الرياض (الفيصل) في 21 سبتمبر الماضي، وقّع الرئيس فلاديمير بوتين مرسومًا بشأن التعبئة الجزئية. وفقًا لوزير الدفاع سيرجي شويغو، فمن المخطط استدعاء 300 ألف شخص للمشاركة في الأعمال العسكرية في أوكرانيا. ويخضع المواطنون ذوو التخصصات العسكرية اللازمة والخبرة القتالية من الاحتياط للتعبئة، وبالدرجة الأولى الجنود والرقباء وضباط الصف حتى سن 35 عامًا، وصغار الضباط حتى سن 50 عامًا.



عما وراء هذه الخطوة التي قام بها الرئيس، وكيف يُرسَم مستقبل روسيا الآن، يتحدث جينادي زوغانوف، في مقابلة مع سفوبودنايا بريسا (الصحافة الحرة).

في هذه المقابلة يقول جينادي زوغانوف: «روسيا تمر الآن بعملية تصليب بالنار والعقوبات والتحديات والتهديدات، وهذه ليست المرة الأولى التي نتعرض فيها لهذا، وأنا متأكد من أننا سنجتاز الاختبار بكرامة، ومن الضروري فقط أن نتذكر وصية ألكسندر نيفسكي الشهيرة: «الله ليس في السلطة، بل في الحقيقة»، وأن نتخلص من الأكاذيب والأوهام التي تتشبع بها وكالات الأنباء اليوم.

واسمحوا لي أن أذكركم أنه حتى في أقسى الأوقات، كان مكتب الإعلام السوفييتي يقدم تقارير عن كل تجمع سكاني كبير تسلمه النازيون، حتى عندما أخذنا وسلمنا خاركوف مرتين، أُبلِغَ عن ذلك على الفور، وهذا جعل من الممكن حشد الناس لتحقيق النصر قدر الإمكان. الحقيقة هي السلاح الرئيس للأقوياء والأذكياء والناجحين.

لماذا هذا مهم؟ في الواقع، لقد دخلنا حقبة جديدة، وقد أصبح هذا ملحوظًا بشكل خاص في الأسابيع الأخيرة، حيث يهددنا الناتو في الغرب أكثر فأكثر بحرب كبرى. في سبتمبر، اجتمع وزراء دفاع وممثلو أكثر من 50 دولة في



قاعدة رامشتاين الجوية الأميركية في ألمانيا تحت قيادة رئيس البنتاغون لويد أوستن لتنسيق المساعدة العسكرية الغربية لكييف، ولقد حددوا الأهداف والأسلحة والقيادة والتحكم بالأعمال الحربية في أوكرانيا.

في الواقع، نُفِّذَتْ خطة طويلة الأمد لاحتلال الأراضي السوفييتية، وإطلاق العنان لحرب كبيرة ضدنا. وفي الوقت نفسه تقريبًا، عُقدت قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند بمشاركة زعماء الهند وكازاخستان وقيرغيزستان والصين وأوزبكستان وروسيا، إضافة إلى طاجيكستان وباكستان، واتفقت أربع حضارات -روسية وصينية وهندية وفارسية- للمرة الأولى على النضال معًا ضد العولمة الأميركية ووقاحة الناتو. وقد أظهرت المحادثات بين بوتين وشي جين بينغ مرة أخرى الرغبة في التعاون البنّاء لبناء عالم قائم على المصير المشترك للبشرية، وعلى أعلى القيم الأخلاقية والثقافية. وليس من قبيل المصادفة أنه في اليوم التالي، زار أمين مجلس الأمن في الاتحاد الروسي باتروشيف بكين وأجرى محادثات بناءة جدًّا هناك. إن كل ما يحدث يتطلب سياسة محلية جديدة نوعية؛ لذلك، فإن الخطاب الذي وجّهه الرئيس بوتين إلى مواطني البلاد، في رأيي، هو ذو طبيعة مبدئية استثنائية».



تقسيم روسيا

● أي لحظة في الخطاب يمكن عدّها المفتاح؟

■ قال الرئيس أولًا: إن الهدف الرئيس للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي هو تدمير واستعباد بلادنا، فلم يكن كافيًا لهم أنهم في عام 1991م ساعدوا في تدمير الدولة السوفييتية، واستولوا على أسواق وأشياء ثمينة ضخمة، ولا يكفي أن أيديولوجيتنا استسلمت وانتصرت المعايير والقيم الليبرالية، ولا يكفي أنه تحت إملاءات ما يسمى بالسوق الحرة، دمرت شركة يلتسين وغايدار وتشوبايس السكيرين والسرّاقين 85000 مؤسسة وباعت أكبر أصول البلاد من دون مقابل تقريبًا.

كل ذلك لا يكفي، والآن جاؤوا من أجل الهدف الأخير، وغايتهم الرئيسة هي تقسيم روسيا وتقطيع أوصالها وخصخصتها كلها، ولا يمكن لأي شخص وطني سويّ أن يوافق على هذا. لقد رأينا كيف حدث كل هذا -أنا وميلنيكوف وخاريتونوف وكالاشنيكوف- لأننا عملنا لسنوات عدة في مجلس أوربا، وعندما فتحنا أفواهنا في ستراسبورغ وحاولنا التمسك بقيمنا ومُثُلنا العليا، سرعان ما سُحِبْنا وأُدِنَّا على أن: جمهورية بيلاروسيا لم تعتمد قوانين يلتسين اللصوصية بل تصرفت تصرفًا مستقلًّا، وعلى أننا غير راضين عن تكاثر الفاشيين في دول البلطيق، وعلى دعم إيران التي دمرها الأميركيون، وصربيا التي قصفها الناتو لمدة 78 يومًا. كان المطلوب منا في مجلس أوربا أمرًا واحدًا فقط، وهو أن نُصوِّت بطاعة على «الموافقة». إن مشاركتنا في مجلس أوربا، في المحصلة، لم تؤدِّ إلى أي خير.

كل هذا ينتمي إلى الحقبة التي قررت فيها سلطات الكرملين والأوليغارشية بناء «غربهم الخاص»، لكنهم في الواقع أدركوا لاحقًا أن ذلك مستحيل من ناحية، وأنه من ناحية أخرى كان خطرًا مميتًا.

● لماذا هو مستحيل؟

■ حضارتنا قائمة، أولًا قبل كل شيء، على سلطة عمودية قوية وذكية، وأيضًا على العدالة، والإحساس الجماعي، ومن دون هذا لا يمكننا الوجود. وسأضيف أيضًا أننا أبناء الانتصار، وأبناء مساحات شاسعة من أوراسيا، وعلينا أن نبني دولتنا على أساس قيمنا وتاريخنا الذي يمتد لألف عام. قيمنا وقيم الغرب تصادمت في الدونباس، الذي كان أول من هب للدفاع عن العالم الروسي ضد وقاحة الناتو وعدوان أميركا، واليوم علينا أن نفهم أن النصر في الدونباس، وتحريره، وتطهير أوكرانيا من النازية والفاشية، هو فقط ما يسمح لنا بالحفاظ على وجودنا وتطوير مستقبلنا بنجاح.



سيناريوهات ومخاوف

● ما السيناريوهات المتوقعة للمستقبل؟

■ حلقة التهديدات حول روسيا تزداد قوة، وفي المحيط، تنفجر «التدابير» التي صنعتها مؤخرًا الخدمات الأميركية الخاصة في كل مكان. الولايات المتحدة تضخ الأسلحة إلى إستونيا، وتحاول إشعال نار الصراع في كاراباخ، وتقوم باستفزازات عسكرية على حدود قيرغيزستان وطاجيكستان. ويجب القول: إن الأميركيين كانوا دائمًا قادرين على القيام بذلك، ودفع الآخرين إلى المواجهة والاستفادة منها. في مثل هذه الحالة، أكرر القول: يجب علينا أولًا قبل كل شيء تحقيق النصر في الدونباس، وخطاب الرئيس يرتبط مباشرة بهذا. وكما أوضح وزير الدفاع شويغو، يخضع 300 ألف شخص للتعبئة الجزئية، وأود أن أغتنم هذه الفرصة لأطمئن الأمهات، فنحن هنا لا نتحدث عن المجندين الذين استُدعُوا، وإنما نحن بحاجة إلى متخصصين اجتازوا مدرسة عسكرية جيدة ولديهم خبرة ذات صلة. لدينا كثير من هؤلاء، في روسيا وحدها هناك أكثر من مليوني شخص يحملون الرتب العسكرية، وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تلقى العديد منهم تدريبات مناسبة، وشاركوا في عمليات عسكرية في القوقاز وسوريا، وهم أشخاص محترفون.

إنه لمن المهم أن يستند الاختيار في إطار التعبئة على مستوى الاحتراف بالضبط، وأن تُراعَى الطواعية، وإذا أُطلِعَ الناسُ على الاحتمالات، وأُخبِرُوا كيف سنتصرف، وأُوضِحَ لهم لماذا كان علينا القيام بالعملية الحربية الخاصة، وأخيرًا، إذا ساعدنا عائلات المجندين، فأؤكد لكم أن كل شخص آخر دُعِيَ إلى مراكز التجنيد سيوافق على الخدمة طواعية. هذه نقطة أساسية، ولطالما شُجِّعْنا في ثقة بأننا على حق ونرغب في الدفاع عن الآخرين في وطننا الأم. وهناك نقطة أخرى مهمة، وهي أنه يجب ألّا يُعَبَّأ الناس اليوم، فيما تُترَك غدًا قطاعات اقتصادية بأكملها من دون مشغلين للآلات، فلا يكون هناك من يحرث ويزرع، حتى في أثناء الحرب الوطنية العظمى، كان هناك تحفظات على مشغلي الآلات، ولم يُستدعَوْا إلى الجبهة، وقد كان الأخ الأصغر لوالدي مشغلًا للآلات وعمل في الحقول طوال مدة الحرب.

● هل هناك سيناريو معين تخشونه؟

■ أكثر ما أتخوف منه هو خاسافيورت ثانٍ، وقد رأيت كيف خان الجنرال ليبيد جنودنا، وكيف أجبرنا بعد عامين على شن الحرب مرة أخرى، للدفاع عن أراضينا ضد المجرمين الذين أتوا إلى الأراضي الشيشانية من جميع أنحاء العالم. مثل هذه الأخطاء لا يمكننا تكرارها مع كييف، و«مفاوضونا» يركضون من الصباح إلى المساء، ناسين أنه لا يمكن تصديق كلمة واحدة لزيلينسكي، وأن أوكرانيا أصبحت تحت إمرة الجنرالات والخدمات الخاصة الأميركية منذ مدة طويلة، فيما يلعب المهرجون الدمويون دور الدُّمَى الصغيرة فقط.

● وما سيناريو تشديد عملياتنا الحربية؟

■ يقترح بعضٌ استخدام أسلحة نووية! اسمحوا لي أن أكون واضحًا: الأسلحة النووية هي أسلحة ردع، لقد شاركت شخصيًّا في الاختبارات التي أجريت على «الأرض الجديدة» في أكتوبر 1961م، حيث كان علينا اختبار قنبلة نووية حرارية، بقوة 50 كيلوطن فوق مضيق ماتوشكين شار لتهدئة المتهورين في البنتاغون، وقد أدهشتني قوة هذا الانفجار، فقد سارت الموجة الصادمة حول الأرض ثلاث مرات، وأحرقت الكرة النارية المعدات العسكرية على شاطئ المضيق، وذابت بعض السيارات.



والخلاصة واضحة: لا ينبغي العبث بالأسلحة النووية، والملحوظ أن المجانين من الجانب الأوكراني يواصلون إطلاق النار على محطة زابوروجي للطاقة النووية. نحن بحاجة إلى إجراء عملية عسكرية كاملة، وتنفيذ التعبئة الجزئية، وربما التفكير في تطبيق الأحكام العرفية في المناطق المتاخمة لأوكرانيا، حيث تقصف القوات المسلحة الأوكرانية الآن التجمعات السكنية، في بيلغورود، وبريانسك، وكورسك، ونحتاج أيضًا إلى توفير تعزيزات شخصية، وتنظيم دعم إعلامي خاص للعملية الحربية الخاصة.

عندما كنا نستعد للحرب الوطنية العظمى، كان ستالين مدركًا بشكل ممتاز أنه من دون صناعة حديثة قوية، ومن دون تنشئة جيل شاب روسي وطني، سيكون من المستحيل النجاح في المهام المحددة، وقد بُذِلَ كل شيء من أجل هذه التنشئة: كُتِبَ تاريخ حقيقي، وأُنتِجَتْ أفلام رائعة عن الجنرالات بيتر الأول، وأوشاكوف، وسوفوروف. علاوة على ذلك، فمنذ الأيام الأولى للحرب، توجهت الشخصيات الثقافية المبدعة بقوة نحو الدعوة لحماية البلاد، وكان شولوخوف أول من أرسل برقية لستالين يعلن فيها استعداده للانضمام إلى المدافعين عن البلاد، كما أنه تبرع بجائزة ستالين لصندوق الدفاع، وهذا المثال تبعه سيمونوف، الذي كان مراسلًا لصحيفة (النجمة الحمراء)، في مدينة أويسا المحاصرة عام 1941م، وهذا ما فعله أيضًا كل من إيليا إيرنبورغ وميخالكوف الأب.

هناك ما يجب أن نتعلمه من هؤلاء. ولكن ركزوا الانتباه، لدينا في مدارسنا وجامعاتنا حتى الآن كتب من الطراز الأميركي، ولن تقرؤوا فيها عن قادة النصر العظماء مثل: جوكوف، روكوسوفسكي، فاسيليفسكي، كونيف، فاتوتين، وباغراميان، وبالتحديد هذا ما يجب تعليمه لشباب اليوم، وتثقيفهم بروح العدالة والتعاون والنصر.

من أجل وقف المذبحة

● ما المطلوب الآن في المقام الأول؟

■ لدينا مسؤولية شخصية في الوضع الحالي. الإستراتيجية والتكتيك هي من اختصاص هيئة الأركان العامة، لكن تعبئة المجتمع والعمل مع الناخبين هي بالفعل مهمتنا المباشرة. وهناك أيضًا الدعم الإعلامي والتحكم بالخدمات اللوجستية لأفرادنا المشاركين في العملية الحربية الخاصة. إضافة إلى ذلك، نحن في حاجة إلى عمل مستقر للمجمع الصناعي العسكري، ولكي تعمل المؤسسات من دون توقف، في ثلاث نوبات أو أربع نوبات؛ ونحتاج إلى أن يعمل المجمع الاقتصادي الوطني جيدًا، وبما أن الأمر كذلك، فنحن في حاجة إلى ميزانية مناسبة، وفي حاجة إلى سياسة اقتصادية سليمة. الآن، على سبيل المثال، هناك من يريدون تحويل خط أنابيب النفط والغاز إلى الشرق، ويقترحون إنفاق أكثر من 30 مليار دولار على هذا. هذه أموال مجنونة، وتعادل 18 تريليون روبل بسعر الصرف الحالي! وبها يمكنهم إصلاح الطرق، وتوفير أجور معيشية قدرها 25 ألف روبل كحد أدنى، والاستثمار في استعادة الاقتصاد المدمر، ودعم المؤسسات المحلية، وهذه أيضًا مهام بالغة الأهمية!



لقد طرحتُ مهمة مساعدة الدونباس بكل الطرق الممكنة أمام قادتنا، الشيوعيين والحكوميين، مثل: كليشكوف، روسكيخ، كونوفالوف ولوكت رئيس بلدية نوفوسيبيرسك، وقد جمعنا بالفعل 101 قافلة إنسانية، ونحن نستقبل الأطفال من الدونباس، ونعلمهم، ونعالجهم، لكننا اليوم مضطرون إلى مخاطبة الشعب الأوكراني مباشرة، فبعد كل شيء، أصبح الأوكرانيون، وأراضيهم، رهائن لمغامرة خطيرة ورهيبة لأولئك الذين خانوا أوكرانيا وباعوها، والذين حولوها إلى قاعدة عسكرية للغرب! والأميركيون ينظرون إلى كل من الأوكرانيين وإلينا على أننا مواد استهلاكية حصريًّا! لذلك نحن جميعًا بحاجة إلى رص الصفوف، ورغبة الأقاليم المحررة في إجراء الاستفتاءات والعودة إلى حضن وطنها التاريخي أمر مفهوم ومبرر. وعلى الجميع أن يدعموا هذا! وبتحرير الناس من البانديريين، نحن نساعد في تطهير أوكرانيا من هذه الكراهية، ووقف المذبحة الفظيعة والمروعة التي تَجُرّنا إليها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

ترجمة: (حوار) رسلان عامر 1 يناير 2023