لا ثالث له !!

القصة: قبل ثماية وثلاثين سنة
المكان والزمان: مكة المكرمة في موسم الحج
المرافقين: أنا و(عدنان وعبد المجيد ومحمد) كـنـّا في عزّ طيش الشباب

شلة شباب طائش:
محمد: موظف في البريد بالرياض
عبد المجيد: طالب كلية شريعة
عدنان: طالب ثانية ثانوي
وأنا: طالب ثانية ثانوي

الحكاية:
كانت الخطة النزول من الطائف ليلة العيد إلى (منى)
وكان الهدف شراء (اللحوم) من (منى) (10 إلى 20 ريال) للخروف
لم نبالي بزحمة الحجيج ولا (المزدلفة) ولا وضع ونيت زميلنا عدنان !!

اليوم الأول:
في الصباح، صحبنا (عدنان) بونيته الدتسن الأزرق (المهربد)
وبدأ الونيت يسابق الريح في ملفات الهدا ثم كرا فوادي النعمان
وعند المشاعر (يوم العيد) رأى (عدنان) الدخول من العزيزية
لم يكون هناك خطة ولا برنامج معيّن إلا شيء واحد !!
نريد العودة إلى الطائف بخروف (لكل منا) وأربعة فخوذ (لمحمد)
ووصلنا مجزرة (منى) ووقفنا الونيت عن الإشارة الوحيدة هناك
ودخلنا المجزرة، ولم نفاصل بالأسعار وإختار كل منّا خروفاً
ماعدا (محمد) رفض الخراف وفضل اللحم البقري !!
مشكلة محمد إنه طلب من الجزار أربعة فخوذ بقري
ولم يكن عند الجزار إلا بقرة واحدة معلقة أجزائها حوله
وإذا بالجزار يطلق العِنان لضحك على طلب (محمد)
يقول متعجبا: (أربعة كله ورا) بقره فيه اثنين فخذ بس !!
فأخذ فخذين من عنده وطلب منه إحضار آخرين من زملائه !!

بعدها،
لم تقابلنا من العوائق إلا واحدة، مشكلة مع (الحمّال)
أصرّ هذا الأفريقي أن يحمل اللحوم في زنبيله على رأسه لوحده !!
وكادت عملية الاتفاق على أجرته أن تكون نهاية الدنيا !!
تشرط (الحمّال) علينا شروطاً عجيبة وكثيرة !!
من بين شروطه أن يمشي أثنين منا أمامه وأثنين خلفه !!
توصّف مكان السيارة !! فاشرنا له بإشارة مرور وحيدة تحت ألكبري !!
وعند الإشارة، غضِب علينا غضباً شديدا، والسبب !!
كوننا لم نخبره مسبقا بأن السيارة على الجانب الآخر من الرصيف!!
ثم عاد أدراجه حاملا اللحوم إلى المجزرة وهو يزمجر غضبا !!
فضاعفنا له الأجر إلى ستة ريالات، (ريال ونصف) على كل منا !!
أخذنا اللحوم ورميناها في حوض الونيت (المهربد) !!
وبدأنا أدراج رحلتنا إلى الطائف قبل أن يفقدنا الأهل !!
وكان هناك تحدي أن لا يضع عدنان قدمه على الفرامل !!
عدنا سالمين إلى الطائف بخروف (لكل منا) و (4) فخوذ (لمحمد)

اليوم الثاني: لم يكن له ثالثا !!
من الطائف، إخترنا أن نسير إلى (منى) في الليل !!
فصلينا المغرب وبدأ (عدنان) يقود السيارة فتخطينا (الهدا) ثم (كرا)
وفي وادي (النعمان) ،، بدأنا بقصة عن الجن ،، !! ؟؟ # ،،
أربعة أشخاص في غمارة ونيت مهتري، أقوى شيء فيه (أنواره)
كان الاثنان يدخنان أكثر من دخان ونيت عدنان مع حديث الجان !!
وأنا و(محمد) نستمع ولكن إلى النافذة أقرب !! وفجأة
لمحت عيني شيء ممد على قارعة الطريق ،، على الخط الأصفر
شيء ملفوف بالبياض ،، وإذا بمحمد يخمزني بيمناه متبكما !!
فقلت والله هذه جثة محرم !! فهزّ محمد رأسه متفقا معي !!
قائدنا (عدنان) ولزيقه (عبد المجيد) لاهيان بالجان والدخان !!
فقاطعنا سلسلة أفكارهما (جثة) والله (جثة واحد محرم) والله العظيم !!
وبينما كان التحمس نصيبي أنا ومحمد والصمت لهما
بدأ تنازل في سرعة السيارة مع تزايد ضربات قلوبنا !!
وصورة الجثة الهامدة بالسكة على طرف الخط الأصفر تتلألأ مع الحلكة
فالقمر لم يشع ضياءه بعد في إمتداد وادي (النعمان) !!
بقي لنا 20 كيلو متر عن مركز مفرق الخواجات لا غير

هل نعود إلى رؤية ما تصورنا رؤيته ؟!
هل نواصل ونبلغ عمّا رأينا ؟!
ما موقف آبائنا ؟ّ فهم لا يعلمون عن قصة (اللحوم) !!
وفجأة ،، وأثناء مواصلة الرحلة ظهرت حقيقة الجثة !!
نعم ،، ظهرت ،، ورأيناها جميعاً !!
رأينا جثة أخرى ،، ولم نكد نتيقن من رؤيتها
وإذا بثالثة ورابعة ثم خامسة وسادسة !!
ثم وصلنا إلى مخفر مفرق الخواجات !!
وإذا بالعسكري ينحينا إلى جانب الطريق !!
بل يبعدنا عن الطريق إلى حضرة الضابط
نهض الضابط وألقى نظرة سريعة على الونيت
ثم نظرة مطولة متفحصا وجوهنا ،، وقال:
شباب، شفتوا شي غريب في طريقكم؟
قال محمد وبسذاجة: ما شفنا إلا الشـ .. ولا شي طال عمرك
ثم سألني نفس السؤال، فماذا أقول؟ أأكذب ما قال محمد؟
عيب! والله إحراج، عندها سبقاني عدنان وعبد المجيد بالنفي
فقال الضابط: مسحوا نظاراتكم زين، يقصدني أنا ومحمد
ثم قال: على مهلكم، أمامكم جثث في الطريق قبل مدخل عرفة
وفيه سيارات شرطة وإسعافات، مع السلامة !!

لا إله إلا الله، سلمنا من شرّ كبير والحمد لله !!

نمنا في استراحة الوالد (يرحمه الله) في العزيزية بمكة
وأصبحنا دون إفطار ناوين الكبدة النيئة على الريق !!
وذهبنا إلى مجزرة (منى) وكأن لم يحدث شيء !!
فأخذنا اللحوم وعدنا إلى الطائف لاغين برنامج اليوم الثالث !!

اليوم: الشلة شيبان
محمد: رجل مرور متقاعد
عبد المجيد: قاضي متقاعد
عدنان: رجل أعمال ومقاولات
وأنا: أستاذ جامعة قريب للتقاعد