واس : تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - افتتح وزير الثقافة والإعلام مساء الأثنين ملتقى المثقفين السعوديين الثاني في مركز الملك فهد الثقافي، بحضور أصحاب السمو الملكي الأمراء والمعالي الوزراء و ثلة من المثقفين من خارج المملكة، بالإضافة إلى ألف مثقف ومثقفة من جميع مناطق المملكة.



وقد أقيم حفل خطابي بهذه المناسبة بدئ بتلاوة آيات من القرآن الكريم. ثم ألقى الدكتور عبدالرحمن بن الطيب الأنصاري كلمة المثقفين ، قال فيها " شهدت المملكة العربية نهضة شاملة في جميع جوانب الحياة حيث كانت الثقافة والعلم ومحو الأمية من أهم أركان هذه النهضة" ، مشيراَ إلى أنها واكبت هذه النهضة من خلال إنشاء المدارس والكليات والجامعات.

بعد ذلك ألقت المديرة العامة لمعهد العالم العربي في باريس منى خزندار كلمة قالت فيها : " لقد تأثرت كثيراً عندما طلب مني حضور افتتاح هذا الملتقى مما جعلني أحمل مسؤولية كبيرة كوني امرأة سعودية تفسحون لها المجال بأن تعبر عن وجهة نظرها فيما يتعلق بالمثقفين ودور الثقافة في بلدنا ".

وأضافت : " لا شك أن مسيرتي الشخصية كان لها دور باعتلائي مناصب في المجال الثقافي مما جعلني أفكر جلياً في هذه المسائل فقد كنت محظوظة بأن أطلع منذ صغري على الأدب والفن بفضل الله ثم بفضل عائلتي ، إذ تربيت ضمن مجتمع يعطي المكانة الكبرى للفكر والثقافة ".

وأكدت أن المثقف يميل إلى أن يكون أستاذا في اللغة وكائن يمتلك أن يكون مرآة لمجتمعه يعكس همومه وتطلعاته نحو التنمية الذي يطمح إليها وكذلك يقع على عاتق المثقف السعودي إسماع صوته للعالم وفكره الذي يستمد قواعده من الشريعية الإسلامية والحضارة العربية التي بكل تأكيد سوف تثري الفضاء العالمي المفتوح.

وأوضحت أنه حان الوقت لفتح المجال للمثقفين وإعطائهم فرصاً حقيقية للإبداع وأن يتواصوا لما فيها خير للبلد والمجتمع والثقافة بشكل عام.

عقب ذلك تم عرض فيلم وثائقي عن المكرمين من الأدباء المتوفين وإنجازاتهم الأدبية والعلمية وسيرة كفاحهم في معترك الفكر والثقافة والأدب.

عقب ذلك ألقى معالي وزير الثقافة والإعلام كلمة قال فيها : يشرفني في هذا الملتقى الذي يرعاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - أن أنقل لكم تحياته وتمنياته لملتقاكم هذا بالنجاح والتوفيق .

كما أتشرف بأن أنقل إليكم تحيات صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود ، ولي العهد ، نائب رئيس مجلس الوزراء ، وزير الداخلية - حفظه الله - وتمنياته لملتقاكم هذا بالنجاح والتوفيق .



وأضاف معاليه : يبعث ملتقى المثقفين السعوديين ، في دورته الثانية ، المهتم والمتابع والمثقف والأديب والفنان على أن يتأمل في معنى الثقافة والإبداع في عالم اليوم ، فهذا الملتقى ، في فكرته وأوراقه ، لا يُعنى بمشكلات الإبداع والثقافة ، فليس من هم أحد منا أن يقف طويلا عند قصيدة بديعة أو لوحة رائعة أو لحن موسيقي أخاذ يبحث فيهاعن تجليات الإبداع وأسراره وهو المألوف المعروف من أمور الإبداع والثقافة ، ولكن ملتقانا هذا همه الأساسي إعادة النظر في السبل التي تفسح المكان للعمل الثقافي والبنى التي تستوعب النشاط الثقافي والإبداعي والتشريعات التي ينبغي أن تمهد الطريق أمام الإبداع بمختلف أشكاله .

وقال : " هذا ما أقرأه في ملامح ملتقى تجتمع فيه كوكبة كبيرة من مثقفي ومثقفات المملكة العربية السعودية وخبراء في العمل الثقافي من أشقائنا العرب في مختلف أشكال الثقافة في الفنون والآداب وهي قراءة تجتاز بالثقافة والإبداع فرديتهما ليصبحا شأنا مؤسسيا مجتمعيا تعمل الدول والحكومات على تنميته والارتقاء به ".

وأكد معاليه أن الثقافة والإبداع سمة من سمات الذات المفردة والإبداع في معنى من معانيه ثمرة التفرد والعبقرية والإبداع والثقافة شأن إنساني خالص وفيهما معنى لحياته وصورة لرحلة الإنسانية في عقول صفوة ممتازة من أبنائها المبدعين .

وأضاف معاليه قائلا :" لكننا مع ذلك بتنا نستعمل مفردات ومصطلحات جديدة على حقول العمل الثقافي والإبداعي وغدونا نتحدث عن "التنمية الثقافية " و"الاستثمار الثقافي " و "التبعية الثقافية " والهيمنة الثقافية " و"التشريعات الثقافية " . حتى " الإبداع " وهو لصيق الذات المفردة المبدعة سقناه في جمل جديدة أشهرها " الصناعات الإبداعية " ولعل هذا المصطلح أقسى المصطلحات على قلب المبدع ، إذ كيف يصبح الإبداع صناعة وهو نتاج ذات مفردة مبدعة ولكننا اليوم أمام نتاج عالم جديد تأثر كثيرا بأجواء الثورة الصناعية وبزوغ مشكلات " رأس المال" فألقى الاقتصاد والصناعة بأثرهما في حياة الناس ومن بينها الثقافة والإبداع وصار الفلاسفة ومنظرو الثقافة يتحدثون عن رأسمال ثقافي يقابل رأس المال الاقتصادي وينافسه ، ونشأت ، بسبب ذلك ، تيارات ومدارس فلسفية وثقافية ، بعضها بحث الثقافة والفنون في ظل هيمنة رأس المال والاقتصاد والقوى السياسية ، وبعض أخر منها ناضل من أجل تخليص الثقافة والفنون من شائبة "التسليع" و"الصناعات" ، التي تهبط بمستوى المعاني الشريفة للثقافة والإبداع .



ورأى معاليه أن كثيرين لا يقبلون ربط الثقافة والإبداع برأس المال والسوق ، وهي نظرة صحيحة لأنها تعلي من شأن الثقافة ، بوصفها آخر جبهة تدافع عن إنسانية الإنسان . ولكن في المقابل نعرف أن الثقافة والإبداع يعيشان وينموان بين الناس ، وهما يتجاوزان في أمثلة كثيرة لهما معاني الفردية الضيقة .

وقال :" الفنون والآداب كائنات اجتماعية لأنها تحيا بين الناس ، وبالأخص المسرح والسينما والأعمال الدرامية ، بل حتى الشعر الغنائي يتجاوز فردية مبدعة حين يصل إلى أذن مستمعه ، وكل هذه الأعمال الإبداعية والثقافية تحتاج إلى ناشر ينشرها ، إذا كانت كتاباً ، ومكاناً مناسباً إذا كانت إبداعاً جماهيرياً ، كالمسرحية والسينما، وأمكنة مختلفة نسميها أندية أدبية أو مراكز ثقافية أو جمعيات فنية أو متاحف ، أي أننا نقبل بأن هذه الأعمال الثقافية والإبداعية "صناعة" لأنها تتطلب سياسات وتشريعات ، و "صناعة" اقتصادية لأنها ، في كثير من دول العالم ، أصبحت مصدراً لا يستهان به من مصادر الدخل القومي .

وأضاف " وما لنا نبتعد كثيراً ، ونحن نقرأ يومياً أن ميزانية فيلم سينمائي عالمي بلغت عشرات الملايين من الدولارات ، وأن هذه الأعمال الثقافية والإبداعية والفنية أصبحت معاش آلاف من الناس ، وأن لها سوقها وأهلها من مؤلفين ومنتجين ومتعهدين ، وأن لها تشريعات خاصة بها .

وأوضح معالي وزير الثقافة والإعلام أن المملكة العربية السعودية عنيت بالثقافة والفنون والآداب ، وأظهرت هذه العناية بأن جعلتها حقاً ترعاه وواجباً تتعهد بالوفاء به ، ومن ذلك المادة التاسعة والعشرون من النظام الأساسي للحكم التي تنص على ما يلي : "ترعى الدولة العلوم والآداب والثقافة ، وتعنى بتشجيع البحث العلمي ، وتصون التراث الإسلامي والعربي ، وتسهم في الحضارة العربية والإسلامية والإنسانية" .

وأكد أن الدولة تخص في خططها التنموية الثقافة بوافر عنايتها ، إيماناً منها أن الثقافة مظهر من مظاهر كينونتها ، ومخيال رمزي في محيطيها العربي والإسلامي . ومما يجدر قوله عن مبلغ عناية المملكة العربية السعودية بالثقافة أنها كانت من بين الدول الأعضاء الموقعة على ميثاق منظمة اليونسكو سنة 1945م ، أي بعد أربعة عشر عاماً من إعلان توحيد المملكة العربية السعودية .

وقال معاليه :" وزارة الثقافة والإعلام منذ أصبحت الثقافة جزءاً أساسياً من مهامها ، وضعت في حسبانها أن تكون مهمتها الرئيسية تهيئة الفضاء المناسب للعمل الثقافي بمختلف أشكاله ، فعلى المثقفين أن يبدعوا وعلى الوزارة أن تهيئ الإمكانات والتشريعات التي تستجيب لأصوات المثقفين، وصولاً إلى خطة ثقافية يصوغها المثقفون أنفسهم ، وما الملتقى هذا الذي نشهد وقائعه وأوراقه إلا ثمرة من ثمار عقولكم المبدعة ، تبحثون مشكلات الثقافة ، وتعملون من أجل مستقبل الثقافة في المملكة ، وما تنتهي إليه أفكاركم واجتهاداتكم ستعمل وزارة الثقافة والإعلام على إتاحته وتنفيذه ، بحول الله تبارك وتعالى ، وسيقتصر دور الوزارة على الدعم والمؤازرة والمساندة بتحييد دورها ، فهذا الملتقى إنموذج لفعل ثقافي اجتماعي يعبر عنه المثقفون لا الموظفون .

وأضاف معاليه : لقد حظي الأديب والمثقف في المملكة بتقدير متميز من القيادة العليا يحفظهم الله لما للأدب والثقافة من مكانة وأهمية في الثقافة السعودية ، ويؤكد ذلك ما أقره مجلس الوزراء في شأن منح جائزة الدولة التقديرية في الأدب ، وأن تتولى وزارة الثقافة والإعلام وضع القواعد والتصورات المناسبة لكيفية تفعيل الجائزة.

وسيكون لهذه الجائزة عند إطلاقها الذي نتمنى أن يكون في القريب - بحول الله - آثار إيجابية باتجاه رفع المستوى الفكري والثقافي للأدباء السعوديين وتشجيعهم على الإنتاج الأدبي المتميز لتحقيق ما تصبو إليه القيادة في المملكة نحو أدباء وأديبات هذا البلد المعطاء . كما أن الوزارة تولي الاهتمام الكبير بالكتاب ونشر الوعي المعرفي لذلك ستخصص ( جائزة وزارة الثقافة والإعلام للكتاب ) لعشرة كتب من مختلف التخصصات المعرفية لمؤلفين سعوديين . وستبدأ انطلاقة الجائزة مع معرض الكتاب الدولي القادم بمشيئة الله .

وعبر معاليه عن أمله أن يخرج المشاركون في هذا الملتقى بتصور واضح يساعد على إعادة هيكلة القطاع الثقافي في الوزارة في سياق مستقبل العمل الثقافي في بلادنا . وقال :" وكما هو المثقف ، وضوحاً وصراحة وجرأة ، فإنني آمل أن يكون ملتقاكم هذا أكثر وضوحاً ، وأظهر صراحة ، وأشد جرأة ، وأتمنى للمشاركين والضيوف التوفيق والسداد .

بعدها نم عرض فيلما وثائقيا عن المكرمين المتوفين. ثم تم تكريم المثقفين المتوفين الذين خدموا الأدب والفن والثقافة في المملكة العربية السعودية وهم : صاحب السمو الملكي الأمير محمد العبدالله الفيصل ، وعبدالله عبدالجبار ، وعبدالكريم الجهيمان ، ومحمد صادق دياب ، وأحمد سالم باعطب ، ومحمد الثبيتي ، ويوسف الشيخ يعقوب ، ومحمد صلاح الدين الدندراوي، ومحمد شفيق ، وعلي الخرجي ، ومحمد سيام ، والمذيع جميل سمان ـ رحمهم الله ـ حيث تسلم أقرباؤهم وممثليهم دروع التكريم.

عقب ذلك افتتح معالي الدكتور عبدالعزيز خوجة المعرض المصاحب للملتقى وتجول في إرجائه وشاهد ما يحتويه من لوحات تشكيلية وأعمال إبداعية.

حضر الحفل صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز ، وصاحب السمو الملكي الأمير طلال بن محمد العبدالله الفيصل، ومعالي وزير الثقافة والفنون والتراث القطري الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري ،ومعالي نائب وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالله الجاسر وعدد من المسئولين والضيوف والمثقفين والمهتمين.

وقد شرفت صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز ، العرض المسرحي " همس المسيار " ضمن الفعاليات النسائية للملتقى حيث عرضت المسرحية عقب حفل الافتتاحبأسلوب مسرحي هادف.

وأوضحت سمو الأميرة عادلة بنت عبدالله أن الحضور الكثيف للملتقى يدل على وجود حماس وتطلع عند الكثيرين ويعكس تغيير نظرة المجتمع وثقافته ، مثنية على وجود بوادر جيدة لنهضة المرأة في العصر الحالي وقدرتها على إيصال تعبيرها وكلمتها. وقالت " أنا مع التوجه المقنع المتدرج لتغيير بعض النظريات والقناعات القديمة وهي خطوة رائدة لكن يجب أن تكون برؤية وإتقان للوصول إلى الغاية المطلوبة".

حضرت المسرحية الشيخة مي بنت محمد آل خليفة وزيرة الثقافة بمملكة البحرين وعدد من المثقفات والمهتمات بالشأن الثقافي والأدبي.

يذكر أن فعاليات ملتقى المثقفين الثاني بدأت صباح اليوم بجلستي عمل رأس الجلسة الأولى معالي الأمين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني فيصل بن عبدالرحمن بن معمر وكانت بعنوان " المكتبات العامة ".

وقال : إن المكتبات ومراكز المعلومات تشكل ركناً أساسياً من أركان مجتمع المعلومات ، والمكتبات العامة بصفه خاصة هي الواجهة الأولى لخدمة الإنسان والمجتمع تثقيفاً وتربيتاً وتعليماً وترفيهاً ونشراً ، حيث تؤدي دورها المنشود لاكتساب الأفراد والمجمعات الإنسانية المعرفة التي تمكنهم من تنمية أنفسهم ثم مجتمعهم وتحويله إلى مجتمع معرفة.

وأضاف الأمين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني أن المكتبات العامة تعد سجلاً لذاكرة الشعوب وكل ما يدونه أبنائها من إنتاجات فكرية تبقى علامة بارزة ومضيئة في حضارات الأمم وثقافاتها الإنسانية المتنوعة ، كما تعد في الوقت نفسه مقياساً لتقدم المجتمعات بقدر ما تحوي على مؤلفات وكتابات تعنى بها هذه الشعوب وتحرص على العناية بها للاستعانة بها في الرجوع إليها في طلب الكثير من الأمور والمعلومات.

وأشار إلى أن هذه الرؤية كانت حاضرة لخادم الحرمين الشريفين عندما أمر بإنشاء مكتبة الملك عبد العزيز العامة ورعى افتتاحها وفعالياتها ومازال - أيده الله -تواصلاً مع جهوده الخيرة ورؤاه المستقبلية في استثمار خيرات الوطن في إنسانه، وتأكيده المستمر ـ حفظه الله ـ على أن لا خيار سواء الاستثمار في الثروة البشرية لتبقى وتدوم لترتقي بنا إلى المكانة التي نحن أحق بأن نتبوأها وذلك ببناء مجتمعاً لاقتصاد معرفي ينتج وينافس عالمياً.

وأشار ابن معمر في كلمته بقوله " أتذكر وبكل فخر واعتزاز كيف كانت البداية المشجعة لما وصلنا إليه من إنجاز، فبعد افتتاح مكتبة الملك عبد العزيز العامة برعايته الكريمة ـ حفظه الله ـ واجهتنا مشكلات كبيرة شأننا شأن المكتبات الأخرى لعل أبرزها هي كيفية استقطاب المرتادين والمرتادات وعملنا على إيجاد السبل الكفيلة لاجتذابهم وأيقنا منذ البداية بأن حيازة تقنيات هذا العصر الجديد ستمكننا من احتلال مكانة مناسبة في منظومة المؤسسات الثقافية العلمية المحلية والدولية، كما تمكنا من التعامل والتعاون للالتقاء مع مؤسسات ثقافية والعلمية في المملكة والعالم حتى يتسنى لأطفالنا وشبابنا ولكل باحث عن علم أو معرفة من أن يستفيد كل ما تتيحه المكتبة من معلومات وخدمات وكانت برامجنا وخدماتنا محفزة في هذا الخصوص، حيث تجاوزت مكتبة الملك عبد العزيز العامة مرحلة التشييد والإعداد إلى مرحلة المشاركة في إنتاج المعلومات وحرصنا على أن يكون تكوينها الشامل يخاطب كل أوجه المعرفة من مراكز البحوث وقاعات الندوات إلى آلاف الكتب القيمة و المخطوطات الأثرية وقواعد البيانات الالكترونية حيث تقتني ما يقارب المليون والنصف مليون مادة معلوماتية وكذلك تضاعف عدد مرتاديه لمنشآتها في فروعها التسعة في مدينة الرياض وكذلك الدار البيضاء وقريباً إن شاء الله في الصين، كما نفذت مكتبة الملك عبد العزيز حسب التوجيهات الكريمة بأن تكون بيئة متميزة في الخبرات الإنسانية متمكنة من أحدث أساليب الإدارة والعلمية ما يؤهلها لأن تتعامل مع أكبر المؤسسات الثقافية والعلمية في العالم وذلك من خلال تقديم المشاريع الثقافية طويلة الأجل مثل جائزة خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز للترجمة وموسوعة المملكة العربية السعودية والفهرس العربي الموحد والمشروع الوطني بتجديد الصلة بالكتاب ونادي كتاب الطفل.

عقب ذلك ألقى الدكتور هشام بن عبد الله العباس ورقته التي كانت بعنوان "دور الخدمات السيارة في تعزيز التواصل الثقافي بين الأمم في الألفية الثالثة" أثار فيها تساؤلا حول قدرة المكتبات في العالم العربي الاستفادة من التقنيات التي تطورت في الفترة الأخيرة، لتحقق التواصل الثقافي المطلوب، مؤكدا أن "التواصل الثقافي بات من الروافد الأساسية للتواصل بين الناس"، مشيرا إلى "المكتبات المتنقلة باتت نقطة تحول في التواصل العلمي والثقافي بين المجتمعات خصوصا النائية منها".

وامتدح الدكتور العباس المكتبات المتنقلة، مشيرا إلى أنها "صيغة متقدمة، ونمط متطور لإيصال خدمات المعلومات إلى المناطق النائية التي كانت محرومة من خدمات المكتبات العامة"، رابطا بين هذه المكتبات ونظيراتها في التراث العربي.

وأكد العباس أن البداية الحقيقية للمكتبات المتنقلة بصورتها الحديثة ظهرت في القرن الماضي، إذ شهدت انجلترا في العام 1858 انطلاق أول مكتبة متنقلة في العالم، وكانت عبارة عن عربة يجرها حصانان، لتصل في أمريكا وحدها إلى أكثر من 9آلاف مكتبة متنقلة في عام 1998، أما في السعودية فإن الشركة أرامكو أطلقت أول مكتبة متنقلة عام 1982 بمبادرة منها.

عقب ذلك ألقت الدكتورة فاتن سعيد بامفلح ورقتها التي كانت بعنوان"خدمات المعلومات في المكتبات العامة السعودية" تحدثت فيها عن خدمات المعلومات المقدمة في المكتبات العامة التابعة لوزارة الثقافة والإعلام السعودية ، مشيرة إلى انه على المكتبات العامة تقديم خدماتها لمختلف فئات المجتمع على اختلاف مستوياته الاجتماعية والتعليمية والعمرية.

وأوصت بامفلح في ورقة عملها لتقديم خدمات المعلومات بفعالية ونجاح بعدة عناصر تتكامل مع بعضها البعض منها مصادر معلومات جيدة ومتنوعة تتفق مع احتياجات المستفيدين ، وتنظيم المعلومات بحيث يسهل الوصول إليها ، وأخصائيو معلومات أكفاء ومؤهلون للعمل على تنظيم المعلومات وإتاحتها للمستفيدين ، وبيئة ملائمة لتقديم الخدمات تتمثل في المبنى والقاعات وواجهات المستخدم للنظم الالكترونية ، وميزانية كافية لتعزيز وتقديم الخدمات والحرص على تطوير مباني المكتبات وتقديم خدمات معلومات لجميع فئات المجتمع والاهتمام بتوفير تقنيات المعلومات وشبكة الانترنت وتحقيق التعاون بين المكتبات العامة وغيرها من المكتبات.

عقب ذلك ألقى الدكتور راشد بن سعد القحطاني ورقته التي كانت تحت عنوان "تشريعات المكتبات العامة في المملكة العربية السعودية: دراسة نظرية" قدم فيها نبذة عن ارتباط الكتاب الإسلامي في مراحل مختلفة بالمكتبات بوصفها وسيلة لحفظه وإتاحته وانتشاره بين الناس وهو ما أهل الحضارة الإسلامية إلى أن تسود بقاع المعمورة.

وأوصى الدكتور القحطاني في نهاية ورقته بإعادة النظر في تشريعات ولوائح العمل في مكتباتنا العامة وغيرها من مؤسسات المعلومات وصياغتها من جديد لتواكب المستجدات في مجتمع المعرفة الوطني والإقليمي والعالمي وبخاصة تشريعات وقوانين ولوائح تقنية المعلومات والفضاء الإلكتروني المفتوح الذي نعيشه اليوم.

عقب ذلك فتح باب الأسئلة و المداخلات والإجابة عليها.

فيما أوضح الدكتور إبراهيم بن عبد العزيز الشدي في ورقة قدمها في الجلسة الثانية التي حملت عنوان "العلاقات والاتفاقات الدولية" أنه لم يعد بإمكان أي دولة أو أي مجتمع أن ينطوي على نفسه ويعتزل بقية أفراد المجتمع الدولي ، مشيرا إلى ضرورة الإسهام في الحراك الإقليمي والدولي في مجالاته المتعددة وفي مقدمتها المجال الثقافي الذي يمكن من خلاله بناء مجتمع دولي متوافق متكامل.

كما أشار إلى أن بلد كالمملكة العربية السعودية وثقافة كالثقافة العربية والإسلامية يصبح الإسهام في الحراك الثقافي الدولي أمرا مهما وواجبا ، لأن المملكة بمكانتها الدينية والسياسية والاقتصادية وبمخزونها الثقافي المهم تحمل مسئولية عظيمة لتعزيز مكانة الثقافة السعودية بشكل خاص والثقافة العربية والإسلامية بشكل عام.

وأضاف : لتحقيق هذه المهمة العظيمة لا بد من وضع تصور عملي في إطار إستراتجية وزارة الثقافة والإعلام يتضمن الأدوات البشرية والإدارية والمالية اللازمة لتحقيق مثل هذه الطموحات.

فيما أكد الدكتور أبو بكر باقادر في ورقة العمل التي قدمها في الجلسة الثانية التي كانت بعنوان ( العلاقات والاتفاقيات الدولية ) أن تجسيد الثقافة بمعنى ( الهوية الوطنية ) فهي تعكس بشكل عام إسهام الناس في نواحي عديدة مع تفاعلهم مع محيطهم وبيئتهم وهي تشكل تقاليدهم وعاداتهم وأعرافهم وقيمهم التي توارثوها عن أسلافهم وهي تقدم الوجه الإنساني والواقعي لحياة مجتمعهم العادية والمعنوية وتحمل في ثنايا كل ذلك الرموز والمعاني التي يمكن أن تفسر سلوكيات وتصرفات بل وربما ذهنيات أفراد ذلك المجتمع ، فمن ثمة تقدم صورة صادقه بحد كبر عن ( روح ) وحقيقة المجتمع وتشكل عند من يتعاملون معه هويته العامة.

وأضاف : تعد الثقافة وسيلة فعالة للتواصل بين المجتمعات والأمم ، مما يجعل البعض يرى أنها تشكل قوة ناعمة في العلاقات الدولية فعن طريق حسن تقديم المجتمع لثقافته وإبداعاته ، يمكن أن يؤسس لصورة ايجابية لهويته ومكانته بين الأمم لذا أولت الدولة اهتماما ملحوظا في إبراز انجازاتها واهتماماتها الإبداعية في الفنون وجوانب الحياة المختلفة لتحقيق تلك الغاية ، وأصبحت وظيفة المحافظة وحماية الهوية الثقافية واحد من أهم وظائف الدولة الحديثة وأصبحت عند البعض احد ابرز وسائل المقاومة والدفاع عن الذات القومية

وأشار إلى أن المملكة العربية السعودية تتمتع بإرث ثقافي عظيم في مهد الإسلام الذي انطلقت منه الحضارة العالمية والتي لا يزال شعاعها ينير للبشرية حياتها ، كما تتميز المملكة بتنوع ثقافي يعود إلى اتساع رقعتها الجغرافية وتاريخها الثقافي والاجتماعي والسياسي التي مكن مناطقها المختلفة من احتضان أنواعا مختلفة من الممارسات والإبداعات الثقافية .

فيما قدم وكيل وزارة الخارجية للشؤون الاقتصادية والثقافية الدكتور يوسف بن طراد السعدون ورقة عمل بعنوان " تجربة المملكة العربية السعودية من خلال الاتفاقيات الثنائية وآفاق تعزيز التعاون الثقافي الدولي ، استهلها بذكر أهمية المملكة العربية السعودية في العالم أجمع ؛ مرجعا ذلك الى موقعها الجغرافي الاستراتيجي ومكانتها في قلوب شعوب العالم لوجود الحرمين الشريفين بها.

وعرج الدكتور السعدون على الإطار التنظيمي للشؤون الثقافية والاتفاقيات الدولية التي أصدرت إعلان مبادئها اليونيسكو في الذكرى العشرين لتأسيسها ، موضحاً أن سياسة المملكة في التعاون الثقافي الثنائي أو المتعدد تهدف إلى تعميم المهارات والثقافات ودعم أواصر الصداقة وتعزيز العلاقات السلمية بين الشعوب وتمكين كل فرد من التمتع بفنون جميع البشر والإسهام في إثراء الحياة الثقافية.

كما تحدث عن نماذج للاتفاقيات الثقافية الدولية: كالاتفاقيات الإطارية العامة للتعاون الثنائي وهي اتفاقية تعمل كمظلة تنطلق منها الاتفاقيات الأخرى, والاتفاقيات الثنائية التي أبرمتها دارة الملك عبدالعزيز ولها تسع مذكرات تعاون ومن أهم أعمالها أنها تزود الباحثين بالمعلومات والنشرات العلمية وتقييم ندوات لتبادل خبرات الصيانة والترميم بما يتعلق بالوثائق ، مشيراً إلى ثالث نوع من الاتفاقيات وهي التي تبرمها مكتبة الملك عبدالعزيز العامة وهي ما تشبع حاجتنا لأنها جزئية وذات برامج محددة وواضحة ويمكن تقييمها ومتابعتها بسهولة كاتفاقية المتحف البريطاني بخصوص إقامة معرض الحج.

وأوصى وكيل وزارة الخارجية للشؤون الاقتصادية والثقافية في ختام ورقته المقدمة بأن تعزز المملكة من حضورها المستمر في المشهد الدولي ، قائلا :" إن نجاح أي مسار أو عمل يكون بمدى وضوح رؤيته وسياق إستراتيجيته التي تنصها المؤسسة المسؤولة عن التعاون الدولي ، حيث أن العبرة في العمل الثقافي الدولي ليس بالكم بل بالكيف وماهية المخرجات لدينا ", مشيراً إلى أهمية العمل على بلورة برامج تعاون تفصيلية شاملة ومتكاملة في المجال الثقافي توفر لها الموارد اللازمة وتقرن بجداول زمنية واضحة ، وكذلك ضرورة التركيز بشكل أكبر خلال المرحلة القادمة على الجزئيات وليس الكل من خلال إبرام اتفاقيات ومذكرات تفاهم لتنفيذ برامج متخصصة تتناول جزئية محددة في الشأن الثقافي والتوجه العلمي لإبراز صورتنا الحضارية المشرقة للآخرين من خلال إبرام اتفاقيات مع جامعات عريقة ومؤسسات فكرية متخصصة ننمي من خلالها طلابنا والمبتعثين.

بعد ذلك فتح المجال لمداخلات الحضور والإجابة عليها.

هذا وستتواصل يوم غد الثلاثاء فعاليات ملتقى المثقفين عبر خمس جلسات عمل صباحية ومسائية يقدم فيها العديد من أوراق العمل من المتخصصين في الشأن الثقافي لمناقشة القضايا الثقافية والاجتماعية بشكل عام ، ويشارك فيها العديد من الأدباء والمثقفين من مختلف إرجاء الوطن العربي.