المنامة - محمد عبد الغني ( إينا ) - أستعدت المساجد الجامعة وغير الجامعة في مملكة البحرين لاستقبال المعتكفين والمتهجدين خلال العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، حيث تم تكليف الأئمة والوعاظ والقراء للرد على تساؤلات المصلين الفقهية، وتخصيص الموازنات لتوفير عبوات مياه الشرب والأكلات الخفيفة للمتهجدين، فضلا عن تكثيف الدروس الدينية لتشمل الساعات الأولى من الفجر، حيث وقت السحر الذي يتجلى فيه العزيز الجبار إلى السماء الدنيا مستجيبا لدعاء المتضرعين.



كما أن المقيمين فوق أرضها أيضا، لم يتوانوا بدورهم عن اللحاق بركب هذا الموسم الخيري الكبير الذي يتجدد سنويا، ويمكنك أن تلقاهم مع أبنائهم الصغار وزوجاتهم وهم يجاهدون من أجل إحياء هذه الليالي المباركة، حيث الخروج مبكرا للصلوات الجامعة، خاصة التراويح والتهجد، والتسابق من أجل الصفوف الأولى، والتحلق حول حلق الذكر المنتشرة هنا وهناك، وتدارس آيات الله مع القراء والحفظة وشيوخ الفقه والدين، والسعي بجهد دؤوب لقراءة ولو ختمة واحدة إضافية للقرآن الكريم ـ على الأقل ـ خلال العشر الأخيرة.

ويمكن للمتابعين أن يجدوا المصلين العابدين أيضا وهم يسارعون بمد أياديهم بالخير لكل من هو محتاج، حيث لا يبخلون خلال العشرة الأخيرة بالمسارعة بتقديم يد العون للفقراء والمساكين وأبناء السبيل بأطباق وحقائب الإفطار تارة، والوفاء باحتياجاتهم الخاصة بالعيد تارة ثانية من ملبس ومأكل وعيدية وغير ذلك، سيما لليتامى والأرامل والمطلقات والمعوزين، بل ومساعدة الغير لأداء إحدى أهم شعائر الله في الأيام الأخيرة من الشهر العظيم، وهي العمرة التي تعادل الحج، كما قال النبي صلوات الله وسلامه عليه، والتي يُخصص لها بعض الوجهاء والمحسنين فائضا من زكواتهم وصدقاتهم وحسناتهم لكل راغب غير قادر بأدائها حتى لو كان من غير البحرينيين.



ويستطيع المترددون على مساجد الله في المملكة أن يلاحظوا هذا التدفق الهائل من جانب الجميع للقيام بالصلوات حاضرة بالمقارنة بأوقات أخرى أملا في غفران الذنوب والإنابة إلى الله الكبير المتعال في هذه الأيام المباركة التي نزل فيها القرآن الكريم، كما يمكنهم ملاحظة كيف أن كثيرا من المصلين الصائمين يخصصون أوقاتا إضافية لتلاوة آيات من الذكر الحكيم، وحضور دروس العلم التي تتنوع أوقاتها والقائمين عليها في مساجد البحرين، خاصة عقب صلاة العصر، وربما بعد صلاة الفجر، وبطبيعة الحال خلال فترات الراحات التي تتوسط صلوات التراويح والتهجد، حيث تحف الملائكة المصلين وهم في مجالس الذكر والعبادة، وتعم الأجواء روائح الطاعات والأمل في جنات الفردوس الأعلى.

ولا يخفى هنا تلك الترتيبات والتجهيزات التي تقوم بها بعض المساجد البحرينية وبرعاية وتنظيم من الجهات المسؤولة، فضلا عن الوجهاء والأعيان وأهل الخير من المحسنين، لاستقبال الراغبين في أداء شعيرة رمضانية أخرى خلال الأيام الأخيرة من رمضان، وهي شعيرة الاعتكاف، حيث يهرع الناس بمختلف فئاتهم وشرائحهم وأعمارهم للالتحاق بالبرامج التي تنظمها المساجد لأداء هذه الشعيرة العظيمة التي يتخللها الكثير والكثير من الدروس والتلاوات والصلوات والرقائق، ويُستقطب لبعضها أكبر وأشهر القراء ووعاظ القلوب والأرواح، فضلا عما يُيسر للمعتكف اعتكافه من أماكن للتعبد والراحة بعيدا عن الساحات الأساسية للمساجد المخصصة للمصلين وغير ذلك.



ولعل من بين أهم مظاهر الفرحة الدينية الغامرة التي تعم الكافة لإحياء ليالي العشرة أيام الأخيرة من رمضان، ذلك الحرص الذي يشمل الكثير من الناس لتحري ليلة القدر في أحد أيام الوتر من الثلث الأخير للشهر الفضيل، ويمكن للمدقق الأريب أن يلحظ عدة أمور مهمة تنتشر بكثافة خلال هذه الفترة في البحرين، أولها خاص بحملات العمرة التي تزداد إعلاناتها التسويقية ونشراتها الترويجية في محاولة لنيل أكبر قدر ممكن من الراغبين في أداء العمرة، ومن ثم أداء شعيرة الاعتكاف بالمسجد الحرام بمكة المكرمة، حيث تتباين الأسعار والعروض وفقا للخدمات المقدمة ووفقا لطريقة السفر، برا أو جوا.

الأمر الثاني يتعلق بتلك الأجواء الروحانية التي تسود بين الناس والعباد ليس فقط في أروقة المساجد وساحاتها، وإنما في الطرقات والشوارع وأماكن العمل والتسوق أيضا، ويغلب عليها طابع الهدوء والسكينة والأمان والطمأنينة، حيث يوجه الناس جل تركيزهم إلى الدعاء باعتباره مخ العبادة، آملين أن يحقق لهم العلي الكبير جلت قدرته مبتغاهم بالعفو والعافية والمعافاة في الدين والدنيا والأهل والمال والولد، وأن يعم عليهم خلال هذه الأيام المباركة بقبول نسكهم والتنزل عليهم بالرحمات والرضوان.

الأمر الأخير يتعلق باستجابة الناس السريعة من مواطنين ومقيمين لنداءات الشرع الحنيف بالتبرع بالهبات والزكوات والصدقات بأنواعها المختلفة، سيما المال والفطر، لبدء توزيعها على الفئات المستحقة، وسد احتياجات المحتاجين داخل البحرين وخارجها.