دويتشه ﭭيله : تحويل قرية صغيرة في جنوب تونس إلى أكبر متحف مفتوح لفن الشوارع في العالم هي بالتأكيد ليست مهمة سهلة. مهدي بن شيخ، صاحب المشروع، أطلع DW عربية على تفاصيل هذه المغامرة الصعبة والفريدة من نوعها في العالم.



كانت إقامة أول متحف مفتوح لفن الشوارع في الشرق الأوسط وفي العالم بأسره فكرة تراود الفنان الفرنسي من أصل تونسي مهدي بن شيخ منذ زمن طويل، إلا أن الفرصة لتحقيق هذا المشروع لم تسنح له إلا مؤخراً، فبعد أن لقي مشروع مماثل أشرف على إنجازه في باريس نجاحاً باهراً، قرر أن يكرر التجربة في تونس، ولكن هذه المرة بأسلوب فريد. وبالفعل، تمكن مدير رواق "إيتينيرانس" الباريسي من جمع 150 فناناً من 30 بلداً والسفر بهم إلى موطنه تونس، لخوض مغامرة ثقافية نادراً أن حظيت بها منطقة الجنوب التونسي.

وقال بن شيخ في حوار مع DW عربية: "الفكرة هي أن نخلق متحفاً متحركاً ومفتوحاً ومجانياً للجميع، له نفس مزايا المتحف العادي، لكنه في الهواء الطلق وليس محصوراً في مكان ضيق. وقد أخذنا في الاعتبار التأثيرات الضوئية والإشارات الحركية لإقامة هذا المتحف".

لمهدي بن شيخ خبرة تصل إلى عشر سنوات في ميدان فن الشوارع بالعاصمة الفرنسية باريس، وقد تمكن في العام الماضي من لفت أنظار العالم، عندما حوّل بصحبة مائة من أفضل فناني الشوارع في العالم بناية مهجورة من تسعة طوابق و36 شقة في قلب باريس إلى صرح عالمي يحوي معرضاً رائعاً لفن الشوارع. واعتبر حينها هذا المشروع، الذي أطلق عليه اسم "تور باريس 13"، معرضاً لم يسبق له مثيل في العالم. واليوم، فإن مشروع بن شيخ الجديد يتركز في جزيرة جربة التونسية.


أكبر متحف مفتوح لفن الشوارع في العالم

متحف تحت أشعة الشمس : اختار الفنان التونسي مهدي بوعناني، الملقب بدابرو، أن يهدي أهالي قرية الرياض في جزيرة جربة بورتريها جميلا لإحدى النساء، وقد ازدحم السياح على القرية للتمتع بأعمال الفنانين المبدعة.


لمسة وفاء لروح محمود درويش : عمل فني للفنان اللبناني ياوان حلواني وهو بورتريه للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش الذي ألقى في تونس قصيدته الشهيرة "كيف نشفى من حب تونس؟".


عمل فني من العراق : هذا العمل هو للفنان العراقي مينا، وهو هدية منه إلى أهالي جزيرة جربة. وتظهر في الصورة امرأة بدوية عراقية تحمل وردة بين يديها. وغالبا ما يستعمل اللون الأزرق والأبيض في طلاء منازل الجزيرة.


المرأة البدوية في تونس : بورتريه يصور امرأة بدوية تونسية متزينة بالحلي أو"الخلخال" التقليدي ولها وشم في وجهها، وهو عمل للفنانة الإسبانية بي توي.


لحظة أمومة : لوحة فنية مزركشة للفنانتين الأمريكتين مونيكا كانيلاو وسوون، استمدت من لحظة أمومة بين أم ورضيعها.


الغرافيتي بمخطوطات عربية : مزيج من فن الغرافيتي والخط العربي، وهو ثمرة عمل في غاية الروعة شارك في إتقانه الفنان التونسي انكمان وزميله الفرنسي سكيبرو دا مونتال فابورز.


قيادة الدراجة على الشاطئ : الفنان الأسترالي انتان ماجي استمد عمله من الحياة اليومية في جزيرة جربة: شاب يقود دراجته على شاطئ البحر، وتبرز الرسوم المعالم المعمارية في الجزيرة الصغيرة.


"عش حياتك" : أضفى هذا البورتريه جاذبية ملفتة على هذا المبنى المهدم، وهو عمل للفنان الألماني هندريك بايكيرش، ونقش على الجدار دعوة مفتوحة لسكان الجزيرة: "عش حياتك".


فن الخط العربي في خدمة الغرافيتي : في أحد أزقة القرية، استمد الفنان الفرنسي من أصل تونسي "السيد" لون عمله من لون الزهور التي غالبا ما يزين بها أهالي الجزيرة منازلهم. والنقشة الجذابة هي لكلمة: "احلم".


جدران منسية : ارتدت الفنانة المصرية آية طارق القبعة التونسية التقليدية "مظلة" المصنوعة من سعف النخيل، للاتقاء من حر الشمس، وشرعت في العمل، فجعلت من جدار منسي لوحة فنية جميلة.


عمل فني من المغرب : الفنان المغربي عبد اللطيف موستاد اختار أن يخطط المقولة الشهيرة "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً"، تحت أنظار أبناء القرية.

الكاتب: سميح عامري


المهمة لم تكن سهلة
وقد وجد بن شيخ في جزيرة جربة ضالته، فالجزيرة الواقعة في البحر الأبيض المتوسط تتمتع بطبيعة ساحرة وتتناثر فيها أشجار النخيل والزيتون. كما تتمتع بطقس متوسطي وهندسة معمارية أندلسية،. واختار الفنان الفرنسي التونسي لمشروعه قرية الرياض في تلك الجزيرة، والتي تبعد بضعة كيلومترات عن مطار الجزيرة الدولي.

لكن مشروع مهدي وفريقه الطموح اصطدم في البدء بتعنت بعض أهالي القرية، الذين لم يفهموا المغزى الحقيقي لهذه الرسوم الغريبة على ثقافة السكان. لكن مع الوقت، اتضحت الصورة أكثر لهم، فأصبحت الجدران القديمة مليئة بالرسوم والحكايات، ما غيّر موقفهم من فن الشوارع. ويضيف بن شيخ: "لقد أضفى هذا المشروع حركة غير عادية على القرية، وقد تمكنا من إثارة فضول السياح، الذين تركوا الشواطئ والفنادق لزيارة القرية والتمتع بجمال الأعمال التي قمنا بها".

لا يخشى مهدي بن شيخ أن يندثر هذا المشروع بمرور الوقت وبسبب العوامل الطبيعية، إذ يقول: "سيعود الفنانون إلى بلدانهم عند انتهاء المشروع وسأعود إلى عملي في فرنسا، لكننا سنتابع الأمر عبر شركائنا هنا، فسنرسل دوما فنانين لإعادة رسم بعض الجداريات".

جسر ثقافي بين الشرق والغرب
وأثنى بن شيخ على فريقه العالمي، إذ قال مادحاً الفنانين: "هذا الفريق المميز قدم إلى تونس بدافع حب المغامرة والفن، وهم لا يتقاضون أجراً لقاء أعمالهم الفنية. إنهم سعداء بقضاء الوقت في الجزيرة والاستمتاع بالبحر والطقس الدافئ هنا".


مهدي بن شيخ، مدير رواق "إيتينيرانس" الباريسي

ما يميز هذا المشروع أيضاً هو سعي بن شيخ إلى إقامة جسر ثقافي بين العالم العربي والغرب، إذ حاول جمع أكبر عدد من الطاقات العربية الخلاقة مع نظرائها الغربيين تحت سقف واحد. كما استنبط جميعهم أعمالهم من ثقافات مختلفة ومن روح جزيرة جربة وثقافة الجنوب التونسي.

يشار إلى أن جزيرة جربة التونسية تعتبر إحدى الوجهات السياحية المفضلة لآلاف السياح العرب والأوروبيين، وهي معروفة على مدى قرون من الزمن بتسامحها وتنوعها الديني، إذ يوجد بها كنيس الغريبة، أحد أقدم المعابد اليهودية في العالم، بالإضافة إلى كنيستين وعشرات المساجد. وسيتم افتتاح متحف فن الشوارع رسمياً في العشرين من سبتمبر/ أيلول الحالي.