سير المعركة

صعد الملك عبدالعزيز أرض السمراء، وخطب في جيشه، قائلاً: "يا أبناءنا ويا ذخيرتنا ... ربينا وعشنا لنذود عن حمانا، وحقنا، وحدودنا، في هذا اليوم وأمثاله، ولنصد جموع المعتدين ... إن عدوكم تطاول على حمانا وتحملنا، وتطاول على المواشي وتحملنا، وعاهدنا وغدر وما بقي إلاّ محارمنا، فدافعوا عنهم. فاليوم يومكم، والله معنا، وأني أستحلفكم بالله، ألاّ تبدأوا بإطلاق النار، إلاّ بعد أن يطلق علينا العدو النار".

وهناك روايات مختلفة عن الكيفية التي سارت بها معركة السّبَلَة. ومما يُركن إليه المتأمل في تلك الروايات، أنها سارت كما يلي:

في صباح اليوم التاسع عشر من شوال، أمر الملك عبدالعزيز قواته أن تتقدم نحو معسكر خصومه، حتى وصلت إلى وادي ابن جار الله، الذي كان أولئك الخصوم في جانبه الأعلى. وكان الملك عبدالعزيز في القلب من تلك القوات، التي كان معظمها من حاضرة نجد. وقد جعل أخاه محمداً على ميسرة الخيالة، وابنه سعوداً على ميمنتها. ثم أمر بالهجوم. فسار المشاة أولاً، واندلع الرصاص من كلا الطرفين. وكانت بداية هجوم قوات الملك عبدالعزيز، على ابن بجاد واتباعه بالذات، فصدوهم. وفي أثناء ذلك أخذت فئة من قوات الملك عبدالعزيز تعود إلى مواقعها في المخيم السعودي. فظن بعض الخصوم أن قوات الملك قد بدأت تنهزم، وتركوا مواقعهم الحصينة خلف المتاريس في أعلى الوادي، ونزلوا مسرعين ليتعقبوا من ظنوهم منهزمين. وكان مع الملك مفرزة مزودة بعدد من الراشاشات، فأمر قائدها ـ بعد أن أصبح الخصوم هدفاً سهلاً لها ـ بإطلاق النيران، فقُتل أعداد منهم نتيجة لذلك، وارتبك الباقون. ثم انقضت عليهم الخيالة باندفاع كبير، وطوقتهم من أكثر الجهات. ولم تمر نصف ساعة على بدء القتال إلاّ وقد بدأوا في الانهزام. وتعقبتهم الخيالة قليلاً، ثم كفوا عنهم بأمر من الملك، الذي لم يرد قتل مزيد منهم وهم مدربون. وقد أصيب الدّويش برصاصة في خاصرته، فحمله أحد اتباعه على فرسه إلى الأرطاوية. وتمكن فرسان من عتيبة من تغطية انسحاب زعيمهم، ابن بجاد، فاتجه مع بعض أتباعه جنوباً. وتفرقت فلول المنشقين من الإخوان؛ بعضهم اتجه إلى الأرطاوية التي لم تكن بعيدة عن ميدان المعركة، وبعضهم إلى أماكن أخرى.

خسائر الطرفين

ـ بلغت خسائر الدّويش سبعين قتيلاً، وأكثر من مائة وعشرين جريحاً ـ من بينهم الدّويش نفسه الذي جُرح جرحاً خطيراً ـ كما فقدوا كل السلاح والذخائر والخيم.

ـ قدر عدد القتلى من قوات الملك عبدالعزيز حوالي مئتي قتيل.

ما بعد المعركة

واصل الملك عبدالعزيز زحفه إلى الأرطاوية مطارداً المتمردين، وعندما أشرف عليها، أرسل إنذاراً قاطعاً بأن يسلم الدّويش نفسه فوراً، وتستسلم الأرطاوية ومن بها، من دون قيد أو شرط، وذلك لحقن الدماء.

وقد أدرك الدّويش جدية التهديد، والصدق في تنفيذه، وأنه ومن معه لن يستطيعوا صدّ قوات الملك عبدالعزيز. فسلّم الدّويش نفسه، وكان محمولاً على أكتاف أعوانه لأن إصابته كانت بليغة.

وعندما شاهد الملك عبدالعزيز إصابة الدّويش، أمر له بالإسعاف الفوري، وكلف طبيبه، الدكتور مدحت شيخ الأرض، بعلاجه والاهتمام به، حتى يبرأ.

أمّا سلطان بجاد، فقد أمره الملك عبدالعزيز بأن يسلم نفسه، في الرياض، ففعل.

وهكذا انتهت معركة السّبَلَة باندحار الإخوان، ولكن الفتنة عادت للظهور مرة أخرى.







معركة أم رضَمَة

الموقع

تقع أم رضَمَة في تقاطع خطي، الطول 43َ/44ْ شرقاً والعرض 40َ/28ْ شمالاً، في منطقة الهذاليل، وجنوب مدينة الشعبة بخمسة وعشرين كم، (وتبعد الشعبة عن القيصومة بمائة وخمسين كم إلى الشمال الغربي)، ويقع إلى غربها شعيب المسعري. وهي مورد ماء تابع لمنطقة عرعر شمال المملكة، في منطقة خالية بها بعض التلال والشّعاب.

وأقرب المدن لأم رضَمَة الشّعبة، وتبعد عنها حوالي (73) كم، جنوباً، وبلدة لينة الواقعة إلى الغرب منها، وتبعد عنها حوالي (121) كم.

أما شعيب المسعري فيقع في منتصف الطريق بين أم رضَمَة ولينة. وهو الموقع الذي قُتل فيه (عزيز) عبدالعزيز بن فيصل الدّويش.

أسباب المعركة

بعد أن قضى الملك عبدالعزيز على فتنة الدّويش، في السّبَلَة، عام 1347هـ، توجه إلى الحجاز ليكمل ما بدأه من أعمال، لاسيما في المشاعر المقدسة، لتيسير السبل لحجاج بيت الله الحرام.

وما أن وصل الملك عبدالعزيز الحجاز، حتى نقض فيصل الدّويش العهد، وجدّد الفتنة. فخرج من الأرطاوية، بعد أن برأت جراحه من معركة السّبَلَة. واستقر بين الكويت والحدود العراقية ـ السعودية.

وكان الدّويش قد كتب إلى العجمان يدعوهم إليه، فاستجابوا له بقيادة زعيمهم، ضيدان بن حثلين، الذي خرج على الملك عبدالعزيز، بعد معركة انتصر فيها على عبدالله بن جلوي، أمير الأحساء.

اجتمع العجمان، ومن معهم من مطير، حول الدّويش. وعاثوا في الأرض فساداً، فقتلوا الأبرياء، وسلبوا المارة، وقطعوا الطُرق.

ولم تقتصر الفتنة على الدّويش وابن حثلين، بل شارك فيها جزء من قبيلة عتيبة، برئاسة "مقعد الدهينة"، الذي تحرك بمن معه حتى نزل في بلاد العوازم في منطقة الأحساء. ولما رأى الدهينة أنه لا طاقة له بقوات الملك عبدالعزيز، ذهب إلى العراق وأقام هناك.

الموقف العام

رجع الملك عبدالعزيز من الحجاز إلى الرياض، وسلك كافة السبل لإنهاء التمرد، من دون الدخول في حرب وقتال.

ولكنه أدرك أخيراً ضرورة أخذ المتمردين بالقوة، هذه المرة، لأن نقض العهد، ونقض البيعة، توجب القتال شرعاً.

فبعث الملك عبدالعزيز بالرجال والسلاح والمال إلى أمرائه، في الأحساء والقصيم، والقطيف، وحائل. وأمرهم بملاحقة الفتنة والقضاء عليها، في كل مكان.

وأمر ابن أخيه، الأمير خالد بن محمد بن عبدالرحمن الفيصل، ومعه كتيبة من المقاتلين، بالمسير إلى مقعد الدهينة وأتباعه. كما أمر الشيخ عمر بن ربيعان، شيخ الروقة من عتيبة، بمساعدة الأمير خالد، على إنجاز تلك المهمة.

وخرج الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي، أمير حائل، من حائل في قوة عظيمة. وعندما وصل موضع (أم رضَمَة)، وجد عبدالعزيز بن فيصل الدّويش ومعه سبعمائة وعشرون من بني عبدالله من مطير، وجماعة فرحان بن مشهور من الرّولة. فاشتبك الطرفان في معركة كبيرة، كان النصر فيها حليف ابن مساعد. وكان ذلك في 5 ربيع الثاني 1348هـ/ 11 سبتمبر 1929م.

خسائر الطرفين

ـ بلغت خسائر قوات الملك عبدالعزيز ثلاثة عشر قتيلاً، وسبعين جريحاً.

ـ وبلغت خسائر الدّويش سبعمائة وعشرين قتيلاً، كان منهم قائدهم عبدالعزيز الدّويش "عزيز، ولم يَنْجُ أحد.

ـ وغنمت قوات الملك عبدالعزيز، كل الأسلحة والذخائر والمؤن والإبل وغيرها، مما كان مع قوات عزيّز، وهي أصلاً أموال منهوبة من قرى (لِيْنَة).