مايومبو - مات ووكر (بي بي سي) : أكدت دراسة أجريت على عشٍ للنمل الأبيض، يعود إلى حقب سحيقة، أن بوسع الحشرات الحياة في البيوت ذاتها دون تغيير لآلاف السنين. تحظى حشرات النمل الأبيض بقدرات لافتة في علم الهندسة، فهي قادرة على بناء أعشاشها – تلك التي تتخذ شكل تلال - بارتفاع يزيد على عشرة أمتار لكل منها، وبقاعدة يبلغ عرضها نحو 15 مترا.


تغطي أعشاش النمل الأبيض عدة مناطق من جمهورية الكونغو الديمقراطية

وتنظم تلك الأعشاش درجات الحرارة وظروف التهوية بداخلها، كما تشكل مأوى لحشرات النمل الأبيض، ولتنشئة أجيالٍ جديدة من تلك الكائنات صغيرة الحجم؛ واجتماعية الطابع. لكن كشفاً علمياً جديداً يُظهر جوانب إضافية مثيرةً للدهشة تتسم بها هذه الأعشاش.

ففي منطقة مايومبو كثيفة الأشجار في وسط أفريقيا، عثر باحثون على عش غير مأهول للنمل الأبيض يعود إلى أكثر من 2200 عام. وبذلك يصبح هذا العش الأقدم من نوعه الذي يتسنى للباحثين تحديد الحقبة التي ينتمي إليها، دون أن نضع في الاعتبار تلك الأعشاش التي تحظى بالحماية باعتبارها من الحفريات.

ويعود عمر عش آخر للنمل الأبيض، يخضع للدراسة بدوره، إلى 750 عاماً على الأقل، وهو ما يؤكد أن وجود العش الأول - القديم للغاية - ليس أمراً خارجاً عن المألوف. ويشير هذا الكشف العلمي الجديد إلى أن حشرات النمل الأبيض استخدمت نفس الأعشاش لآلاف السنين.

وقد بُنِيّت هذه الأعشاش من جانب نوع من أنواع النمل الأبيض يُطلق عليه اسم (ماكروترميس فالكيغر)، في منطقة مايومبو كثيفة الأشجار والنباتات بإقليم لوبومباشي بمنطقة "آبر كاتانغا" (كاتانغا العليا) في جمهورية الكونغو الديمقراطية.


تتسم أعشاش النمل الأبيض بالمرونة في مواجهة عوامل الفناء الناجمة عن الحرائق ومرور الزمن

وفي دورية (بليوجيوغرافي بليوكليماتولوجي بليوإيكولوجي)، التي تُعنى بدراسة الجغرافيا والمناخ والنظام البيئي في الماضي السحيق، كتب علماء أن "الحجم الهائل لهذه الأعشاش يشير إلى أن عمرها يتجاوز المدة التي تستغرقها دورة حياة ملكة واحدة من ملكات النمل الأبيض، وهي الدورة التي نادرا ما يزيد أمدها الزمني على 20 عاما".

وبقيادة العالم هانز إيرنس، حدد فريق من الباحثين العاملين في جامعتي غنت البلجيكية ولوبومباشي بجمهورية الكونغو الديمقراطية، الحقب الزمنية التي تعود إليها أربعة أعشاش كبيرة للنمل الأبيض في هذه المنطقة، وذلك عبر استخدام تقنية تُعرف باسم "تحديد العمر باستخدام الكربون 14".

وفي هذا الإطار، يجري فحص نسبة النظير المشع للكربون المعروف باسم "الكربون 14" في التربة التي يستخدمها النمل الأبيض لبناء أعشاشه. ويمكن تحديد الحقبة الزمنية التي يعود إليها العش بدقة عبر حساب نسبة وجود الكربون 14 في التربة مقارنة بنسبة وجود الكربون الطبيعي فيها.

وأخذ الباحثون عينات من التربة على طول المحور الرأسي لكل عش من تلك الأعشاش. ومن بين الأعشاش الأربعة التي خضعت للدراسة، كان هناك عشان اثنان غير مأهوليّن بالنمل الأبيض وآخران مفعمان بالحيوية، تقطنهما حشرات النمل في الجزء العلوي من كل منهما. وفي كلٍ من هاتين الفئتين، أخذ الباحثون عينةً من عشٍ صغيرٍ لا يزيد طوله على ثلاثة أمتار ونصف المتر، وأخرى من عش أكبر حجما يتجاوز طوله ستة أمتار.

في العينة الممثلة للأعشاش غير المأهولة، تبين أن عمر التربة في العش الأكبر حجماً يزيد كلما اقتربنا من قاعدته، والتي يعود عمرها إلى ما يتراوح ما بين 2335 و2119 عاماً من الآن.

وأظهر فحص العش الأصغر، الذي يندرج ضمن العينة ذاتها، أن له سماتٍ مماثلة. كما تبين أن عمر قاعدته يعود إلى ما يتراوح ما بين 684 و796 عاماً.


بوسع بعض أنواع النمل الأبيض بناء أعشاش يبلغ طولها العديد من الأمتار

أما الأعشاش النشطة - أو المأهولة - فقد كانت تعود إلى زمن أحدث. ولكن العينة التي أُخِذت من العش الأكبر حجما منها، أظهرت أنه كان مبنياً على عش أقدم يتراوح عمره ما بين 675 إلى 766 عاماً، وهو ما يؤكد أن النمل الأبيض يواصل – وعلى مدى قرون - البناء على أعشاشه نفسها دون تغيير.

ويُعتقد أن العش الذي يعود عمره إلى 2200 عام، بات غير مأهول منذ عقود. لكن الدراسة كشفت عن أن النمل الأبيض استخدمه بانتظام خلال حقبة زمنية تعود إلى ما قبل نحو 500 إلى 800 عام من الآن؛ وذلك في فترة كان يسود المنطقة خلالها طقس دافئ على نحو استثنائي.

وهكذا فإن استخدام هذا العش قبل 2200 عام، واستخدامه في ما بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر، يقود أيضا إلى استنتاج مفاده بأن النمل الأبيض يستخدم ذات الأماكن لآلاف السنين.

وقال الباحثون في تلك الدورية العلمية التي نشرت دراستهم: "يتعين أن يتم التعامل مع هذه التقديرات العمرية على أنها تقديرات الحد الأدنى، فبعض الأعشاش أقدم كثيرا مما قُدِّر سابقا".

وقد ترددت في السابق أقاويل تفيد بوجود أعشاش في جنوب أفريقيا يصل عمرها إلى أربعة آلاف عام، واعتُبِرتْ الحشرات التي قامت ببنائها مسؤولةً عن تكوين بنى جيولوجية في هذا البلد تُعرف باسم "هيوملكلي".