(الحلقة الرابعه)


الأنبياء


المسلم عليه أن يؤمن بكل أنبياء الله السابقين أبضا بجانب إيمانه بنبوة محمد ، والإيمان بكل أنبياء الله ركن من أركان الإيمان ، ويكفر من رفض نبوة أي نبي سابق ، ويقول القرآن { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } (1) .

وتختلف الثقافة الإسلامية عن سابقاتها في أنها لا تمنح الكهنة والعرافين والسحرة والمجاذيب ومدعي النبوة نفس الإصطلاح ( نبي ) ، وقد حررته ليكون حصريا للذين يتلقون وحيا من الله ، ولا مجال للإجتهاد الشخصي ولإجراء بعض الطقوس المساعدة ولا غيره ، ومما هو معروف أنه كانت هناك أرتال من مدعي النبوة في عهود معينة في حياة بني إسرائيل يرتزقون من التنبؤ ويعيشون بالقرب من الحكام ، وقد قال اشعياء ( الشيخ و المعتبر هو الرأس والنبي الذي يعلم بالكذب هو الذنب ) (2) .

والمتتبع للأثر الروحي والأخلاقي للأنبياء سيجد لديه في آيات القرآن اضاءات علي شخصيات الأنبياء أصحاب ( العصمة ) الجديرين بالإقتداء
ففيه تتلمس المعاناة مثلا التي عاناها نوح ( ) لسنوات طوال وهو يدعو قومه ويلح عليهم ألا يعبدوا إلا الله ويتركوا عبادة الأصنام ، ومع ذلك يتعرض للتهديد والسخرية ويتحمل الأذى في صبر عجيب ، ولم يكن نوح عنصريا في دعوته بل كان معظم المستجيبين له من البسطاء الفقراء وهذا ما عيره به السادة ، بل قالوا له اطردهم حتى نتبعك ،

ومع ذلك رد بلطف عليهم أنه لا يحق له أن يفعل ذلك وليس له ان يطرد المؤمنين ، وشتموه و اتهموه بالضلال ، ونفي عن نفسه التهمة بأدب وأخبرهم بأنه مرسل من الله ، وفي فترة بنائه للسفينة تعرض للهزء والسخرية ، ومع وقوع الطوفان رفض أحد أبنائه الركوب وأخذ يصعد إلى جبل ، لكنه غرق ، وقد كان يعلن لأبيه الإيمان بينما هو كافر ، فدعا الله أن ينجي ابنه ، فأطلعه الله علي حقيقة ابنه ، فاستغفر نوح ، ونجا معه المؤمنين الفقراء وغرق السادة ومعهم أحد أبنائه ،

إذن لم يكن نوح ( ) عنصريا أبدا .
ومما يذكر أن السيناتور الأمريكي روبرت برد من ولاية فرجينيا في عام 1964 استخدم قصة نوح المذكورة في سفر التكوين كمبرر للإحتفاظ بسياسة التمييز العنصري في الولايات المتحدة ( لعنة حام ) ، وقد رفض السيناتور في عام 1991 ترشيح قاضيتين من أصل إفريقي للمحكمة العليا ، وفي عام 2004 رفض ترشيح كوندوليزا رايس لمنصب وزيرة الخارجية .

ولا يجوز في الإسلام تفضيل نبي علي آخر { لا نُفرِّق بين أحد من رسله } (3) ، وكلهم جديرون بالإقتداء
{ وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين }(4) . حتى أن الله أمر النبي محمد في القرآن بالإقتداء بأولي العزم من الرسل السابقين ( نوح ، إبراهيم ، موسي ، عيسي )
وقصص الأنبياء في القرآن لها قيمة وعظية ولها قيمة اقتدائية ، وليست مجرد وصف لما حدث في حياة رجال الله وعلاقاتهم بالبشر والشعوب والملوك . فنجد في القرآن هذه البروفايلات للأنبياء

ابراهيم ( )
أمام للناس ، المختصة ذريته بالنبوة ، مصطفي في الدنيا ، من صالحي الآخرة ، وهو وحده امة ، قانت لله ، حنيف ، شاكر لأنعم الله ، وهو الذي وفًى ، حليم ، أواه ، منيب ، مطيع لله
وقد قال رجل لمحمد( ) : يا خير البرية
فقال : ذاك ابراهيم

يوسف ( )
هو من أوتي حكما وعلما ، الصديق ، من المحسنين ، الذي مكًن له الله في الأرض ، الذي علمه الله تأويل الرؤى
العفيف ، المخلص حافظ الجميل ، من العباد المخلصين ، متقي ، صابر ، متسامح ينسي الإساءة
وقد قال عنه النبي محمد( ) ( الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم )

موسى ( )
هو مخلص ، نما برعاية الله ، أوتي حكما وعلما ، محسن مستغفر ، ووجيه عند الله ، واصطفاه الله لنفسه ، وهو كليم الله ، الذي كان يأمر قومه بالإستعانة بالله وبالصبر ، الواثق من نصر الله ، مستجاب الدعوة ، مصطفي علي الناس ، يغضب في الله
وقد وصفه النبي محمد( ) بانه كان حييا ، وبانه كان له اصطبار علي أذي الناس

داود ( )
هو من اتاه الله الملك والحكمة والعلم ، صاحب الصوت العذب الذي اثر في الكائنات ، وهو أواب ، وأوتي فصل الخطاب ، وعلي هدى من الله ، وقد أٌمر محمد بان يقتدي بهداه في آية من آيات القرآن باعتباره من الأنبياء السابقين ، وله قربي يوم القيامة
وقد وصف النبي محمد صيامه بأنه أفضل صيام ، وأنه كان له ركعة من الليل يبكي فيها نفسه ويبكي ببكائه كل شئ ، وبصرف بصوته الهموم

سليمان ( )
شاكر لله ، أواب ، له قربي يوم القيامة ، وأوتي الحكمة والعلم ، وأُمر محمد بأن يقتدي بهداه


يحي ( )
تقي ، من الصالحين ، سيد ، عٌلٍم الحكمة في صباه ، بارا بوالديه ، وعليه سلام من الله يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا
وقد خرج محمد ( ) علي أصحابه وهم يتذاكرون فضل الأنبياء فتكلموا عن موسى وعيسى وإبراهيم فقال لهم : أين الشهيد ؟ أين الشهيد ؟ يلبس الوبر ويأكل الشجر مخافة الذنب

عيسى ( )
وجيه في الدنيا والآخرة ، ومن المقربين ، ومن الصالحين ، أوتي العلم والحكمة ، زكي ، آية للناس ، رحمة من الله ، من أوتي البينات ، مبارك أين ما كان ، بار بوالدته ، مؤيد بالروح القدس ( جبريل ) ، وانه عليه سلام من الله يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا
وقال عنه النبي محمد ( ) ( ما من مولود إلا والشيطان يطعن في خاصرته حين يولد ، ويستهل صارخا إلا مريم وابنها ) ، وقال عنه أيضا (والـذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم عيسى بن مريم حكمـاً مقسـطاً )
________________________________________
(1) البقرة 136 (2) اشعياء 9 : 15
(3) البقرة 285 (4) الأنبياء 73