المنظمة - روما : حثت دراسة صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "FAO" و هيئة التنوع الحيوي الدولي Bioversity International على اتخاذ تدابير فورية ترويجاً للحمية المستدامة وصون التنوّع الحيوي للغذاء بهدف تحسين صحة البشر وبيئة الكوكب ككل. وفي تقديمها للدراسة المعنونة "الحمية المستدامة والتنوع الحيوي" (Sustainable Diets and Biodiversity) ذكرت الخبيرة سارا بيرلينغهام، كبير أخصائيي شعبة التغذية وحماية المستهلك لدى المنظمة "فاو"، أنه "بغض النظر عن النجاحات العديدة للزراعة في غضون العقود الثلاثة الأخيرة فالواضح أنّ نظم الحمية والوجبات الغذائية لم تصبح مستدامة بعد".

مطلوب إجراءات فورية لتحسين صحة البشر وبيئة الكوكب


حقل لزراعة الكينوا في بوليفيا

وكشفت خبيرة المنظمة "فاو" عن أنه إذ يعاني أكثر من 900 مليون شخص في العالم من الجوع مباشرة، فثمة نحو 1.5 مليار آخرين يعانون في المقابل من فرط الوزن أو البدانة، إلى جانب 2 مليار نسمة إضافيين يعانون سوء تغذية في المغذيات الدقيقة بما في ذلك نقص فيتامين "أ" والحديد واليود.

وطالما اعتبرت تلبية احتياجات العالم الغذائية مشكلة قاصرة حتى الآن إلى حد بعيد على توفير كميات كافية من الغذاء. لكن الدراسة تشير إلى أن المعدل السريع لخسارة التنوّع الحيوي وتدهور النظم البيئية، وما يترتب على ذلك من مشكلات صحية، إنما باتت تفرض إلحاحاً بالنسبة لضرورة النظر في نوعية الغذاء والزراعة بمقياس الجودة. والثابت أن الحمية الرديئة ترتبط مباشرة بالأمراض الخافية مثل داء السكر وأمراض الأوعية الدموية القلبية في مختلف أنحاء العالم.


بصمة ثقيلة

تمخضت الزراعة ذات المدخلات الصناعية المكثفة ومرافق النقل عبر مسافات طويلة عن إنتاج مواد من الكربوهيدرات والدهون المكررة والرخيصة والمتوافرة بسهولة كبيرة عبر الكرة الأرضية. لكن ذلك أدّى إلى تبسيط الوجبة والحمية إلى أقصى المستويات وأفضى إلى اعتماد متزايد على عدد محدود من الأغذية الغنيّة بالطاقة. وبينما تنخفض التكلفة النقدية لمثل هذه الأغذية إلا أن "بصمتها الكربونية والمائية" بمقياس العواقب تعد جد ثقيلة وفق كل المعايير.

وفي جميع الأحوال، تأتي هذه الفئة من الأغذية الرخيصة وذات المحتوى المرتفع من السعرات الحرارية على حساب خسارة المذاق والتنوع والأصول الثقافية.

واليوم تتيح ثلاثة محاصيل أساسيّة كبرى هي الذرة والقمح والأرز ما يناهز 60 من مجموع الطاقة الغذائية المستهلكة في العالم. ومع ارتفاع مستويات الدخل لدى بعض البلدان النامية يتزايد عدد السكان الذين يتخلون عن الوجبة التقليدية ذات الأصل النباتي للاستعاضة عنها بنظام حمية غربي النموذج تغلب عليه اللحوم ومنتجات الألبان والدهون والسكريات.

وتكشف الدراسة المشتركة عن أن نظام الحمية الحديثة وأساليب إنتاج الأغذية كان لها أبعد الأثر في انكماش نطاق التنوع الوراثي النباتي والحيواني، إذ يواجه نحو 17291 من أصل 47677 من الأنواع النباتية والسلالات الحيوانية خطر الانقراض وفق تقديرات الاتّحاد الدولي لحماية الطبيعة "IUCN".


حاجة عاجلة

طبقاً للخبير إميل فريسون، المدير العام للفرع الدولي لهيئة التنوع الحيوي بروما فأن "هنالك حاجة عاجلة لتبديل النموذج القياسي للإنتاج الزراعي لكي يراعي النوعية التغذوية بالنسبة للمحاصيل التي نزرعها وأين نزرعها".

وأضاف أن "ذلك يتطلّب منا التحرّك إلى ما وراء الأغذية الأساسيّة الكبرى للنظر في العديد من المئات، بل والآلاف المهملة أو المستخدمة جزئياً من النباتات والسلالات الحيوانية وعلى نحو يستظهر جل الاختلاف بين نظام الحمية المستدامة وغير المستدامة".

وفي كينيا، على سبيل المثال، ساعدت هيئة التنوع الوراثي الدولية على الاستعادة الناجحة لعدد من الخُضر الورقية الخضراء التي اعتبرت إلى فترة قريبة غذاء للفقراء في نظر الحمية والأسواق المحليّة. غير أن العودة إلى إنتاج هذه النباتات التقليدية بما في ذلك نبات الظلّ الليلي الإفريقي، ولوبيا العين السوداء، وأوراق القرع، ونبات العنكبوت، وسبانخ الكرمة حققت من النجاح ما جعل الناتج غير كاف لتلبية الطلب على الإنتاج.

وفي الهند، أعيد استقدام حبوب صحّية مثل دخن الأصبع وذيل الثعلب إلى مناطق تخلت عنها فيما مضى تماشياً مع السياسات الحكومية، للترويج لإنتاج محاصيل النشا. ولم تنفك الجهود جاريةً أيضاً لاستقدام زراعة الحبوب الأندية المحلية وفي مقدمتها الكينوا التي تعرف باسم "حبة الأنكا الذهبية"، وقطيفة "الأمارانت" لبيعها في الأسواق الدولية. ومن جانبها أعلنت الأمم المتّحدة فعلياً عام 2013 سنة دولية للكينوا.


جهد هائل

ويؤكد الخبير فريسون أن "الانتقال إلى الحمية ذات المحتوى العالي من الطاقة ذات المصادر السكرية والدهنية ليس أمراً حتمياً في الأحوال كافة". وأضاف أن "علينا أن نبذل جهداً كبيراً لضمان أن يحصّل الجميع في العالم ليس فقط غذاء كافياً بل وأيضاً تغذيةً ملائمة لاحتياجاتهم".

وتؤكد خبيرة المنظمة "فاو" أن "نظمنا الغذائية يجب أن تمرّ عبر 'تحوّلات جذرية' باتجاه استخدام أعلى كفاءة للموارد ومزيد من الفعالية والإنصاف في استهلاك الغذاء لأجل تبني نظام الوجبة أو الحمية المستدامة".

وأضافت أن "الحمية المستدامة بوسعها أن تعالج مشكلة معادل إنتاج الغذاء إلى استهلاك المياه للتقليل استهلاك الموارد المائية، فضلاً عن مشكلة البصمة الكربونية الناجمة عن غازات العادم (المسببة للاحتباس الحراري)، مع الترويج لنشر التنوّع الغذائي الحيوي متضمناً الأغذية التقليدية والمحليّة، بما تملكه تلك من أنواع وأصناف ذات قيمة تغذوية بالغة". وخلُصت إلى أن "نظم الحمية المستدامة قادرة على تهيئة الانتقال أيضاً إلى زراعة تستشعر على نحو مشترك الاحتياجات التغذوية، ونماذج الزراعة الذكية مناخياً، ونظم إنتاج الغذاء المستندة إلى اعتبارات التغذية".