بســم الله الـرحمــن الرحيــم
السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاته ،،

قصة أيوب عليه السلام

{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ(41)ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ(42)وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ(43)وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (44) سورة ص

{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ} هذه هي القصة الثالثة في هذه السورة، والإِضافة للتشريف أي اذكر يا محمد عبدنا الصالح أيوب عليه السلام، الذي ابتلي بأنواع البلاء فصبر. {إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} أي حين نادى ربه متضرعاً إليه قائلاً إني مسني الشيطان بتعبٍ ومشقة، وألمٍ شديد في بدني، قال المفسرون: وإِنما نسبَ ذلك إلى الشيطان تأدباً مع الله تعالى، وإِن ْكانت الأشياء كلها خيرها وشرها من الله تعالى، وكان أيوب قد أُصيب في ماله وأهله وبدنه، وبقي في البلاء ثمان عشرة سنة، وقد تقدمت قصته {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} أي وقلنا له اضرب برجلك الأرض فضربها فنبعت له عين ماءٍ صافية {هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} أي وقلنا له هذا ماءٌ تغتسل به، وشراب تشرب منه، فاغتسل منها فذهب ما كان بظاهر جسده، وشرب منها فذهب كل مرضٍ كان داخل جسده، قال أبو حيان {هَذَا مُغْتَسَلٌ} أي ما يُغتسل به {وَشَرَابٌ} أي ما يشرب منه، فباغتسالك يبرأ ظاهرك، وبشربك يبرأ باطنك، والجمهور على أنه نبعت له عينان، شرب من إحداهما واغتسل من الأُخرى فشفي {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} أي أحيا الله من مات من أولاده ورزقه مثلهم، قال الرازي: الأقرب أن الله تعالى متعه بصحته وبماله وقوَّاه حتى كثر نسله وصار أهله ضعف ما كان وأضعاف ذلك، وعن الحسن أنه أحياهم بعد أن هلكوا، وقال أبو حيان: الجمهور على أنه تعالى أحيا له من مات من أهله، وعافى المرضى، وجمع عليه من شتت منهم {رَحْمَةً مِنَّا} أي رحمةً منَّا به لصبره وإِخلاصه {وَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ} أي وعبرة لذوي العقول المستنيرة، قال ابن كثير: أي وذكرى لذوي العقول ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} أي وقلنا له خذْ بيدك حزمة من القضبان الرفيعة فاضرب بها زوجتك لتبرَّ بيمينك ولا تحنث، قال المفسرون: كان أيوب قد حلف أن يضرب امرأته مائة سوطٍ إِذا برئ من مرضه، وسبب ذلك أنها كانت تخدمه في حالة مرضه، فلما اشتد به البلاء وطالت به المدة وسوس إليها الشيطان: إلى متى تصبرين؟ فجاءت إلى أيوب وفي نفسها الضجر فقالت له: إلى متى هذا البلاء؟ فغضب من هذا الكلام وحلف إن شفاه الله ليضربنها مائة سوط، فأمره الله أن يأخذ حزمةً من قضبانٍ خفيفة فيها مئة عود ويضربها بها ضربة واحدةً ويبرَّ في يمينه، ورحمةً من الله به وبزوجه التي قامت على رعايته، وصبرت على بلائه، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأطاعه ولهذا قال تعالى :- { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} أي ابتليناه فوجدناه صابراً على الضراء {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} أي نعم العبد أيوب إِنه كثير الرجوع إلى الله بالتوبة والإِنابة والعبادة.

وكثرت الروايات والأساطير التي نسجت حول مرض أيوب، ودخلت الإسرائيليات في كثير من هذه الروايات. ونذكر هنا أشهرها:-

أن أيوب عليه السلام كان ذا مال وولد كثير، ففقد ماله وولده، وابتلي في جسده، فلبث في بلائه ثلاث عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا زوجته ورجلين من إخوانه.
وكانت زوجته تخدم الناس بالأجر، لتحضر لأيوب الطعام. ثم إن الناس توقفوا عن استخدامها، لعلمهم أنها امرأة أيوب، خوفاً أن ينالهم من بلائه، أو تعديهم بمخالطته. فلما لم تجد أحداً يستخدمها باعت لبعض بنات الأشراف إحدى ضفيرتيها بطعام طيب كثير، فأتت به أيوب، فقال: من أين لك هذا؟ وأنكره، فقالت: خدمت به أناساً، فلما كان الغد لم تجد أحداً، فباعت الضفيرة الأخرى بطعام فأتته به فأنكره أيضاً، وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام؟ فكشفت عن رأسها خمارها، فلما رأى رأسها محلوقاً، قال في دعائه:- {رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين}. وحلف أن يضربها مئة سوط إذا شفى.
وقيل أن امرأة أيوب أخبرته أنها لقيت طبيبا في الطريق عرض أن يداوي أيوب إذا رضي أن يقول أنت شفيتي بعد علاجه، فعرف أيوب أن هذا الطبيب هو إبليس، فغضب وحلف أن يضربها مئة ضربة.
أما ما كان من أمر صاحبي أيوب، فقد كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما للآخر: لقد أذنب أيوب ذنبا عظيما وإلا لكشف عنه هذا البلاء، فذكره الآخر لأيوب، فحزن ودعا الله. ثم خرج لحاجته وأمسكت امرأته بيده فلما فرغ أبطأت عليه، فأوحى الله إليه أن اركض برجلك، فضرب برجله الأرض فنبعت عين فاغتسل منها فرجع صحيحا، فجاءت امرأته فلم تعرفه، فسألته عن أيوب فقال: إني أنا هو، وكان له أندران: أحدهما: للقمح والآخر: للشعير، فبعث الله له سحابة فأفرغت في أندر القمح الذهب حتى فاض، وفي أندر الشعير الفضة حتى فاض.

وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينما ‏‏أيوب يغتسل عريانا خر عليه جراد من ذهب فجعل يحثي في ثوبه فناداه ربه يا ‏‏ أيوب ‏ ‏ألم أكن أغنيتك عما ترى قال بلى يا رب ولكن لا غنى لي عن بركتك) .

فلما عوفي أمره الله أن يأخذ عرجونا فيه مائة شمراخ (عود دقيق) فيضربها ضربة واحدة لكي لا يحنث في قسمه وبذلك يكون قد بر في قسمه. ثم جزى الله -عز وجل- أيوب -عليه السلام- على صبره بأن آتاه أهله (فقيل: أحيى الله أبناءه. وقيل: آجره فيمن سلف وعوضه عنهم في الدنيا بدلهم، وجمع له شمله بكلهم في الدار الآخرة) وذكر بعض العلماء أن الله رد على امرأته شبابها حتى ولدت له ستة وعشرين ولدا ذكرا.
هذه أشهر رواية عن فتنة أيوب وصبره.. ولم يذكر فيها أي شيء عن تساقط لحمه، وأنه لم يبقى منه إلا العظم والعصب. فإننا نستبعد أن يكون مرضه منفرا أو مشوها كما تقول ألأساطير ..والله اعلم

ويجدر التنبيه بأن دعاء أيوب ربه {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}. قد يكون القصد منه شكوى أيوب -عليه السلام- لربه جرأة الشيطان عليه وتصوره أنه يستطيع أن يغويه. ولا يعتقد أيوب أن ما به من مرض قد جاء بسبب الشيطان. هذا هو الفهم الذي يليق بعصمة الأنبياء وكمالهم.

وروى الطبري أن مدة عمره كانت ثلاثا وتسعين سنة فعلى هذا فيكون عاش بعد أن عوفي عشر سنين، والله أعلم. وأنه أوصى إلى ولده حومل، وقام بالأمر بعده ولده بشر بن أيوب، وهو الذي يزعم كثير من الناس أنه ذو الكفل ...والله اعلم.
والسلام عليكــم ورحمـة الله وبركاته ،،