بشار جرار (CNN) مؤلم ما جرى في الأردن قبل عام، وأكثر إيلاما إصرار أصحاب "الفتنة" على إيقاظها وإذكاء نارها في قلب الحقائق وتقلب روايات مزاعمها حتى استدعى الأمر ما يعرف بالأردن بـ "غضبة هاشمية"، وحده المليك مالك ناصيتها عندما تستنفذ الخيارات كلها للتعامل مع أي شيء يمس العرش، وما سمي بذلك إلا تعظيما لأمانة الحكم في جميع ملكيات العالم، فما بالك بتلك التي تجمع المكانة الدينية بالاجتماعية بالسياسية.



أخطر ما ورد في رسالة الملك عبد الله الثاني إلى "أسرته" الأردنية هو افتعال الأمير حمزة حادث "احتكاك" مع الحرس الملكي صبيحة عيد الفطر. لا أريد تخيل نتائج فعلة من هذا القبيل فهي تدمي قلب الحسين الراحل العظيم وكل من أحبه وأحب الأردن والهواشم. في عالم الحرس -ملكيا كان أم جمهوريا أم حتى شخصيا لرجال أعمال أو نجوم مجتمع- لا تسامح مع الخطأ لأن أي خطأ قاتل بالضرورة. وبالتالي لا مجال لخروج أي شيء عن المألوف أو الترتيبات المعلنة مسبقا للحرس وإلا تم التعامل معه على أنه مصدر تهديد ينبغي التصدي له ولو على نحو فدائي بمعنى أخذ الطلقة في الصدر إن تطلب الأمر حماية للعرش.

الغضبة العبدلية لم توجه رغم كل شيء سوى لشخصين: من وصفته الرسالة الملكية بـ"خائن الأمانة" (رئيس الديوان الملكي الهاشمي السابق باسم عوض الله) ومن جردته من لقب "شريف" وهو حسن بن زيد، وكلاهما يقضيان منذ عام عقوبتهما في السجن واسمها في الأردن مراكز الإصلاح والتأهيل، علّ سنوات السجن تثمر توبة نصوحة، وتوجه رسالة رادعة لمن أرادوا النفخ في أتون ما أراها أخطر أزمة أو بالأحرى محنة وفتنة عرفها الأردن ونحن نعيش ذكرى استقلاله السادس والسبعين وفجر مئوية ثانية على ميلاده.

وعد الملك العلني بعدم العودة مهما جرى من محاولات إعلامية أو تسريبات مختلقة أو مفتعلة لاستجرار سرديات مزعومة وروايات غريبة "بيزار" من وحي الخيال "فيكشين"، وعد – ووعد الملوك قطعي – بعدم الرد.

هنا تأتي الأهمية الثانية للرسالة الملكية في تضمينها رسالة مباشرة لمن هم من الأردن وخارجه أو في الأردن وخارجه أيضا – وتلك قصة تتعلق بالانتماء لا الولاء وحده. الرسالة أن عدم الرد على "محراك الشر" أيا كان يأتي لقطع الطريق على أي محاولة تشويش على الجهد الوطني الأردني أو على صورة الأردن كناج من مؤامرات لم تبدأ بأيلول العقد السابع من القرن الماضي ولن تنتهي على الأرجح بفتنة العام الماضي. فللأردن "محب غال ومبغض قال" تماما كما قال يوما الإمام علي بن أبي طالب عن نفسه وهو جد عبدالله الثاني وحمزة وسائر الأمراء والأشراف في الدوحة الهاشمية.

ما جمع الرسالتين الملكيتين من حيث التوقيت في التعامل مع الفتنة، قمتان في غضون 10 أشهر في واشنطن. اللقاء ليس لقاء قمة فقط في البيت الأبيض، بل سائر أركان الإدارة الأمريكية في مجلسي الكونغرس الشيوخ والنواب ومن الحزبين الجمهوري والديمقراطي إضافة إلى أهم ركائز الدولة العميقة في أمريكا، البنتاغون وذراعها الخاص بمنطقة الأردن والشرق الأوسط وهي القيادة الوسطى ومقرها في تامبا فلوريدا.

هو قطع للطريق على كل من يظن أن تغريدة باللغة الإنجليزية أو فبركة لخبر كاذب قد يمس استقرار حليف وشريك وصديق كالأردن بالنسبة لأمريكا. بلغ الأمر، ولم تكد تمر بضع ساعات على الرسالة الأمريكية أن يقوم "هاكر" من الهواة بإنتاج ما بدا وكأنه خبر عاجل لقناة عربية واسعة الانتشار في الشرق الأوسط والأردن والمهجر تدّعي "وفاة" الأمير حمزة ناسبة "الخبر" بشكل مباشر إلى "الديوان الملكي الأردني". ما هي إلا ساعات وشُطب الخبر الكاذب جراء ربما تحرك القناة المستهدفة المعروفة بطيب علاقاتها مع الأردن.

في المقابل، ثمة بعض الأصوات المصرة على ركوب موجة الفتنة ناهيك عن العاملين عليها منذ سنوات، تحديدا منذ إعادة الملك ولاية العهد إلى صاحبها دستوريا وهو نجله الأكبر الأمير الحسين.

تصدت الرسالة الملكية مرتين للفتنة، وما زال في نظري كثير من الأطراف مقصرة بحسن أو سوء نية في التجاوب مع الحدث. فثمة عواصم فاعلة بعيدة وقريبة من الأردن، ما زالت تغض النظر عن حملات إعلامية لا يراد بها خيرا للأردن لأسباب تتعلق بدوره فيما ينتظر المنطقة من مشاريع "اندماج اقتصادية" و"تسويات سياسية كبرى".

زيارتان في غاية الأهمية أمام الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي قال للملك عبدالله الثاني بأن "لديك صديق في واشنطن". زيارة السعودية الشهر المقبل ومن بعدها في تاريخ لم يعلن بعد، زيارة إسرائيل والأراضي الفلسطينية والتي ستشمل القدس الشرقية.

ما من منصف صادق في قراءة المشهد الإقليمي لا يرى في تلك الفتنة تشابكا إقليميا مركزه الجالس على العرش وتحديدا لاءاته الثلاثة: لا للتوطين، لا للوطن البديل، لا للتفريط بالقدس الشرقية والمقدسات والوصاية الهاشمية.

وهذا ما تم فعليا في القمتين الأولى والثانية. عمليا خرج الاجتماع الرباعي في البيت الأبيض الذي حضره بريت ماكغيرك المنسق الرئاسي الأمريكي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحضور قائدي البلدين وولي العهد الأمير الحسين بما يؤكد رؤية الدولتين والوصاية الهاشمية، بمعنى دعم اللاءات العبدلية..

يوما ما قال رئيس وزراء الأردن عبدالسلام المجالي ومن واشنطن: كفنا الوطن البديل. ها هي الفتنة أيضا يتم تكفينها ومن واشنطن أيضا..

البقاء لله.. وكل عام والأردن والأردنيين بخير في عيد الاستقلال السادس والسبعين.

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج اللباقة العامة (دبلوماسية)- الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
بشار جرار
باحث متخصص في قضايا محاربة الإرهاب وتعزيز حوار الأديان