زياد جسام - الصباح : يمتلك الفنان كريم رسن مقدرة عالية لفهم وهضم التجارب العالمية المعاصرة على الفن التشكيلي من اجل تجاوز نمطية اساليب باتت مستهلكة، فقد وجدت اعماله في النحت والرسم، صدى في نفسه لقربها من تكوينته الفكرية ولامكانية توظيفها في مشروعه الفني لمنطقة اداء ارادها ان تكون متفردة.



يرتكز الفنان رسن في الوقت الحالي على انتاج اعمال اشبه بالملصقات السياسية، اذ نجد اغلب اعماله تتحدث عن الحرب والآلة العسكرية والخراب الحاصل بسببها، واحياناً نجده يكتب بعض الكلمات التي تقرب الصورة لدى المتلقي عن موضوعية العمل، دون اللجوء الى المباشرة في الفهم العام، ومن هذا المنطلق تأتي هذه الصلابة والهشاشة في سطوح اعماله واضافاته لنصوص ذهنية اعتمدها عنصرا مهما من عناصر عمله التشكيلي.

ايماءات واحالات
لقد اختار مفردات تكاد تكون حروفاً او رموزاً استوحاها من حضارته، وظفها لسطح العمل مع إضافاته المتعددة الاخرى , في محاولة منه للاقتراب من ما بعد الحداثة ،جمهوره ليس نخبويا فحسب بل ان صدى اعماله انتشر بين شريحة كبيرة من الناس. ربما كان الفنان رسن على دراية بهذا كي يكون خطابه اقرب الى زمنه من اثر مضى. لم يكن قريبا من الواقع العياني بقدر ما كان متمسكا بالمجردات، دون مفاهيم مسبقة، فهو يشتغل قريبا من منطقة إيماءات وإحالات. لقد اتعب هذا الفنان عينيه في تقصي اثار الزمن على تصدعات واشارات الحيطان بجانب تهشيم مواد عمله وصبغتها التي اخضعها للقدم وكأنها عتيقة تقادم عليها زمن طويل وهكذا فأن الســطح التصويري وامكانياته للتعبير عن الذات سرعان ما يتقبل ايجابية الحرف اللغوي لاقحام عالمه على عالم اللوحة.

معايير جمالية
لدى الفنان رسن جرأة الحفر بالسكين على سطح خاماته الصلبة، لصالح ذاكرة مفتوحة لكل من يراها لكن من دون أن تفقد حساسية النخب الثقافية خصوصية علاقتها التاريخية على مدار الوقت، لقد جعلتنا أعماله نعيد النظر في الكثير من الاشياء التي تعلّمناها ومن قيم سائدة في تلقي منجزات سابقة. اراد ان يخرج هذا الفنان من العمل التقليدي لرسم الشجرة والنهر والحصان وغيرها، فلو عدنا وتاملنا اعماله لوجدناها تثقيفية بصرية ومن خلالها رأينا رموزا واشارات ذات جماليات عفوية موجودة على جدران منازلنا وربما امامنا في كل مكان لكن لم نرها من قبل، نحن الآن في عصر يجتهد في تعددية قراءاته،أستطيع القول بأن رسن نفض الغبار عن رموز كثيرة وجلعنا نراها بوضوح في حياتنا اليومية.. إنه وسط تجربة انموذجية، اختارها ليضعها في مشغله وتجاربه الذاتية بهدوء، فهو كان يرسم أعماله وينفذ نماذجه الجرافيكية بعناية بعيدة عن التكرار، اما مقارنة هذا الفنان بجيله من الفنانين فهم جميعا يعملون خارج السياق التاريخي اي انهم تجاوزوا قضية نقل الواقع المباشرة ، فهذه النخبة الفنية المتميزة لها فلسفة خاصة بخصوص الابداع من ناحية الحث نحو الخلاص من التأثيرات الخارجية التي اقترنت بالفن التشكيلي نحو العمل خارج أية سلطة غير سلطة الذات التي منحت اعمالهم خواصّها ورموزها وجمالياتها ،لذا نجد الفنان رسن قد رسم خطا جديداً لذائقتنا وحساسيتنا الفنية .. فقد تمكن من خلق معايير جمالية وذائقة فنية ..انها تجربة فردية لها بصمة تعكس ذاته امام مرآة الفن والابداع.