بيروت (SPNL) : يرافق الطير على أنواعه حياة الإنسان منذ فجر العصور، الداجن والبري على السواء إلى أن احتل الأدبيات وبعض الشعر حتى الأمثلة المتوارثة قبل أن يتحول الى طريدة موسمية يتباهى البعض بقدرته على اقتناصها في طريق هجرتها السنوية، ومؤخراً إلى تجارة تتطلب إجراءات ضرورية لضبط التهريب والأمراض المعدية الخطيرة، ولتحقيق الصيد المستدام.



ففي منطقة عكار، راجت تجارة الطيور مع بروز مجموعة من التجار والهواة الذين ينفقون اموالهم على شراء الطيور وتربيتها والحرص على تكاثرها وتنويع مصادرها. وفي حلبا وحدها، نجد ما يزيد على أربع محلات يتحلق عند مداخلها عشرات المهتمين، يسألون عن الأنواع الجديدة من الطيور والحمائم والببغاء، أو يقصدونها بهدف شراء الأطعمة المخصصة للطيور والحصول على استشارة ما، متعلقة بهذا الطير أو ذاك.

ويكيبيديا : عكار هو أحد محافظات لبنان الثمانية، يمتد من مجرى نهر البارد في الجنوب، حتى مجرى النهر الكبير بمحاذاة الحدود مع سوريا في الشمال، بمساحة تزيد على 776 كيلومتر مربع. يحده من الشمال الحدود الدولية ومن الشرق محافظة البقاع ومن الغرب سواحل البحر الأبيض المتوسط ومن الجنوب قضاء الضنية.
هواية وتجارة
وتلاقي هذه التجارة استحساناً كبيراً لدى الأهل الذين يرون فيها هواية تشغل أبناءهم عن الكثير من العادات والأمراض الاجتماعية المختلفة، وتدفع بهؤلاء إلى السلوك الهادئ والمرن والمهذب والتعاطف، ما ينعكس إيجاباً على نمطية تفكير الشبان وتعاطيهم مع محيطهم.

وفي هذا السياق، يؤكد أحد التجار في سوق حلبا خالد حمد، أن اختياره المهنة «لم يكن صدفة، فأنا أعشق الطيور منذ صغري. وقد قررت السير في هذه المهنة مع أولادي، فمنها نعتاش ومعها تعلّمنا فن التعاطي وانبعثت الطمأنينة في نفوسنا».

ويتحدّث عن «حركة كثيفة على هذا النوع من المحال، فالطيور على أنواعها جميلة وتستهوي الكثيرين، الصغار كما الكبار ومختلف الشرائح الاجتماعية، خصوصاً بعد استيراد طيور الزينة في السنوات الأخيرة، كالعاشق والمعشوق وطيور الجنة والفصائل المختلفة للحمام والحساسين والبلابل».

ويشير حمد إلى أنه «هناك إقبال على الشراء وبمختلف الأسعار. بعض قدامى الزبائن يواظبون على ذلك منذ سنوات، والبعض الآخر ممّن دخل الهواية حديثاً يحتاج إلى معلومة ما نقدّمها له مجاناً، فيتورّط رويداً رويداً وينغمس في هوايته ولا يتراجع».

ساهم هذا الإقبال في ارتفاع أسعار الطيور والعلف المخصص لها وكذلك الأقفاص، حيث انتشرت إلى جانب التجارة مهنة صناعة الأقفاص المختلفة الأحجام والأشكال والألوان والأسعار ولكل الفئات، ونمت بجانبها مهنة اصطياد الطيور «بالدبق» لترويضها لاحقاً وبالتالي صناعة عيدان «الدبق».



مبالغ خيالية لبعض الطيور
عن مصدر الطيور، يقول حمد: «نشتريها من بيروت وطرابلس والبقاع، كما يقصدنا تجار بيروت وطرابلس لشراء طيورنا، وبعضها مصدرها عكاري. ولا بد أن نذكر فرق الصبية المتخصصين في ملاحقة الطيور وأعشاشها وانتظار نموّها قليلاً ثم بيعها، ولكن المهم معرفة طريقة عيش هذا الطائر الرقيق».

أما أحمد حمود من هواة تجارة الطيور، فيؤكد أن «معظم الذين يربّون الطيور ينتظرون بفارغ الصبر وصول أنواع جديدة إلى المحال، فيرتادونها يومياً كي يشتروا ما يعجبهم. والبعض تجده يحتاج إلى أنثى والآخر إلى ذكر أو بعضهم يأتي باحثاً عن أزواج متآلفة كي «يزاوجها».

ويضيف: «قد تصل اسعار بعض الطيور إلى مبالغ خيالية، لهذا تجدها تجارة مربحة وزبائنها وأسواقها إلى اتساع»، مشيراً إلى أنه «بفضل هذه المحال، تعرف على أصدقاء لديهم نفس الاهتمامات، وتفكر في تأليف جمعية خاصة بمربي الطيور على أسس علمية مستفيدين من التجارب ومن ضرورة الانتباه لوجود أمراض معدية قد تودي بحياتها، وهذه خسارة نفسية ومعنوية».



«الزراعة»: البلديات معنية بالمراقبة
ويرى مصدر في وزارة الزراعة أنه «تقع على البلديات مسؤولية مراقبة هذه المحال بالتنسيق مع وزارة الزراعة، لا سيما عند ظهور أي عارض صحي، وكذلك التحقق من مصدر الحيوانات، خصوصاً الغريبة منها وطريقة دخولها إلى لبنان، حيث أن التهريب خطير فقد تحمل هذه الحيوانات أمراضاً معدية تضرّ بالسلامة العامّة».

ويؤكد أنه «في حال الشك بأي من هذه المحال، على البلديات مراجعة الوزارة لضمان الصحة الحيوانية وسلامة المواطنين».



«SPNL»: تجارة غير مستدامة
ويؤكد مدير عام جمعية حماية الطبيعة SPNL في لبنان وعضو مجلس إدارة المجلس العالمي لحماية الطيور bird life international أسعد سرحال، أن «التجارة ترعاها اتفاقيات دولية عديدة حسب أنواع الطيور والحيوانات الموجودة على اللائحة الحمراء للاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة IUCN، ولبنان وقّع عليها ولكنه لا يطبّقها، وهي اتفاقيات ترعى التنوع البيولوجي منها اتفاقية حماية الأنواع المهاجرة وغيرها».

ويذكّر بأن «قانون الصيد الجديد عام 2004 والقرارات والمراسيم التطبيقية تحذر من الإتجار بالطيور والطرائد، ولكن للأسف الممارسات على الأرض من استعمال الشِباك والدبق والآلات التي تصدر الأصوات لالتقاط الطيور خلال هجرتهم عبر البحر الأبيض المتوسط أو عبر الهجرة الداخلية البرية في عكار والبقاع الشمالي والهرمل والقاع فور دخولها الأراضي اللبنانية. وهذا كلّه ممنوع في القانون، لكنه يمارس لغرض الإتجار بهذه الطيور وبيعها للمطاعم». ويشير إلى أنه «حسب الإحصاءات الأخيرة، فإن نحو 20 مليون طير يتم التقاطه وبيعه للاستهلاك الغذائي، ما يعني أن الاستهلاك يأخذ الحصة الأكبر، إلى جانب التقاط هذه الطيور لوضعها في الأقفاص والتمتع بصوتها، لا سيما الطيور المغرّدة وتلك ذات الأشكال الجميلة. وهذا ليس محصوراً بلبنان فقط، إذ أننا نعمل كـ SPNL عبر المجلس العالمي لحماية الطيور في لبنان ومالطا وقبرص وإيطاليا واليونان على مجموعة عمل مشتركة لإيجاد الحلول للمشاكل المماثلة، علماً أن بعض الدّول تعاني من مشاكل أكثر، كما هو حال قبرص مثلاً، حيث يصطادون الطيور ويأكلونها على طريقة «الكبيس».

ويوضح سرحال أنه «على مستوى المتوسط نرى الممارسات ذاتها، التي تفرّغ ممرات الطيور بكميات هائلة، ونحن ندرس الكميات لرؤية الحلول وكيفية التعاون بين الدول لوقف الصيد غير المستدام. كما أن الإتحاد الأوروبي يضغط على الدول الأعضاء فيه لوقف هذه الممارسات».

ويتحدّث عن «عمل مشترك بين لبنان وسوريا والأردن حول منطقة المتوسط، لمحاولة إيجاد حلول لمشاكل الهجرة الداخلية للطيور. فالمسألة إقليمية دولية ووزارة البيئة على عِلمٍ بالمشاكل، ومن هنا ضرورة التشدد في تطبيق القانون، خصوصاً قانون الصيد. فهذه التجارة هي تجارة غير مستدامة ستزول يوماً ما عندما تنقرض الطيور، خصوصاً مع اصطياد أو التقاط الطيور في فصل الربيع وهو فصل التزاوج والتكاثر».

ويختم بالقول: «وقّع أخيراً وزير البيئة على اتفاقية الشرف للـ bird life international والتي وقّعت عليها 11 دولة على مسار هجرة هذه الطيور، خصوصاً المحلّقة منها، وهذه بادرة إيجابية لحماية الطيور المحلّقة والكاسرة التي لا تؤكل أصلاً وبعضها مهدّد بالانقراض عالمياً، إنما يتمّ صيدها فقط للتجارة أو التباهي، وهذا يشوّه صورة لبنان في الخارج».

المصدر: جريدة المستقبل،
السبت 4 تشرين الأول 2014