شواهد متعددة تشير إلى أن "عاصفة" هوجاء ستضرب الاقتصاد العالمي قد تتحول كارثة جديدة كالتي مر بها العالم في 2008، ويحذر الخبراء من أن إمكانيات الدول اليوم ليست كما كانت في السنوات الماضية حيث الوفرة المالية وارتفاع الإنفاق لمستويات عالية، وبالتالي فإن المعالجات لأي اضطراب مقبل ستكون في غاية الصعوبة.
436x328_81973_166614.jpg
ويشير المحللون إلى أن العالم بات يتوجس من انفجار الأزمة مع استمرار الاضطراب المالي في أمريكا، والتباطؤ الاقتصادي في آسيا، وتداعيات أزمة الديون السيادية في أوروبا، إضافة إلى الركود الاقتصادي في اليابان، كل تلك الشواهد تجمعت وتلاقت في وقت واحد لتشكل قوس أزمات قد تعصف باستقرار الاقتصاد القائم.

العربية نت - غالب درويش

السعودية الأكثر جذبا للاستثمارات الأجنبية
الصورة قد تبدو قاتمة أمام الجميع لكن هناك من يرى أن لحظات التحول السلبي العالمي قد تحمل معها إيجابيات للأسواق الناشئة، حيث يشير الخبير الاقتصادي الكويتي علي الموسى، في حديث لـ"العربية.نت"، إلى أن المخاوف من الأزمة المقبلة على دول الخليج هو في انكماش الاستهلاك العالمي، مما سيؤدي إلى تراجع في استيراد النفط الذي تعتمد عليه دول الخليج كمورد رئيسي في دخلها القومي.

وقال "إنه رغم هذه المخاوف إلا أن الاستقرار الاقتصادي والسياسي الذي تتمتع به دول الخليج كفيل بجذب رؤوس الأموال الأجنبية، والتي باتت تبحث عن أمان اقتصادي لاستثماراتها".

وأضاف أن "دول الخليج تتمتع بفرص واعدة، وهناك عوائد مجزية لهذه الفرص، فالأرقام التي كشفتها منظمة "أونكتاد" تظهر أن المملكة العربية السعودية تحتل المرتبة الثامنة في استقطاب الاستثمارات الأجنبية والتي بلغت ما يقارب 35 مليار دولار، كما أن السعودية تحتل المرتبة الحادية عشرة في تقديم سهولة الأعمال.

الخليج عالج المشاكل بدون شعارات
ورأى الموسى أن دول الخليج وعلى رأسها السعودية بدأت بخطوات عملية في رفع مستوى اقتصاداتها وتحسين مداخيل الأفراد، بعكس الدول التي أشبعت شعوبها شعارات طوال عشرين عاما ولم تنجز قرارا واحدا، مضيفا أن "تأثير أي أزمة على دول الخليج قد يكون محدودا نظرا لقدرتها على استيعاب التداعيات، وحداثة الأسواق وفرص النمو فيها وسعيها وراء حل الخلل الهيكلي في سوق العمل رغم صعوبة الحل الوقتي لتراكم العاطلين".

وأشار الموسى إلى أن "المخاوف بشأن الأزمة قد تكون حقيقية للأسواق العالمية لكننا في الخليج ورغم ارتباط اقتصادنا بها إلا أن الاحتياطيات المالية والنفطية واستخدام الفوائض في حل المشاكل العالقة، سيجنبنا تداعيات الأزمة وبتأثير أقل".

الأزمة ستلقي بظلالها على المنطقة
من جانبه، يؤكد الرئيس والعضو المنتدب لشركة "مينا فاينانشال جروب" عبد الرحمن الحارثي، في تصريحات لـ"العربية.نت"، أن الأزمة المالية المرتقبة إذا اكتملت جوانب تشكيلها ستلقي بظلالها على جميع الاقتصاديات الصناعية والنامية ولن تكون دول الخليج ولا أسواقها في منأى عن هذه العاصفة، فقد يبدو الآن أنه لا مفر من مواجهة هذه الأزمة التي تنافست الولايات المتحدة وأوربا على إهدائها لسكان الأرض، ولكن الجدل قد يكون في مقدار حدة هذه الأزمة ومدى شدة وطأتها.

ولفت إلى أن الدول الخليجية ستعاني في حالة انطلاق شرارة الكساد من الانخفاض الحاد على الطلب على الطاقة ومنتجاتها التي تشكل مصدر الدخل الأساسي لاقتصاديات الخليج، مما سيؤثر بشكل مباشر على خطط الإنفاق الحكومي ومواجهة متطلبات التنمية والوفاء بالتزاماتها حسب الخطط الموضوعة.

بناء محفظة احتياطيات
وذكر أن "الاقتصاديات الخليجية غالبا ما تلجأ إلى تقييم متحفظ لأسعار النفط عند بناء موازنتها، وقد ساهم مثل هذا التوجه في بناء محفظة لحتياطيات متينة تساهم في تخفيف حدة الأزمات المالية المرتقبة، ومثل هذه الاحتياطيات يمكن أن تتحول إلى مصادر تنمية تساهم في تنويع مصادر الدخل وجعل قاعدة الموارد أكثر تنوعاً وصلابة مما سيمنح دول الخليج ديناميكية أكبر ومرونة أكثر للتعامل مع مثل هذه الأزمات، هناك استحقاقات كبيرة وملفات هامة تتعامل معها دول الخليج بشكل جديٍ لما لها من تأثيرات اجتماعية واقتصادية وأيضا سياسية مثل البطالة، التنمية الاقتصادية، جودة مستوى التعليم، تنمية القطاع الخاص، ورفع سقف المشاركة. ووصول مثل هذه الأزمة في مثل هذا التوقيت قد لا يكون أفضل هدية يرتقبها مشرعو الخطط والمسؤولون التنفيذيون".

الأزمة على الأبواب
وفي تحليله للوضع المالي العالمي يؤكد الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني ابراهيم دبدوب أن "الأزمة المالية العالمية الجديدة تبدو قريبة منا اليوم أكثر من أي وقت مضى، بل أنها تبدو أشد حدة من سابقتها في عام 2008 حين سقوط بنك "ليمان براذرز". كافة المؤشرات من الولايات المتحدة الأمريكية ودول اليورو والمملكة المتحدة إلى اليابان تشير إلى أننا نتجه نحو ركود جديد. في الأمس، كنا نظن أن بعض المؤسسات المالية العالمية هي "أكبر من أن تنهار". لكن اليوم، تبدو حكومات الاقتصادات المتقدمة أكبر من أن يتم إنقاذها".

ويشير دبدوب إلى أنه "في الولايات المتحدة الأمريكية، تثير البيانات الاقتصادية قلقا متزايدا فصلا بعد آخر، من بيانات النمو الاقتصادي إلى الاستهلاك والسكن وحتى سوق العمل. وفي أوروبا، الركود حاضر أصلا في خمس دول، ثلاث منها (اليونان والبرتغال وإيرلندا) فقدت القدرة على الاستدانة، وتبدو إيطاليا وإسبانيا في الطريق للحاق بها. والأسوأ أن اقتصاد هاتين الدولتين يبدو "أكبر من أن ينهار" و"أكبر من أن ينقذ" في الوقت نفسه. المشهد لا يختلف في المملكة المتحدة واليابان اللتين تشهدان فصولا متتالية من الركود الاقتصادي".

مواجهة الأزمة
ويذكر دبدوب، في مقال نشرته جريدة "الرأي" الكويتية، أن ما يزيد من حدة الأزمة الحالية عن سابقتها، أننا فقدنا الخيارات، وبات العالم مثقلاً بسياسات مالية ونقدية انكماشية. فالولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول اليورو مجبرة على عكس سياساتها التوسعية السابقة التي حاولت من خلالها مجابهة الأزمة المالية الأخيرة. اليوم، ليس باستطاعة هذه الدول إطلاق برامج التحفيز الكمي التي اعتمدتها في السابق. وفيما تدخلت حكومات هذه الدول لإنقاذ بنوكها قبل ثلاثة أعوام، يبدو أن البعض يراهن على أن تقوم البنوك اليوم بإنقاذ الحكومات، إذا أمكن! إلا أن الحكومات والبنوك هي في واقع الحال في خندق واحد، إذ أن مخاطر الديون السيادية تتحول إلى مخاطر نظامية في القطاع المصرفي بسبب انكشاف البنوك على الدين الحكومي، إن حاضرا أو مستقبلا".

ويضيف أن فقدان فاعلية السياستين النقدية والمالية حاليا يلقي الضوء على أزمة بنيوية تتخطى التخبطات القصيرة الأجل، وحلها لن يكون سهلا أو سريعا. لقد أثقلت المديونية الضخمة كاهل القطاع الخاص في السابق، واليوم تغرق الديون السيادية الحكومات. ما حصل أمس أننا استبدلنا دينا خاصا بدين عام، وقد فاقم ذلك من الأزمة ولم يحلها كما كان يؤمل. الدول المتقدمة مدعوة اليوم إلى اتخاذ القرارات الصعبة وإلى تبني سياسات تتجاوز الأجندة الانتخابية. الحل يبقى بتخفيض حجم الدين، وهذا يتطلب سنوات طويلة.