الأهرام - عـلا مصطفي عامــر : سواء كانت العقيدة إسلامية أو مسيحية فلأصحابها كل الحق في ألعبادة وممارسة شعائر القرب والطاعة‏,‏ وأداء ألصلوات وترتيل ألآيات، لكن هل يمكن أن تتسع حقوق رجال الدين لتلتهم حقوق الوطن والمواطنين؟


منطقة العيون بالمحمية تختفى خلف السور بعد استكمال بنائه

لم يكن بإمكاننا الإجابة عن هذا السؤال ونحن نجلس في مكاتبنا وراء ألجدران نتابع بقلق واستغراب أخبارا بدأت تبثها المواقع ووسائل الإعلام على استحياء, عن خلاف بين أجهزة حكومية رسمية وبين مجموعة من الرهبان يستوطنون ديرا بمحمية وادي الريان, فالإجابة كي تكون واقعية, وبعيدة عن أي تكهنات أو شائعات, كان لا بد من تلك الرحلة التي بدأت مبكرا في وضح النهار, ولم تنته إلا بعد أن غشينا الظلام.

لم يشغلنا كثيرا أن نقطع أكثر من أربعمائة كيلو متر بسيارة الأهرام, ولا أن نسير طويلا وعميقا في قلب الصحراء, ولا أن تمتلئ صدورنا وعيوننا بالرمال الصفراء, ولم يوقفنا أي تحذير من حساسية القضية أو الاحتمالات الكبيرة للتعرض لمضايقات, كان يهمنا فقط أن نفهم ونسأل ونناقش ونلتقط صورا، ونسمع كل الحكايات لكي نستطيع أن نكتب سطورا تروي بصدق وموضوعية حقيقة ما يحدث في محمية وادي الريان.



كانت البداية ممتعة ونحن نسير على الطريق ناظرين إلى مياه بحيرة قارون التي جاورتنا إلى اليمين مسافة طويلة, ثم غادرتنا لتحل محلها رمال صفراء أحاطت بنا من كل الجهات, وبدأت تتلاشي نهائيا حركة السيارات, وكأننا وحدنا جئنا من أجل وادي الريان, رغم أن السائحين والزائرين يقصدونه, ولكن في أيام العطلات كما فهمنا فيما بعد, ورغم أننا في صحراء، إلا أن المناظر المبهرة التي تخطف الوجدان لم تنته من أمام أعيننا, فهاهي بحيرات وادي الريان تظهر من بعيد وكأنها لوحة مرسومة بمياه زرقاء تصنع ألسنة متداخلة مع الصحراء, قطعنا أكثر من 180 كيلو مترا قبل أن يظهر مدق إلى اليسار دلفنا فيه لأننا كنا نبحث عن المدير المسئول عن محمية وادي الريان, وبعد أن تخبطنا بالسيارة صعودا وهبوطا لأن الرصف ممنوع داخل المحمية الطبيعية, جلسنا امام مكتبه نسأله ونسمعه.

وسرعان ما ذهب أثر كل ما شاهدناه من مناظر خلابة, أمام شعور بالذهول مما قاله لنا عرفة السيد مدير المحمية، ليس فقط لأن أحدا لا يملك تنفيذ القانون، ولا الأحكام الصادرة ضد المخالفات, ولكن لأن هناك من هانت عليه قطع غالية من أرض بلاده يعترف بها العالم كمحمية طبيعية تحوي أروع بيئة برية وحيوانات ونباتات نادرة, ليضع فوقها قوالب الطوب الأبيض والحجارة، ويربي الأوز والبط، ويدق المعدات على عيون المياه المهددة بنفاد مخزونها خلال سنوات, والأخطر بناء سور عال يلف المكان, ويجعل دخول الزائرين إلى منطقة العيون أمرا يحتاج إلى إستئذان, مما حدا بمجموعة كبيرة من مسئولي شركات السياحة المصرية إلى تنظيم وقفة احتجاجية منذ أيام أمام السور المحصن, لأنه يؤثر على حركة السياحة الوافدة إلى المكان.


احدى الكنائس فى حضن الجبل

أحكام لا تنفذ :
بالطبع كان لابد أن نسأل عن سر صمت جهاز شئون البيئة ومحافظ الفيوم ومدير الأمن إزاء هذه المخالفات, وهنا بدا مسئول المحمية بالفيوم يخرج لنا عشرات الأوراق الرسمية والمذكرات والمكاتبات, ناهيك عن تقارير اللجان, ووضع أمامنا أرقاما كثيرة لمحاضر رسمية ترصد التعديات على أراضي المحمية, بل وعلى العاملين بها الملزمين بأداء المتابعة والرصد والإبلاغ عن أي مخالفات, حيث قامت النيابة العامة بقيد كل هذه التعديات في قضية واحدة تحمل رقم 3457 جنايات يوسف الصديق، وهو اسم المركز التابعة له المحمية، وعلمنا ان هناك أحكاما صدرت بالفعل بالإزالة والحبس والغرامة, وأيضا لم يتم تنفيذها ضمن المحاضر محضر رقم 439 بتاريخ 17 فبراير 2011 باتهام الرهبان باقتحام المبني الإداري للمحمية بالسلاح. وآخر بتاريخ 28 ديسمبر 2010 برقم 4441 إداري الصديق بالتعدي على باحثي منطقة العيون وإطلاق أعيرة نارية من أسلحة آلية لإرهاب الموظفين وإرغامهم على ترك المنطقة, وكانت المفاجأة في التقارير أن الدير نفسه غير مرخص من أي من الجهات المعنية.

الرهبان حاجز بشري
عندما قامت قوات من الجيش بالتحرك لهدم السور بمجرد الشروع في بناء أجزاء منه, والمقام له قواعد خرسانية تحت الأرض, فوجئ الجميع برهبان الدير يقفون أمام المدرعات مشكلين بأجسادهم حاجزا بشريا يحاول منع القوات من استكمال مهمتها, التي اقتصرت على هدم الجزء المبني ولم تقم بمصادرة الحديد ومواد البناء, ولذلك سريعا تم إعادة بناء ما تهدم واستكمال باقي السور, وعندما تم ضبط سيارة بها أدوات زراعية وخراطيم ري تريد المرور من البوابة الواقعة على مدخل المحمية, وكان أسفلها أجولة من البطاطس والخضروات, وتم تحرير محضر بالمعدات المضبوطة والممنوع دخولها لأرض المحمية قانونا.

الاتصال الهاتفي المجهول الذي يتدخل في لحظات الحسم ليثني موظفي المحمية عن مهامهم أمر عرفناه أيضا من أحدهم الذي تصدي برفقة زملائه لسيارة تحمل بلوكات الطوب الأبيض، ومنعوا مرورها وحرروا محضرا رسميا بها وبالاعتداء الذي تم على سياراتهم وتكسيرها, ولكن أوامر بالتوقف والانسحاب ثم التنازل كانت هي الفيصل في حسم الموقف لصالح المعتدين.

المهم الموقف الآن أن منطقة واحة العيون الطبيعية التي تنبع مياها كبريتية تتدفق من قلب الرمال, والتي تقع بين أحضان هضاب طبيعية من الحجر الجيري جبال مناقير الريان، وبها أروع تنوع بيولوجي لنباتات الصحراء، وللحيوانات البرية النادرة، كالغزال المصري المعرض للإنقراض, وحيوان الفنك، وهو أصغر الثعالب في العالم وأجملها،، هذه المنطقة أصبحت كلها وراء الأسوار.


مندوبة الاهرام فى انتظار السماح لها بالدخول

مزارع،، وحظائر!
وبتصفح أوراق الملفات تبين أن تاريخ الخلاف قديم قبل الثورة بسنوات, وأن السبب هو رغبة رهبان الدير في التوسع العمراني والزراعي بالمكان, مما حدا برئيس جهاز شئون البيئة لإبرام اتفاق سمي بالبروتوكول في عام 2007 ينص على التزام الرهبان بما هو موجود في حينه، وعدم التعدي لاحقا على أرض وبيئة المحمية, وأن تكون نتيجة مخالفة بنود البروتوكول إلغاءه وعدم تجديده، إلا أن المخالفات كما تضمنتها أوراق القضية أثبتت الخروج الكامل للرهبان على نصوص وبنود البروتوكول, تارة بإنشاء قلايات وصل عددها الآن لأكثر من 90 قلاية, وبناء استراحات, وحمامات, وأكثر من مضيفة, ومطبخ, وعمل مدق من الأسفلت إلى العين الأولى، وتجريف وإزالة النباتات الطبيعية بمساحة 15 فدانا، وزراعتها بأشجار زراعية, وعمل مزرعة مساحتها 30 ألف متر مربع مزروعة بالزيتون والجوافة والرمان, بالإضافة لحظائر مواشي وأغنام ومزارع دواجن وطيور, بالإضافة للحمير والكلاب وغيرها من الحيوانات الدخيلة على منطقة المحمية, وكذلك الاستيلاء على المباني الخاصة بالمحمية، والتي تستخدم في رصد الثدييات داخل المنطقة, ومسبح بيئي (حمام سباحة) على الطريقة البيئية,،، والخلاصة أن جميع ما ذكر من إنشاءات وزراعات يخالف تماما القانون رقم 102 لسنة 1983 في شأن المحميات الطبيعية بمصر, والقانون رقم 4 لسنة 1994 والمعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2009 في شأن الأنشطة البيئية داخل المحميات الطبيعية, وباختصار فهناك تعد على مساحة 10 آلاف فدان ملكا للدولة.

جولة داخل الدير
وبرغم أن التعب قد بدأ ينال منا, إلا أن الأسئلة العديدة التي ملأت أذهاننا كانت أشد إلحاحا من طرقات الصداع الشديد داخل رؤوسنا, وكان لزاما علينا أن نسير حوالي عشرين كيلومترا قبل أن نقف أمام السور المتعدي ونطرق بوابته الحديدية الضخمة, وضعنا عدة احتمالات للموقف، وكان أمامنا خيار التخفي كراغبين في الزيارة، إلا أنني اخترت المصارحة، سواء بهويتنا الصحفية أو بسبب زيارتنا، وكان سؤالي الأول للأب صموئيل المقاري الرياني: لماذا بنيتم سورا مخالفا ؟ وجاءني تبريره بالخوف من اعتداءات العرب المقيمين في الصحراء، وكذلك هجمات البلطجية منذ حدوث الثورة لأن البلد أصبحت سايبة وقتها على حد تعبيره, وهم رهبان عزل يريدون أن يحموا أنفسهم, وهم أيضا يحمون المحمية ممن يرغبون في الاعتداء على العيون الطبيعية, وعرفنا أن المكان يضم 240 راهبا نزحوا من كل المحافظات إلى الدير المكتوب على لافتته (دير القديس أنبا مكاريوس)، طلبا للرهبنة وهو نظام معروف في الديانة المسيحية, ينقطع خلاله الراهب للعبادة في المغارة (القلاية) وأداء الصلوات في الكنيسة المقامة داخل الدير, ومع ذلك يشارك في العمل والإنتاج بالمكان حسب تخصصه أو دراسته وقدراته.

الأقاويل المترددة عن إيواء الدير لأفراد خارجين عن القانون رد عليها الأب صموئيل بإبراز بطاقة الرقم القومي والتي تحمل اسمه الكنسي، بالإضافة للاسم الثابت بالميلاد، وهو ثابت عبد الله يوسف، والمثبت بها أن مكان الإقامة هو هذا ألدير، وأن ذلك هو حال كل الرهبان الذين يخضعون لشروط قبل قبولهم منها أداء الخدمة العسكرية والفحص الطبي والجنائي أيضا، نافيا بشدة أن يكون من بينهم خارج واحد على القانون, كما نفى أنهم يملكون سلاحا أو يحملونه، ولكنه لم يستطع أن يوضح كيف دافعوا عن أنفسهم أمام اعتداءات العرب والبلطجية.

تاريخ الأجداد
الحوار الذي كان على بعد أمتار وراء بوابة السور امتد إلى الداخل في رحلة بسيارة جيب مخصصة للسير في الرمال الناعمة, وكان القائد هو الأب الراهب عبد المسيح المقاري الرياني, وحكى لي وأنا أجلس بجواره حب الرهبان الشديد لبلادهم، وغيرتهم على أرضها, نافيا أنهم يستولون على شيء ليس من حقهم, وكان تبريره أنهم يخدمون المكان، ولا يمنعون أحدا من الزيارة والدخول, فقط هم يدافعون عن حضارتهم ضد المعتدين, فالأرض يتناثر عليها مغارات بطول الجبل يتعبد فيها الرهبان, وبها كنيسة الملاك ميخائيل التي أنشأها الأب متي المسكين المقاري الذي أمضي سنوات يتعبد في الدير في فترة الستينيات, ثم غادر المكان ومعه الآباء ليذهبوا إلى الدير الكبير بوادي النطرون, ثم عاد الأب إليشع (الرئيس الحالي للدير) في عام 1994، وبدأ في حل مشكلة ملوحة مياه العيون والتغلب عليها بالتحلية بالطاقة الشمسية, وعمل محطة تصفية.

الكثير من الأسئلة التي وجهتها للأب عبد المسيح, كان يرد عليها بإجابات دبلوماسية, وكلما سألته عن مصادر التمويل وكيفية وصول ما رأيناه بالداخل من سيارات وبلدوزر ومعدات بناء وأطعمة, رغم أن بوابة المحمية تمنع مرور هذه ألأشياء، كان يبتسم ويقول: الرب معي فلا يعوزني شيء، وكان يكرر كثيرا أنهم لا يريدون سوى أن تتركهم الدولة وشأنهم، فهم لا يؤذون أحدا، ولا يؤذون المحمية، فوجودهم سابق على تاريخ إعلانها محمية, فهنا تراث الآباء والأجداد الذي يرجع للقرن الثالث الميلادي.

أرض المحمية ملكنا
بعد جولة طويلة داخل المكان ودخول الكنيسة والمغارات المحفورة في قلب الجبل, اكتشفنا أن الظلام فاجأنا, وبدأ الرهبان في صلوات الغروب, وبدأنا نستعد للانصراف - رافضين دعوة ملحة بتناول الطعام - مكتفين بقطع البسكويت وعلب العصير.

وكان سؤالي الأخير عمن يملك الآن كل هذه المساحة الشاسعة من أرض المحمية التي أقف عليها بعد بناء السور, الراهب قائد السيارة أجابني بأن الأرض كلها ملك لله, بينما الراهب صموئيل قال: نعم أنت تقفين على أملاكنا !!

انتهت الجولة وبدأنا طريق العودة, ولم يكن الظلام وحده المسيطر على طريقنا، بل كانت إجابة السؤال الذي قطعنا من أجله كل هذه الكيلو مترات, وسواء كان الطرف الثاني رهبانا من أصحاب الجلاليب السوداء, أو شيوخا يرتدون جلاليب بيضاء، يجب أن تكون السيادة في مصر بعد الثورة فقط للقـــــانون. الأهرام

_______

تعليق : قصة أحببت إعادة نشرها في درة المجالس أثناء فترة علاجي في مصر، حكواتي الزمن.

محمية وادى الريان بالفيوم

البحيرة العليا، البحيرة السفلى، منطقة الشلالات التى تصل بين البحيرتين، منطقة عيون الريان جنوب البحيرة السفلى، منطقة جبل الريان وهى المنطقة المحيطة بالعيون ومنطقة جبل المدورة وهى التى تقع بالقرب من البحيرة السفلى.


تقع هذه المحمية في الجزء الجنوبى الغربى من الفيوم

ويتميز وادى الريان ببيئته الصحراوية المتكاملة بما فيها من كثبان رملية وعيون طبيعية، وحياة نباتية مختلفة وحيوانات برية متنوعة وكذلك الحفريات البحرية، كما تعتبر منطقة الشلالات من مناطق الرياضات البحرية المختلفة.

وبالمحمية 15 نوعاً من الحيوانات البرية، أهمها: الغزال الأبيض، الغزال المصرى، ثعلب الفنك، ثعلب الرمل، الذئب.

وتوجد بالمحمية أنواع مختلفة من الطيور المهاجرة والمقيمة أهمها: صقر شاهين، الصقر الحر، البلشون، السمان، البط، العقاب النسارية، صقر الغزال، كما يوجد بها بعض الآثار والحفريات البحرية الهامة.

المصدر: رئاسة مجلس الوزراء/ مصر/ جهاز شئون البيئة 2002



البحيرة العليا: ومساحتها حوالي 5090 هكتار ونسبة الملوحة بها حوالي 1.5 جم /لتر. وأقصي عمق لها حوالي 22 م .

البحيرة السفلي: ومساحتها حوالي 6200 هكتار ونسبة الملوحة بها حوالي 2.8 جم/لتر. وأقصي عمق لها حوالي 34 م .

يوجد بوادي الريان من مطاعم سياحيه وكافتريات


يمكن الوصول الى وادي الريان بالسيارة الخاصة او الاجرة وذلك بسلك طريق الفيوم الصحراوي من القاهرة او طريق القاهرة - اسيوط الصحراوي

وادي الحيتان

وادى الحيتان هو أحد الاماكن التي تعد من قبل التراث العلمي و نالت اهتمام كبير من منظمة اليونسكو ، يقع هذا الوادي في مصر ويعد أحد أهم المعالم السياحية و التاريخية الملئ بالحفريات التي لا تقدر بثمن و آلاف الحيوانات و النباتات المتحجرة و غيرها من الشواهد على حياة بحرية ساحلية عمرها أكثر من 40 مليون سنة و على رأسها نوع من الحيتان تطور منه النوع الحالي فقد كان هذا الموقع في حقبة ما قبل التاريخ محيطا ضخما يسمى تيثس Tethys.



يقع وادي الحيتان في حدود محمية وادي الريان الطبيعية و التي تبعد 8 كيلومترات عن مدينة الفيوم، تقع المحمية بجوار سلسلة من العيون الطبيعية و بحيرتان تم انشاؤهما في السبعينات عن طريق حفر قنوات للمياه الزراعية الفائضة من “بحيرة قارون” المجاورة.












روابط