دويتشه ﭭيله : توصل خبراء ألمان إلى طريقة اقتصادية يستفاد فيها من تربية السمك لزراعة الطماطم ومن زراعة الطماطم لتربية الأسماك في منظومة ذاتية مستدامة توفر المياه وأسمدة الطماطم وتلائم إنتاج أنواع أخرى من الخضار في الدول الفقيرة أيضاً.



ليس من الجديد إنماء الخضار في مزارع زجاجية أو تربية الأسماك في أحواض مائية. ولكن الجديد هنا هو استخدام مياه أحواض السمك في إنماء الطماطم، والاستفادة من هذه المياه مجددا كبيئة لحياة الأسماك. في هذه المنظومة الجديدة تنمو الأسماك في دورة حياة منفصلة خاصة بها، وكذلك الطماطم تنمو في دورة حياة مستقلة، أي لدينا "دورتان منفصلتان للنمو"، ولكنهما مرتبطتان من حيث أنه يتم الاستفادة من كل دورة حياة في خدمة الأخرى، كما يقول الخبير فيرنَر كلواس. فالمياه المحملة بفضلات الأسماك تسري من أحواض السمك عبر صمام في اتجاه واحد إلى نباتات الطماطم التي تستخدم هذه المياه كغذاء، ثم تعود المياه إلى أحواض السمك من جديد. وقد نجح الخبراء في إثبات كفاءة تربية الطماطم، وأنواع أخرى من الخضار، مع الأسماك في مثل هذه البيئة الاصطناعية.

إنتاج مواد غذائية في بيئة عالية التقنية
في معهد المياه والأسماك في برلين يتم الاحتفاظ بمئات الأسماك في أكثر من عشرة أحواض مائية في بيئة ملائمة لتربية السمك، وفي جوار هذه الأحواض توجد أعداد كبيرة من نباتات الطماطم. الأسماك جائعة للغاية ولا تريد التخلي عن وجبة طعامها، وحين يُلقِي لها الخبير الألماني البيولوجي هيندريك مونزيس بالطعام الجاف لها تتسابق الأسماك إلى سطح الماء لالتقاطه. الأسماك والطماطم توجد ضمن ح درجة حرارة ثابتة، لا تزيد أو تقل عن 27 درجة مئوية. وهي أفضل درجة حرارة تنمو فيها كل من أسماك السكليد الإفريقية الموجودة في الأحواض ونباتات الطماطم.

تتم تربية الأسماك وزراعة الطماطم في حيز زجاجي مغلق تتحكم بحرارته تقنية حاسوبية عالية لضمان مثالية المنتوجات الغذائية: السمكية والنباتية، ولا يتم إضافة أعداد جديدة من الأسماك إلى الأحواض كي تتمكن الأسماك الموجودة فيها من التغذي ومن الحركة دون قيود إضافية، كما يقول مخترع هذه التقنية فيرنَر كلواس. نباتات الطماطم أيضاً تنمو هنا في بيئة اصطناعية، فبدلاً من إنمائها في التربة العادية يتم زرعها هنا في بيئة من الصوف المعدني.


حين تحتاج نباتات الطماطم إلى الماء والغذاء يتم تزويدها بهما من أحواض تربية الأسماك.

تنقية المياه على مرحلتين
يستفيد الباحثون خلال ذلك من حقيقة أن الأسماك تطرَح من أجسادها، إلى المياه المحيطة بها، فضلات تحتوي على مادة الأمونيوم التي تعتبر سامة للأسماك. ولكن وفي الوقت ذاته تشكل المياه المحتوية على الأمونيوم غذاءً مناسباً لنمو نباتات الطماطم. وأثناء سريان مياه الأسماك إلى نباتات الطماطم يجب تنقية المياه على مرحلتين: في المرحلة الأولى تتم تنقية المياه من براز الأسماك بواسطة غربال شبكي بلاستيكي. وفي المرحلة الثانية يُستَخدم "غربال بيولوجي" لجعل أمونيوم المياه مناسباً لتغذية الطماطم من خلال تدفق المياه عبر فتحات جانبية عليها طبقات بكتيرية ذات تأثير كيميائي، فهذا الغربال البيولوجي يجعل من الأمونيوم غذاءً مناسباً للطماطم. وتتم المرحلتين بشكل أوتوماتيكي كامل.

الطبقة البيولوجية، الموجودة على الفتحات الجانبية لأحواض الأسماك، تتألف من بكتيريا "النيتروزوموناس والنيتروباكتَر". وهي بكتيريا تتواجد في الهواء الطبيعي أيضاً، كما يقول الباحث فيرنَر كلواس، ويضيف: "النوع الأول من البكتيريا يحوّل الأمونيوم إلى مادة النيتريت والنوع الثاني يُبدّل النيتريت إلى مادة النيترات التي تعتبَر المادة الرئيسية في تغذية نباتات الطماطم".

المياه المحضَّرة بهذه الطريقة تسري إلى نباتات الطماطم التي تتغذى على النيترات الموجودة فيها. وما يفيض من المياه عن حاجة نباتات الطماطم تقوم هذه النباتات بإخراجه عبر أوراقها على شكل بخار ماء. وعبر آلات مُبرِّدة ومكثفة يتحول بخار الماء إلى مياه سائلة ونقية من الأمونيوم. ويُعاد الماء السائل مجدداً إلى حيث كان في حوض الأسماك، لتكمتل دورة المياه في نظام أوتوماتيكي مغلق.


الطماطم المنتَجَة وفق المنظومة المغلقة المحتوية على أسماك ونباتات لا تكون
بالتأكيد رائحتها كرائحة السمك، بل تكون رائحتها تماماً مثل بقية الطماطم الاعتيادية.


توفير هائل في المياه
ويختلف هذا النظام المغلق عن النظام الاعتيادي المفتوح، الذي تتم فيه سقاية النباتات من مصدر خارجي، في أنه يوفّر المياه بشكل اقتصادي للغاية أثناء إنماء الخضار وتربية الأسماك. إذ ليس من اللازم تزويد الطماطم والأسماك في هذه الحالة بمياه جديدة، فالطماطم تستفيد من مياه الأسماك كغذاء و"تربية الأسماك بهذه الطريقة تستهلك 10 في المئة فقط مما تستهلكه طريقة السقاية التقليدية"، كما يقول فيرنَر كلواس. وبذلك يمكن إنتاج المواد الغذائية كالخضار والأسماك في إفريقيا، مثلاً، بشكل اقتصادي ومستدام.

ولكن هذه الطريقة تتطلب استهلاك الكثير من الطاقة، لذا يجب تجنب استخدام الغاز أو البترول كمصدر للطاقة بهدف الحفاظ على ثبات درجة الحرارة المطلوبة في هذه المنظومة، وبدلاً من ذلك ينبغي استخدام الحرارة الزائدة من المصانع في ألمانيا مثلاً. أما في المناطق الاستوائية كما في إفريقيا والمناطق الدافئة الأخرى كالدول العربية فيمكن استخدام الطاقة الشمسية لهذا الغرض بحيث تصبح المنظومة مستدامة واقتصادية وغير مكلفة، "ولتشمل أيضاً إنتاج أنواع أخرى من الخضار كالخيار مثلاً"، كما يقول الباحث هيندريك مونسيز مضيفاً: "الخضار المنتَجَة وفق المنظومة المغلقة المحتوية على أسماك ونباتات لا تكون بالتأكيد رائحتها كرائحة السمك، بل تكون رائحتها تماماً مثل بقية الخضار الاعتيادية".