورغم كل الطيبات وعد بائع الحلو محمد الخطيب جمهوره المصري بموسم صيفي أجمل وأكلات أشهى.

وقال "في شغلات لسا عم تنزل (على السوق) . كانت الدنيا شتا وهلق لح تنزل (ستطرح في السوق) بالصيف. لح تنزل عنا البوظة (الدمشقية الشهيرة التي تدق يدويا) وسلطات الفواكه الباردة."

وفي المنطقة المحيطة لم يشعر السكان المحليون بأن الوافدين الجدد قد سرقوا منهم رزقا أو خربوا هدوء المنطقة وحولوها سوقا مزدحمة بل على العكس عبروا عن سعادتهم "بالشيء الجديد" الذي جلبوه معهم بطابعه الشامي المحبوب.

وقال رجب محمود وهو أحد السكان المصريين "هما بصراحة بيعملوا حاجة جديدة.. بيقدموا نموذج جديد للشعب المصري .. هما بيشتغلوا في كل حاجة وكل المجالات وبيجيبوا حاجات جديدة بتعجب الناس المصريين كتير."

في مرحلة ما في التاريخ كانت سوريا ومصر بلدا واحدا لكن الاختلافات والخلافات بين الثقافتين والشعبين عجلت بالانفصال. اليوم تعود هذه الصلة من جديد - قسرا ربما- لكنها تزهر تعايشا بين مواطني البلدين لم تنجح السياسة قط في فرضه.