الــــّرد

الرد لغــة : العود و الرجوع و الصرف ، و منه قوله تعالى : (( و ردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا )) الأحزاب 25 ، أي أعادهم مقهورين ذليلين .

الرد شرعا : هو نقصان في عدد السهام عن أصل المسألة مما جعلها قاصرة على استنفاذ التركة ،و بالتالي زيادة في الأنصبة ، فنلجأ إلى إعادة تقسيم الباقي من التركة على أصحاب الفروض بنسبة أسهمهم عند عدم وجود العاصب ، و بالتالي نستنتج أن الرد يكون في المسائل التي ينعدم فيها الميراث بالتعصيب ، أو هو صرف الزائد على الفروض النسبية بقدر فروضهم حيث لا عاصب .

حكم الرد :

و لقد اختلف في الرد إلى فريقين :

الفريق الأول : القائلون بالرد :
و انقسم القائلون به إلى ثلاثة آراء :

الرأي الأول : رأي عثمان بن عفـان ـ رضي الله عنه ـ : يكون الرد لأصحاب الفروض جميعهم دون استثناء .

الرأي الثاني : رأي علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ : يكون الرد لأصحاب الفروض النسبية جميعا .

الرأي الثالث : رأي عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : لا يكون الرد لأحد الزوجين ، أو الأخت لأب حينما تكون وارثة للسدس ، أو بنت الابن حينما تكون وارثة للسدس ، أو الإخوة لأم ، أو الجدة ، فهؤلاء جميعا لا يرد عليهم لأنهم ليسوا من أصحاب الفروض الأقوياء .

أدلة القائلين بالرد :

و استدل القائلون بالرد على ذلك بأدلة منها : قوله تعالى : (( و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله )) و رحم الميت كما نعلم هم أقاربه و لا يوجد من هو أقرب إلى الميت ممن يرثه شرعا كأصحاب الفروض النسبية لذا كانوا هم أولى من غيرهم عند بقاء شيء من التركة .

و بالحديث المروي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أن امرأة قالت : (( يا رسول الله إني تصدقت على أمي بجارية فماتت أمي و بقيت الجارية ، فقال لها : وجب أجرك و عادت الجارية إليك )) فرجوع الجارية كلها إليها دليل على جواز الرد ، و إن لم نقل بذلك فلا حق لها إلا في النصف .

الفريق الثاني : المانعون للرد :

و هم زيد بن ثابت و من وافقه و سار على نهجه من مالكية و شافعية ، و يؤسسون رأيهم على أساس أن الله تعالى قد أعطى لكل ذي حق حقه ببيان أنصبة الورثة ، و عليه فلا تجوز الزيادة فيها و تجاوزها ، و الله تعالى قال في ختام آية المواريث : (( و من يعص الله و رسوله و يتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها )) ، و حتى لا يكون الأمر كذلك وجب أن يوضع الزائد في بيت مال المسلمين ، و ينفق في مصالحهم ، ..... .

و لكن المتأخرين من علماء المالكية و الشافعية أفتوا بالرد على أصحاب الفروض ما عدا الزوجين ، قال الغزالي في " المستصفى " : " و الفتوى اليوم على الرد على غير الزوجين عند عدم المستحق لعدم بيت المال ، إذ الظلمة لا يصرفونه إلى مصرفه " .

شروط كون المسألة فيها رد :

لا يكون الرد في كمسألة إلا إذا تحققت الشروط التالية :
1- أن يكون في المسألة فائض من التركة .
2- أن لا يوجد في المسألة وارث بالتعصيب .
3- وجود صاحب فرض يرد عليه .
فإذا توفرت هذه الشروط ففي المسألة رد .

مسائل الرد و كيفية حلها :

نميز الحالات الآتية :

الحالة الأولى : الورثة من أصحاب الفروض النسبية فقط دون وجود أحد الزوجين :
و صورهم هي :

أ ـ أن يكون صاحب الفرض منفردا شخصا واحدا: يأخذ كل التركة فرضا و ردا ، كمن توفي و ترك بنت واحدة ، فلها النصف فرضا ، و النصف الآخر ردا .

ب ـ أو عدة أشخاص لكن من صنف واحد : أخذوا التركة فيما بينهم فرضا و ردا ، كمن توفي عن جدتين ، فإنهما تأخذان السدس فرضا ، و الباقي بينهما ردا ، و كمن توفي عن ثلاث بنات ، فلهن 3/2 فرضا ، و الباقي بينهن ردا ، فيكون أصل مسألة الرد هو عدد الرؤوس .

ج ـ أن يكون الورثة متعددين و من أصناف مختلفة : يكون أصل المسألة الذي تقسم عليه التركة هو عدد الأسهم بعد جمعها و ليس أصل المسألة الأول .

مثال1 : هلك و ترك : أختين شقيقتين ، و أخا لأم .
الأختين ش : 3/2 ــــــ 4 أصل المسألة : 6
الأخ لأم : 1/6 ــــــــــــ 1
نلاحظ أن عدد الأسهم المستحقة ( 5 ) و أصل المسألة ( 6 ) و بالتالي في المسألة فائض ، إضافة إلى عدم وجود وارث بالتعصيب ، فيكون أصل المسألة بعد الرد هو عدد الأسهم ( 05 )، للأختين الشقيقتين 04 من 05 ، و للأخ لأم 01 من 05 ، و بالتالي أخذا التركة فرضا و ردا .

مثال 2 : هلك و ترك : أما ، أختا لأم ، أختا لأب .
الأم : 6/1 ــــــــــــــ 1 أصل المسألة : 6 الأخت م : 6/1 ـــــــ 1
الأخت ب : 2/1 ـــــ 3
نلاحظ أن في المسألة فائض ، إضافة إلى عدم وجود وارث بالتعصيب ، ففي المسألة رد ، فيكون أصل المسألة بعد الرد هو عدد الأسهم : 5 ، فللأم 1 من 5 ، و للأخت لأم 1 من 5 و للأخت لأب 3 من 5 .

الحالة الثانية : إذا كان في المسألة أحد الزوجين : و نميز صورتين :

أ ـ الورثة أصحاب فرض واحد مع وجود أحد الزوجين : بعد أن نتأكد من أن المسألة ردية ، يجب اتباع الخطوات التالية :

* أصل المسألة = مقام أحد الزوجين .
* يأخذ أحد الزوجين نصيبه فقط ( أصل المسألة تقسم على مقام فرضه ) .
* يرد الباقي على الورثة الآخرين بالسوية .

مثال 1 : هلكت و تركت زوجا و بنتين :
الزوج : 4/1 ــــــــ 1 أصل المسألة : 4
البنتان : 3/2 ـــــــ 3
نلاحظ أنه بعد أخذ الزوج لنصيبه ، فإن الأسهم الباقية تكون بالسوية بين البنتين فرضا و ردا ، و نلاحظ أن عدد الأسهم (3) لا يقبل القسمة على رأسيهما (2) ، فنصحح المسألة : 4 * 2 = 8 و به تصح .
الزوج : 4/1 ــــــــ 2
البنتان : 2/3 ـــــــ 6 و هو نصيبهما بالفرض و الرد .

مثال 2 : هلك و ترك : زوجة و 7 بنات .
الزوجة : 8/1 ــــــ 1 أصل المسألة : 8
7 بنات : 3/2 ـــــــ 7
نلاحظ أنه بعد أخذ الزوجة لنصيبها فإن الأسهم المتبقية تمثل نصيب البنات بالفرض و الرد .


ب ـ الورثة أصحاب فروض متعددة مع وجود أحد الزوجين :
بعد التأكد من أن المسألة ردية يجب إتباع الخطوات التالية :

المرحلة الأولى : المسألة الزوجية : ( نعتبر وجود أحد الزوجين )
•أصل المسألة = مقام فرض أحد الزوجين .
•الباقي للورثة الذين رد عليهم دون تفصيل .

المرحلة الثانية : المسألة الردية : ( نلغي اعتبار أحد الزوجين أي نفترض عدم وجودهما )
•نقسم الميراث على بقية الورثة و كأنها مسألة ردية دون وجود أحد الزوجين .

المرحلة الثالثة : المسألة الجامعة : نقوم بإجراء مقارنة بين نصيب الورثة الذين يرد عليهم في المسألة الزوجية ، و أصل المسألة الردية إما بالتماثل أو التباين كي نصل إلى المسألة الجامعة .

مثال 1 : هلك و ترك : زوجة ، و جدتين ، و أختين لأم .
في البداية نقوم بحل المسألة بطريقة عادية لنتأكد من أن المسألة ردية :
الزوجة : 4/1 ـــــــ 3 أصل المسألة : 12
الجدتان : 6/1 ــــــ 2
الأختان م: 3/1 ــــــ 4
بعد أن تأكدنا أن المسألة قاصرة ، و في المسألة أحد زوجين إضافة إلى عدم وجود وارث بالتعصيب و وجود أصحاب فروض ، فالمسألة ردية و يجب اتباع الخطوات التالية :

المسألة الزوجية :
الزوجـة : 4/1 ــــــ 1 أصل المسألة : 4
الجدتـان + الأختان : ـــ 3

نلاحظ أنه بعد أخذ الزوجة لنصيبها ، أخذت الجدتان و الأختان لأم نصيبهما فرضا و ردا و هو : (3) .

المسألة الردية : نعتبر و كأن الزوجة غير موجودة :
الجدتـان : 6/1 ـــــــ 1 أصل المسألة : 06
الأختان م : 3/1 ــــــ 2
نلاحظ أن أصل المسألة الردية هو : (3)

المسألة الجامعة :
بعد إجراء مقارنة بسيطة بين المسألة الزوجية و المسألة الردية نلاحظ : أن نصيب الجدتين و الأختين لأم في المسألة الزوجية هو (3) ، و أصل المسألة الردية هو (3) ، فهناك تماثل ، فيكون أصل المسألة الجامعة هو أصل المسألة الزوجية ، فبعد أخذ الزوجة لنصيبها ، يعطى الباقي للورثة الآخرين حسب نصيبهم في المسألة الردية .

زوجة : 4/1 ــــــــ 1 أصل المسألة : 4
2 جدة : 6/1 ـــــ 1
أختان لأم: 3/1 ــ 2
و نلاحظ في النهاية أن كلا قد أخذ نصيبه فرضا و ردا ، و نلاحظ أن سهم الجدتين (1) لا يقبل القسمة على رأسيها (2) فنصحح المسألة بضرب عدد الرؤوس (2) في أصل المسألة الأول (4) و منه تصح : 4 * 2 = 8 ، للزوجة 2 من 8 ، و للجدتين 2 من 8 ، و للأختين لأم 4 من 8 .

مثال 2 : هلك و ترك : زوجة و بنتا و أما
التأكد من أن المسألة قاصرة :
الزوجة : 8/1 ــــــ 3 أصل المسألة : 24
البنت : 2/1 ـــــ 12
الأم : 6/1 ــــــــ 4
نلاحظ أن المسألة قاصرة فيها فائض ، إضافة إلى وجود أصحاب فروض و انعدام وارث بالتعصيب مع وجود أحد زوجين ، فالمسألة ردية و ينبغي اتباع الخطوات التالية :

1-المسألة الزوجية : نفترض وجود الزوجة :
الزوجة : 8/1 ــــــ 1 أصل المسألة : 8البنت + الأم ـــــــ 7

أصل المسألة هو مقام الزوجة (8) ، و بعد أخذ الزوجة لنصيبها (1) من 8 ، بقي 7 أسهم للبنت و الأم و هو نصيبهما بالفرض و الرد معا .

2-المسألة الردية : نفترض عدم وجود الزوجة :
البنت : 2/1 ـــــ 3 أصل المسألة : 6
الأم : 6/1 ـــــــ 1
نلاحظ أن أصل المسألة هو : 6 ، إلا أنه بعد التقسيم نلاحظ أن هناك فائضا في التركة ، و عليه يكون أصل المسألة الردية هو عدد الأسهم و هو : 04 .

3-المسألة الجامعة : بعد إجراء مقارنة بسيطة بين المسألة الزوجية و المسألة الردية نلاحظ أن : نصيب البنت و الأم في المسألة الزوجية هو 7 أسهم ، و نلاحظ أن هذا النصيب (7) لا يقبل القسمة على أصل المسألة الردية (4) و بينهما تباين ، فيكون أصل المسألة الجامعة = أصل المسألة الردية * أصل المسألة الزوجية ، و يساوي : 4 * 8 = 32 و هو أصل المسألة الجامعة الذي تقسم عليه التركة .

زوجة : 8/1 ــــــــــــــــ 4
البنت : 1/2 ــــــــــــــ 3 * 7= 21 .
أم : 6/1 ـــــــــــــــــ 1* 7 = 7 .
فبعد أخذ الزوجة لنصيبها و هو (4) من 32 ، و الباقي 28 يقسم على أصل المسألة الردية و هو ( 4) فيكون 28/4 و يساوي 7 ، فيكون نصيب البنت هو 3* 7 = 21 ، و الأم 1*7 = 07