لويز لوكاس : إنها حقاً لمباراة حدثت في السماء وتمت، مع خوارٍ روتيني، في الحقول الإنجليزية المليئة بالبرسيم. تمددت أعداد من الثيران ذات الجوانب المليئة باللحم إلى جانب قريناته من الأبقار ذات الحوض المقوس العريض، وهو ما لن ينتج على الأرجح عجلاً صحياً يمكن أن يصبح نهاية المطاف في شطيرة "ماكدونالد".
مزارعون في ساحل العاج يعملون مع شركة نستلة في برنامج لزيادة الإنتاج
"ماكدونالدز"، سلسلة المطاعم الأمريكية التي تستهلك أكثر من مليون طن من اللحم البقري سنوياً، هي من بين مجموعة شركات نامية متعددة الجنسيات للأغذية والمشروبات التي تركز على نقطة البدء لسلسلة الإمداد الخاصة بها من "مزارعهم حتى تصل إلى الطبق". رونالد بوني، الذي أسس المزرعة البحثية في أوكفوردشاير ويعمل مستشاراً لشركة مكدونالدز يقول "المزيد من الشركات المسؤولة تقول إن الطعام لا يبدأ من مراكز التوزيع ولكن في المزارع".
سواء كان ذلك لمزارعي لحوم بقرية في بريطانيا أو منتجي ألبان في منغوليا، فإن صغار المزارعين تتم استمالتهم من قبل مجموعة شركات الغذاء. هدفهم، في ظل نقص الموارد الناجم عن التغيرات المناخية، وتراوح أسعار السلع الأساسية وأسعار الصرف، هو تأمين الإمدادات، وتحسين الجودة، وتقليل المدفوعات للبائعين الوسطاء. وهذا ما يذهب بالشركات متعددة الجنسيات لما وراء لب عملهم إلى مجالات مثل المساعدة في تنظيم (أو في بعض الحالات توفير) الموارد المالية؛ في مساعدة لمنع الموردين من استخدام عمالة الأطفال؛ وإمدادهم بخبراء زراعيين؛ وبناء مدارس، إضافة إلى خدمات اجتماعية أخرى في البنية التحتية.
مؤسس شركة ستارباكس، هوارد شولتز، في إحدى مناطق زراعة القهوة في غانا
"لا يمكننا أن نتلقى (ننتج) ببساطة دون أن نضمن أن المزارع سيبقى في عمله وأن هناك حوافز لتحسين الجودة"، هذا ما يشرحه چوسي لوبيز، الذي يدير عمليات سلسلة التوريد لشركة نستلة الشركة الأكبر في العالم للأغذية والمشروبات من حيث المبيعات. تلك الشركة التي مقرها سويسرا تشتري حالياً المنتجات مباشرة من أكثر من 680 ألف مزارع، من مزارعي الكاكاو في ساحل العاج إلى منتجي الألبان الباكستانيين، موفرين لهم التقنية على صعيد المعرفة (وفي بعض الحالات الحبوب، والشتلات ومساهماتٍ أخرى) للحصول على أكبر قدر ممكن من الإنتاج من مساحة الأرض نفسها.
بالنسبة للعديد من الشركات. هذا النهج هو حل للغز الذي يواجه كل من ينتجوا أو يستهلكوا الغذاء. عام 2050 المقبل، تتنبأ الأمم المتحدة أن كوكب الأرض سيكون فيه مليارا نسمة آخرين. ولإطعام مجموع سكان العالم البالغ عددهم تسعة مليارات بشهية مفتوحة للبروتينات والأطعمة الجاهزة، فإن الإنتاج يجب أن يزيد بمقدار 70 في المائة حالياً، فإن المدنية والمحاصيل غير الغذائية كالذرة الذي يزرع لإنتاج وقود الإيثانول تقوم بالمنافسة على الأرض - لذا فإن المزارعين عليهم أن ينتجوا أكثر.
الكاكاو هو مثالٌ على ذلك. بافتراض أن التوريد سيظل ثابتاً وأن الطلب سيزيد وفقاً للناتج المحلى الإجمالي العالمي، فإن عجزاً سنوياً بمقدار مليون طن متوقع في عام 2020. مديرون تنفيذيون في شركة نستله، وشركة مارس، وشركة كرافت في الولايات المتحدة، قاموا باتخاذ خطوات لتحسين إنتاجية محاصيل نحو خمسة ملايين من صغار المزارعين في ساحل العاج وغانا، أكبر منتجي العالم. شركة مارس، إحدى أكبر شركات الحلويات من حيث المبيعات، تهدف إلى مضاعفة الإنتاج لمليون مزارع للكاكاو. تراوح أنشطة شركة ستارباكس في مناطق زراعة القهوة من تحليل التربة إلى نصب أسوار لتمنع الفيلة. "نريد أن ينتقل (صغار المزارعين) من إنتاج 8:6 أكياس للهكتار لتصبح 14"، يقول هذا كولمان كوف، رئيس الفرع التجاري للشركة التي مقرها سياتل الأمريكية.
مثل هذه الممارسات يمكن أن تؤخذ على أنها محاولة "لإظهار أن الشركات تهتم بالبيئة" من جانب صناعة الأطعمة، حيث وجهت الاتهامات لهم من قبل مجموعة من الحملات بتصرفات مثل نهب الدول الفقيرة، تدمير الغابات لإنتاج زيت النخيل المستخدم في سلعٍ عديدة من الصابون إلى الكعك، جعل أطفال في الخامسة من عمرهم يعملون كجامعي ثمار وقتل للقردة. اتهمت شركة ماكدونالدز "بمحاولة الظهور كمحافظ على المزارع" في الولايات المتحدة، حيث حاولت هذا العام أن توقف الانتقادات حول جودة طعامها بحملة إعلانية تظهر خصائص المزرعة.
يقر العديد من المديرين بتأثير مثل هذه الضغوط، وخاصة مع تزايد الإعلام الاجتماعي الذي يرى ويتحدث فيه الجميع - لكنهم يصرون على أن ارتباطاتهم الحديثة مع المزارعين ترجع بشكل أكبر إلى أساسيات العرض والطلب. "نحن لسنا الأم تريزا"، يقول هذا رونالد ديكورفيت، مدير عمليات نستله في الصين، حيث يتم حرث الموارد في مزارع الألبان في الشمال وفي مزارعي القهوة في الجنوب الغربي. بول بولمان، المدير التنفيذي لشركة يونيلفر يقول "لأننا نعمل مع 1.6 مليون من صغار المزارعين، فلدي تقلب أقل في أسعار المدخلات، بفضل التقنيات الزراعية الأفضل، ومعالجة التربة والنفايات، فلدي محصول أفضل".
وتراوح تكاليف الصفقات على العرض - بين قروض دون فوائد إلى خبرات تقنية تعامل كنفقات عمل والتي تقدم في أغلب الأحيان مجاناً للمزارعين - تكون قليلة نسبياً. أفادت شركة نستله العام الماضي بأن مبيعاتها وصلت إلى 83.6 مليار فرنك سويسري (85.7 مليار دولار)، مثلاً، مقارنة بـ 110 ملايين فرنك سويسري تخطط لإنفاقها في العقود القادمة على علوم النبات والاستدامة البيئية.
يعد البعض أنفسهم محظوظين لأنهم لا يمتلكون محاصيل على الإطلاق. العلاقة بين المزارعين والتجار، المجهزين، والمصنعين، وتجار التجزئة تتفاقم بشكل متزايد. مزارعو الألبان في المملكة المتحدة يزعمون أن أرباحهم تقلصت لما تحت الصفر، وقد هددوا الأسبوع الماضي بسكب ألبانهم في المصارف عوضاً عن بيعها بالخسارة. المزارعون الأمريكيون، الذين تلفت محاصيلهم نتيجة للجفاف هذا العام، يطالبون بزيادة مليارات الدعم من الحكومة التي يتلقونها كل عام.
ليس فقط من أجل تأمين توريد المدخلات الفوري الذي يبقى المصنعين ساهرين ليلاً. هانز جور، مسؤول الزراعة في شركة نستله يقول "أنا قلق بشدة حيال حقيقة واحدة: من سيقوم بزراعة الغذاء لنا مستقبلاً"؟ ويقول: في اليابان يصل متوسط عمر الفلاح إلى 68 عاما، أما في المملكة المتحدة فتشير الأرقام إلى أن المتوسط هو 60 عاما، وفي غانا 59 عاما. إن إلحاق الأطفال بالمدارس التي بنيت حديثا إنما يعبر عن طموحاتهم في التحول عن خطط أهاليهم المتواضعة. تساءلت إحدى المزارعات الصينيات عما إذا كانت ابنتها ستسير على دربها، وتقول إن هذا السؤال يبدو وكأنني أسألها "هل ستسير في طريق تعاطي المخدرات"، ولكنها تعود فتقول: "إن ابنتي ستصبح صيدلانية يا سيدي".
أما جوهار الذي نبذ حياة العيش في مزارع السكر في البرازيل للعمل بوظيفة مكتبية في سويسرا، لم يقدم أي حل لهذا الوضع يمكن أن يتم بين عشية وضحاها، إلا أنه أوضح أن دور الصانع هو مساعدة المزارعين على تكوين نماذج من الأعمال التجارية التي تسمح لدخلهم بالتزايد تماشيا مع المحصول.
ويمكن لهذا التعاون أن يكون مثمرا، فقد نال إطلاق شركة سابميللر المدرجة في لندن، بوصفها أكبر صانع للجعة من حيث المبيعات، أحد أنواع الجعة المصنوعة من الكسافا مستهدفة المستهلكين من ذوي الدخل المنخفض، استحسان المزارعين والمنظمات غير الحكومية، وهي تعتمد على أصحاب الحيازات الزراعية الصغيرة، وتقلل من تأثير تقلبات أسعار الصرف. وعلاوة على ذلك فإن بعض المزارعين في موزمبيق قد استغلوا العائد من مبيعات الكاسافا في شراء ماكينات المعالجة والتي مكنتهم من شحن المزيد للإنتاج الصناعي أكثر مما كانوا يقومون به عند بيع السلع الخام.
ولكن هناك جانب مظلم في قصة "من الحقل إلى شوكة الطعام"، فهناك مخاطر في تزويد مشتر واحد كبير، خاصة عند تزويده بمواد الإنتاج. إن توازن قوى المساومة يكمن بيد الصانع، بينما يتلقى المزارعون نسبة ضئيلة نسبيا من الغنائم. وقد قدرت منظمة أوكسفام للأعمال الخيرية في المملكة المتحدة متوسط هذه الحصص بما يقل عن 10 في المائة، وكثيرا ما تنخفض إلى 5 في المائة من سعر البيع النهائي في المتاجر.
يقول سيمون وينتر من منظمة تكنوسيرف وهي منظمة غير حكومية تساعد نحو 2.5 مليون من المزارعين ذوي الحيازات الصغيرة (وهذا مجرد قطرة في المحيط) للتعاون مع مؤسسات عالمية متعددة الجنسيات: إن معرفة أن هناك مشترين يمكن الاعتماد عليهم يمنح المزارعون قدرة على اقتراض الأموال للإنتاج ولكن ذلك لا يؤتي ثماره مع كل المنتجين، ولكنه يضيف قائلا: "إننا بالتأكيد نرى أن علاقة الولاء بين المورد والمشتري قد تمت واستطاع المزارعون مضاعفة عائداتهم نتيجة لذلك".
يقول إنريك ساهان من منظمة أوكسفام بريطانيا، إن أهم التزام للشركات تجاه مالكي المساحات الصغيرة لا يقتصر على صغار المالكين في أوروبا أو أنجولا، فعندما تسير الأمور على غير ما يرام فإنه سرعان ما تتحول العمليات وذلك وفق ما ظهر في حالة مشتري القطن الذين هرعوا إلى باكستان بعد الفيضانات المدمرة عام 2010.
فضلا عن ذلك فإن راج باتيل مؤلف كتاب "سمين وجائع: المعركة الخفية في النظام الغذائي العالمي" الشركات المتعددة الجنسيات تزاحم الحكومات التي يكون دورها الواجب هو القضاء على الفقر الذي يتفشى بين سكان الريف.
وترحب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة بتغير العلاقة بين المشترين من مختلف الجنسيات والمزارعين، موضحة التوفير المستدام للزراعة كمصدر أساسي للأمن الغذائي، إلا أن دويل بيكر من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة يقول بأن المخاطر تتضمن التحول عن المحاصيل التي تدر عائدات منخفضة برغم أنها المواد الغذائية المستخدمة محليا وفي الأسواق المحلية. إن مثل هذه الممارسات يمكن أن تسهم في المديونية التي غالبا ما ترافق الممارسات الجائرة والتي تحتاج إلى المال. إن معدلات الانتحار بين المزارعين وفق ملاحظات بايتل فاقت مثيلاتها في المهن الأخرى وغالبا ما يكون سببها هو قهر الدين.
كذلك فإن تطوير أساليب الزراعة قد يؤثر في النظام البيئي المالي المحلي، فعندما قامت شركة نستله بالحصول على خامات قهوتها سريعة التحضير عالية الجودة من كولومبيا، قدمت أساليب من شأنها تقليل الممارسات التي تؤدي إلى انخفاض جودة الحبوب المنتجة، ولكي يمكنها القيام بذلك تحملت المبالغ التي كانت زوجات صغار ملاك الأراضي يحصلن عليها من بيع هذه الحبوب الرديئة لأصحاب المحال المحلية، وكان الحل الذي قدمته الشركة هو بناء دار ضيافة تديرها هؤلاء النسوة.
وعودة مرة أخرى إلى أوكسفورشير، يقول مايك جودينج مدير المزرعة، إن عمل الثور قد تم، فقد كان لديه 35 بقرة ليتم مهمته معها، ويبتسم فلا ندرك إن كان فرحا بإنجاز عمل الثور أم بحجم المزرعة وما فيها ولكنه يضيف قائلا: "إنها ليست وظيفة سيئة".
مواقع النشر