وبكيت ذات عيد فطر سبقته ثلاثة أيام من رمضان في يوم 26 رمضان ودعني شقيقي محمد وكنت قد ربيته صغيرا مع أشقائه وكان بمثابة الإبن وكان يقيم في المنطقة الشرقية وكان ذلك يوم 26رمضان ليلة السابع والعشرين منه وكان عائدا من مكة المكرمة إلى جدة بعد أن أدى العمرة فقال ضاحكا هذه عمرة الوداع فقلت له بل هناك طواف الوداع للحاج وليس هناك عمرة وداع فرد قائلا ولكنها عمرة الوداع ولم أعلق على الأمر واستقل سيارته مع زوجته وإبنته وإبنه الصغير فيصل متجهين إلى الرياض في طريقهما إلى المنطقة الشرقيه بعد عشاء يوم السادس والعشرين من رمضان المبارك

ونمت ليلتي ولكني استيقضت على رؤية أفزعتني وأقضت مضجعي فقد رأيت فيما يرى النائم أن ثنيتي الأماميتين قد سقطتا فجأة من دون كل أسناني وسقطتا في باطن يدي وكنت أنظر إليهما بأسف وأسى وحسرة

وبعد عصر ذلك اليوم يوم السابع والعشرين جائني الخبر غامضا أن محمدا حصل له حادث بين الرياض والشرقية قريبا من الرياض لم أعرف تفاصيل الحادث وتوجهت على أقرب طائرة متاحة متجهة إلى الرياض وفي الرياض وصلت بعد ظهر يوم 28 رمضان وبعد وصولي علمت أن الطفل فيصل توفي في الحال ولكن أحد أخواله بادر بالصلاة عليه ودفنه قبل وصولي

وأن شقيقي يرقد فاقدا للوعي في غرفة العناية المركزة بينما أصيبت زوجته إصابات شديدة في الدماغ تطلبت حلق كامل شعر رأسها وكسرت يد إبنته ذات الثلاثة أعواموقد علمت من الطبيب أن إصابات شقيقي شديدة جدا وهي عبارة عن كسور مضاعفة في الساقين والأضلاع وتمزق في بعض الأعضاء الحيوية الداخلية وفقدت الشجاعة والجرأة على رؤيته في العناية المركزة وفقدت السيطرة على عواطفي فقد كانت أدمعي تحجب عني الرؤية وكانت الظروف عصيبة جدا جدا

ورغم ذلك أوعزت إلى شقيقي عبد الله أن يتوجه إلى الرياض برفقة الوالدة رحمهما الله مع تكتمنا الشديد على حالة وكانت رحمها الله تعاني من القلب والسكري والضغط وهداني الله للتفاهم مع طبيب في مركز طبي إسمه الثاني الأخضر ربما هو مستوصف الهلال الأخضر إن لم أكن مخطئا وقد اتفقت مع شقيقي أن نأتي بها مباشرة إلى المستوصف لإعطائها مهدءا تمهيدا لوقوفها على حقيقة ما أصاب فلذة كبدها ودخلت برفقة شقيقي عبد الله رحمهما الله في الوقت الذي جبنت عن ذلك الأمر وخانتي كل شجاعاتي الزائفة

خرجت الوالدة رحمها الله باكية ولكنها ثابتة فسألتها عن حال محمد فقالت بثبات وإيمان ما ظنتي ياولدي يعيش فقلت لها طيب أنتي روحي إلى جدة وخلينا احنا مع محمد عسى الله أن يمن به علينا وعادت إلى جدة مع عبدالله الذي عاد إلى الرياض في صباح اليوم الأخير من شهر رمضان وفي عصر ذاك اليوم حاولت الدخول حيث يرقد محمد في العناية المركزة وخانتني ساقاي بعد أن خانتني أعصابي وقلبي من الدخول واكتفيت بالنظر إليه من بعد وأسلم الروح مع فجر يوم العيد عام 1403هـ

وحينها حضرت روح المسؤلية وجفت أدمعي في الوقت الذي انهمرت فيه أدمع ناصر شقيق زوجة محمد وفي مقبرة العود في الرياض حيث دفن والدنا رحمه الله عام 1382هـ نزلت إلى القبر مع شقيقي عبد الله رحمه الله ودون اللحد وأنا أضع رأسه شعرت برأسه وعنقه تطاوعان حركة يدي وكان جسده لينا لدنا ظهر ذاك اليوم وبعد أن قضى الله أمره عاتبني ناصر قائلا ما أقوى قلبك كيف لم تجرؤ على رؤيته في غرفة العناية واستطعت أن تضعه في القبر وتغلق اللحد عليه بيديك فقلت له في غرفة العناية كنت أطمع أن يمن الله به علينا وفي نفس الوقت أحاول أن أهرب من الحقيقة أما وقد قضى الله أمره فهذه هي الحقيقة وكان حتما علي مواجهتها وإنا لله وإنا إليه راجعون

ألم أقل لكم أنني بقدر ما أعيش عطر الماضي وعبقه في بعض دهاليز التاريخ الشخصي فإنني أتألم كثيرا بالعودة إلى كثير من جوانبة الباكية الحزينةوكثيرا ما أتجنب الخوض في الماضي خصوصا في جوانبة المعتمه