واشنطن - رويترز : بالنسبة لمن يؤمن بوجود صدام للحضارات بين العالم الإسلامي والديمقراطية الغربية فإن الأسابيع القليلة الماضية كانت تأكيدا فيما يبدو لهذه النظرية. حتى من يرفضون هذا المصطلح باعتباره سطحيا يتحدثون بأسى عما قد يكون فشلا في التفاهم بين الأمريكيين على وجه خاص والكثير من المسلمين.


الكاتب - بيتر ابس - لندن

ويشير الغضب والعنف الذي أشعله فيلم سيء الانتاج يسخر من النبي محمد إلى هوة بين مبدأ حرية التعبير الذي يتبناه الغرب وحساسيات بعض المسلمين فيما يتعلق بما يعتبرونها حملة للإساءة.

وليس هناك نقص فيما يبدو في القوى التي تذكي التوترات أكثر من كلا الجانبين. إذ إنه ما أن بدأ الغضب يهدأ من هذا الفيلم حتى قامت مجلة فرنسية الأسبوع الماضي بنشر رسوم كاريكاتيرية تظهر النبي محمد عاريا.

وقالت زينب السويج وهي مديرة تنفيذية للمؤتمر الإسلامي الأمريكي "هذا شيء سخيف" في تعليق على العنف الذي أسفر عن مقتل 15 شخصا يوم الجمعة في باكستان وحدها بعد أن تحولت احتجاجات كان من المفترض أن تكون سلمية إلى العنف.

وأضافت "نعم هذا الفيديو مهين لكن من الواضح أن هذا رد فعل مبالغ فيه بشكل مقزز أذكاه إسلاميون متشددون في المنطقة لخدمة أغراض لديهم. لكن هذا يظهر مدى عمق الخلاف بين الثقافتين."


تحليل-انقسامات عميقة وخطيرة بين العالم الإسلامي...

جانب من الاحتجاجات ضد الفيلم المسيء للنبي محمد في باكستان يوم الاحد. تصوير: محسن رضا - رويترز


بدأ العنف في الأسبوع الماضي باحتجاجات صغيرة محدودة نسبيا أمام السفارات وهجوم لمتشددين في ليبيا على القنصلية الأمريكية في بنغازي مما أسفر عن مقتل السفير الأمريكي وثلاثة أمريكيين آخرين ثم امتد العنف منذ ذلك الحين إلى أكثر من عشر دول في أنحاء الشرق الأوسط وآسيا.

ورغم التركيز على البعد الديني فإن قلة هم من يشكون في أن هناك دوافع أخرى وراء هذه المواجهة.

إذ ما زالت الحرب على الإرهاب مستمرة والهجمات التي تشنها طائرات أمريكية بلا طيار والحرب في العراق وأفغانستان ومعتقل جوانتانامو وهي كلها أمور ينظر لها الكثير من المسلمين على أنها تدخل غربي في شؤونهم عمره قرون ونفاق ووعود لا تنفذ.

وفي الوقت ذاته يرى الكثير من الأمريكيين تلك المناطق مصدرا مبهما للإرهاب واحتجاز الرهائن والكراهية والفوضى. وفي أوروبا أصبحت مثل تلك المخاوف متداخلة مع معارك أخرى حول الهجرة والتعددية الثقافية.

قال أكبر أحمد رئيس الدراسات الإسلامية في الجامعة الأمريكية بواشنطن "إنها علاقة تتسم دائما بالصعوبة وفي العقود الماضية أصبحت أكثر حساسية ... حتى أي شأن يبدو بسيطا يمكن أن يفسد التوازن.... ما نحتاج إليه هو مراعاة وفهم أكبر من كلا الجانبين لكن من الصعب الوصول إلى ذلك."

لكن ليست كل الأنباء التي تخرج من المنطقة تشير إلى وجود فجوة لا يمكن سدها. إذ ان الكثير من الليبيين خاصة الشبان نعوا السفير الأمريكي كريس ستيفنز بعد مقتله وأوضحوا أن المتشددين الذين قتلوه لا يعبرون عنهم. كما نظم آلاف الليبيين مسيرة في بنغازي يوم الجمعة احتجاجا على ميليشيات إسلامية تتهمها واشنطن بشن الهجوم.

لكن "الربيع العربي" لم يصنع أصدقاء للولايات المتحدة كما كان يأمل الأمريكيون.

فالدول التي شهدت انتفاضات العام الماضي مثل تونس ومصر وليبيا واليمن هي ذاتها التي شهدت مشاعر مناهضة للغرب.

وتعتقد واشنطن الآن أن النشطاء الشبان الداعين للديمقراطية الذين احتلوا الصدارة في 2011 ليس لهم ثقل كبير مما يجعل الولايات المتحدة وأوروبا مضطرة للتعامل مع جماعات مثل الاخوان المسلمين.

وهناك قلق من أن حكومات دول في المنطقة مثل مصر ربما تمارس "لعبة مزدوجة" أي تعلن عن موقف ما للولايات المتحدة بينما تنخرط في خطاب مناهض للغرب في الداخل.

وربما يكون هذا ما يتعين على الولايات المتحدة الاعتياد عليه.

يقول جون الترمان وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأمريكية وحاليا متخصص في شؤون الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "ما نراه الآن هو أن حكومات المنطقة أصبحت أكثر قلقا ازاء سكانها.. أي أن الظهور بمظهر من يتمتع بقرب شديد من الولايات المتحدة أصبح فجأة عبئا."

لم تكن الإدارة الأمريكية الحالية هي الوحيدة التي تكتشف أن الديمقراطية لا تتحول مباشرة إلى شكل الحكومات التي تفضلها.

ففي عام 2006 فازت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في الانتخابات التشريعية بقطاع غزة مما ساعد فيما يبدو على أن تتخلى إدارة الرئيس السابق جورج بوش عن الحملة التي تشنها لنشر الديمقراطية في المنطقة خلال فترة ما بعد هجمات 11 سبتمبر أيلول مما جعلها تلجأ مرة أخرى إلى حكام مستبدين من أمثال الرئيس المصري السابق حسني مبارك.

وقالت ريتشيل كلاينفلد الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس في مشروع ترومان للأمن القومي الذي كثيرا ما استندت إليه حملة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في السياسة الخارجية إن القيادة السياسية الجديدة عادة ما يكون لديها مرونة أقل من الحكام المستبدين السابقين.

وقالت "هل هذا وضع صعب بالنسبة للولايات المتحدة؟ نعم بالطبع. لكن سيكون من الخطأ مجرد النظر لما يحدث ثم اتخاذ قرار بالعودة لدعم الحكام المستبدين."

وتتناقض بشدة تدني شعبية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مع الصورة التي يراها الأمريكيون لأنفسهم.

إذ كثيرا ما ينظر لحديث الغرب عن الديمقراطية وحقوق الإنسان على انه حديث أجوف. على سبيل المثال فإن واشنطن وأوروبا لا تتخليان عن الحكام المستبدين إلا عندما يكون مصيرهم قد تحدد بالفعل وتستمر في دعم حكومات مثل حكومة البحرين المتهمة بقمع الأغلبية الشيعية هناك.

تقول روزماري هوليس استاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة لندن سيتي "الحقيقة المجردة هي أن الشعب الأمريكي لن يفهم أبدا المنطقة لأنه لا يطرح أبدا الأسئلة الصحيحة. مثل ما هو شعور الطرف الاخر في معادلة القوة الامريكية."

وأيا كان الذي سيفوز في انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر تشرين الثاني فهو سيواجه سلسلة من التحديات في أنحاء المنطقة.

فبينما تجري مواجهة بين الولايات المتحدة وإيران بسبب برنامجها النووي تدعم واشنطن مقاتلي المعارضة السوريين والحكومات في الخليج لذلك فإن هناك احتمالا في استدراجها أكثر إلى الخلاف بين السنة والشيعة بالمنطقة.

وعلى واشنطن بالفعل في الوقت الحالي أن تتعامل مع تقلص نفوذها بالعراق وفي الوقت ذاته أن تدير عملية خروجها من أفغانستان ومحاولة الحيلولة دون سقوط باكستان بين براثن الفوضى.

كما أن هناك علاقاتها مع حليفتين رئيسيتين بالمنطقة هما اسرائيل والمملكة العربية السعودية وكل منهما يمثل معضلة بشكل مختلف.

اذ تهدد اسرائيل بالقيام بعمل عسكري ضد إيران بسبب برنامجها النووي ويخشى المسؤولون الأمريكيون من أن تتحمل أمريكا العواقب إذا أقدمت اسرائيل على هذه الخطوة.

وما زال الصراع الاسرائيلي الفلسطيني قائما وفي حالة جمود وأشار ميت رومني المنافس الجمهوري لأوباما في انتخابات الرئاسة في تصريحات في وقت سابق من العام الجاري وكررها هذا الشهر أنه لا يرى فرصة تذكر في إحداث أي تغيير هناك.

وربما تكون السعودية منتجا رئيسيا للنفط وحليفا له قيمة من حين لآخر لكن محللين يقولون إن بعض السعوديين الأثرياء إن لم تكن الحكومة ذاتها يمولون الإسلاميين والسلفيين منذ زمن طويل وربما يعملون كذلك على إذكاء التوترات بين السنة والشيعة.

وقال سعيد صادق أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة إن شعوب الشرق الأوسط ما زالت تفضل أوباما عن بديله مضيفا "ينظر له على أنه الرئيس الوحيد على الإطلاق الذي حاول حقا التقرب إلى الشرق الأوسط. لكنها منطقة صعبة... الدول التي مرت بثورات دائما تكون غير مستقرة... يمكن أن يستمر عدم الاستقرار ما بين خمس سنوات و15 سنة."

وفي حين أن الكثير من الأمريكيين قد يفضلون تجاهل المنطقة فإن أوباما أوضح هذا الأسبوع أنه لا يرى هذا خيارا مطروحا قائلا "الأمر الذي لا يمكننا القيام به هو الانسحاب من المنطقة."

واستطرد "ما زالت الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي لا يمكن الاستغناء عنها."