فرانس 24 - منذر مدفعي : اقتحمت الشياطين أبواب متحف أورسيه الباريسي بألوان قاتمة يغلب عليها الأسود والأحمر التي غالبا ما ترافق الكوابيس التي تصف الشيطان وجحيمه. يضم المعرض لوحات لفنانين كبار من نهاية القرن الثامن عشر وحتى بداية القرن العشرين. وسيستمر المعرض حتى السادس من حزيران /يونيو المقبل.



مفاهيم الرومانسية السوداء تدخل إلى متحف أورسيه للمرة الأولى، اقتحمت الشياطين أبواب المتحف لتجثم على الجدران بألوان قاتمة يغلب عليها الأسود والأحمر التي غالبا ما ترافق الكوابيس التي تصف الشيطان. يضم المعرض لوحات لفنانين كبار من نهاية القرن الثامن عشر وحتى بداية القرن العشرين. رسامون وأدباء ومخرجون كرسوا جانبا كبيرا من فنهم لوصف الشيطان وعالمه المخيف المليء بالأسرار.

كما تمثل الرومانسية السوداء نوعا من التحرر الفكري والجنسي نحو وصف العالم بمفاهيم رمزية للخروج من القالب الأدبي المألوف.

لوحة الفنان البريطاني جون مارتن "هيجان الجن" مثلت العمود الفقري للمعرض حيث جسدت العالم الرمزي للشيطان إذ يطغى اللون الأحمر على اللوحة التي أستلهمها من كتاب "الفردوس المفقود" للشاعر الإنكليزي جون ملتون. تصور اللوحة نهرا أحمر قاتما يشق طريقه وسط صخور سوداء متفحمة ويقف على إحدى تلك الصخور الشيطان ببدلة الحرب التي أعلنها على أعدائه ممسكا بيده رمحا ودرعا ذهبيا، ويلوح باليد الأخرى لأتباعه المنتشرين في النهر. وخلف النهر يجثم قصرا مهيبا يرتفع حتى السماء السوداء يرمز لعالم الشيطان الذي يغوى به من يشاء.

وحتى إطار اللوحة جاء مكملا لها بتلك الأفاعي الملتوية حول الإطار الخشبي كرمز أزلي للشيطان. ( هنا )



لم يقتصر المعرض فقط على اللوحات التي تجسد الشيطان بكافة أشكاله المحتملة وإنما أخذ مدى أوسع ليشمل المنحوتات الفنية، الأبيات الشعرية التي تصف الشيطان والجحيم ومقتطفات من بعض الأفلام في حقبة ما بين الحربين العالميتين وهو ما جذب انتباه السيدة ناتالي بريو إحدى زائرات المعرض: "المفاهيم الفنية هنا في غاية التناسق وهي تصب كلها في إطار الرومانسية السوداء من خلال المزج بين الرسم والنحت وكذلك الشعر والسينما لتعطي بالتالي صورة كاملة عن عالم الشيطان".

أما في لوحة الفنان السويسري جون هنريك فوسلي فقد ظهر الشيطان بشكل آدمي جميل، عاري الجسد ومفتول العضلات محاولا الهروب من رمح أحد الملائكة. وقد تخيله الفنان فوسلي بهذا الشكل الجميل ليعبر عن قدرة الشيطان على الغواية والتجسد بشكل جذاب كي يصل إلى غايته، وأيضا هو تعبير عن الشك والحيرة بين الخير والشر. وحتى عندما يكون الشيطان بشكل جميل تبقى الأفعى الرمزية موجودة خلفه بعينيها الحمراوتين لتكون ثنائيا ناجحا أمام آدم وحواء النائمين في أسفل اللوحة.

"الكوميديا الإلهية" لدانتي كانت مصدر إلهام للفنان آدولف وليام بوغورو الذي رسم لوحة "دانتي وفرجيل في الجحيم" وهي تصور الشاعران ينظران إلى قاطني الجحيم وهم يأكلون بعضهم. وطبعا كان الشيطان بلون مغبر محلقا في سماء حمراء ناشرا أجنحته السوداء على امتداد اللوحة وهو ينظر إليهم بزهو وسعادة.



شكسبير أيضا كان حاضرا في المعرض ليوحي للفنان الرومانسي فوسلي بمشهد "الساحرات الثلاث" وتصور اللوحة ثلاث نساء وهن يقدمن النصيحة أو يغوين الأمير المتمرد ماكبث ويقلن له بأنه سيصبح ملكا عن قريب ليثرن لديه غريزة حب السلطة أو رغبة الوصول إلى العرش، وهذه تمثل أيضا أحد أحابيل الشيطان في حربه ضد الإنسان وقد تقمص الشيطان في هذه اللوحة شكلا خفيا يكاد لا يرى في اللوحة وهو جرادة صغيرة تنطلق من الساحرات الثلاث نحو ماكبث.

وإن كانت الحركة الرومانسية تتغنى بوصف الطبيعة وتتغزل بجمال المرأة فإن الرومانسية السوداء تأخذ منح آخر تجاه المرأة وتربط بينها وبين الشيطان بشكل غير مباشر فالفنان البلجيكي جان دولفيل عمد إلى استلهام لوحته "أيقونة المرأة الفاسقة" من قصائد الشاعر الفرنسي بودلير وقد أظهرها دولفيل في اللوحة بهيئة المرأة الحتمية، المغرية والمدمرة. منحها شكل المرأة الأسطورية ميدوزا ذات خصلات الثعابين على رأسها وهي تحول كل من يراها إلى تمثال حجري. وهكذا أفلح في المزج بين الخير والشر، بين الشيطان والإنسان فخرجت لوحة توحد أو تدمج حواء مع ميدوزا.

لكن ناتالي إحدى زائرات المعرض وهي طالبة في كلية الفنون الجميلة عمدت إلى انتقاد أفكار الرومانسية السوداء بشأن المرأة: "أنا لا أرى أن صورة المرأة المدمرة تنطبق تماما على النساء لكن هذه هي أفكار القرون الماضية حيث كان بعض الفنانين وحتى الفلاسفة يكنون شيئا من الكراهية للمرأة أو ربما يخشونها، أما الفنان في العصر الحديث فهو لا يؤمن بنفس الأفكار".

وفي كل الأحوال فإن هذه اللوحة تتفق مع أفكار الماركيز دي ساد والفيلسوف الألماني شوبنهاور اللذين يريان أن الطبيعة تتكون من قوة بناءة وخلاقة لكنها في نفس الوقت عاصفة ومدمرة.

وستبقى الشياطين تغطي جدران متحف أورسيه حتى السادس من حزيران/ يونيو المقبل