قصه سيدنا يوسف ( الجزء الأول )
كان يوسف أحب أبناء يعقوب إليه وكان له أحد عشر أخاً ، هؤلاء جميعاً كانوا يغارون من حب يعقوب ليوسف إلا أخاه الصغير بنيامين .



وذات صبح استيقظ من نومه وقد رأى رؤيا جميلة وعجيبة فدخل علي أبيه في حجرته وجلس إلي جواره وحدثه قائلاً : لقد رأيت يا أبي أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين .


أدرك يعقوب من تأويل تلك الرؤيا أن يوسف سيكون له شأن عظيم .


سيكون نبياً من الصالحين كما كان أبوه يعقوب وجداه إسحاق وإبراهيم عليهم جميعاً السلام .


ولكن يعقوب خشي علي يوسف من غيرة إخوته فقال له : لا تقصص رؤياك علي إخوتك فيحاولون الخلاص منك ( يا بني لا تقصص رؤياك علي إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدو مبين ) .


المؤامرة


اجتمع أخوة يوسف العشرة وقالوا وهم يناقشون كيفية الخلاص من يوسف :


قال أحدهم : نقتله ونستريح من حب أبينا له .


قال آخر : بل نلقي به في أرض بعيدة تأكله الذئاب ولا يستطيع منها عودة .


اعترض أحدهم وقال : لا . لا نقتله ، بل نلقيه في البئر ، فتأخذه إحدى القوافل المارة وتبيعه فنتخلص منه .


أكمل أحدهم : فإذا عدنا إلي أبينا نقول له : لقد أكل الذئب يوسف .


ثم أخذوا إلي أبيهم وأخذوا يحتالون عليه أن يعطيهم يوسف ليلعب معهم في المكان الذي يذهبون إليه .


فقال لهم يعقوب : أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه مشغلون .


فقالوا : لن نتركه يغيب عنا وسوف نحافظ عليه ، فلا تخش عليه .


ولما أخذوه ومضوا به بعيداً عن دار أبيهم أخذوا يشتمونه ويسبونه وقالوا له بعدما نزعوا عنه قميصه : سوف نلقيك في البئر .


فأوحي إليه الله جل علاه : لا تخف ، سوف تخرج وستكون في خير حال ، وسوف تخبرهم عما فعلوه بك .


بعدما تخلصوا منه بإلقائه في البئر ، ذبحوا شاة ، ولوثوا قميصه بالدم .


وانتظروا حتى حل الظلام ، ثم عادوا إلي دارهم ودخلوا علي أبيهم يبكون .


أيقن يعقوب أنهم فعلوا بيوسف شيئاً .


قالوا له : ذهبنا لنلعب وتركنا يوسف عند أشيائنا وحاجتنا لما عدنا وجدنا الذئب قد أكله .


نظر يعقوب إلي قميص يوسف وقلبه يكاد ينفطر فرأى القميص سليماً ولم يتمزق وتأكد أنهم يكذبون .


خروج يوسف من الجب


جاءت قافلة فذهب أحدهم إلي البئر ، فلما أدلي دلوه تعلق به يوسف فلما رأى الرجل يوسف صاح فرحاً : يا بشرى هذا غلام .


وأخذه إلي القافلة ، وتابعت القافلة سيرها حتى وصلت مصر ، فباعوه في سوق الرقيق (العبيد)، اشتراه عزيز مصر ( أي كبير وزرائها ) .


كانت زوجة العزيز لا تنجب ، فطلب إليها زوجها أن تهتم به وترعي شئونه عسي أن ينفعاهما ، ويكون لهما بمثابة الابن .


أكرمي مثواه


كبر يوسف في بيت العزيز ، وأحضر له الوزير المدرسين والمعلمين لأنه أحبه من أمانته وصدقه ونزاهته واستقامته ، وأصبح يوسف شاباً جميلاً ، رائع الحسن والجمال ، وعلمه الله وأعطاه حكماً صائباً .


فوقعت زوجة العزيز في حبه ، أحبته حباً شديداً .


فلبست أجمل ما عندها ، وتزينت وتجملت ، وذهبت إليه في غرفته وأغلقت الباب وقالت له : أنا لك ، فقد هيأت لك نفسي .


فقال لها يوسف : أستغفر الله ، إني أخاف الله .


وجرى نحو الباب يحاول الفرار منها ، ويحاول فتحه فأسرعت تشده من قميصه فتمزق من خلفه في يدها .


حين فتحت الباب وجدت إمراة العزيز زوجها وأحد أقاربها واقفين فأسرعت تقول لزوجها : لقد أراد الاعتداء علي ، لا بد أن يسجن ويعذب ويؤدب .


فقال يوسف : هي راودتني عن نفسي ، عرضت نفسها علي .


فقال قريبها : سوف نتأكد من الحقيقة الآن . إن كان قميصه قد تمزق من الخلف فهو صادق وهي كاذبة ، وإن كان قميصه قد تمزق من الأمام فهي صادقة وهو كاذب .


فلما رأى قميصه قد تمزق من الخلف قال : إنه من كيدكن ، إن كيدكن عظيم .


طلب العزيز من يوسف ألا يخبر أحداً بما حدث ، واتجه إلي زوجته وطلب منها أن تستغفر لذنبها التي فعلته .


النسوة يقطعن أيديهن


شاع في المدينة قصة زوجة العزيز وفتاها المغرمة به فتحدثت النساء عنها وبلغها ما يتقولن به عليها .


فأمرت بجمعهن جميعاً علي الغداء ، وقدمت لهن ألواناً كثيرة من الطعام والشراب ، ثم قدمت لهن الفاكهة ، وأعطت لكل واحدة منهن سكيناً وأمرت ليوسف أن يخرج عليهن ، فلما ظهر أمامهن .. قطعن أيديهن من حسنه بدلاً من الفاكهة التي كن يقطعنها .


وقلن جميعاً : حاشا لله ما هذا بشر ، هذا ملاك .


فضحكت منهن وأحست بالسعادة والتشفي وهي ترى الدماء تسيل من أيديهن ثم قالت له أمامهن: أرأيتن هذا الذي بهركن بحسنه ، وعاتبتني علي حبي له ؟ لقد طلبته لنفسي ، وإن لم يطعني سوف أسجنه وأعذبه .


صاحت النسوة : لماذا يا يوسف لا تطيع سيدتك .


قال يوسف : رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ويطلبن مني .


دخل يوسف السجن وفيه راح يدعو إلي دين الله .


كان معه في السجن رجلان أحدهما ساقي الملك واسمه نبو ، والآخر كان يعمل خبازاً للملك واسمه ملحب .


كان الرجلان يعلمان أن يوسف يفسر الأحلام فقص عليه كل منهما ما رآه في منامه .


فقال الخباز : لقد رأيت أنني أضع فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه .


قال الساقي : لقد رأيت أنني أعصر عنباً لأصنع منه خمراً أسقي الملك منه .


أخذ يوسف يعظهما ويدعوهما إلي دين الله الواحد وترك الآلهة المتعددة ويتحدث عن يوم القيامة والبعث .


ثم قال هما يوسف : أما أحدكما فسوف يقتل ويصلب ، وتأكل الطير منه ، أما الآخر فيخرج من السجن ويسقي الملك خمراً .


تحققت نبؤة يوسف بعد فترة قصيرة .


وصلب الخباز ، وخرج الساقي ، وقبل خروجه من السجن قال له يوسف : قل للملك إنني بريء وإنني سجنت ظلماً .


وعده الساقي أن يذكر للملك ذلك ، ولكن الشيطان أنسي الساقي يوسف وما وعده به .


فظل يوسف في السجن بضع سنين أخرى