عامر راشد (سبتنك) : لأول مرة تجد إسرائيل نفسها أمام حسابات معقدة إزاء الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، في ظل ما تصفه جهات إسرائيلية بفوضى عارمة في الحملات الانتخابية لكلينتون وترامب، ودوامة للناخبين اليهود الأميركيين.



تعودت إسرائيل على أن تكون من الرابحين الكبار في بورصة الانتخابات الرئاسية الأميركية، بتهافت المرشحين على كسب ودّها وإغداقها بالتعهدات والوعود، ولطالما أعتبر الصوت اليهودي في الانتخابات بمثابة حصان أسود، من خلال ثقل وزن اللوبي اليهودي المؤيد لإسرائيل، وقد لا تختلف الصورة الانتخابات الرئاسية المقبلة من حيث تهافت مرشحي الحزب "الديمقراطي" والحزب "الجمهوري" على إرضاء إسرائيل والصوت اليهودي، إلا أنها تفرض على اللوبي اليهودي حسابات دقيقة ومعقدة، الخطأ فيها يمكن أن يؤثر على مستقبل العلاقات الأميركية- الإسرائيلية، وقدرة اللوبي اليهودي الأميركي على توجيه دفه السياسة الخارجية الأميركية بخصوص منطقة الشرق الأوسط، المنحازة تاريخياً لصالح إسرائيل وسياساتها.

وعلى امتداد العقود الماضية لم يجد اللوبي اليهودي الأميركي نفسه مضطراً للاصطفاف بشكل قاطع إلى جانب مرشح أحد الحزبين الأميركيين الرئيسيين دون الآخر، ولذلك قلما تحول في السابق قياديين في اللوبي اليهودي إلى أعضاء نشيطين في الحملات الانتخابية لأحد المرشحين، بل كانوا يحرصون على إظهار حيادية الصوت اليهودي حيال القضايا الخلافية في الحملات الانتخابية، والتي لم تكن تتعلق عادة بمسألة دعم إسرائيل عسكرياً ومادياً وسياسياً، وفقط في حالات نادرة خاض اللوبي اليهودي حملات إعلامية ومارس ضغوط عندما تعلق الخلاف في مواضيع تخص إسرائيل، إلا أن ذلك لم يعد ممكناً ضبطه على ضوء الفوضى العارمة في الحملات الانتخابية الشرسة لكل من مرشحة الحزب "الديمقراطي"، هيلاري كلينتون، ومرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترامب.

الثمن الذي قد تدفعه إسرائيل في حال أخطأت في حساباتها، بالنسبة للانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، هو اضمحلال النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة، فالانحياز لأحد الحزبين يضعها في مواجهة مع الحزب الآخر، ويضرب بعض المحللين السياسيين مثالاً يصلح لاستقراء ما يمكن أن يحصل جراء ذلك، حيث خسر اللوبي اليهودي الأميركي معركته ضد سياسة إدارة أوباما تجاه معالجة البرنامج النووي الإيراني، وبدا حينها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأنه يتدخل بفظاظة في شأن داخلي أميركي، ويخوض حرب كسر عظم مع الرئيس أوباما، ويحرض "الكونغرس" عليه، بالنتيجة تم تمرير الاتفاق النووي مع إيران، واضطر نتنياهو لالتزام الصمت.


المحلل السياسي الإسرائيلي إيزي ليبلر عرض في مقالة له، نشرها في صحيفة "إسرائيل اليوم" بتاريخ 8/8/2016، العديد من النقاط تجعل من الصعب على اللوبي اليهودي الأميركي، ومن خلفه إسرائيل، أن يبقي على علاقة متوازنة نوعاً ما بين المرشحين، وعلى حد قول ليبلر: "ما زاد الوضع حدة تحول أعضاء بارزين في القيادة اليهودية الأميركية إلى مشاركين رسميين في حملة كلينتون الانتخابية، ووضع كهذا يمكن أن يلحق ضرراً كبيراً بالنفوذ اليهودي في المستقبل، عندما يشعر الديمقراطيون أنهم يضمنون دعم اليهود لهم، ويتجاهلون مخاوف هؤلاء تجاه إسرائيل، وإذا انتخبت كلينتون فسيكون لها جمهور متزايد ومعاد لإسرائيل..".


ويوضح ليبلر ما سيق باتهام جمهور "الحزب الديمقراطي" بأن "العناصر المعادية لإسرائيل آخذة للازدياد في صفوفهم.."، ويلفت إلى نقطة أخرى غاية في الأهمية من وجهة نظره، وهي أن تيموتي كلاين، الذي رشحته كلينتون كي يكون نائباً لها، "يحظى بإعجاب منظمة جي- ستريت، اللوبي اليهودي المنافس لإيباك، والمؤيد لتسوية للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني وحل الدولتين".

ويأخذ ليبلر على قادة اللوبي المنخرطين في الحملة الانتخابية للمرشحة كلينتون اتهامهم لترامب بالعداء للسامية، لكنه يقر بأن الكثيرين من اليهود الأميركيين "غير واثقين من موقف ترامب حيال إسرائيل"، رغم ذلك ينصح ليبلر بأن يسعى اللوبي اليهودي الأميركي للنأي بنفسه قدر الإمكان عن المعارك الإعلامية الشرسة بين كلينتون و ترامب، محذراً من أن الزعماء اليهود في الولايات المتحدة "يقفون على حافة الهاوية، فهم لو فشلوا اليوم فإن ذلك يمكن أن يتحول إلى منعطف أساسي على طريق اضمحلال النفوذ اليهودي في أميركا.."

نصيحة بعد فوات الأوان على ما يبدو، ولن تنفع في محاولة انتشال اللوبي اليهودي الأميركي من مأزق الحسابات المعقدة، فتورط (إيباك) وبنيامين نتنياهو في معارك سافرة مع الرئيس أوباما وإدارته أسس لخطيئة التمادي في اللعب على التناقضات بين الحزبين "الديمقراطي" و"الجمهوري"، واستعداء طرف والمراهنة على الطرف الأخر، دون إعطاء أي اهتمام لخصوصية المعادلة الداخلية الأميركية، التي لا يمكن إخضاعها كلياً لما يريده اللوبي اليهودي دعماً لإسرائيل.

إسرائيل اليوم،، آراء - بقلم: عامر راشد ،، SPUTNIK ARABIC